في عصر العولمة الوحشية، نحن نعيش تصادما عندما يؤدي الإختلاف بين مواطني دولة واحدة إلي إعلان حرب علي من يقاسمك الأرض و المعتقد !
لماذا صارت سوريا ساحة للصراع بعد ما أعطت نموذج رائع للمقاومة السلمية ضد الإستبداد السياسي لحزب البعث و الديكتاتور بشار الأسد الذي إستباح نظامه كل شيء ليقمع طموح شعبه في أن يقرر مصيره بعيدا عن وصاية آل الأسد؟
تنازع السوريين بالسلاح، لا يعني إلا شيء واحد أن من حمل السلاح و زعم أنه مناهض لنظام ديكتاتوري و دفاعا عن المظلومين ثم وجه سلاحه ضد من يشترك معه في عداءه للظلم النظامي هو يقول لنا بصريح العبارة أنه لن يقبل من يخالفه التصور السياسي!
إذا ما الأمر كذلك، فلنتصور ماذا سيكون مصير سوريا ما بعد الأسد؟
هل سينجو بنفسه الشعب السوري من أجل أن يقع بين براثن معارضين سوريين، البعض منهم إنتهازي ثم إنقسام صف المعارضة السورية و السوريالية التي تعاملوا بها مع أفراد شعب منهك لأقصي الحدود و التناحر الذي نخر صفوف المسلحين، كل هذا و أكثر لم يبشر بخير و لم يجعل معارضة الداخل و معها الشعب السوري يطمئنون لمقاربات المعارضة السورية في الخارج!!
الثورة في الإتصالات التي نتجت عن العولمة و التي باتت أكثر فأكثر تتخذ المظهر الآسيوي لتعاظم دور آسيا الحضاري، هذه الثورة أقول فتحت الباب علي مصراعيه لكل الإتجاهات و القناعات الفكرية و الروحية، و قد وجد نفسه المواطن الجزائري الغير المحصن عقائديا عرضة لهذه التيارات الفكرية التي وجدت فيه مساحة فارغة قابلة للقولبة و الإحتواء.
و الإحتواء الذي تم جعل علاقة بعضنا ببعض تتغير، في السبعينات مثلا كانت مسيطرة الذهنية الجهوية الضيقة و التي تحولت في عصرنا الحالي إلي ذهنية مادية، لا تؤمن بروابط الدين و الإنتماء الوطني، بل المنفعة المادية أصبحت تحدد علاقة المواطن الجزائري بأخيه في المواطنة و حتي صلات الرحم تأثرت بهذا المفهوم! لن اسأل عن أبي أو أختي إلا ما لدي منفعة أحصل عليها منهما!
طيب، لننتقل إلي الضفة الأخري، علي الضفة الصينية أو الكورية، سنندهش عندما نتفحص النسيج الإجتماعي لتلك المجتمعات الصينية و الكورية، فمعطي التحضر لديهم بقي مرتبط أشد الإرتباط بالمعاني السامية لحكمة كونفشسيوس، فقبضة المادية اللادينية للغرب لم تحكم سيطرتها عليهم تماما، نعم تسود المفاهيم المادية بعض من شرائح شبابهم لكنهم في العمق حافظوا علي منظومة القيم التي ورثوها عن بوذا و كونفشسيوس، لهذا يبدو نسق حضارتهم في توافق أكبر مع ذاتهم، فأول ما يعتريك كإحساس و قدمك تطأ أديم أرض الصين و كوريا هو ذلك الشعور الهاديء الرزين الذي يسري في حركاتهم و نظراتهم و عملهم و هذا بالضبط ما نفتقده نحن في عالمنا!
نحن نعيش و كأن دين الحق إبتعث في الصينيين و لم يأتي علي أيدي رجل واحد منا، ينظر إلينا الآن من وراء حجاب الموت في الحوض متحسرا علي أمة أهملت معاني الرحمة و التراحم و خشية الله و تقواه، فكان مصيرها بائس لأبعد الحدود!
هل يعقل أن رسول الحق صلي الله عليه و سلم بذل ما بذل في حياته و ضحي ما ضحي، و جسد ما جسده من السمو و طهارة التعبد الخالص لله، فعل كل ذلك و هو فقير، لا يقيم في قصر و لا يتنعم بثياب فاخر، لا تشبع بطنه الكريمة تسعة أيام علي عشرة أيام، ليأتي في آخر الزمان قوم منه يخذلونه هذا الخذلان لمجرد أن هؤلاء المسلمين يرفضون مجاهدة النفس الأمارة بالسوء؟
هل يعقل هذا يا أمة محمد عليه أفضل الصلاة و السلام؟
هل يعقل أن نقابل أنفسنا بالسيوف و أحدث أنواع الأسلحة الفتاكة ؟ و كل واحد همه الإنتصار لأناه المتضخمة و نتبجح أمام من نسميهم بالكفار أن الإسلام دين الرحمة و التراحم و أننا خير من نمثله؟!!!!!!!!!!!!!!!
صفات النفاق و التكبر و أكثر الصور تعبيرا لغرورنا، هي تلك التي نري فيها حكام آل سعود كيف يستقبلون ضيوفهم من المسؤولين الأمريكيين و علي رأسهم أوباما، فقاريء الصور سينتبه فورا إلي وقفة أعضاء العائلة الحاكمة المتعالية، ينظرون إلي ضيوفهم من عل و يزمجرون حينما هؤلاء رفضوا إرسال جيشهم لينقذ نظام آل سعود من تآمر الرئيس اليمني السابق عبد الله الصالح و هم من أرادوا حلا لليمن علي طريقتهم دون إحترام إرادة الشعب اليمني، ما الفائدة من وضع نائب رئيس سابق و هو إبن النظام الديكتاتوري كرئيس، فها هو فشل في الإنتقال باليمن لبر الآمان و قبيلة مثل الحوثيين فرضت كلمتها بالحديد و النار!!!!!
هل هذا كل ما نحسنه ؟
لماذا لا نقف مع أنفسنا وقفة صدق و نزن الأمور بميزانها الصحيح و نتذكر أننا من التراب نحن و إليه ماضون، فمهما سنعمر لن نفلت من ملك الموت حينما يحين أجلنا و أن الحياة مهما طالت فهي قصيرة و أن رضوان الله غاية العبد في النهاية مهما تجبر و تكبر و أننا لا نساوي جناح بعوضة بكل مالنا و جاهنا و عتادنا ؟
لماذا لا نفهم بأنه محكوم علينا بتحضير الأسباب لجيل آخر، سيأتي لا محالة ليعيد بعث الروح في جسم الأمة المتهالك و هذا الجيل من واجبنا نحوه أن نتحمل مسؤولياتنا الحضارية و عوض أن نشهر السلاح و جدار الحقد و الكراهية في وجه بعضنا البعض علينا بترك كل ذلك جانبا لنغوص في عمق رسالة الإسلام من رحمة و رقي و علم و طهارة و سمو و جد و كد و صدق و فضيلة و عدل و حرية و كرامة.
إذا لم نستوعب هذه المعاني الناصعة للإسلام فلا سبيل لنا للنهوض و رسالة الإسلام أعظم منا نحن الهياكل الترابية، و قد وعدنا الله في قرآنه الكريم بأنه في حالة فشلنا سيستبدلنا بقوم آخرين، أعزة علي الكفار أذلة علي المسلمين و كما جاء في سورة فاطر الآية 17، بسم الله الرحمن الرحيم: