مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بين القدرة والقدوة
د . خالد الصبري
يوجد تداخل كبير بين مصطلحي القدرة والقدوة ولكننا نستطيع ان نتوافق على معنى معينا لمصطلح القدرة مهما اختلفت أفكارنا ورؤانا وستكون نسبة التوافق على معنى مصطلح القدوة هي نفسها نسبة التقاطع بين أفكارنا ورؤانا ، والمثل الاعلى الذي مثل اعلى مقامات القدرة والقدوة هو محمد صلى الله عليه وسلم
ولذا نص القران الكريم على الاقتداء المطلق والتاسي الكامل به عليه السلام فقال ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ...) ولكنه سبحانه وتعالى بعد التوجيه بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام والذين معه أورد استثناء مفاده ( الا قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك ) وفي هذا دلالة واضحة على ان الاقتداء المطلق لا يكون الا بالرجل والقائد الكامل في قدراته والنبي والرسول الكامل في قدواته .
والنموذج المراد تحصيله في الشخصية الإسلامية في كل زمان ومكان هو مجموعة القدرات والقدوات المتوفرة في سيرته صلى الله عليه وسلم في دعوته وبلاغه وفي ادارته وقيادته .
ولذا عتب عليه السلام على من أراد ان يظهر صورة أخرى هي في ظاهرها تمثل اكثرقدوة في نظر أصحابها لانها التزمت بمجموعة من الشعائر والعبادات كالصوم والصلاة والقيام والتبتل وكان رده عليه الصلاة والسلام على ذلك شديدا بل عد ذلك تدينا مخالفا للإسلام وممارسة تمثل رغبة عنه وليس رغبة فيه
و اعلن انه صاحب الصورة المثالية الحقة لانه كما قال ( أصوم وافطر وأقوم وارقد واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ..)
تلك الصورة المثالية في نظر البعض والمخالفة لروح الدين الإسلامي في نظر المشرع عليه السلام هي التي تتسبب في عجزنا عن التوافق على معنى القدوة .
فتجد من يعتبر القدوة في التزام بعض الشعائر التعبدية والتفرغ التام لها ويتناسى ما ينتج عن ذلك من اعتماده هو شخصيا في أكله وشربه ومعاشه على سؤال غيره من المقتدرين ويقع في إثم اشد وجرم أكبر عقوبته من جنس الجرم كما قال عليه السلام ( لا تزال المسالة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وما على وجهه مزعة لحم ...) لان صاحب هذا الوجه وقف به أمام غير الصمد سبحانه الذي ظمن له توفير حاجاته في سورة الإخلاص ( كما سبق في مصطلح الإخلاص )
ولمزيد بيان لهذا التداخل بين المصطلحين أودر العناصر التالية :
- الكمال البشري نسبي وأعلى مقاماته هو الجمع بين القدرات العملية والقدوات القيمية
وعلى قدر ما تم جمعه منهما يحقق الإنسان مقامه ، ولذلك فضعيف القدرة ضعيف في القدوة لان ضعف قدراته يتسبب في ضعف استكشاف قدرات الغير وتفعيلها ولا يخفى ما في ذلك من النقص البشري المؤثر على فاعلية صاحب المشروع الإسلامي التمكيني الاستخلافي وعلى إنتاجه المادي والفكري ومن ثم التأثير الذي يصل الى حبه وعاطفته وعلى احكامه واختياراته مع الغير
وقد بين الله سبحانه ذلك لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فقال موضحا الأثر الفعال للاداء القيادي المتميز في استكشاف قدرات الناس وتوضيفها ( يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ...) وقد مثل التحريض النبوي هنا اعلى مقامات التوضيف البشري للقدرات
حيث رفعت كفاءة الواحد ليقابل كفاءة عشرة من الأعداء المدربين أصحاب الدراية الحربية والتأهيل العسكري
- تاخذ القدوة والقدرة القيادية أهمية بالغة في ارساء مبدا الثقة لدى الجنود بالقيادة في المشروع الاسلامي الطوعي فعلى قدر فاعلية القادة يتحرك الصف والجنود وبقدر تواضع القدرات في القادة يصاب الاتباع باهتزاز الثقة في القدرات القيادية ابتداءً ثم يسري هذا الأمر حتى يصل الى فقدان الثقة بالقدوات والقدرات معا وبناء على ذلك ومن اجل تحقيق التمكين لهذا الدين فإنها اي القيادة مطالبة بتحصيلها وتحصينها فالقدوة في ايجاد المهارات والقدرات لها الاثر الاكبر في تحقيق الغايات والارتقاء بالميدان وتأهيل القيادات علي الارتقاء بقدراتها اولا ثم استكشاف غيرها من اهم سنن النجاح وتوريثها الى جيل التمكين أخصر الطرق الى تحقيق الأهداف ، ولان القدوة والقدرة في الاصل متلازمتان فالقدوة الحقيقي هو الذي عُرِف بقدراته وقيمه معا فإذا كانت القدرات والمهارات هي سبب المهنية الصحيحة فان القيم السلوكية هي سبب التعريف والتسويق لهذه القدرات والمهارات ، واتهام المهني الحاذق بالكذب مثلا وغياب الصدق عنه مانع كبير من اشتهاره وشيوع كفاءته . وهكذا في كل أمور الحياة
- للتوازن بين القدرات والقدوات اثر كبير في القرارات القيادية ومنها قرار وضع الرجل المناسب بقدراته في المكان المناسب لتفعيل قدرات التخصصية وهو الارضى لله قطعا فالغاية من الاستعمال والتوظيف هو تحقيق مصالح العباد وهو المراد من المنصب ( من استعمل على الناس وفيهم من هو أرضى لله .... ) ومن هنا جاء استعمال صاحب القدرات مع وجود قصور في قداوته كاستعمال الجديد في الانضمام الى الاسلام على القديم لان قدرته للناس وقدوته في معناها القاصر لنفسه ، وقد ولى النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بُعَيد انتسابه الى الإسلام بفترة بسيطة نظرا لما يملك من قدرات ومهارات قتالية ، ولم يعفه ذلك من ان يوجه اليه اللوم عند التعبير الخاطئ عن هذه الرتبة الممنوحة له فقال عليه السلام معاتبا خالدا وبعض الصحابة ( لا تسبوا أصحابي فوالذي بعثني بالحق لو أنفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ..) او كما قال عليه السلام .
- اذا كان ادراك القدرات الذاتية يحتاج الى جهة خارجية ذات كفاءة عالية فان اقصر الوسائل والاسباب يكمن في اختيار الجمهور لاصحاب القدرات الناتج عن قناعة وحرية تامة بعيدا عن التاثير بجميع انواعه .
وهكذا ادرك العالم بعد تطبيق الديمقراطية بشي من الشفافية ان اختيار الجمهور ارشد من اختيار النخب في الغالب لانه اي الجمهور يعي تماما مطالبه وحاجياته ويعرف صاحب القدرة على خدمته وهو ما نراه واقعا في الدول المتحضرة التي انطلقت حضارتها من الاشتراك الجمعي في اختيار القدرات القيادية لإدارته وانتهت بالتزام تلك القدرات بالقيم الحضارية على الأقل تجاه جمهورها
فوجدنا عندهم القدوة القادر وحرم أبناء الإسلام ذلك . ولما فاقت امتنا من سباتها وطلقت غفلتها وبدأت في البحث عن استرجاع حقها في ادارة نفسها بمن تراهم وتثق في قدراتهم وقف في وجهها كثير ممن لم يعي هذا التلازم والاشتراك بين القدرة والقدرة ، رينا أصحاب التدين الشكلي المهتمين بمظهر القدوة في اللحية والقميص في صف الأعداء
لان الوعي الثوري تجاوز ذلك ، وبدا أصحاب المشروع الإسلامي الحركي التنموي التمكيني يراجعون انفسهم ويعيدون النظر فيما أعطى بعضهم لبعض من مقامات تجاوزوا بها حدود التعليمات المحمدية كتقديس القادة والأشخاص نظرا لتاريخهم الدعوي المبارك ، والتقصير في إسداء النصيحة لهم
وبيان الصواب فيما يرون من تصرفات خاطئة مثلا لأنهم جميع شركاء في السير الى الله وجزاء التقدم والتأخر في الانتماء والنصرة للمشروع الرباني مرده الى القوي القادر العليم الحسيب سبحانه ( ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ...)
أضافة تعليق