مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإسلام والعروبة.. معاً في مواجهة الإعصار (1-2)
د.عماد الدين خليل
منذ زمن بعيد، وأنا أحلم باليوم الذي يلتقي فيه العربي بالإسلامي.. أن توقف رحلة الدم والكراهية والبغضاء.. أن يمدّ «الأخوة الأعداء» أيديهم إلى بعضهم متصافحين، وأن يطبع الشقيق على جبهة شقيقه قبلة الصفح والمحبة التي يذيب دفؤها المتوهج كتل الجليد القادمة من بحر الظلمات.
منذ زمن بعيد والسؤال الذي يؤرّقني هو السؤال نفسه: لماذا؟ وهل ثمة ضرورة عقدية أو تاريخية أو حتى عاطفية تقيم بين الإسلامي والعروبي سدّاً؟ تحفر خندقاً يصعب عبوره، أو لسنا وفق هذه الصيغة غير المبررة على كل المستويات نعطي لخصمنا الذي يتربّص بنا السكين التي يذبحنا بها؟!
ما الذي جرى عبر خمسين عاماً أو يزيد سوى أن ذبحنا أنفسنا؟ ألم يحن الأوان لأن نستبدل السكين بالكلمة، ونفيء جميعاً إلى باحة الحوار والمحجّة والإقناع.. أن نجرّب على الأقل.. نبذل محاولة ما لوقف سيّال الكراهية والاصطراع.. فمن قال إنها لن تأتي بطائل؟
منذ زمن بعيد، وأنا أحلم باليوم الذي يستعيد فيه العربي دوره الإسلامي الضائع، والإسلامي عشقه لكل ما هو عربي أصيل في هذا الوطن!
لكأنما تاريخ هذه الأمة المجيدة سلسلة من التحديات، ومعالم لاستجماع القوة واستنهاض العزائم، لمواجهة هذه التحديات.. فالمسجد الأقصى الذي يقع اليوم في الأسر الصهيوني سبق أن وقع في الأسر الفرنجي الصليبي، وفلسطين التي تسعى التسويات الحالية المفروضة إلى الإجهاز على الحق العربي الإسلامي فيها، سبق أن استعمرت استعماراً استيطانياً فرنجياً ومعها مناطق واسعة من الشام، وقامت عليها للاغتصاب دول وإمارات.. لكن أمتنا لم تعرف الاستسلام أمام تلك التحديات.. وإنما حافظت على إرادة الصمود والمقاومة، ونهضت من خلف علمائها ومفكريها وقادتها، فغيّرت الواقع الظالم وطوت صفحة التحدّيات التي فرضها عليها الأعداء.
واليوم وعلى امتداد أرض أمتنا العربية والإسلامية، قد تحوّل واقعنا إلى فصل جديد في كتاب التحدّيات.. فمواجهة التحديات المهددة لوجود الأمة وهويتها لابد وأن تجبّ وتطوي كل ما يشغل عنها من صفحاتنا.
إن السكين التي تدوم في الفضاء حادة، واليد التي تمسك بها لا ترحم، والعقل الذي يلّوح بشفرتها ذات اليمين وذات الشمال ليس عقلاً محضاً بمعنى الكلمة، ولكنه حصيلة ألف سنة أو تزيد من رغبة الغربي الدفينة والمعلنة في ألاّ يخرج الشرقي إلاّ من معطفه، وألاّ يفك وثاقه مختاراً المصير الذي يتوحّد فيه مع ذاته، وعقيدته، وتاريخه، ووجوده.
السكين حادة، وهي اليوم وقد كادت أن تتفرّد بها قيادة غربية واحدة، تنذر بالويل، وما لم نتداع إلى بعضنا، ما لم يمسك أحدنا الآخر، فإننا سوف نضيع.
دعم المقاومة الفلسطينية المجاهدة.. رفض التطبيع مع العدو الصهيوني تحت أي صورة وفي أي مجال، وإدانة الخطوات التي تمت لاختراق المقاطعة مع «إسرائيل».. العمل على توثيق العلاقات بين الأمة العربية وشعوب الدائرة الحضارية العربية الإسلامية انطلاقاً من حقيقة أن النهوض العربي متكامل مع نهوض العالم الإسلامي.. والدعوة إلى استنفار طاقاتنا العربية والإسلامية لمتابعة تحقيق تجدّدنا الحضاري والإسهام في عمران عالمنا.
في الوطن العربي أم في ديار الإسلام على امتدادها.. ليس ثمة ها هنا من الخليج إلى الخليج ولا حتى من المحيط إلى المحيط، ولكنه التوحّد الذي تصير فيه قارات العالم وخلجانه وبحاره ومحيطاته، وطناً واحداً، أرضاً متوحدة، ودياراً تتداعى على بعضها، قبالة كل المصائب والأوجاع والتحديات والأحزان التي ما اجتمعت علينا حتى زمن الصليبيين والمغول كما تجتمع اليوم، حيث أمريكا و«إسرائيل» تعيدان الكرّة بعنف أكبر هذه المرة وأشدّ هولاً..
وخائن منبوذ من لا يفتح أذنيه جيداً للإنصات إلى صوت الإعصار القادم من هناك.. نُذُر الفناء التي توشك ألاّ تبقي لنا أرضاً ولا عرضاً ولا تراثاً ولا عقيدة ولا عروبة ولا دياراً!
ليس ثمة ها هنا قضية عربية وأخرى إسلامية.. هنا يصير الإسلامي عربياً ويصير العربي إسلامياً.. ها هنا الكل يتذكر نذير «نزار القباني» الذي أطلقه منذ أواخر السبعينيات، فلم يستمع إليه أحد:
لا يمين يجيرنا أو يسارٌ
تحت حدّ السكيّن نحن سواء
أضافة تعليق