مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/31 12:28
درس من الرئيس عليجا عزت بيغوفيتش

قال نيتشه: "من يملك سببا يعيش من أجله فإنه يستطيع غالبا أن يتحمل بأية طريقة و بأي حال."
فالويل لمن لا يرى في حياته معنى، و لا يستشعر هدفا أو غرضا لها؛ و من ثم لا يجد قيمة في مواصلة هذه الحياة، و سرعان ما يحس بالضياع. "فقرة مأخوذة عن الرئيس البوسني الراحل عليجا عزت بيغوفيتش رحمه الله*

أستعين بهذه الفقرة في محاولة مني لأرسخ مفهوما هاما جدا في أذهان أبناءنا و شبابنا. ما قاله الرئيس البوسني الراحل في غاية البداهة و البساطة، إلا أننا في واقعنا المعيش كثيرا ما نستمع إلي كلام غريب يصدر عن شبابنا :" أعيش يوما بيوم، بلا هدف و لا أستلذ أبدا الحياة"، " لا أري في هذه الحياة أي معني، فأنا لم أحقق نفسي في شيء."، " الأبواب مغلقة في وجهنا و صرت أفكر جديا في الهجرة لعلي أجد معني لحياتي خارج الجزائر." ،" أحيانا أستيقظ في الصباح لأهيم طوال اليوم علي وجهي بدون هدف أو طائل فأسارع للنوم لعلي أنسي."

صراحة مثل هذه الإعترافات تفزع و تقلق، لماذا ينظر شبابنا لوجوده من هذا المنظار المخيف ؟ منظار اللامعني و اللاهدف. إستعان الرئيس البوسني بالفيلسوف نيتشة لأن هذا الأخير مثل لكثيرين من الزعماء بما فيهم هتلر: فيلسوف القوة. يتهم كثيرون نيتشة بأنه نظر للقوة الغير الأخلاقية، فهل ما قاله في الأعلي ينم عن رؤية غير أخلاقية ؟ لا أبدا و قد جسد بيغوفيتش عبر حياته ما نظر له نيتشة بإمتياز. فالرئيس البوسني السابق كبر في محيط صربي مسلم و مسيحي أرثدوكسي و في أيامه الأولي كانت العلاقة جد حسنة بين الصرب و المسلمين و ما تبعه كان بفعل فاعل، كانت هناك قوي تعمل علي زرع الفتنة بين الصرب و المسلمين من البوسنيين و الكوسوفار و نجحت في تقسيم شعب واحد كان يعيش جنبا إلي جنب لقرون. فعزت بيغوفيتش خطي أولي خطواته في ميدان الحياة الصعبة وسط إخوانه الصرب و بدأت معركته مع الصرب ليس من منطلق ديني أي أنه مسلم و هم مسيحيون أورتودوكس أبدا، بل شرع في الكفاح من أجل الحرية ضد الإستبداد السائد في عهد حكم تيتو الشيوعي. فالشاب عزت بيغوفيتش حوكم بتسعة سنوات سجن مع أشغال شاقة قضي منها خمسة سنوات و ثمانية أشهر بسبب "جنحة كلامية" التي تعني ما يلي في عرف القضاء الشيوعي اليوغوسلافي :" إن أي شخص يقوم بإهانة أو مهاجمة نظام الدولة كلاميا، أو كتابيا، أو تصويريا، سيعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات."  و كان الرئيس بيغوفيتش في أثناء نضاله و كفاحه يتذكر ما جاء علي لسان نيتشة أنه يتوجب علي المرء أن يكون له هدف في الحياة ليكافح من أجله.

فما الذي يمنع أبناءنا أن يرسموا لأنفسهم هدفا و أن يلجأوا تحسبا لأي طاريء إلي خطط بديلة إن لم ينجحوا في تنفيذ خطة ما لبلوغ هدفهم ؟ لأعطيكم مثالا واقعيا  و أستقيه من تجربتي الشخصية : وضعت من عشرين سنة أو أكثر لنفسي هدفا في طلب العلم، فكان علي أن أنال البكالوريا لأذهب فيما بعد إلي تخصص العلوم السياسية و بعد فشلي في البكالوريا  و هذا ما حصل لي ثلاث مرات، قررت أن أتفرغ لكتابة الرواية العلمية السياسية الإستشرافية باللغة الفرنسية، و تحقق لي هذا بفضل الله تعالي. إذن إن لم نبلغ هذا الهدف علينا بتحقيق هدف آخر و إن لم نتوصل إلي تلك الغاية نعين لأنفسنا خطة بديلة لتحقيق هدفنا الأسمي ألا و هو العبودية لله و الإنتصار لدينه و بناء حضارة الإسلام. هذا علي مستوانا الشخصي و أما علي مستوي الجماعات فلنا خير مثال في ثورتنا فقادة الثورة في قيادتهم للثورة الشعبية الشاملة و حرب التحرير المسلحة كانوا يرسمون الأهداف و يضعون الخطط و إن لم ينجحوا في تنفيذها، كانوا قد جهزوا خطط بديلة. هكذا يجب أن يكون عليه أحفاد المحررين، فأنا لا أفهم ضياع شبابنا و عدم وجود مغزي لحياتهم. فأنت من تصنع هدفا لنفسك و أنت وحدك من تضفي قيمة أخلاقية سامية لوجودك، بماذا ؟ بالسعي لتكوين نفسك، بحرصك علي إرضاء ربك و والديك و إلا ما الهدف من وجودك ؟ فلكل واحد منا رسالة و هدف يسعي إليهما في الدنيا ليحصد في الآخرة ثمرة كده و جده و طاعته لله. فأمثال فضيلة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله كانت لحياتهم معاني قيمة عديدة توجها الخروج إلي النور جيل تحمل عبأ مهمة تحرير الجزائر و تحقق لنا ذلك بفضل الله عز و جل و بفضل عزيمة الأخيار الأتقياء، فلماذا شابنا و شابتنا لا يلتمسون هذه العبر و هذه المعاني السامية في حياة من سبقوهم من الناس العظماء ؟ فوحده العظيم من يعيش للآخرين.

ألم تكن حياة عزت بيغوفيتش عامرة بالمعاناة و الآلام و الإبتلاءات ؟ ألم ينتصر عليها الرئيس الراحل حينما لعب دورا تاريخيا للحفاظ علي تماسك الشعب البوسني المسلم ؟ بلي و قد خلف لنا تراثا فكريا إسلاميا عمليا، يتعاطي مع الواقع بشره و خيره بقيم إسلامية رفيعة و من موقع الإقتدار، فرحم الله الرئيس عزت بيغوفيتش. فهو كرس نفسه لهدف و رسالة و ها هو بعد رحيله يبقى منارة للكثيرين منا و سيظل إن شاء الله كذلك.


*هذه المعلومات إستقيتها من بحث قدمه كمحاضرة الدكتور محمد حامد الأحمري المفكر السعودي القطري و عنوان محاضرته "الحرية عند علي عزت بيغوفيتش؟ و قد أمدني بالبحث مشكورا السيد خالد ق.

أضافة تعليق