المسارب الفكرية لعالم الوحشية
الثلاثاء 07 ذو القعدة 1435 الموافق 02 سبتمبر 2014
عبدالله القرشي
المشكلة باختصار: كيف يتحوّل هذا الشاب اللطيف من أبنائنا إلى وحشٍ يمارس كل العظائم والجرائم باسم الرب؟! هذا الشاب إن لم يكن ابنك فهو ابن رجلٍ فاضلٍ مثلك، وما تعب أبوه وجَهِد في تربيته والعناية به حتى يراه في أسفل سافلين! والعجيب أنه يركب المخاطر، ويضحي بالغالي والنفيس من أجل هذه الوحشية!
هذا الشاب يتسلل من بيوتنا، ومدارسنا، ومساجدنا، ولا يصل لهذه الوحشية والإجرام إلا عبر مسارب فكرية، ونفسية، ومجتمعية، لا بد أن تتضافر الجهود لاكتشافها على وجه التفصيل والدقة. ومن المهم هنا أن يقودنا سؤال: ما الحل؟ بدل أن نغرق في سؤالات الترف والتعصب والحزبية. إن البحث عن الحل سيضطرنا للسؤال عن وصف المشكلة، وأسبابها، ولكن بالقدر الذي يقربنا من الحل ولا يباعدنا عنه. إن البحث عن الحل يعني التوافق السابق على وجود المشكلة، ويعني الشعور بالتكاتف والمسؤولية والفرح بكل ضمانة تمنع استمرار النزيف، والعثور على معالجة حقيقية.
إن هذا الشاب الذي يغادر بيته ورفاهيته يحمل في نفسه كثيرا من الإيجابية والرحمة والتضحية والتعاطف مع المستضعفين. ولا يمكن أن يصل إلى عالَم الوحشية والإجرام واستباحة الدماء المعصومة إلا بعد سلسلة من الأفكار والأحوال النفسية. وحتى نقطع الطريق بين هؤلاء الشباب الأخيار والمجرمين الأكابر علينا أن نراقب هذه المسارب، التي تجعل الشاب يصل فكريا ونفسيا إلى حال الوحشية، ويتعاطاها بتدين وتعبد! أما المسارب الفكرية، فهي مجموعة مقالات يجد فيها الشاب المسوغ الكافي للتعامل مع مخالفه على أنه مرتد، يستحق القتل وأنواع التنكيل. وهذه المقالات يجد فيها المجرمون الأكابر بغيتهم في إقناع هؤلاء الشباب وتحويلهم إلى قوة تدميرية.
هذه المقالات لا بد أن تراجع، ونبين خطأها من جهة النصوص والاستدلال، ونكشف خطرها من جهة الواقع والمآل. إن الخطأ في هذه المقالات ليس اجتهادا محدودا وميسورا يُقبل فيه التنوع والترجيح، بل هو متعلق بالتكفير واستباحة الدماء والأموال المعصومة. بعض هذه المقالات في باب الولاء والبراء، وبعضها في باب الحكم بغير ما أنزل الله، وبعضها في باب العذر بالجهل، وبعضها يتعلق بقاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر. ونحو ذلك من المقالات التي يتم إقناع الشاب عن طريقها بكفر مخالفه، ويتم إعداده للأعمال الوحشية في صفوف المسلمين. وفي بيان خطأ هذه المقالات وخطرها ليس بالضرورة التركيز على النسبة والقائل،
بل يكفي التعامل مع القول واستدلاله وبيان مآله. فنسبة الخطأ إلى عالم أو مدرسة ينفع القول أحيانا ويشرعنه أكثر مما يضر القائل. والقصد هو التصحيح لا التجريح. إن المراجعة المستمرة للاجتهادات البشرية وموازنتها بالأدلة المعصومة، واجب شرعي، ليس له زمان محدود. وبيان الخطأ في القول لا يلغي احترام القائل والاعتذار له. إنه يبدو لك في بعض الأحيان أن أتباع المدارس يتعاملون مع اجتهادات علمائهم كما لو كانت معصومة، وأنهم يقرون من جهة التنظير أن علماءهم غير معصومين، لكنهم لا يقومون بواجب المراجعة والتصحيح ولا يسمحون به! إن من ينأى عن تتبع هذه المسارب الفكرية وينهى عن مراجعتها شريك في إثم هذه الدماء المستباحة باسم الرب، وشريك في إثم هؤلاء الشباب الأخيار الذين يذهبون ضحية التغرير والتضليل... وللحديث بقية.
((( منقول من صحيفة مكة اون لاين )))
((( منقول من صحيفة مكة اون لاين )))