مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/02/25 19:50
أو في حياتك ذوق؟

 

 

أوَفي حياتك ذوق؟

 

لست أتمنَّى أن أكون مكان وزير أو رئيس لأعرف حجمَ الضريبة التي دُفِعت في سبيل الوصول إلى قمة هرم النجاح، ولكن من خلال تعبي في تحصيل الطموح الحياتي المتنوِّع كانت مني تضحية كبيرة، وأظنُّ فصولَها تختلف من شخص لآخر، ومن طموح لآخر، لتبقى نقطة الاشتراك هي وجود ضريبة مدفوعة، إما مُسبقًا، أو في منتصف المشوار، ليَصِل المُثابِر والمجتهد إلى ما رسمه من هدف أو أهداف قبل سنوات خلت.

 

صحيح، يكون في استرسال النظر الآملِ أفقٌ بعيدٌ إلى ما بعد خمس أو عشر سنوات، وربما أكثر ليتحقَّق المشروع الذي كان عبارة عن إستراتيجية أو خطة مرسومة بخطوط مَرَّة مستقيمة ومرات مُتعرِّجة، وهذا توقُّع لعوارض أو عراقيل قد تَعترِض سبيلَ الإنجاز؛ إذ كلما كان الاحتياط معمولاً به من البداية أمكن تَجاوُز الصِّعاب بأقل مجهود وبأقصر الطرق، على العكس، لو أنه لم يتم الترتيب لمِثْل هذه المعوِّقات منذ الانطلاقة، وحدث تصادُم أو انتكاسة سيَصعُب حتمًا حلها أو تفاديها بأقل الخسائر، وأعتقد أن مستوى الناجحين ممن تقلَّدوا مناصبَ عُليا كان لائقًا ومُتَّزِنًا بغض النظر عن المتاعب، فذاك أمر حتمي لا مفرَّ منه.

 

لكني أحتار مع فئة أحترمها كثيرًا، من طالب هاجر إلى بلد بعيد طلبًا للعلم، وفي ذلك تَنازُل منه عن دفء الأسرة والأصدقاء والأكل الجميل بمشاركة جماعيَّة، ليقطع البحور وصولاً إلى ما وراء البحور في سبيل العلم، هل كان في حياته الجديدة ذوق؟

 

وأحتار لمن تألَّق في منصب عالٍ، ليصبح بارزًا في دولته، ولكنه في حرمان مستمر بعد تَسلُّم المهام الجديدة من الجلوس كثيرًا مع أولاده وزوجته، بل حتى مع نفسه؛ لأن كلَّ وقته منَحه لعمله الجديد، الذي يتطلَّب منه الحضور والظهور دائمًا؛ ليُواجِه القنوات التلفزيونية والخطابات المفروضة في برنامج حكومته، وعليه أيضًا أن يكون في الوقت المناسب حاضرًا حال حدوث أزمة أو مشكلة ظهرت فجأة، ولها تأثير كبير على سيرورة عمله وتمثيله في منصبه، فهل لحياة هذا الشخص المتميِّز ذوق؟

 

أحتار فيمن حلم أن يكون رجل أعمال وكان له ما أراد، فجمع من المال الكثير، وأسهُمًا في كل مكان، وذاع صيته في معظم الدول، إن لم أقُل في العالم كله، ولكن لا راحة ولا سعادة يشعر بها، على الرغم من أن نمطَ حياته مريح في جوانب المعيشة والرفاهية والكماليات، لكن إن سألته في انتقال النجاح إلى بعض أولاده، منهم مَن يُجيبك أنه يجد صعوبة في التحكم في تربية أحد أولاده أو كلهم، من كان سببًا في أرق نومه وتوتُّر أعصابه وإنهاك طاقته، ويجد صعوبة في أن يُعيده إلى طريق الصواب والصحة، فهل في مال ذاك الرجل ذوق؟

 

أحتار فيمن ألَّف كتبًا ودرَّس سيرًا، وترك بصمته العلميَّةَ في جامعات كبيرة، ولكنه لم يُورِّث علمَه لأولاده، بل لم يجد السعادة بعلمه في وسط أسرته، فهو مَن اختار معيشة العُزْلة ليؤلِّف جيدًا ويُبدِع أكثر - على حَسَب مفهومه: أن الإبداع يحتاج للتركيز والجو الهادئ، بعيدًا عن أن يكون حاضرًا في طلبات الأولاد من: مشتريات، وفسحات وجولات هنا وهناك - فهل في عُزْلة الإبداع ذوق لحياته؟

 

لكني لست أحتار فيمن بنى حياتَه على ركيزة صحيحة قِوامها المال الحلال، والاعتبار من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملته لأولاده ونسائه وعشيرته وصَحْبه، ولست أحتار أيضًا فيمن اختار لمسيرة حياته أن يكون فيها رساليًّا يؤدي دورًا مُعيَّنًا، له هدف وغاية حتى لا يشعر أنه يعيش معيشة ضنكًا، وبالفعل ليس يعيش معيشة ضنكًا أو تافهة أو ضائعة المعالم؛ لأنه اختار أن يكون ناقلاً وناشرًا للخير والنصح الجميل، وزرع بذور الرحمة والكرم أينما حلَّ وحيثما ذهب، فلهذا النوع حياة مباركة سعيدة وذات معنى، كما أني لست أحتار ممن تربَّى وترعرع على برِّ والديه منذ صِغَره إلى أن كَبِر وشاخ والداه، وأدَّى لهما مناسكَ الحج في رُفقة بارَّة لهما، فنال الرضا والدعوةَ الصالحة، وانعكس ذلك جليًّا مع أولاده فيما بعد، في أن وجد نفْسَ المعاملة التي كان يُعامِل بها والديه، ليَنطبِق عليه قول: كما تدين تدان، أو ازرع خيرًا تَحصُد خيرًا.

 

أصِل في النهاية إلى أن الحياة يكون لها ذوق ومعنى، إن هي انطلقت في فِكْر الإنسان ببرمجة آلية لإرادته في أن يُساير ما دعا إليه القرآن الكريم، وما نصَّت عليه السُّنة المحمدية ليتحقَّق الاطمئنان والهناء، فحتى لو كان فيه كَدَر فسيفهمه هؤلاء أنه ابتلاء، ولديهم من الثقافة الإسلامية ما يكفيهم لمعايشة هذا الابتلاء وتحصيل الحاصل منه فيما سيعود عليهم من مِنَح بفضل صبرهم وتوكُّلهم على الله.

 

والآن، هل كان في حياتك ذوق؟

لست أجيب على هذا التساؤل؛ لأن كلاًّ منا مجيبٌ عن نفسه، وَفْق ما يراه مُتحقِّقًا في ذاته وفي أسرته، وفي محيطه الاجتماعي، من سعادة حقيقية ونجاح مبارك وتألق دائم، ومن ثَمَّ ريادة مميَّزة بحسب التوجهات والآمال والمساعي، وكل مُيسَّر لما خُلِق له، كما أن الله لا يُكلِّف نفسًا إلا وُسْعها، لكن بإمكاني أن أقول: إنه بقدر اجتهادك وتَواصُلك مع الله بنية صادقة بقدر ما تنفتح لك أبواب الخير؛ فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.




أضافة تعليق