كنت أستمع بإهتمام إلي عرض قدمته لي هاتفيا صديقة عزيزة و هي معلمة في طور المتوسط حول الفارق بين عملية التعليم في وسط متعلم و أحواله المادية متوسطة و بين أداء المهمة النبيلة، في وسط مستوي المعيشة فيه متدني:
"-هناك فارق شاسع بين تلاميذ المتوسطة التي أعمل فيها هذا العام و بين أبناء المتوسطة التي علمت فيها العام المنصرم.
-أين يكمن الفارق في نظرك ؟
- يعيش تلاميذي في العام الماضي في أكواخ الصفيح، أولياءهم غير متعلمين، البعض منهم يعاني البطالة و البعض الآخر يعمل يوم بيوم أي أنه غير مرسم في عمله و لا يتوفر علي ضمان إجتماعي، و ينصب هم الأمهات كله في تدبير الحياة بالإمكانيات المتواضعة، فكنت أعلم 40 تلميذ في القسم جزء كبير منهم كان وجوده في القسم لمجرد أن يقال عنه أنه متمدرس لا أكثر و لا أقل و هذه الفئة باكرا جدا تغادر مقاعد الدراسة لتبحث علي القوت لتعين أولياء أمورها علي سد رمق الأسرة."
أبدت أستاذة أخري في التعليم المتوسط رأي مختلف نوع ما، قائلة:
"هم الأولياء أي كان مستواهم العلمي، الإجتماعي أن يستثمروا في أبناءهم، فهم يجتهدون في توفير كل الإمكانات لأبناءهم كي ينجحوا في دراستهم و قد رأيت حالات عديدة، لا يتاح للوالدين متابعة أبناءهم دراسيا، فلا يترددوا في تكليف أستاذ الدروس الخصوصية بمراقبة الأداء الدراسي لفلذات أكبادهم و هناك تلاميذ عندما نقيم مردودهم في بداية السنة الدراسية، نجد أن بعضهم يصعب عليه الإستمرار و الإنتقال إلي قسم أو طور آخر إلا أن تصميم أولياء أمورهم و تفانيهم في توفير أقصي فرص النجاح تحفزهم علي بذل قصاري جهودهم و بالفعل يكلل جهدهم المعتبر بالنجاح.
يلاحظ معي القاريء الكريم أن التحصيل العلمي في أيامنا هذه لا يعد فقط هدف بل لن تستقيم حياة الأطفال مواطني الغد دونه.
هذا يأخذ بنا إلي منحي مهم ألا و هو : النجاح في متناول الضعاف و المجتهدين علي السواء، هذا و المطلوب من الأولياء ليس القمر!
يكفي دعم معنوي و ثقتهم في أبناءهم و كثير من الصمت أوقات المراجعة و النتيجة ستكون طبعا النجاح، هذا و الفشل محفز جيد لمزيد من الجهود و التعب و في كل الأحوال لا بد من رفع معنويات التلميذ دون تضخيم حتمية النجاح.
نعم، نتوقع من أبناءنا الأفضل لكن أن نمارس ضغطا لا يطاق، هذا ليس في صالحهم و لا صالحنا. تتيح لنا الحياة عدة فرص للتعلم و الحصول علي شهادة، يبقي أن الإرادة الذاتية تلعب دور حاسم في مسيرة كل واحد منا. لا بد أن نفهم الطفل أن مرحلة الصغر قصيرة و عليه بالإحتياط، تسمح له الدراسة أن يصل إلي أهدافه بطريقة ناجعة و هذا كفيل بأن يعطي فكرة وافية له عما نتوقع منه.
ليس بالوعيد و الضرب، نصل إلي مبتغانا، جرعة من الدفيء و الحنان أفضل مائة مرة من الكلام الجارح و التلميذ أي كان مستواه، سريع الفهم و بإمكانه أن يتدارك ضعفه، المطلوب الصبر و المثابرة و العمل المنتظم.
كما سبق لي أن قلت لأمهات، الواحدة منهن تشتكي ضعف نتائج إبنها في فصل من الفصول :
-ليست نهاية العالم، أمامه فصل آخر و بإمكانه أن يسترجع فيه ما فاته، عليك بمتابعته بهدوء بعيدا عن القسوة و التهديد بل عبري عن ثقتك به و سترين النتيجة!
و بالفعل، تعود إلي الأم الفاضلة في نهاية العام الدراسي، فرحة و فخورة بنجاح إبنها. في طلب العلم، المستحيل ممكن. هكذا عشت و الرحلة متواصلة و علينا بإتخاذ خطوات موزونة، أن نترك هامش من الحرية للطفل و المراهق، و لا نفرض عليهم خياراتنا فيما يخص مستقبلهم الدراسي و المهني، فهم أقدر علي شق الطريق لأنفسهم.