مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/30 09:30
الإعلام المضلل

من شهور عدة، كنت أقرأ مقالة في موقع ميشال كولون عن العلاقة الحرجة بين كوريا الشمالية و الولايات المتحدة الأمريكية، علمت حينها أن إدانة إطلاق مسبار إلى الفضاء الخارجي من طرف كوريا الشمالية تبعه ضجيج كبير حول قدرات كوريا في صنع الصواريخ البالستية، في نفس الوقت ساد صمت مطبق حول نجاح تجربة الهند في إطلاق صاروخ باليستي!

هذا، و بث صور للمشتبهَيْن فيهما في إنفجارات بوسطن، جعل أصابع الاتهام تتجه إلى طالب هندي "سونيل تريباتي" مقيم في بوسطن، و قد كان مختفيا لحظة وقوع الانفجارات، و بعدها بأيام قدمت الشركة التي تبث برنامج التواصل و البحث، اعتذارها الرسمي عن هذا الاتهام الباطل، و قد عُثر على الطالب الهندي بعد ذلك بأسابيع ميتا.

كذلك الصحافة الأوروبية لم تلبث و إستهجنت موقف الرئيس بوتين، القاضي بحماية الأطفال الروس من التبني من طرف شواذ أوروبيين، كيف له أن يقرر ذلك -في نظر بعض الصحف الكبيرة-؟؟

أما عن صحافة المعارضة في مصر، حدّث و لا حرج، بت أكتفي بمطالعة مقالات الأستاذ فهمي هويدي، و الأستاذ وائل قنديل رئيس تحرير يومية الشروق المصرية، و من حين لآخر الدكتور أيمن نور، و الأستاذ عبد الحليم قنديل. لا أتفق معهم جميعا لكن كتاباتهم فيها قدر من الصواب الذي أحتاجه لأتبين ما يجري في مصر ثورة 25 يناير. في كل مرة أتجه فيها إلى وسائل الإعلام السمعية المرئية أو المقروءة، أتعامل مع الخبر المعروض بحيطة، و كثيرا ما أعتمد علي مصادر معلوماتي، و مصادر أخرى أثق فيها، لأتأكد من صحة أو مصداقية خبر ما. فقوة التضليل التي تتمتع بها وسائل الإعلام تفوق تلك التي بيد الأنظمة، فالنظام السوري بكل ما يملك من شبكة علاقات غير قادر على إقناع أحد بطروحاته الغريبة.

كيف لنا التعامل مع وسائل إعلام جلها مسيسة و تخدم أطراف مخفية و أخري مكشوفة ؟

هل علينا اعتماد خطة عمل ترتكز بالأساس على المعلومة التي تصلنا مباشرة من المعنيين ؟

نعم و لِمَ لا، أليس الإعلام في الأساس عملية إيصال خبر ما، أي تبليغه إلى المعنيين من العامة و الخاصة ؟

نحن نعاني اليوم من تغوّل دوره، فقد أصبح أمرا عاديا بث خبر كاذب بدون تمحيص أو احترام قواعد أخلاقية و مهنية صارمة!!

تندلع الحروب اليوم بتأجيج من الإعلام و وسائله المختلفة، فكيف بنا نترك مجالا خطيرا مثل هذا بدون أن نحدد له مسار،  ضوابط، و محتوى ؟

ثم علينا أن نعيد النظر في ماهية الإعلام ذاتها: ماذا نعني بالمعلومة ؟ أي معلومة صالحة للبث ؟ ما هي أدوات التأكد من صحتها ؟ ما الذي يستحق أن يعرف و ما الذي لا يستحق ؟

فكما شهد المتحدث الرسمي بإسم البيت الأبيض السابق، السيد "بيار سالينجر"، أن الرئيس "جون كنيدي" أعاب عليه و قد انتهي من تنشيط ندوة صحفية في البيت الأبيض: "كلفتك بإعطاء معلومات واضحة عن إستراتيجيتنا في اللاوس للإعلام، فإذا بي و أنا أتابعك على شاشة التلفزة، وجدتك سكت تماما عن الموضوع و أنصرفت إلي خبر ولادة أبناء الهامستير الذي يربيهما ابني جون، هل يعقل هذا ؟"

فكان رد "سالينجر": " الصحافيين هم من حرفوا مسار الندوة الصحافية بسؤالي عن جنس حيوانات الهامستر الوليدة!!".

 أصبح من الضروري و من الحيوي جدا أن نعمل على تقوية سلطة الرقابة على المادة المنشورة، و لا ينبغي أن يفهم من دعوتي هذه أنني أدعو لتكميم الأفواه.

هناك فارق كبير بين أن تقوم بنقل خبر بدون زيادة أو نقصان إلى القارئ أو المشاهد، وبين أن تبث خبر مفبرك لتوجيه اهتمام العامة في اتجاه خاطئ. فالإعلام يلعب دور برمجة عقل الفرد، فهو أحيانا سلاح أخطر من الرصاص نفسه، لهذا يتوجب علينا التحرك الإيجابي و الفعال من أجل ترشيد مهمة الإعلام و ربطها بمفهومها الأصلي، ألا و هو الإخبار لا أكثر و لا أقل.

أضافة تعليق