مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/03/29 12:20
قرارت مصيرية

عندما رأت خالتي الحبيبة مذكرات الرئيس جورج ولكر بوش "قرارات مصيرية" علي مكتبي، إحتجت علي قائلة:

 

-هل يعقل أن تقرئي سيرة محتال ؟

 

فتبسمت لها دون رد.

 

ما نعرفه عن الشخصيات السياسية إعلاميا ليس بالضرورة الحقيقة الناصعة و مطالعتي لمذكرات الرئيس جورج ولكر بوش أثبتت لي ذلك، فهو كتب سيرته من لحظة ولادته إلي حين ما كان منهمكا في مغادرة البيت الأبيض بإنشاء مكتبته في المركز الرئاسي جورج ولكر بوش و الذي يتربع علي مساحة مائة ألف متر مربع في الحرم الجامعي للكلية الجنوبية الميثودية في مدينة دالاس ولاية تكساس. و في ألبوم الصور الذي يتضمنه الكتاب، سنجد صورة الرئيس بوش و هو مغادر للمكتب البيضاوي لآخر مرة، الصورة معبرة جدا و قد أوحت لي بهذه الفكرة: في العالم الغربي الذي تقود ريادته دولة الولايات المتحدة الأمريكية، أي كان الشخص الذي هو رئيس يعلم أن عهدته الرئاسية لها نهاية و انه مفارق لكرسي الحكم، مفارق و قد أعدته تربيته و إنتماءه الحضاري علي تقبل هذه النهاية المحتومة بصدر رحب بينما الوضع مختلف تماما في العالم العربي، حيث الإنحدار الأخلاقي و الحضاري جعل من الرئيس، إله يعبد و هو باق في كرسي الرئاسة حتي و إن أدي به الأمر إلي تدمير بلده و قتل شعبه كما هو الحال مع مصر و سوريا و دول عربية عديدة.

 

كانت هناك فصول هامة جدا في الكتاب، بدايات حياة جورج ولكر بوش، الدفيء العائلي الذي عرفه طوال مسيرته، إحترامه الشديد لوالده جورج بوش الأب. محاولته الجادة في التوقف عن شرب الخمر، كيف تعرف علي زوجته السيدة لورا بوش و كيف من الوهلة الأولي أدرك أنها تصلح له زوجة.

 

الفصول الأولي تؤرخ لمسيرته المستقبلية، ولد في عائلة متوسطة الحال و التي عرفت فيما بعد يسر مادي لكن جورج ولكر بوش بني نفسه بنفسه و تقلب في مهن عديدة قبل أن يستقر علي مهنة و كانت دراسته ثم عمله يبعدانه علي البيت العائلي لكن عودته إلي أجواء العائلة كلما سنحت له الفرصة، كان تقليدا حرص عليه كل الحرص.

 

إعتبر نفسه محافظا ذات نفس ديني، هذا ما دفع نائبه السيد ديك شني علي مصارحته بعد ما طلب منه أن يكون نائبه في الحملة الرئاسية للإنتخابات الرئاسية لعام 2000:

 

"إحدي إبنتي... مثلية!!"

 

بالنسبة لجورج ولكر بوش كان مقتنعا بالأب ديك شيني و أما البنت فلا دخل له في مصيرها. إستعمل أسلوب الذهاب إلي مراحل متقدمة من حياته ليعود بنا إلي الخلف، إعترف في عدة فصول بأخطاءه، و لام الحاكم برينر علي تسريحه للجيش العراقي و تفاجأ تماما بفضيحة أبو غريب و ترك لوزير الدفاع السيد رامسفليد حرية إختيار ساعة تقديم إستقالته.

 

علاقته بالإعلام شابها علي طول الخط التوتر و في قضايا عديدة إهتزت صورته و كان سرده لم وقع  في 2005 عند إجتياح إعصار كاترينا لولاية لويزيانا ينم عن خيبة أمله في سوء تعامله مع الأحداث و قد وصفتها السيدة لورا بوش بأسوأ فتراته في رئاسة أمريكا.

 

بينما عندما حلت كارثة 11 سبتمبر 2001 ،  أول ما أراد الرجل أن يطمئن عليه كانت زوجته لورا و  التي كانت موجودة آنذاك في مبني الكابيتول بواشنطن، بنتيه جينا و بربارا و والديه و بمجرد ما إطمئن عليهم، و بإعترافه، تشجع كثيرا في معالجة أوضاع ما بعد الإعتداءات الإجرامية.

 

إعتماده رواية وقائع متقدمة في رئاسته ليعود بنا إلي الخلف، أضفي علي الكتاب عنصر التشويق الضروري، الرجل مفعم بإيمان إنجيلي و لا يخجل من عيوبه، فأمام سجناء خاضعون لإعادة تأهيل ديني لم يتردد لكسر حاجز الهيبة و ذكر قصة توبته عن شرب الخمر، عمل بجد في السياسة الداخلية و إن كان 11 سبتمبر 2001 قلب عليه البرنامج رأسا علي عقب، فهو لم يكن ينوي المراهنة علي السياسة الخارجية مثل ما كان يهمه أن "لا يترك طفلا جانبا" إسم قانون، تحالف فيه مع السناتور الراحل إدوارد كنيدي و شيوخ آخرين لتمريره، كان مهتما بإختبار إمكانات التلاميذ الأمريكيين بإعتبار أن المدرسة الأمريكية إحتلت الأماكن الأخيرة في الترتيب العالمي في بداية عهدته الأولي.

 

كان يريد لكل طفل حظ في الوصول إلي أعلي المراتب في الدراسة و كان يري أن إجراء إمتحانات مبكرة في بداية السنة الدراسية، خطوة جيدة لمعرفة المستويات العلمية للأطفال و تدارك مواضع الضعف فيهم. و بالفعل أعطي نسب مئوية عما كان عليه عدد الراسبين و نسب النجاح المتقدمة في نهايات رئاسته، النتيجة كانت مرضية. فكل مدرسة تحاسب في نهاية السنة علي معالجتها لتأخر بعض تلاميذها و كيفية التقدم بهم إلي الأمام و هذه مبادرة جد ناجحة و إن لاقت ممانعة من القطاع التعليمي نفسه، فبسبب أن المنافسة تكون علي أشدها بين المدارس.

 

تحدث جورج ولكر بوش عن فشله في فرض قوانين تتعلق بالضمان الإجتماعي و الهجرة، في هذا الملف الأخير رفض إقتراح الرئيس المكسيكي بتسوية وضعية المهاجرين الغير القانونين قائلا له" إذا ما عملت بما تقول سنشجع ظاهرة الهجرة الغير الشرعية." كان يريد وضع أفضل للمهاجرين و عدم تحمس نواب الغرفة و مجلس الشيوخ لذلك و هذا لقرب الموعد الإنتخابي ألا و هو تجديد النصفي للمقاعد النيايبة، جعله يعترف بأنه إرتكب خطأ عندما لم يبكر بتقديم القانونين و كان عليه أن يبدأ أولا بملف الهجرة و قد سوي نسبيا مشكلة الضمان الإجتماعي الرئيس باراك أوباما بقانون أوباما كير.

 

كانت للرئيس بوش مساهمات جدية في محاربة مرض نقص المناعة في إفريقيا و قد خصص لذلك مبادرة "مفببايد" و عمل ما في مقدوره لمساعدة الدول الفقيرة في إفريقيا دائما علي التصدي لمرض الملاريا بتخصيص أغلفة مالية معتبرة. و قد إعتمد الإستفادة من التجارب الميدانية كتلك التي قادها الدكتور بيتر موجيني في دولة أوغندا عبر عيادة متقدمة.

 

تلقيت لطمة قوية من الرئيس جورج ولكر بوش عندما قرأت هذه الفقرة له:" فهو أثني علي غزو أفغانستان بإعتبار أن وجود القوات الأمريكية هناك مكن الفتيات الأفغانيات اللحاق بمقاعد الدراسة!!!"

 

تذكرت موقفي المحتج علي سياسة طالبان التقشفية و كيف أن أحد المتعاطفين مع جكومة طالبان، قال لي :

 

 لم يكن لديهم خيارات كثيرة، فنقص الأموال قدم حق الذكور علي حق الإناث في طلب العلم.

 

"كيف ذلك ؟ كيف تحرمون الفتاة من التعلم و هي وحدها من بإمكانها تعليم إبنها و زوجها و أخيها و أبيها، فهل سيحبس نفسه الرجل في البيت ليعلم أهله و من سيطلب الرزق حينذاك ؟"

 

لم يرد علي المتعاطف و مرة أخري نفشل في إختبار الذكاء، هذا و من إعترف آنذاك بدولة طالبان ثلاث دول فقط السعودية الإمارات و باكستان، فكيف لم يغدق السعوديين و الإماراتيين الأموال علي طالبان ليمكنوا الفتاة الأفغانية من الدراسة؟

 

لا أدري. و جانب ثاني مثير جدا، تصميم الرئيس جورج ولكر بوش علي شن الحرب علي العراق، بحجة أن الرئيس صدام لم يحترم ستة عشر قرار صدر عن مجلس الأمن، تري يعقل هذا ؟ و لماذا الصمت المطبق يلف إمتناع الكيان الصهيوني الغاصب عن إحترام ثمانية و ثلاثين قرار صدر عن مجلس الأمن في القضية الفلسطينية و الذي  لم تطبقه إدارة العدو ؟ لماذا الكيل بمكالين ؟ يعاقب الشعب العراقي علي تعنت صدام و لا يحاسب المحتلين في فلسطين! كيف يتجاهل ذلك جورج ولكر بوش ؟

 

و لماذا السؤال و نحن نعلم مدي تورط  إدارة بوش في تمييع قضية الإحتلال عبر لقاء أنابوليس الذي أفضي إلي مزيد من الوقت الضائع و مزيد من قضم الأرض و عزل غزة و حصارها. غيرة جورج بوش علي الديمقراطية كنظام لا أساس لها من الصحة في حالة فلسطين و دائما حينما نقرأ رؤية رئيس أمريكي لطبيعة الصراع سنصطدم بوجهة نظر قائمة علي الحق الأزلي لليهود في أرض الميعاد، فماذا نناقش معه و علي ماذا نعترض أمامه ؟

 

هناك وقفات في الكتاب لا بد لنا من تدبرها، كانت هناك مسائل تبدو تفصيلية للقارئ الكريم لكن من يتفحصها عن قرب سيفهم الكثير عن الذهنية التي تتعامل بها واشنطن و الرؤساء الأمريكيين بشكل عام مع آل سعود، مع شارون مثلا حينما أثني بوش علي إنسحابه من غزة و كيف أن السيدة كوندليزا رايس  أنقذت حزب الله في العدوان الإسرائيلي لعام 2006 عندما واجهت ديك شني في إجتماع مغلق مع الرئيس بوش، و رفضت إقتراح نائب الرئيس الأمريكي القائل بأن يستمر جيش العدو عدوانه علي لبنان إلي حين ما يدمر تدميرا نهائيا حزب الله، فكانت ردة فعل كوندليزا رايس غاية في الحزم و الجد:

 

-معني ذلك نهاية أمريكا في الشرق الأوسط إن وقع القضاء علي حزب الله، هذا التعاطي مرفوض و أنا مع وقف إطلاق النار الفوري.

 

فأستمع جورج ولكر بوش لوجهتي النظر المختلفتين لتشني و رايس و العجيب أنه وافق رايس و أعطاها الضوء الأخضر لتذهب إلي مجلس الأمن و تعرض مبادرة وقف إطلاق النار مع قرار 1701 !

 

هناك أيضا جملة، صعقت عندما إطلعت عليها و قالها جورج ولكر بوش و بها أختم هذا العرض"لا بأس من فوز حماس في الإنتخابات التشريعية في منطقة السلطة الفلسطينية ما دام جري فوزها وفق إتفاقيات أوسلو واشنطن!"

 

كل ما جاء ذكره آنفا يثبت لنا رؤية رئيس من عل، فهو لم ينزل أبدا علي أرض الواقع ليري الدمار الذي خلفته قراراته في أفغانستان و العراق.

 


 

 "قرارت مصيرية" مذكرات جورج دبليو بوش عن دار نشر، شركة المطبوعات للتوزيع و النشر ، الطبعة الثانية 2013.[1]
http://www.natharatmouchrika.net/index.php/looks-bright/item/1878-2015-07-09-10-53-57


أضافة تعليق