مها المحمدي
للاستهلال ذهنية متفردة تحسب لرصيد الإبداع إذا نمت حول فهم مستقيم بلور الحقيقة في حسن تقدير؛ وحتى لا تنطفئ جذوة الروح السارية في البشرية فيحملها مخدع الغيبوبة إلى عالم النسيان لواقع لا يمكن تجاهله؛ لأن النبوة مسؤولية التكليف والتجديد والاعتراف بمن سبق لاستئناف المسيرة لا نكران خطواتها السابقة وجحودها.
وللمعرفة أدبها، ومن يغرف من علم الله كرسله ؟ !
به - صلى الله عليه وسلم - بشرت الكتب السماوية، وأتباعها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك أنكروه! لكن النبوة فوق الأحقاد لا تسقط في فخاخها، بل هي الوعي الفاعل بمجمل القيم، تؤطر لثراء الفكر الإنساني بقوانين إلهية: " لا تخيروا بين الأنبياء، ولا تخيروني من بين الأنبياء. "
إفاضة الفكر مَثّلت العقل الإنساني في تكور الزمن ينتهي ليبدأ، ويبدأ لُيكمُل ويعقد من الحلقة سلسلة الحراك الإنساني، يأتي ختم السلسلة بعظمة التواضع الذي ينحني لتنحني له دلائل القيم فيقول :
"إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ"
صلى الإله عليك ياسيد الأولين والآخرين، لقد استحال الفخر بمكانتكم إلى قناعة بدور الإكمال لما هو جميل ينتابه نقص؛ لقد بنيت ما بين السماء والأرض بروعة الكلمات ولا مجال لصراع ولا لتفضيل وهو المفضل -عليه الصلاة والسلام - وإنما هو التكامل والاكتمال .
يُمسك - صلى الله عليه وسلم – بدرة التأديب يرقى بأتباعه معراج الاحترام؛ يبدأها بفعله وقوله، فحين يعترضه في صلاته شيطان يُمكنه الله منه ويوشك أن يربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى يُصبح الناس ويرونه يَلوح له دعاء أخيه سليمان عليه السلام " رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب " ويأتي التسخير الإلهي " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد " فيُمسك عليه السلام بمعنى الأدب يفيض، يشده بعزم الاحترام حتى لأمنيات تحققت لأصحابها وغدوا بها إلى الدار الآخرة .
وتحت أطلال المواقف تنكشف الكنوز المخبوءة في أكنان شجرة التاريخ؛ فعن أبي هريرة قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ: لا، وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، وَالنَّبِيُّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟!
فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إنَّ لي ذمَّةً وعهدًا، فما بال فلانٍ لطم وجهي؟ فقال : «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟!» فذكره، فغضب النبي حتى رُئِيَ في وجهه ثم قال:
" لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلاَ أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " .
هذه درة محمد – صلى الله عليه وسلم – في كلا طرفيها أدب النبوة في بديع جوهر الحقائق التي تُّذكر الأتباع على الدوام بفضل السابقين .
لقد فطن لمعاني لم يفطن لها أتباع الرسل السابقين، كانت إشارته إلى أمته : أحبوهم وقدروا لهم مكانتهم أكثر مما أحبَّهم وقدَّرَهم أتباعهم ! إنه ركن الإيمان المكين أن تؤمن برسل الله، وكتبه كما آمنتم به سبحانه .
قصائد الهدي والتقدير بل والاتباع تتابع في ديوان الاعتراف بالسابقين على الطريق فحين قدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا :
يومٌ صالحٌ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال - عليه الصلاة والسلام : فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه وخالفهم - أي اليهود- في يوم قبله أوبعده .
هي قصيدة السعادة بنجاة النبي العظيم من عدو الله فرعون، والشكر لله فيها واجب إيماني على كل من آمن برب موسى - عليه السلام - .
قصيدة أدب التمني للمتعلم ( موسى عليه السلام ) الذي غالبته إرادة السؤال على الصبر حتى يأتيه الجواب المتفق عليه مع العابد ( الخضر عليه السلام )، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا ؟ قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً ."
ينتظم المعنى بأدب العالم والمتعلم في منهاج دقيق وتتدخل جبلة الآدمي حين يُعوزه الصبر، فتأتي أمنية الرسول الأمي – صلى الله عليه وسلم – مقدماً عليها الدعاء لأخيه موسى، رحم الله موسى لوددنا لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما .
وفي لغة متكاملة الرسم يقابلها حين يحكي القرآن له قصة لوط وكيف طلب الإيواء إلى ركن شديد فيقول الهادي – صلى الله عليه وسلم –: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد .
الكريم بن الكريم بن الكريم، يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم -عليهم السلام-
مشاعر فياضة في أدب جم تُزيل غمرات الظلمة بينبوع الضياء .
" أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والأخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد " .
لو أن كناسي العالم اجتمعوا في بقعة محدودة من الأرض وأثاروا غيمة من الغبار بحجم السماء أيمكن أن تحل هذه الغيمة محل السماء ؟ !
أتباع موسى وعيسى - عليهما السلام - في مجملهم أثاروا، ويثيرون الغبار على رسالة الصادق الأمين تغطية وإلغاء، فلا تزداد السماء إلا جلاء وإبراقًا !
شيخا الإسلام - أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- فيهما من أخوته موسى وعيسى ونوح وأبيه إبراهيم -عليهم السلام - وتلك مكرمة الدهر توهب لأهل العزم، محمدة التفرد يُطَّوف بها في الأرض .
.إِنَّ مَثَلَكَ -يَا أَبَا بَكْرٍ- كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ -عليه السلام - قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وَمَثَلَكَ -يَا أَبَا بَكْرٍ- كَمَثَلِ عِيسَى -عليه السلام - قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
إِنَّ مَثَلَكَ -يَا عُمَرُ- كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}
وَإِنَّ مَثْلَكَ -يَا عُمَرُ- كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ: {رَبِّ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
في مزرعة النبوة حصاد الإرادات القوية، إرث نمتد معه وإليه، إلى ناحية إلى جدار إلى نقطة فيه، إلى نقطة منه، معه وبه نحصد المزيد؛ لم يتجاوز النبي الأكرم – صلى الله عليه وسلم – الأنبياء السابقين إلا ليقف مع أتباعهم فيما زرعوه من إرادات الصمود فيمتدح نهج الثبات، يدل عليه ضعفاء أمته، فهاهو يذكر لخباب بن الأرت – رضي الله عنه – حين جاءه وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقال :
ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال – صلى الله عليه وسلم - : «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» .
وفي كل مثل يضربه عمن كان قبله من أمة الكتاب يمتدح أهل الشكر والثبات، أعمى بني إسرائيل في قصة الأعمى والأبرص والأقرع، وتقلب الحياة بين السعادة والشقاء، كل منهم جمع في إهابه تعاستين، مرضه وفقره؛ فأرسل الله إليهم ملك رحمة مسح العلة ووزع المال وبارك، فلما مرت سنوات الهناء وتنامى المال حضر الملك نفسه في هيئة الاحتياج فكانوا بين معترف بفضل الله منكر له، أما الأعمى فحامد شاكر فبورك له وزاد، وأما الاخرين فجحدا وأنكرا ! وبالشكر تدوم النعم .
في خبر من كان قبلكم كرر– عليه الصلاة والسلام – :
إني مخبركم فاستجمعوا أفهامكم، أوقفوها على ضفاف النهر الخالد، الحياة ليست تلك التي تعيشونها آنياً في انكماش الذات تتكتل لتنعقد ويصعب فكها إنما هي انكشاف البصر لا ينفر من البصيرة ولكن ينشق عنها، إنها الخشوع في محراب الاعتراف، ألست أنا محمد بن عبدالله الرحمة المهداة وأول ما أهديكم، هدي السابقين على الطريق فاجمعوني إليهم كما جمعتهم لكم فالربح معهم وبي لا بي دونهم ولا بأحدهم دوني والأخرين .
وما ذلك إلا ليسطر في آخر صفحات النبوة وعدَ الله، ووعيده لعباده
للاستهلال ذهنية متفردة تحسب لرصيد الإبداع إذا نمت حول فهم مستقيم بلور الحقيقة في حسن تقدير؛ وحتى لا تنطفئ جذوة الروح السارية في البشرية فيحملها مخدع الغيبوبة إلى عالم النسيان لواقع لا يمكن تجاهله؛ لأن النبوة مسؤولية التكليف والتجديد والاعتراف بمن سبق لاستئناف المسيرة لا نكران خطواتها السابقة وجحودها.
وللمعرفة أدبها، ومن يغرف من علم الله كرسله ؟ !
به - صلى الله عليه وسلم - بشرت الكتب السماوية، وأتباعها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك أنكروه! لكن النبوة فوق الأحقاد لا تسقط في فخاخها، بل هي الوعي الفاعل بمجمل القيم، تؤطر لثراء الفكر الإنساني بقوانين إلهية: " لا تخيروا بين الأنبياء، ولا تخيروني من بين الأنبياء. "
إفاضة الفكر مَثّلت العقل الإنساني في تكور الزمن ينتهي ليبدأ، ويبدأ لُيكمُل ويعقد من الحلقة سلسلة الحراك الإنساني، يأتي ختم السلسلة بعظمة التواضع الذي ينحني لتنحني له دلائل القيم فيقول :
"إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ"
صلى الإله عليك ياسيد الأولين والآخرين، لقد استحال الفخر بمكانتكم إلى قناعة بدور الإكمال لما هو جميل ينتابه نقص؛ لقد بنيت ما بين السماء والأرض بروعة الكلمات ولا مجال لصراع ولا لتفضيل وهو المفضل -عليه الصلاة والسلام - وإنما هو التكامل والاكتمال .
يُمسك - صلى الله عليه وسلم – بدرة التأديب يرقى بأتباعه معراج الاحترام؛ يبدأها بفعله وقوله، فحين يعترضه في صلاته شيطان يُمكنه الله منه ويوشك أن يربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى يُصبح الناس ويرونه يَلوح له دعاء أخيه سليمان عليه السلام " رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب " ويأتي التسخير الإلهي " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد " فيُمسك عليه السلام بمعنى الأدب يفيض، يشده بعزم الاحترام حتى لأمنيات تحققت لأصحابها وغدوا بها إلى الدار الآخرة .
وتحت أطلال المواقف تنكشف الكنوز المخبوءة في أكنان شجرة التاريخ؛ فعن أبي هريرة قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ: لا، وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، وَالنَّبِيُّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟!
فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إنَّ لي ذمَّةً وعهدًا، فما بال فلانٍ لطم وجهي؟ فقال : «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟!» فذكره، فغضب النبي حتى رُئِيَ في وجهه ثم قال:
" لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلاَ أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " .
هذه درة محمد – صلى الله عليه وسلم – في كلا طرفيها أدب النبوة في بديع جوهر الحقائق التي تُّذكر الأتباع على الدوام بفضل السابقين .
لقد فطن لمعاني لم يفطن لها أتباع الرسل السابقين، كانت إشارته إلى أمته : أحبوهم وقدروا لهم مكانتهم أكثر مما أحبَّهم وقدَّرَهم أتباعهم ! إنه ركن الإيمان المكين أن تؤمن برسل الله، وكتبه كما آمنتم به سبحانه .
قصائد الهدي والتقدير بل والاتباع تتابع في ديوان الاعتراف بالسابقين على الطريق فحين قدم إلى المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا :
يومٌ صالحٌ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال - عليه الصلاة والسلام : فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه وخالفهم - أي اليهود- في يوم قبله أوبعده .
هي قصيدة السعادة بنجاة النبي العظيم من عدو الله فرعون، والشكر لله فيها واجب إيماني على كل من آمن برب موسى - عليه السلام - .
قصيدة أدب التمني للمتعلم ( موسى عليه السلام ) الذي غالبته إرادة السؤال على الصبر حتى يأتيه الجواب المتفق عليه مع العابد ( الخضر عليه السلام )، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا ؟ قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً ."
ينتظم المعنى بأدب العالم والمتعلم في منهاج دقيق وتتدخل جبلة الآدمي حين يُعوزه الصبر، فتأتي أمنية الرسول الأمي – صلى الله عليه وسلم – مقدماً عليها الدعاء لأخيه موسى، رحم الله موسى لوددنا لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما .
وفي لغة متكاملة الرسم يقابلها حين يحكي القرآن له قصة لوط وكيف طلب الإيواء إلى ركن شديد فيقول الهادي – صلى الله عليه وسلم –: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد .
الكريم بن الكريم بن الكريم، يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم -عليهم السلام-
مشاعر فياضة في أدب جم تُزيل غمرات الظلمة بينبوع الضياء .
" أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والأخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد " .
لو أن كناسي العالم اجتمعوا في بقعة محدودة من الأرض وأثاروا غيمة من الغبار بحجم السماء أيمكن أن تحل هذه الغيمة محل السماء ؟ !
أتباع موسى وعيسى - عليهما السلام - في مجملهم أثاروا، ويثيرون الغبار على رسالة الصادق الأمين تغطية وإلغاء، فلا تزداد السماء إلا جلاء وإبراقًا !
شيخا الإسلام - أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- فيهما من أخوته موسى وعيسى ونوح وأبيه إبراهيم -عليهم السلام - وتلك مكرمة الدهر توهب لأهل العزم، محمدة التفرد يُطَّوف بها في الأرض .
.إِنَّ مَثَلَكَ -يَا أَبَا بَكْرٍ- كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ -عليه السلام - قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وَمَثَلَكَ -يَا أَبَا بَكْرٍ- كَمَثَلِ عِيسَى -عليه السلام - قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
إِنَّ مَثَلَكَ -يَا عُمَرُ- كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}
وَإِنَّ مَثْلَكَ -يَا عُمَرُ- كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ: {رَبِّ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
في مزرعة النبوة حصاد الإرادات القوية، إرث نمتد معه وإليه، إلى ناحية إلى جدار إلى نقطة فيه، إلى نقطة منه، معه وبه نحصد المزيد؛ لم يتجاوز النبي الأكرم – صلى الله عليه وسلم – الأنبياء السابقين إلا ليقف مع أتباعهم فيما زرعوه من إرادات الصمود فيمتدح نهج الثبات، يدل عليه ضعفاء أمته، فهاهو يذكر لخباب بن الأرت – رضي الله عنه – حين جاءه وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقال :
ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال – صلى الله عليه وسلم - : «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» .
وفي كل مثل يضربه عمن كان قبله من أمة الكتاب يمتدح أهل الشكر والثبات، أعمى بني إسرائيل في قصة الأعمى والأبرص والأقرع، وتقلب الحياة بين السعادة والشقاء، كل منهم جمع في إهابه تعاستين، مرضه وفقره؛ فأرسل الله إليهم ملك رحمة مسح العلة ووزع المال وبارك، فلما مرت سنوات الهناء وتنامى المال حضر الملك نفسه في هيئة الاحتياج فكانوا بين معترف بفضل الله منكر له، أما الأعمى فحامد شاكر فبورك له وزاد، وأما الاخرين فجحدا وأنكرا ! وبالشكر تدوم النعم .
في خبر من كان قبلكم كرر– عليه الصلاة والسلام – :
إني مخبركم فاستجمعوا أفهامكم، أوقفوها على ضفاف النهر الخالد، الحياة ليست تلك التي تعيشونها آنياً في انكماش الذات تتكتل لتنعقد ويصعب فكها إنما هي انكشاف البصر لا ينفر من البصيرة ولكن ينشق عنها، إنها الخشوع في محراب الاعتراف، ألست أنا محمد بن عبدالله الرحمة المهداة وأول ما أهديكم، هدي السابقين على الطريق فاجمعوني إليهم كما جمعتهم لكم فالربح معهم وبي لا بي دونهم ولا بأحدهم دوني والأخرين .
وما ذلك إلا ليسطر في آخر صفحات النبوة وعدَ الله، ووعيده لعباده