مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/12/17 17:19
الصحة و خلل الإصلاح.. من يلوم من؟

أ.سميرة بيطام
مجريات الأحداث و تسارع نبض وتيرة السعي نحو إيجاد الحلول الناجعة لإصلاح قطاع حساس هو في الجزائر يفوق كل الحساسيات التي تشعر بها إنسانية فرد القرن الواحد و العشرون..أموال صرفت لاقتناء أحدث الأجهزة الطبية و برامج وطنية و دولية تعتمدها وزارة الصحة بالموافقة على تطبيق بنودها حفاظا على الصحة كمبدأ جوهري تسعى من خلال كوادرها إلى سد فراغ سوء التسيير و التغطية الشاملة للنقائص التي يعاني منها القطاع سواء في الأدوية أو في العنصر البشري أو فيما يظهر من فترة لفترة من نوبات في ظهور أوبئة أو فيروسات تحتم التجنيد الجيد للتقليل من خطورتها ، و فوق كل هذا لا يلاحظ الزائر للمستشفيات تحسنا راقيا يعجب المريض  أو أهله أو يبعث فيهم راحة نفسية يستشعرون من خلالها أن البرامج المعتمدة و الأموال التي خصصت لذلك لم تحصل التحصيل الحاصل الذي كان منتظرا و بالنسبة المرجوة ، خاصة و أن نسبة السكان في تزايد و المستوى المعيشي للفرد الجزائري أقل ما يقال عنه انه مستوى بسيط أو متوسط لا يلبي سوى الحاجات الضرورية للفئات المتوسطة الدخل .
 ترى أين هو الخلل و أين هو مكمن الحلول التي بإمكانها إخراج قطاع الصحة من ركوده بالنظر إلى سنوات الإصلاح التي اعتمدتها الحكومة من سنوات مضت و لا زالت تسعى للوصول الى مستوى معين من الإصلاح؟.
قد يبدو للكثير أن ما تم اعتماده هو إنشاء هياكل و مستشفيات كبرى  و مؤسسات جوارية للتغطية الصحية عبر خريطة صحية من المفروض أنها مدروسة الأبعاد و قد غاب بالمقابل تهيئة و إعداد العقل الإداري و الذي سيقوم بدول الإصلاح على مستوى كل مكتب أو مصلحة استشفائية أو وحدة صحية ، فالنضج العقلي و المشبع  بالفكر المتزن هو ما كان غائبا و مغيبا من خلال تهميش طاقات لامعة و جادة في العمل لكن الفرصة لم تمنح لها لتظهر طاقاتها في المجال  الإداري أو الطبي أو الشبه طبي بسبب ظاهرة البيروقراطية و حب الاحتكار و التي طغت صورها  على قرارات المسيرين و كذا توظيف فرص النجاح لغير الأشخاص الأكفاء في التسيير ما سبب تراجعا ملحوظا في تسيير قطاع الصحة و الذي هو أساسي و مهم في رقي المجتمع و تطوره ، فان ما تم رعاية صحة الأفراد على النحو اللائق أمكن بذلك تهيئة مجتمع صحي يتمتع بقدرات تمنحه التفاعل في مجتمعه بنفس متجدد بعيدا عن الملل و الضجر من الوعود و التسييف في اتخاذ القرارات و الإجراءات الإدارية التي أصبحت اليوم لا تواكب درجة التطور التي نلحظها في مجتمعات نهضت برقيها بفضل ايلائها العمل و البحث العلمي الأهمية الأولية في برامج الإصلاح و لم تكن هذه المجتمعات في سابق سنواتها تملك من الثروة ما كانت الجزائر تمتلكه ، مما أهلها وبفضل العزيمة و حب الوطن و حب المثابرة إلى إحداث ثورة حضارية مجتمعية تكلمت عنها لغة الإحصائيات و الأرقام ، أطف إلى أن هذه الدول اعتمدت استراتيجيات في نظرتها البعدية لنهضة مجتمعاتها وفق دراسات شملت النقائص و العثرات و وفرت الحلول و البدائل عما عجزت عنه في تجاربها السابقة و لم تبقى رهينة تتخبط في مشاكل روتينية أقل ما يقال عنها أنها مشاكل ما دون مستوى طرحها أو حتى مناقشتها ، في حين أن مستشفياتنا اليوم تعاني صراعا في البرامج و تداخلا في نوايا المشرفين عليها و لم تتوحد بعد الرؤيا الإستراتيجية  فيما يمكن تحديده كمشكلة جوهرية هو غياب تكوين الفرد في مكتسباته الذهنية حيث تم الاكتفاء بوضع برامج آنية تحقق المطلوب لنسبة معينة من السكان في كل منطقة بعيدا عن الاعتماد على مختصين في علم الاجتماع و علم النفس للأخذ بآرائهم  وحصر أهم المشاكل التي تعطل مسيرة التنمية و التي هي في جوهرها غياب التوظيف الأخلاقي بالدرجة الأولى ، إذ يلاحظ من يعمل في قطاع الصحة و يمتلك روح ناقدة و بعقلانية دقيقة أن تفعيل مستوى شرائح العمال و مستخدمي الصحة يقتصر على العمل الروتيني و تداول خلافات في العمل سببها عدم توافق في الرؤى و منها ما يتدخل فيها النزعة الذاتية لبعض إطارات الصحة كالأساتذة المختصين ممن أوليت لهم مهام التسيير في المصالح الاستشفائية و الإدارية فانحرفوا عن المهمة الأصلية و هي مهمة البحث العلمي و تطوير تقنيات العلاج من خلال الخلاصة المعتمدة من اللقاءات العلمية و المؤتمرات ، فلا نجد تحصيلا ملموسا يحدث التغيير المرجو في حصيلة العمل ، ربما لأنه لم يتم توظيفها التوظيف الجيد و ربما أنها بقيت حكرا على مجموعة من مستخدمي الصحة على حساب طبقة متوسطة أو بسيطة من العمال ، و المتعارف عليه أن عملية التنمية و التغيير هي مسؤولية مشتركة و لا بد من تكاثف الجهود و لو اختلفت الآراء ، فليست المشكلة في هذا الاختلاف بقدر ما هي مشكلة إقصاء لكوادر فضل لها التهميش حتى لا تزعج ذوي الطاقات المحدودة من الاجتهاد الإداري في التسيير.
هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، يلاحظ وجود ثغرات قانونية سواء في الأنظمة الداخلية للمؤسسات الصحية أو في قانون الصحة بصفة عامة أو في قانون الإجراءات الإدارية و الجزائية  ، هذه الثغرات أمكن استغلالها من طرف المحتكرين لتمرير خطط عميلة لا تعود بالنفع العام بل بقدر ما يخدم فئة معية و هذا نوع من الاحتكار سبب مظالم بحيث لا يمكن معالجتها المعالجة القانونية الصحيحة بتطبيق القانون على المخالفين مهما تكن رتبهم العلمية ، إذ يلاحظ أن رتب الأساتذة المختصين بدرجة بروفيسور لا يعاقب في حالة إخلاله بالقانون و هذا نوع من اللاعدل وسط شرائح بسيطة هي من يطبق عليها القانون لافتكاك  العدالة في نسبة بسيطة لا تملك القوة و لا الدراية للمطالبة بحقوقها المهضومة فتدخل في طي الأرشيف تلك القضايا أو تدخل طي النسيان و تضيع الحقوق و القوي هو من يسود و تكون له الهيبة ، فهنا لا يشعر الموظف البسيط انه في مجتمع يحترم الحقوق و الحريات ، حرية المطالبة برد الاعتبار و إنصافه إن ما كانت هناك تجاوزات.
فالعبرة إذن في تعطل قطاع الصحة عن الإصلاح هو في نشوء هذه الفوارق في المعاملة و عدم الإنصاف و تطبيق القوانين بكل صرامة ، فالمشكلة ليست في نقص الأجهزة أو العنصر البشري بقدر ما هي مشكلة تطبيق القانون و بعدالة تكون ملحوظة بحسب الخطأ المرتكب و لن يكون فيه تردد من الانزال من الرتبة لبروفيسور إن ما احدث مظلمة لأحد الموظفين ، فسيكون عبرة لغيره و بالتالي ينشأ ما يسمى الرهبة أو الخوف من إيذاء الغير ، و يحضرني هنا مطالبة نقابة الأطباء الجزائريين بإلغاء العقوبات على الأطباء في حالة ارتكاب أخطاء طبية ، وارى تعجبا في هذا المطلب ، فنحن نعلم أن في قطاع الصحة فيه تجاوزات مع المرضى ليس كلها و لكن بنسبة هي موجودة فعلا فكيف للطبيب أن يفر من عقاب أن لم يحسن معاملة مريض ؟ أو تسبب في خطأ طبي بليغ ؟، صحيح أنه مطالب بعناية و ليس بنتيجة و لكن أن ما توفرت أدلة التجاوزات فلا بد من تطبيق القانون عليه بحسب درجة الخطأ المرتكب ،فما يصنع من القانون  القوة الرادعة هو تطبيقه على الكل دون استثناء هذا إن أردناه مجتمعا متوازنا و متساويا في الحقوق و مكتملا في الحريات ، و إلا فلما تهمش الكوادر المجدة و تطبق عليها قوانين عدم الترقية إلى رتب عالية حتى لا تحظى بفرصة الانجاز و الإبداع و تبقى فئة معينة بذاتها هي من تحوز عل فرص الترقية و من غير إحداث للتغيير المرجو بل المطلوب منها بالنظر إلى الدرجة العلمية التي تحصلت عليها و بالنظر إلى منحها تلك الفرصة أن لا تبددها فيما لا يفيد ، ثم على الإجراءات الإدارية أن تأخذ منحاها من الصرامة ،فأي موظف لا يقوم بالمهام المنوطة به يجب تغييره بمن هو أكفا طاقة و أكثر جدا و صرامة ، هذا إن كان مسؤولونا يطمحون فعلا إلى عملية إصلاح ، و الإصلاح في مضمونه هو التغيير و التجديد ووضع خطط مستقبلية لعشرية او خماسية من السنوات بحيث تكون مكفولة النتائج...و نبقى مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالجدية و الصرامة متخلين بذلك عن مظاهر المحسوبية و البيروقراطية و التعامل بحسب الرتبة الاجتماعية أو المادية بعيدا عن توظيف أخلاقيات المهنة الخاصة بكل فرع للمستخدمين سواء أكانوا أطباء آو شبه طبيين أو إداريين و بكل درجات التوظيف ، فمتى حظر العدل و طبق القانون بكل صرامة أمكن تحقيق مساواة ملحوظة مع مختلف الشرائح بعيدا عن التهميش و الإقصاء.
و عليه فان قطاع الصحة سوءا في الجزائر أو في أي بلد عربي هو في رهان لتحقيق مكسب اجتماعي بالدرجة الأولى قبل أن يكون سياسي ، فالشعب ينتظر من مسؤوليه الكثير و من غير خيبات الأمل لأن هذه الأخيرة لا تخدمه بقدر ما تزرع فيه اليأس و فقدان الثقة بمن أولى له مهمة تسيير شؤونه و مصيره بالدرجة الأولى ، فلا أحد يلقي اللوم على الآخر لأن المشكلة هي مشكلة توحد للطاقات و تحقيق المساواة في فرص الترقية للنهوض بقطاع حساس جدا ،و المصلحة الأولى هي مرضاة المريض الذي يأتي للمستشفى طلبا للعلاج و للراحة النفسية و ليس لأن يكون جانبا من الصراع الروتيني بين  مستخدمي الصحة بسبب عدم التفاهم أو بسبب الضغط على فئة معينة لإرهاقها في العمل و الترخيص لأخرى للعمل بأقل جهد و بأقل ساعات للعمل الممنوحة قانونا لكل فئة مستخدمة بحسب الأهمية للمصلحة ، فمثلا العمل في مصلحة الاستعجالات يختلف عن العمل في مصلحة الطب الباطني أو مصلحة العيون ، فالأولى تتطلب طاقما حاضرا و متأهبا لأي حالة استعجالية قد تأتي دونما سابق إنذار و لا بد من توفير الأجهزة اللازمة و الأدوية الخاصة بالحالات المحتملة و لا بد من وضع مخطط بنائي يتفق مع متطلبات التحويل من مصلحة لأخرى حتى يتم ربح عامل الوقت و بالتالي إنقاذ حياة المريض الذي هو في حالة خطر إذا استلزم الأمر التنقل و لإجراء أشعة او اختبار في مخبر ما يأخذ  وقتا إضافيا في التنقل  من شانه أن يودي بحياة المريض للموت ، و بالتالي فان التخطيط حتى في بناء الهياكل الصحية يجب أن ترسم أبعادها بالدراسة و التخطيط لكل مستلزمات العلاج الكاملة بما فيها الفحص و التحاليل الطبية و الجراحة  حتى يحقق للمريض الأداء الجيد من العلاج .
دون أن ننسى ضرورة إعادة النظر في قوانين قديمة لا زالت قيد العمل بها في وقتنا الحالي مثل قانون مجانية العلاج ، إذ بالكاد نجد بلد لا يزال يوفر لمرضاه العلاج المجاني مثل الجزائر و هذا من شانه أن يسبب اعتياد على عدم إشراك الشريحة المجتمعية في ميزانية المداخيل و بالتالي ينظر إلى برنامج الحفاظ على الأدوية و الأجهزة بمنظور نفعي فيصبح الفرد مسؤولا بدوره و لو بطريقة غير مباشرة و يحس بقيمة العلاج حتى لا يتعود على التسهيلات التي توفر له جانب في المساهمة و لو بقيم رمزية.
و يبقى الحديث يطول عن هذا الموضوع المهم و الحساس ، إذ لا بد من تناول  كل جانب بالتدقيق و السرد الموضوعي لحصر المشكلات و إيجاد الحلول بعد قراءة تحليلية بالأرقام و النسب المتحصل عليها من السنوات الماضية ووضع آليات عمل و استحداث أخرى جديدة للتخلي عن التبذير و اللامبالاة و توظيف عنصر المسؤولية و الضمير اليقظ لتجنب التسويف و الإهمال حتى يمكن للبرامج الحكومية أن تحقق مبتغاها ، و هذا بإشراك الجميع دون استثناء حتى المريض في أن يطالب بحقه وقت التقصير معه و أن يقر بالإنصاف وقت التعامل معه بصيغة محترمة سوءا من الأطباء أو الشبه طبيين أو الإداريين ، و كلما كان توظيف الجانب الأخلاقي واضحا  في المعاملات كلما كان عنصر المشاركة فعالا بنسبة عالية و بالتالي يحدث ما يسمى بالإصلاح و لو أنه كان بالإمكان أن يكون تلقائيا لو أن كل موظف أدى واجبه كما ينبغي فلن تكون الحكومة بحاجة إلى بذل جهود جبارة لإصلاح ما يفسده الفرد بذاته ، إذ عوض الاهتمام بمواكبة التطورات العلمية الحاصلة في دول أكثر تقدما  و عوض نقل التجربة إلى مستشفياتنا  في ميدان الطب و الجراحة نبقى نهتم بالبحث عن حلول لمشكلات تجعل مستوى التفكير متدنيا و غير لائق برتبة من تحصلوا على دكتوراه في التسيير الإداري و مع رتبة عالية من الدراسة في تخصص  الطب كرتبة بروفيسور ، فلا يليق أن يكون النزاع بين فئات يعول عليها الكثير في التحضر و التقدم قدما نحو نهضة علمية وئيدة بدل الانشغال بمشاكل روتينية هي في أصلها ليست مشاكل حقيقية و إنما من افتعال عقول بشرية لم تحسن توظيف العلم و الأخلاق فيما يفيد.
أضافة تعليق