عبد العزيز كحيل
اكتظ المسجد بروّاده فصعد المنبر وخطب، فكان خطْبا لا خطيبا، لم يلتفت إلى معالجة ما يصبح عليه ويمسي من منكرات يتزايد انتشارها ويتّسع ظلّها، العري الذي طال النساء حتى لا تكاد تبصر امرأة واحدة ترتدي اللباس الشرعي، زجاجات الخمر التي تملأ يوميا الساحات وقارعة الطرقات، الرشوة التي أضحت تعاملا معتادا لا ينجو منه إلا قليل من الموَّفقين، الاستبداد الذي يخنق الحريات الفردية والعامة و يدوس على حقوق الناس، لكنّ الرجل لم يزعجه شيء من هذا إنما صبّ جام غضبه على جماعة الإخوان المسلمين رغم أنها بعيدة عنه هناك في مصر، لم يشفِ غليلَه ما أصابها من ظلم وتقتيل وتشريد فأخذ يفتري عليها وينال من تاريخها الناصع وعطائها الثرّ وأبنائها الأفذاذ ... وتساءل الناس ألِهذا جُعل المنبر؟ أين معاني الأخوّة الإيمانية في كلام هذا الرجل وأين حسن الظنّ بالمسلمين وأين وحدة الصفّ في مواجهة العلمانية المتوحّشة؟ لكن لا غرابة في سلوك إمام تخرّج من المدرسة الجامية – المدخلية – البرهامية التي هي العلمانية عينُها بغطاء سلفي، نجا منها الصهاينة والصليبيون والأمريكان المعتدون لأنّ همّها منصبّ على شتم علماء الإسلام وكبار دعاتها ومصلحيه من محمد عبده وحسن البنا وأبي الأعلى المودودي إلى سيد قطب والغزالي والقرضاوي والانتقاص منهم بمناسبة وبغير مناسبة ووصفهم بكلّ نقيصة وعدم الاعتراف لهم بأي فضل، والشيء من معدنه لا يستغرب ، فهي مدرسة مشهورة بإغلاق العقل وقسوة القلب ، لا تضاهيها مدرسة فكرية أخرى في التعصّب للرأي والحقد على المخالف ، فهي نِحلة لا تعتقد أنها على حقّ في كلّ مسألة أصولية وفرعية فحسب بل تعتقد أنها هي الحق وغيرها يمثّل الباطل والضلال ، ممّا يسمح لها بالتبجّح بأنها هي السنة النبوية وهي الإسلام والهدى ، في حين يستطيع كلّ مطّلع على أدبياتها أن يدرك بسهولة أنها أبعد الناس عن أخلاق القرآن والهدي النبوي ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن سبّابا ولا لعّانا ولا بذيّا أمّا هم فألسنتهم لا تحسن إلا هذه البضاعة ، والرسول صلى الله عليه وسلم علّم المسلمين حسن الظنّ ببعضهم أمّا هم فدأبهم سوء الظن بكلّ داعية وعالم ومجاهد وعفيف ، فيا له من عمل صالح يرفعه الله إلى أسفل.
يعرف الناس جماعة الإخوان وبلاءها في سبيل دين الله تربيةً وجهادا وخدمة للمجتمع وأخلاقا رفيعة ونهجا وسطيا ، يجوز الاختلاف معها في مسائل قليلة أو كثيرة لكنّ جميع المنصفين يسلّمون بوقوفها مع الشعوب المظلومة ضدّ الحكّام الظلمة في حين يمكن تلخيص المدخلية في تأييد الطغاة المستبدين والانحياز إليهم والتأصيل لفسادهم ضدّ المظلومين ، وكم ضحك الناس ملء أشداقهم من هذه الطائفة التي لا تعرف من الأحاديث النبوية في العلاقة بين الحكام والمحكومين سوى حديث التسليم للأمير ولو جلد الظهر وأخذا المال ، تًخرجه من سياقه وتحيي به الجبرية في أبشع صورها ، ولا تلتفت إلى أحاديث أمر السلطان الجائر ونهيه ووضعه عند حدّه ، وقد رأينا أتباعها ينأون بأنفسهم عن الثورات العربية التي قامت بها الشعوب للإطاعة بعروش البغي والظلم ، لأن شيوخهم يعتبرونها خروجا على الحاكم الواجب الطاعة ، فلماّ أطاح العسكر وغلاة العلمانيّين بأول حاكم شرعي عربي في العصر الحديث أيّدوا الانقلاب لأنهم ألفوا المذلّة والعبودية لغير الله ، وانتهوا إلى مناصرة العلمانية المتوحّشة ضدّ رافعي لواء الاسلام وحماته وحرّاسه بحقّ ، وتفنّنوا في إيجاد الأعذار للمعتدين الظلمة من جهة وإدانة المظلومين المضطهدين من جهة أخرى ، وهكذا هم دائما : مرجئة مع الحكّام المتسلّطين وخوارج مع الجماهير المؤمنة ، و لا غرابة في ذلك ، فهم أتباع الاسلام السعودي لا الاسلام الرباني ، لذلك يبرعون في التخذيل وفي الأداء التشويشي على عمل الدعوة وإنجازات الأمة ، لا يزعجهم احتضان بلاد الحرمين لطاغية تونس بن علي معزّزا مكرّما – وقد حارب الاسلام جهارا نهارا طوال حكمه – بينما تبقى هذه البلاد الطيبة ممنوعة على راشد الغنوشي الذي اصطفّ مع الاسلام ضدّ الطغيان ، وناله منه ما نال من السجن والعنت ... لكن ما دامت هذه إرادة الأسرة الحاكمة بغير حقّ فهي بالضرورة شرع الله وسنّة رسوله في أعين شيوخ يعدّون اللحية أولى من العدل وجلسة الاستراحة أخطر من سحق الأمة سياسيا وثقافيا وحضاريا .
خطيبنا علّموه أن يخوض معارك مع غير عدوّ ، ولو تحرّر من حقد القلب لرأى أنه إذا كان للإخوان أخطاء فإن لخصومهم ومناوئيهم خطايا تبصرها العين المجرّدة ، فهم جماعة لم تأتِ إلى الاسلام بخشونة الجهل ، ورجالها نفذ الدين إلى صدورهم قبل أن يلبسوه على أبدانهم ، أما غيرهم من الجامية والمدخلية ... ويكفي جماعة الإخوان فخرا أنها ليست كائنا متعصّبا يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويسعد بوضعه الدوني ويحسبه امتيازا ، وكم من خطيب أو كاتب أو معمّم يظنّ نفسه على شيء وهو قد تمحّض للهدم ولا يعير البناء اهتماما ، ويفرّق صفوف المؤمنين بيد أنه مأمور بجمعها ، وينفّر الناس من دين الله بتعصّبه وسوء قوله ، وهو و مدرسته قرّة عين غلاة العلمانيّين والأنظمة العربية الفاسدة ، يروّجون إسلاما طيّعا هزيلا مستسلما لا فعالية له ولا رسالة سوى الاشتغال بالخلافات الفقهية والمعارك الهامشية ، يفني فيها أصحاب التديّن العاطفي أعمارهم من غير طائل ، لا يحقّقون مُثلا عليا و لا ينفعون أمّة تحتاج إلى الروّاد في كلّ ميدان.
أرغى الخطيب وأزبد وانتصر في معركة هو طرفها الوحيد لأن حرمة الجمعة تمنع الناس من الردّ عليه و لأنّ اإخوان لا وقت لهم للجدال لانشغالهم بمعركة الاسلام مع الجاهلية الحديثة التي تحالفت فيها العلمانية العدوانية مع الأنظمة المستبدّة لتهميش الاسلام وإرهاق الأمة ، وكلّ مسلم صادق الإيمان يعتقد ان الإخوان في حاجة إلى دعاء المسلمين لهم ، وهم في السجون والمحاكمات الظالمة والإبعاد القسري عن ديارهم ، فليت الذي لم ينطق بالحق سكت عن قول الباطل.
ونزل الخطيب من المنبر وعين الشيطان قريرة بجهاده الهزيل...مثله مثل مظهر شاهين في القاهرة.
اكتظ المسجد بروّاده فصعد المنبر وخطب، فكان خطْبا لا خطيبا، لم يلتفت إلى معالجة ما يصبح عليه ويمسي من منكرات يتزايد انتشارها ويتّسع ظلّها، العري الذي طال النساء حتى لا تكاد تبصر امرأة واحدة ترتدي اللباس الشرعي، زجاجات الخمر التي تملأ يوميا الساحات وقارعة الطرقات، الرشوة التي أضحت تعاملا معتادا لا ينجو منه إلا قليل من الموَّفقين، الاستبداد الذي يخنق الحريات الفردية والعامة و يدوس على حقوق الناس، لكنّ الرجل لم يزعجه شيء من هذا إنما صبّ جام غضبه على جماعة الإخوان المسلمين رغم أنها بعيدة عنه هناك في مصر، لم يشفِ غليلَه ما أصابها من ظلم وتقتيل وتشريد فأخذ يفتري عليها وينال من تاريخها الناصع وعطائها الثرّ وأبنائها الأفذاذ ... وتساءل الناس ألِهذا جُعل المنبر؟ أين معاني الأخوّة الإيمانية في كلام هذا الرجل وأين حسن الظنّ بالمسلمين وأين وحدة الصفّ في مواجهة العلمانية المتوحّشة؟ لكن لا غرابة في سلوك إمام تخرّج من المدرسة الجامية – المدخلية – البرهامية التي هي العلمانية عينُها بغطاء سلفي، نجا منها الصهاينة والصليبيون والأمريكان المعتدون لأنّ همّها منصبّ على شتم علماء الإسلام وكبار دعاتها ومصلحيه من محمد عبده وحسن البنا وأبي الأعلى المودودي إلى سيد قطب والغزالي والقرضاوي والانتقاص منهم بمناسبة وبغير مناسبة ووصفهم بكلّ نقيصة وعدم الاعتراف لهم بأي فضل، والشيء من معدنه لا يستغرب ، فهي مدرسة مشهورة بإغلاق العقل وقسوة القلب ، لا تضاهيها مدرسة فكرية أخرى في التعصّب للرأي والحقد على المخالف ، فهي نِحلة لا تعتقد أنها على حقّ في كلّ مسألة أصولية وفرعية فحسب بل تعتقد أنها هي الحق وغيرها يمثّل الباطل والضلال ، ممّا يسمح لها بالتبجّح بأنها هي السنة النبوية وهي الإسلام والهدى ، في حين يستطيع كلّ مطّلع على أدبياتها أن يدرك بسهولة أنها أبعد الناس عن أخلاق القرآن والهدي النبوي ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن سبّابا ولا لعّانا ولا بذيّا أمّا هم فألسنتهم لا تحسن إلا هذه البضاعة ، والرسول صلى الله عليه وسلم علّم المسلمين حسن الظنّ ببعضهم أمّا هم فدأبهم سوء الظن بكلّ داعية وعالم ومجاهد وعفيف ، فيا له من عمل صالح يرفعه الله إلى أسفل.
يعرف الناس جماعة الإخوان وبلاءها في سبيل دين الله تربيةً وجهادا وخدمة للمجتمع وأخلاقا رفيعة ونهجا وسطيا ، يجوز الاختلاف معها في مسائل قليلة أو كثيرة لكنّ جميع المنصفين يسلّمون بوقوفها مع الشعوب المظلومة ضدّ الحكّام الظلمة في حين يمكن تلخيص المدخلية في تأييد الطغاة المستبدين والانحياز إليهم والتأصيل لفسادهم ضدّ المظلومين ، وكم ضحك الناس ملء أشداقهم من هذه الطائفة التي لا تعرف من الأحاديث النبوية في العلاقة بين الحكام والمحكومين سوى حديث التسليم للأمير ولو جلد الظهر وأخذا المال ، تًخرجه من سياقه وتحيي به الجبرية في أبشع صورها ، ولا تلتفت إلى أحاديث أمر السلطان الجائر ونهيه ووضعه عند حدّه ، وقد رأينا أتباعها ينأون بأنفسهم عن الثورات العربية التي قامت بها الشعوب للإطاعة بعروش البغي والظلم ، لأن شيوخهم يعتبرونها خروجا على الحاكم الواجب الطاعة ، فلماّ أطاح العسكر وغلاة العلمانيّين بأول حاكم شرعي عربي في العصر الحديث أيّدوا الانقلاب لأنهم ألفوا المذلّة والعبودية لغير الله ، وانتهوا إلى مناصرة العلمانية المتوحّشة ضدّ رافعي لواء الاسلام وحماته وحرّاسه بحقّ ، وتفنّنوا في إيجاد الأعذار للمعتدين الظلمة من جهة وإدانة المظلومين المضطهدين من جهة أخرى ، وهكذا هم دائما : مرجئة مع الحكّام المتسلّطين وخوارج مع الجماهير المؤمنة ، و لا غرابة في ذلك ، فهم أتباع الاسلام السعودي لا الاسلام الرباني ، لذلك يبرعون في التخذيل وفي الأداء التشويشي على عمل الدعوة وإنجازات الأمة ، لا يزعجهم احتضان بلاد الحرمين لطاغية تونس بن علي معزّزا مكرّما – وقد حارب الاسلام جهارا نهارا طوال حكمه – بينما تبقى هذه البلاد الطيبة ممنوعة على راشد الغنوشي الذي اصطفّ مع الاسلام ضدّ الطغيان ، وناله منه ما نال من السجن والعنت ... لكن ما دامت هذه إرادة الأسرة الحاكمة بغير حقّ فهي بالضرورة شرع الله وسنّة رسوله في أعين شيوخ يعدّون اللحية أولى من العدل وجلسة الاستراحة أخطر من سحق الأمة سياسيا وثقافيا وحضاريا .
خطيبنا علّموه أن يخوض معارك مع غير عدوّ ، ولو تحرّر من حقد القلب لرأى أنه إذا كان للإخوان أخطاء فإن لخصومهم ومناوئيهم خطايا تبصرها العين المجرّدة ، فهم جماعة لم تأتِ إلى الاسلام بخشونة الجهل ، ورجالها نفذ الدين إلى صدورهم قبل أن يلبسوه على أبدانهم ، أما غيرهم من الجامية والمدخلية ... ويكفي جماعة الإخوان فخرا أنها ليست كائنا متعصّبا يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة ويسعد بوضعه الدوني ويحسبه امتيازا ، وكم من خطيب أو كاتب أو معمّم يظنّ نفسه على شيء وهو قد تمحّض للهدم ولا يعير البناء اهتماما ، ويفرّق صفوف المؤمنين بيد أنه مأمور بجمعها ، وينفّر الناس من دين الله بتعصّبه وسوء قوله ، وهو و مدرسته قرّة عين غلاة العلمانيّين والأنظمة العربية الفاسدة ، يروّجون إسلاما طيّعا هزيلا مستسلما لا فعالية له ولا رسالة سوى الاشتغال بالخلافات الفقهية والمعارك الهامشية ، يفني فيها أصحاب التديّن العاطفي أعمارهم من غير طائل ، لا يحقّقون مُثلا عليا و لا ينفعون أمّة تحتاج إلى الروّاد في كلّ ميدان.
أرغى الخطيب وأزبد وانتصر في معركة هو طرفها الوحيد لأن حرمة الجمعة تمنع الناس من الردّ عليه و لأنّ اإخوان لا وقت لهم للجدال لانشغالهم بمعركة الاسلام مع الجاهلية الحديثة التي تحالفت فيها العلمانية العدوانية مع الأنظمة المستبدّة لتهميش الاسلام وإرهاق الأمة ، وكلّ مسلم صادق الإيمان يعتقد ان الإخوان في حاجة إلى دعاء المسلمين لهم ، وهم في السجون والمحاكمات الظالمة والإبعاد القسري عن ديارهم ، فليت الذي لم ينطق بالحق سكت عن قول الباطل.
ونزل الخطيب من المنبر وعين الشيطان قريرة بجهاده الهزيل...مثله مثل مظهر شاهين في القاهرة.