إبراهيم القيسي
الثورة هبة لعاصفة غاضبة تصطدم بواقع دكتاتوري تحدث نتيجة ردة فعل لممارسة عدوانية تستهدف الحريات وتنتهك الحقوق ولكل ثورة منحى أيدلوجي تنطلق من مبادئه وأهدافه وتعمل وفق خطة مرسومة تتوافق مع أيدلوجية الثورة ولكل ثورة منحى فكري يستهدف جوانب مبادئها التطبيقية وتتنوع جذور الثورات على ضوء المنطلقات الأيدلوجية ولكل ثورة جنس تنتمي إلى بيئته وتتميز بأهدافه وتحمل بصمات حمضه النووي فلدينا من مسمى الثورات الكثير ولكل مسمى منحى يعطي دلالتها ويكشف عن محتوى مضمونها بعلامات تجارية واضحة قد تطابق مع المضمون أو تختلف عنه وغالبا ما تردد الثورات شعارات ظاهرها الحق وباطنها الكذب تستهدف من وراء ذلك خداع أتباعها السذج الذين يكرون على التبعية بعيدا عن استقلال الفكر أو تمحيص الآراء .
وفي حال همجية الثورة وطغيانها وتجردها من القيم الدينية والأخلاقية تعمل صدمة مدمرة للقاعدة وتتجاوز أهدافها المرسومة إلى دركات عميقة تستهدف الخير والشر والحسن والسيئ وتعمى عن التمييز بين المستهدف للتغيير وبين الثابت من القيم والأخلاق وكل ثورة قامت على ردود أفعال سلبية غالبا ما تتجاوز دورها وتعبث بالقيم والأخلاق فالثورة الأوروبية التي استهدفت الكنيسة الإقطاعية وأسقطت دكتاتوريتها الأرستقراطية لم تقف عند حدودها المرسومة بل تعدت إلى أهداف مضادة للقيم السائدة وبدأت تنحو إلى استهداف القيم الفاضلة وتدعو إلى التحلل الأخلاقي كردة فعل شاملة لمحو كل ما يتعلق بالوضع الشمولي السابق فقد رافق هذه الثورة تدمير شامل لكل المبادئ السائدة حتى وصلت الضربة إلى بصمات الفطرة الإنسانية فعملت على انحرافها تحت مسمى الحرية والتمدن وتظهر تلك البصمات جلية في نشاط برتراند رسل الفكري والذي خاض ثورة عارمة لقلب الموازين المألوفة تستهدف القيم والأخلاق استمرت مائة عام دعا فيها إلى الحرية المتمردة على قواعد الأديان والأعراف وشدد على امتثال الحرية الجنسية للمرأة ونتيجة للإجراءات التطبيقية لهذا المضمون فقد أنجبت زوجته منه طفلين وأنجبت من علاقتها غير الشرعية طفلين آخرين .
ففي حال ضعف الدولة وغياب العدالة والحرية تنشأ الكثير من الثورات المغالية وغالبا ما تكون انتقامية تستهدف سفك الدماء وتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتعبث بمقدرات الأمة وتعلن البغي والظلم وتكمم الأفواه وتسعى بانحرافها للعقائد والثوابت الدينية وتفتن الناس بأفكارها الغالية وتلزمهم باعتقادها وتجور في أحكامها فثورة صاحب الزنج في البصرة 270هـ واحدة من هذه الثورات التي انتهزت ضعف الدولة العباسية وأثرت على الزنوج السود الذين يعملون في المزارع الإقطاعية في ظل العبودية فاستطاع هذا الماكر أن يدق على وتر الحرية والعدل واستنقاذ المظلومين فانضم الزنوج إلى ثورته فتقدم بهم نحو العبث والفساد في الأرض .
ومن الثورات العابثة التي جاءت طائرة على جنح الانحراف وتتسلح بأذرع شيطانية من المكر والحيل والخداع وتبدو بأوجه ملونة تحاكي الحرباء في تغيير أشكالها بطريقة آلية ...الحركة الإسماعيلية ’’الباطنية ’’ التي تأسست على مبادئ الزندقة والإلحاد وإظهار الإسلام وإبطان الكفر وقد تفننت في عرض بضاعتها الإباحية وتلاعبها بالدين والخلق واستهوت مرضى القلوب بالشهوات والشبهات وجذبت الكثير إلى صفها من خلال المتعة الشهوانية المطلقة للجنس والمال واستهدفت الجهلاء والفقراء والعبيد في الدولة العباسية يتزعمها حمدان قرمط 270هـ الذي دعا إلى إمامة إسماعيل بن جعفر لكن انتهازية قادتها لم تقف عند هذا الإمام بل تمردوا ودعوا إلى إمامة أنفسهم من أمثال ’’اليهودي’’ عبدالله بن ميمون القداح الذي اتخذ من الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر تكتيكا إستراتيجيا ومنحى أيدلوجيا لكسب الأنصار وتوطيد أركان الحركة فالبيعة كانت تؤخذ باسم الإمام المستور وما هو إلا اليهودي عبيد الله المهدي الذي مافتئ يحرك الأمور في سرية تامة حتى إذا حان القطاف تقدم يعلن نفسه إماما منتسبا إلى العلويين واستطاع بذكائه الشيطاني أن يتغلب على أساطين الدعاة مؤسسا ملكا عضودا في مصر والمغرب وما تاخمها استمر مائتي سنة وعشر من السنوات وقد امتد أحيانا إلى الشام وأحيانا إلى بغداد وطرد الخليفة العباسي من بغداد سنة كاملة .
فالانتهازية صفة لازمة لهذه الحركة فقد تعددت فيها المذاهب مابين باطنية في البحرين بزاعمة أبي طاهر الجنابي 899م ودولة فاطمية في المغرب العربي ومصر بزاعمة عبيدالله المهدي 297هـ ودولة فضلية في اليمن على يد على بن الفضل 299هـ ودولة الحشاشين النزارية في الشام وفارس على يد حسن الصباح (487هـ ــ 518هـ ) ... الخ وكون الحركة قامت على أسس انتهازية بعيدا عن أيدلوجية القيم والأخلاق تهدف من وراء ذلك الوصول إلى السلطة تحت شعار البيعة للإمام المستور وحين تتهيأ الظروف وتكتمل الخطط يثب الأقوياء لقطف الثمرة ويقومون بتصفية القادة المؤثرين في الحركة وذلك ما أقدم عليه عبيد الله المهدي من الدعوة لنفسه ولأولاده وتصفية أبي عبدالله الشيعي الصنعاني الذي بذكائه وحنكته استطاع تذليل الصعاب أمام الحركة في المغرب العربي ومثله حسن الصباح الذي انفصل عن الفاطميين ودعا إلى إمامة ’’ نزار المصطفى لدين الله ’’ وكذلك كل الحركات الثورية التي تقوم على أهداف شخصية أو أسرية عنصرية ضيقة تستخدم القيادات ذات الكفاءة لتذليل الصعاب أمام أهدافها وفي ساعة الصفر تصفى هذه القيادات الطموحة بصورة مأساوية .
ومن الثورات الانتهازية التي ابتلي بها العالم الإسلامي ثورة التتار المغولية والتي هبت كالإعصار المدمر تتساقط حصون الإسلام ودوله تحت سنابك خيلها وتتطاير الرؤوس تحت ضربات سيوفها من خوارزم شاه إلى محيط بغداد ومنها إلى بلاد الشام فمؤسس الإمبراطورية جنكيز خان (1167م ـ 1227م ) والذي اتخذ من بكين عاصمة له قد تفككت إمبراطوريته الكبيرة بالتقسيم بين أحفاده كان أبرزهم هولاكو(1217م ــ 1265م )القائد الدموي الذي قضى على الخلافة العباسية بسقوط بغداد (656هـ ــ 1258م) واجتاح الشام حتى هزيمة جيوشه في معركة عين جالوت 1260م ومن أحفاده الذين لعبوا دورا كبيرا في التاريخ تيمور لنك (1336م ـ 1405م ) فقد بنى إمبراطورية كبيرة نمت بصورة سريعة وانتهت بصورة سريعة وهذه الثورات المغولية من أفظع الثورات التي قامت على مبادئ دموية انتهازية استغلت جوانب الضعف عند حكام المسلمين فضربت ضربتها القاتلة في سفك دماء المسلمين والاستحواذ على ملكهم وثرواتهم بعيدا عن الأخلاق والقيم والدين .
فالكثير من تلك الثورات قامت على الأطماع التي تتذرع بأفكار خداعة وترفع شعارات مزيفة وتخدع قطيعا كبيرا من الناس فتسخر جهودهم وتضحياتهم لأهداف غير معلنة ومن أمثال هذه الثورات الشيوعية الإلحادية والنازية الدموية والفاشية القمعية وهي ثورات دكتاتورية شمولية تخصبت بأفكار عدوانية تشتعل بالحقد والعداء الشامل للبشرية فماركس 1818م ـ 1883م ألهمه حقده وشيطانه على تأليف تلك النظرية التي طبقت في الاتحاد السوفيتي على يد الدموي لينين مؤسس الحزب الشيوعي في روسيا 1870م ـ 1924م وقائد ثورة أكتوبر 1924م وكذلك جوزيف ستالين سكرتير الحزب الشيوعي فقد أحرقت هذه الحركة أمما وقتلت مئات الملايين في سبيل تطبيق النظرية الشيوعية التي تزعم الاشتراكية وتدعم ثورة العمال والكادحين ضد الطبقة الأرستقراطية وهي كذبة أيدلوجية فاضحة سخرت جهود هؤلاء لصالح قادة الحزب وبقي العمال في مزبلة الجوع والقهر ينتظرون وعود الرفاهية والعيش الرغيد على ارتشاف الأبواق الإعلامية الكاذبة فقد عمرت هذه الحركة ما يقارب السبعين عاما ثم سقطت في مزبلة التاريخ متأثرة بدموية خنجرها القاتل وبسراب مبادئها الكاذبة بعد أن دمرت أمما وأهلكت الحرث والنسل وسفكت دماء ملايين الأبرياء من المسلمين والمسيحيين .
أما الفاشية القمعية بزعامة بينيتو موسوليني (1883م ـ 1945م ) فقد اعتمدت على القمع والإكراه والعنف الذي يبتدأ بالتهديد اللفظي وينتهي بالتصفية الجسدية وهو القائل عام 1922م عقب قمعه لإضراب شامل استهدف سلطته ’’لقد حققنا باستخدام العنف لمدة 48ساعة أكثر مما كان من الممكن تحقيقه في 48عاما من الدعاية والخطب والمواعظ ’’ ...أما حركة الشيطان النازية فحدث عنها ولا حرج فقد حولت العالم إلى جحيم لا يطاق وحولت الأرض إلى برك من الدماء يحدوها سعار الجشع والتعطش للدكتاتورية والاستبداد فهي تلهث جريا وراء المكاسب القومية والسياسية والاقتصادية مستهينة بأرواح الملايين الذين راحوا ضحية جنونها وعنصريتها التي تتغذى على دكتاتورية شمولية وتستعر بأطماع غير محدودة تقدمت تحرق البشرية وتسحق الأمن والسلام وتبني من الجماجم صروح مجدها وتصنع من الدماء شلالات منتزهاتها ليتسلى أدولف هلتر (1889م ــ 1945م) بملاحم الموت الجماعي ولم يكن في حسبانه وهو في قمة انتصاراته أن يفكر في الهزيمة الماحقة فألمانيا على رغم خروجها من الحرب العالمية الأولى مهزومة وموقعة على معاهدة فرساي وملتزمة بتعويض الأضرار التي نجمت عن الحرب العالمية الأولى فقد حازت على انتصارات خيالية ففي خلال ثلاث سنوات استطاعت أن تحتل دول المحور معظم قارة أوروبا ماعدا ’’بريطانيا’’ وأجزاء كبيرة من أفريقيا ودول شرق وجنوب آسيا والدول المطلة على المحيط الهندي وثلث مساحة الاتحاد السوفيتي ولم يقدر هتلر الهزيمة الماحقة التي ستلحق به من الحلفاء وهو في قمة انتصاره لكن غروره باجتياح السوفيت مهد لهزيمته فقد حاصرته جيوش الحلفاء في عاصمته برلين واضطر إلى الانتحار مع عشيقته إيفان براون بعد زواجهما بيوم واحد في عام 1945م وأحرق جسده ودفن في التراب وانتهت أسطورة النازي وتنفس العالم الصعداء .
وبنظرة عميقة ومتجولة في التراث التاريخي لتلك الثورات وما رافقها من أحداث مأساوية ولدت براكين المنايا وزرعت أعاصير الموت وخلفت بحيرات من الدماء وطوفانا من الكوارث الإنسانية وجنت على الأمن والسلام وكممت الأفواه ومسخت الفطر والطبائع وضربت بالقيم الأخلاقية والدينية أرضا وأنشأت الثقافة المنحرفة وأشعلت قسوة القلوب ودمرت كل جميل فالذي استهوى تلك الثورات لاستمراء الدكتاتورية هو الشق الكبير في أعماق الفطرة الذي مليء بالكراهة للإنسانية وبالحقد الشيطاني وبالتمرد والانحراف عن القيم والأخلاق ولازال التاريخ يعرض لنا نماذجا حية تتالى عبر الحقب والأزمنة المتلاحقة تعطي صورة استنساخية لتلك الحمى التاريخية التي لازالت من فترة إلى أخرى تؤرخ لميلاد جديد لبعض تلك الحركات الدموية التي تستهين بالقيم والأخلاق من أجل الوصول إلى أهدافها العنصرية المغروسة على بحيرات الدماء فالموروث السياسي والفكري للحركات الشيعية بمختلف مشاربها قد استوعبته الثورة الإيرانية عام 1979م بقيادة الإمام الخميني والذي استطاع بثورته الإسلامية المدعومة أمريكيا وأوروبيا أن يجمع تلك الروافد تحت راية ثورته فقد عمل لها بعض الهرمونات التحفيزية في جميع الأقطار العربية تحت مسمى تصدير الثورة فاستيقظت تلك الخلايا النائمة في سوريا ولبنان واليمن لتؤدي دورها التاريخي لسفك دماء المسلمين في ملاحم تكتظ بآلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ .
فأصبح التاريخ يعيد لنا ملاحم الحجيج في مكة على يد أبي طاهر الجنابي واغتيالات حركة الحشاشين النزارية بقيادة حسن الصباح وفتنة العلماء السنة على يد عبيدالله المهدي في مصر وإباحية علي بن الفضل في صنعاء فقد نشطت هذه الحركات الباطنية التي تتخذ من آل البيت حصنا يستر سوءات أفكارهم الباطنية متخذين من التقية وسيلة لمواراة أهدافهم الحقيقية التي برزت في العراق وسوريا واليمن... واستهداف هذه الدول الثلاث لم يأت من قبيل الصدفة التاريخية ولكنها أيدلوجية تبنى على أبعاد عقائدية تتكئ على مبشرات تمجد هذه الدول وما تحمله من إرث إسلامي يتضخم مع المواقع الإستراتيجية التي تحتلها الدول الثلاث فالصراع العقائدي بين السنة والشيعة يعود إلى فترات قديمة يشتد حينا ويخفت أخرى وما نلحظه من حضور للتواجد الشيعي على اختلاف مشاربه يعطي مؤشرا خطيرا وخاصة بعد استيعابه من الدولة الإيرانية الراعي الأول لكل الفصائل العاملة في الحقل الشيعي الرافضي والذي يبدو بتنظيم دقيق يسند بالتدريبات العسكرية التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني فظهور حزب الله اللبناني وما يحمله من مشروع ثوري ظاهره ضد العدو الصهيوني وباطنه يستهدف الشعب اللبناني الخارج عن نطاق اللعبة الشيعية الصهيونية وتصفية السنيين العزل الذي يقفون أمام المد الشيعي المتوغل في أعماق الوطن اللبناني الجريح .
أما على المستوى السوري فالظهور قد بدا بصورة ملحمية تعزز الصراع القائم بين السلطة والجيش الحر حيث ساندت القوى الشيعية المؤتلفة النظام لقواسم أيدلوجية مشتركة تكونت عبر روافد تاريخية وثقافية وسياسية ومذهبية تتجسد في إطار ديناميكي يتحرك نحو أهداف مرسومة تحافظ على مستوى إستراتيجي يدعم العقيدة السياسية المشتركة وتحمي سياج الأمن الفكري الجامع لفلول الرافضة في إطارها الأيدلوجي بعيدا عن التشظي والسقوط خارج معادلة السلطة فقد عملت الرافضة على استيعاب الكثير من السنيين إلى حظيرتها الشيعية ووسعت من مفهوم العلوية بوسائل وطرق متاحة لديها في نطاق توسيع المحتوى الجغرافي المتكئ على التنمية البشرية وتكثيف الجهود لإقناع أكبر قدر ممكن من الأتباع للإيمان بالمذهب ليتجدد الاتصال على قواعد متاحة تعتضد بالعنصرية والتعصب غير المحدود .
أما المشهد العراقي فهو أكثر بروزا نتيجة اليقين السياسي المدعوم أمريكيا فقد ظهرت علامته تتجلى بالدعم اللوجستي غير المحدود من السياسة الأمريكية من حيث مساندتها للمالكي للوصول إلى السلطة في فترتين انتخابيتين وليس ذلك غريبا فالعلاقة الوطيدة بين إيران وأمريكا متصلة منذ قيام الثورة الإيرانية على الشاه بقيادة الخميني 1979م وزادت تلك العلاقة الحميمة بعد سقوط صدام الخصم السياسي اللدود الذي قامت أمريكا لتثأر منه إرضاء لربيبتها السياسية إيران إضافة إلى الرصيد الأيدلوجي التاريخي للشيعة في العراق وما يحمله العراق من العتبات المقدسة حيث مراقد الأئمة وكعبة المزار للحجاج والوافدين فثقل الشيعة في العراق لم يعد خافيا على أحد بما يدل عليه من مؤشرات سياسية وأيدلوجية فإيران تدعم التغيير السياسي العراقي لتأخذ بخطام المسار نحو توجهاتها السياسية والأيدلوجية وهي تعمل مع القوى الخارجية لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات يكون حظ الشيعة في الجنوب منه ليتواءم مع القوى الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية .
أما على صعيد اليمن فقد ساندت إيران الحركة الحوثية ذات الأبعاد الأيدلوجية المتصلة بروافد باطنية تتستر بغطاء الزيدية وكون اليمن ذا عراقة قديمة لاستيعاب الفكر الزيدي منذ فترة تاريخية مبكرة تعود إلى عام 284هـ وتمتد عبر التاريخ اليمني إلى عام 1962م حيث تنتهي بقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وكون اليمن يحمل من المميزات الإستراتيجية الكثير كما أنه يحمل قوة ثقافية وسياسية ذات مرجعيات شيعية إضافة إلى القوى البشرية ذات التاريخ النضالي الطويل وله دوره التاريخي في تغيير موازين القوى وترجيحها لما يحمله طابعه الميمون من صدق نضالي عريق فالرصيد الشيعي المخزون في لواء الشام المتمثل في محافظة صعدة وما تاخمها قد أعطى إيران ثقة مطلقة بقدرة المتمرد الحوثي بتغيير موازين القوى في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي لصالح إيران فمافتئت تمده بالسلاح والمال وبالتدريب العسكري وتضع له الخطط الإستراتيجية وتؤمن له المرجعية الدولية ليعيش في نطاق محروس من أي استهداف داخلي أو خارجي فمضى يوسع نطاقه الجغرافي مستغلا ضعف الدولة ليحوز على أكبر قدر من النجاح السياسي غير أنه اصطدم بسخرة السلفيين الذين استهدفهم بناره لتصفيتهم أو ترحيلهم ليخلو جو صعدة السياسي لأيدلوجيته الباطنية الإيرانية لينطلق منها إلى عموم اليمن .
-صحافة جيل الوحدة
الثورة هبة لعاصفة غاضبة تصطدم بواقع دكتاتوري تحدث نتيجة ردة فعل لممارسة عدوانية تستهدف الحريات وتنتهك الحقوق ولكل ثورة منحى أيدلوجي تنطلق من مبادئه وأهدافه وتعمل وفق خطة مرسومة تتوافق مع أيدلوجية الثورة ولكل ثورة منحى فكري يستهدف جوانب مبادئها التطبيقية وتتنوع جذور الثورات على ضوء المنطلقات الأيدلوجية ولكل ثورة جنس تنتمي إلى بيئته وتتميز بأهدافه وتحمل بصمات حمضه النووي فلدينا من مسمى الثورات الكثير ولكل مسمى منحى يعطي دلالتها ويكشف عن محتوى مضمونها بعلامات تجارية واضحة قد تطابق مع المضمون أو تختلف عنه وغالبا ما تردد الثورات شعارات ظاهرها الحق وباطنها الكذب تستهدف من وراء ذلك خداع أتباعها السذج الذين يكرون على التبعية بعيدا عن استقلال الفكر أو تمحيص الآراء .
وفي حال همجية الثورة وطغيانها وتجردها من القيم الدينية والأخلاقية تعمل صدمة مدمرة للقاعدة وتتجاوز أهدافها المرسومة إلى دركات عميقة تستهدف الخير والشر والحسن والسيئ وتعمى عن التمييز بين المستهدف للتغيير وبين الثابت من القيم والأخلاق وكل ثورة قامت على ردود أفعال سلبية غالبا ما تتجاوز دورها وتعبث بالقيم والأخلاق فالثورة الأوروبية التي استهدفت الكنيسة الإقطاعية وأسقطت دكتاتوريتها الأرستقراطية لم تقف عند حدودها المرسومة بل تعدت إلى أهداف مضادة للقيم السائدة وبدأت تنحو إلى استهداف القيم الفاضلة وتدعو إلى التحلل الأخلاقي كردة فعل شاملة لمحو كل ما يتعلق بالوضع الشمولي السابق فقد رافق هذه الثورة تدمير شامل لكل المبادئ السائدة حتى وصلت الضربة إلى بصمات الفطرة الإنسانية فعملت على انحرافها تحت مسمى الحرية والتمدن وتظهر تلك البصمات جلية في نشاط برتراند رسل الفكري والذي خاض ثورة عارمة لقلب الموازين المألوفة تستهدف القيم والأخلاق استمرت مائة عام دعا فيها إلى الحرية المتمردة على قواعد الأديان والأعراف وشدد على امتثال الحرية الجنسية للمرأة ونتيجة للإجراءات التطبيقية لهذا المضمون فقد أنجبت زوجته منه طفلين وأنجبت من علاقتها غير الشرعية طفلين آخرين .
ففي حال ضعف الدولة وغياب العدالة والحرية تنشأ الكثير من الثورات المغالية وغالبا ما تكون انتقامية تستهدف سفك الدماء وتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتعبث بمقدرات الأمة وتعلن البغي والظلم وتكمم الأفواه وتسعى بانحرافها للعقائد والثوابت الدينية وتفتن الناس بأفكارها الغالية وتلزمهم باعتقادها وتجور في أحكامها فثورة صاحب الزنج في البصرة 270هـ واحدة من هذه الثورات التي انتهزت ضعف الدولة العباسية وأثرت على الزنوج السود الذين يعملون في المزارع الإقطاعية في ظل العبودية فاستطاع هذا الماكر أن يدق على وتر الحرية والعدل واستنقاذ المظلومين فانضم الزنوج إلى ثورته فتقدم بهم نحو العبث والفساد في الأرض .
ومن الثورات العابثة التي جاءت طائرة على جنح الانحراف وتتسلح بأذرع شيطانية من المكر والحيل والخداع وتبدو بأوجه ملونة تحاكي الحرباء في تغيير أشكالها بطريقة آلية ...الحركة الإسماعيلية ’’الباطنية ’’ التي تأسست على مبادئ الزندقة والإلحاد وإظهار الإسلام وإبطان الكفر وقد تفننت في عرض بضاعتها الإباحية وتلاعبها بالدين والخلق واستهوت مرضى القلوب بالشهوات والشبهات وجذبت الكثير إلى صفها من خلال المتعة الشهوانية المطلقة للجنس والمال واستهدفت الجهلاء والفقراء والعبيد في الدولة العباسية يتزعمها حمدان قرمط 270هـ الذي دعا إلى إمامة إسماعيل بن جعفر لكن انتهازية قادتها لم تقف عند هذا الإمام بل تمردوا ودعوا إلى إمامة أنفسهم من أمثال ’’اليهودي’’ عبدالله بن ميمون القداح الذي اتخذ من الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر تكتيكا إستراتيجيا ومنحى أيدلوجيا لكسب الأنصار وتوطيد أركان الحركة فالبيعة كانت تؤخذ باسم الإمام المستور وما هو إلا اليهودي عبيد الله المهدي الذي مافتئ يحرك الأمور في سرية تامة حتى إذا حان القطاف تقدم يعلن نفسه إماما منتسبا إلى العلويين واستطاع بذكائه الشيطاني أن يتغلب على أساطين الدعاة مؤسسا ملكا عضودا في مصر والمغرب وما تاخمها استمر مائتي سنة وعشر من السنوات وقد امتد أحيانا إلى الشام وأحيانا إلى بغداد وطرد الخليفة العباسي من بغداد سنة كاملة .
فالانتهازية صفة لازمة لهذه الحركة فقد تعددت فيها المذاهب مابين باطنية في البحرين بزاعمة أبي طاهر الجنابي 899م ودولة فاطمية في المغرب العربي ومصر بزاعمة عبيدالله المهدي 297هـ ودولة فضلية في اليمن على يد على بن الفضل 299هـ ودولة الحشاشين النزارية في الشام وفارس على يد حسن الصباح (487هـ ــ 518هـ ) ... الخ وكون الحركة قامت على أسس انتهازية بعيدا عن أيدلوجية القيم والأخلاق تهدف من وراء ذلك الوصول إلى السلطة تحت شعار البيعة للإمام المستور وحين تتهيأ الظروف وتكتمل الخطط يثب الأقوياء لقطف الثمرة ويقومون بتصفية القادة المؤثرين في الحركة وذلك ما أقدم عليه عبيد الله المهدي من الدعوة لنفسه ولأولاده وتصفية أبي عبدالله الشيعي الصنعاني الذي بذكائه وحنكته استطاع تذليل الصعاب أمام الحركة في المغرب العربي ومثله حسن الصباح الذي انفصل عن الفاطميين ودعا إلى إمامة ’’ نزار المصطفى لدين الله ’’ وكذلك كل الحركات الثورية التي تقوم على أهداف شخصية أو أسرية عنصرية ضيقة تستخدم القيادات ذات الكفاءة لتذليل الصعاب أمام أهدافها وفي ساعة الصفر تصفى هذه القيادات الطموحة بصورة مأساوية .
ومن الثورات الانتهازية التي ابتلي بها العالم الإسلامي ثورة التتار المغولية والتي هبت كالإعصار المدمر تتساقط حصون الإسلام ودوله تحت سنابك خيلها وتتطاير الرؤوس تحت ضربات سيوفها من خوارزم شاه إلى محيط بغداد ومنها إلى بلاد الشام فمؤسس الإمبراطورية جنكيز خان (1167م ـ 1227م ) والذي اتخذ من بكين عاصمة له قد تفككت إمبراطوريته الكبيرة بالتقسيم بين أحفاده كان أبرزهم هولاكو(1217م ــ 1265م )القائد الدموي الذي قضى على الخلافة العباسية بسقوط بغداد (656هـ ــ 1258م) واجتاح الشام حتى هزيمة جيوشه في معركة عين جالوت 1260م ومن أحفاده الذين لعبوا دورا كبيرا في التاريخ تيمور لنك (1336م ـ 1405م ) فقد بنى إمبراطورية كبيرة نمت بصورة سريعة وانتهت بصورة سريعة وهذه الثورات المغولية من أفظع الثورات التي قامت على مبادئ دموية انتهازية استغلت جوانب الضعف عند حكام المسلمين فضربت ضربتها القاتلة في سفك دماء المسلمين والاستحواذ على ملكهم وثرواتهم بعيدا عن الأخلاق والقيم والدين .
فالكثير من تلك الثورات قامت على الأطماع التي تتذرع بأفكار خداعة وترفع شعارات مزيفة وتخدع قطيعا كبيرا من الناس فتسخر جهودهم وتضحياتهم لأهداف غير معلنة ومن أمثال هذه الثورات الشيوعية الإلحادية والنازية الدموية والفاشية القمعية وهي ثورات دكتاتورية شمولية تخصبت بأفكار عدوانية تشتعل بالحقد والعداء الشامل للبشرية فماركس 1818م ـ 1883م ألهمه حقده وشيطانه على تأليف تلك النظرية التي طبقت في الاتحاد السوفيتي على يد الدموي لينين مؤسس الحزب الشيوعي في روسيا 1870م ـ 1924م وقائد ثورة أكتوبر 1924م وكذلك جوزيف ستالين سكرتير الحزب الشيوعي فقد أحرقت هذه الحركة أمما وقتلت مئات الملايين في سبيل تطبيق النظرية الشيوعية التي تزعم الاشتراكية وتدعم ثورة العمال والكادحين ضد الطبقة الأرستقراطية وهي كذبة أيدلوجية فاضحة سخرت جهود هؤلاء لصالح قادة الحزب وبقي العمال في مزبلة الجوع والقهر ينتظرون وعود الرفاهية والعيش الرغيد على ارتشاف الأبواق الإعلامية الكاذبة فقد عمرت هذه الحركة ما يقارب السبعين عاما ثم سقطت في مزبلة التاريخ متأثرة بدموية خنجرها القاتل وبسراب مبادئها الكاذبة بعد أن دمرت أمما وأهلكت الحرث والنسل وسفكت دماء ملايين الأبرياء من المسلمين والمسيحيين .
أما الفاشية القمعية بزعامة بينيتو موسوليني (1883م ـ 1945م ) فقد اعتمدت على القمع والإكراه والعنف الذي يبتدأ بالتهديد اللفظي وينتهي بالتصفية الجسدية وهو القائل عام 1922م عقب قمعه لإضراب شامل استهدف سلطته ’’لقد حققنا باستخدام العنف لمدة 48ساعة أكثر مما كان من الممكن تحقيقه في 48عاما من الدعاية والخطب والمواعظ ’’ ...أما حركة الشيطان النازية فحدث عنها ولا حرج فقد حولت العالم إلى جحيم لا يطاق وحولت الأرض إلى برك من الدماء يحدوها سعار الجشع والتعطش للدكتاتورية والاستبداد فهي تلهث جريا وراء المكاسب القومية والسياسية والاقتصادية مستهينة بأرواح الملايين الذين راحوا ضحية جنونها وعنصريتها التي تتغذى على دكتاتورية شمولية وتستعر بأطماع غير محدودة تقدمت تحرق البشرية وتسحق الأمن والسلام وتبني من الجماجم صروح مجدها وتصنع من الدماء شلالات منتزهاتها ليتسلى أدولف هلتر (1889م ــ 1945م) بملاحم الموت الجماعي ولم يكن في حسبانه وهو في قمة انتصاراته أن يفكر في الهزيمة الماحقة فألمانيا على رغم خروجها من الحرب العالمية الأولى مهزومة وموقعة على معاهدة فرساي وملتزمة بتعويض الأضرار التي نجمت عن الحرب العالمية الأولى فقد حازت على انتصارات خيالية ففي خلال ثلاث سنوات استطاعت أن تحتل دول المحور معظم قارة أوروبا ماعدا ’’بريطانيا’’ وأجزاء كبيرة من أفريقيا ودول شرق وجنوب آسيا والدول المطلة على المحيط الهندي وثلث مساحة الاتحاد السوفيتي ولم يقدر هتلر الهزيمة الماحقة التي ستلحق به من الحلفاء وهو في قمة انتصاره لكن غروره باجتياح السوفيت مهد لهزيمته فقد حاصرته جيوش الحلفاء في عاصمته برلين واضطر إلى الانتحار مع عشيقته إيفان براون بعد زواجهما بيوم واحد في عام 1945م وأحرق جسده ودفن في التراب وانتهت أسطورة النازي وتنفس العالم الصعداء .
وبنظرة عميقة ومتجولة في التراث التاريخي لتلك الثورات وما رافقها من أحداث مأساوية ولدت براكين المنايا وزرعت أعاصير الموت وخلفت بحيرات من الدماء وطوفانا من الكوارث الإنسانية وجنت على الأمن والسلام وكممت الأفواه ومسخت الفطر والطبائع وضربت بالقيم الأخلاقية والدينية أرضا وأنشأت الثقافة المنحرفة وأشعلت قسوة القلوب ودمرت كل جميل فالذي استهوى تلك الثورات لاستمراء الدكتاتورية هو الشق الكبير في أعماق الفطرة الذي مليء بالكراهة للإنسانية وبالحقد الشيطاني وبالتمرد والانحراف عن القيم والأخلاق ولازال التاريخ يعرض لنا نماذجا حية تتالى عبر الحقب والأزمنة المتلاحقة تعطي صورة استنساخية لتلك الحمى التاريخية التي لازالت من فترة إلى أخرى تؤرخ لميلاد جديد لبعض تلك الحركات الدموية التي تستهين بالقيم والأخلاق من أجل الوصول إلى أهدافها العنصرية المغروسة على بحيرات الدماء فالموروث السياسي والفكري للحركات الشيعية بمختلف مشاربها قد استوعبته الثورة الإيرانية عام 1979م بقيادة الإمام الخميني والذي استطاع بثورته الإسلامية المدعومة أمريكيا وأوروبيا أن يجمع تلك الروافد تحت راية ثورته فقد عمل لها بعض الهرمونات التحفيزية في جميع الأقطار العربية تحت مسمى تصدير الثورة فاستيقظت تلك الخلايا النائمة في سوريا ولبنان واليمن لتؤدي دورها التاريخي لسفك دماء المسلمين في ملاحم تكتظ بآلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ .
فأصبح التاريخ يعيد لنا ملاحم الحجيج في مكة على يد أبي طاهر الجنابي واغتيالات حركة الحشاشين النزارية بقيادة حسن الصباح وفتنة العلماء السنة على يد عبيدالله المهدي في مصر وإباحية علي بن الفضل في صنعاء فقد نشطت هذه الحركات الباطنية التي تتخذ من آل البيت حصنا يستر سوءات أفكارهم الباطنية متخذين من التقية وسيلة لمواراة أهدافهم الحقيقية التي برزت في العراق وسوريا واليمن... واستهداف هذه الدول الثلاث لم يأت من قبيل الصدفة التاريخية ولكنها أيدلوجية تبنى على أبعاد عقائدية تتكئ على مبشرات تمجد هذه الدول وما تحمله من إرث إسلامي يتضخم مع المواقع الإستراتيجية التي تحتلها الدول الثلاث فالصراع العقائدي بين السنة والشيعة يعود إلى فترات قديمة يشتد حينا ويخفت أخرى وما نلحظه من حضور للتواجد الشيعي على اختلاف مشاربه يعطي مؤشرا خطيرا وخاصة بعد استيعابه من الدولة الإيرانية الراعي الأول لكل الفصائل العاملة في الحقل الشيعي الرافضي والذي يبدو بتنظيم دقيق يسند بالتدريبات العسكرية التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني فظهور حزب الله اللبناني وما يحمله من مشروع ثوري ظاهره ضد العدو الصهيوني وباطنه يستهدف الشعب اللبناني الخارج عن نطاق اللعبة الشيعية الصهيونية وتصفية السنيين العزل الذي يقفون أمام المد الشيعي المتوغل في أعماق الوطن اللبناني الجريح .
أما على المستوى السوري فالظهور قد بدا بصورة ملحمية تعزز الصراع القائم بين السلطة والجيش الحر حيث ساندت القوى الشيعية المؤتلفة النظام لقواسم أيدلوجية مشتركة تكونت عبر روافد تاريخية وثقافية وسياسية ومذهبية تتجسد في إطار ديناميكي يتحرك نحو أهداف مرسومة تحافظ على مستوى إستراتيجي يدعم العقيدة السياسية المشتركة وتحمي سياج الأمن الفكري الجامع لفلول الرافضة في إطارها الأيدلوجي بعيدا عن التشظي والسقوط خارج معادلة السلطة فقد عملت الرافضة على استيعاب الكثير من السنيين إلى حظيرتها الشيعية ووسعت من مفهوم العلوية بوسائل وطرق متاحة لديها في نطاق توسيع المحتوى الجغرافي المتكئ على التنمية البشرية وتكثيف الجهود لإقناع أكبر قدر ممكن من الأتباع للإيمان بالمذهب ليتجدد الاتصال على قواعد متاحة تعتضد بالعنصرية والتعصب غير المحدود .
أما المشهد العراقي فهو أكثر بروزا نتيجة اليقين السياسي المدعوم أمريكيا فقد ظهرت علامته تتجلى بالدعم اللوجستي غير المحدود من السياسة الأمريكية من حيث مساندتها للمالكي للوصول إلى السلطة في فترتين انتخابيتين وليس ذلك غريبا فالعلاقة الوطيدة بين إيران وأمريكا متصلة منذ قيام الثورة الإيرانية على الشاه بقيادة الخميني 1979م وزادت تلك العلاقة الحميمة بعد سقوط صدام الخصم السياسي اللدود الذي قامت أمريكا لتثأر منه إرضاء لربيبتها السياسية إيران إضافة إلى الرصيد الأيدلوجي التاريخي للشيعة في العراق وما يحمله العراق من العتبات المقدسة حيث مراقد الأئمة وكعبة المزار للحجاج والوافدين فثقل الشيعة في العراق لم يعد خافيا على أحد بما يدل عليه من مؤشرات سياسية وأيدلوجية فإيران تدعم التغيير السياسي العراقي لتأخذ بخطام المسار نحو توجهاتها السياسية والأيدلوجية وهي تعمل مع القوى الخارجية لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات يكون حظ الشيعة في الجنوب منه ليتواءم مع القوى الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية .
أما على صعيد اليمن فقد ساندت إيران الحركة الحوثية ذات الأبعاد الأيدلوجية المتصلة بروافد باطنية تتستر بغطاء الزيدية وكون اليمن ذا عراقة قديمة لاستيعاب الفكر الزيدي منذ فترة تاريخية مبكرة تعود إلى عام 284هـ وتمتد عبر التاريخ اليمني إلى عام 1962م حيث تنتهي بقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وكون اليمن يحمل من المميزات الإستراتيجية الكثير كما أنه يحمل قوة ثقافية وسياسية ذات مرجعيات شيعية إضافة إلى القوى البشرية ذات التاريخ النضالي الطويل وله دوره التاريخي في تغيير موازين القوى وترجيحها لما يحمله طابعه الميمون من صدق نضالي عريق فالرصيد الشيعي المخزون في لواء الشام المتمثل في محافظة صعدة وما تاخمها قد أعطى إيران ثقة مطلقة بقدرة المتمرد الحوثي بتغيير موازين القوى في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي لصالح إيران فمافتئت تمده بالسلاح والمال وبالتدريب العسكري وتضع له الخطط الإستراتيجية وتؤمن له المرجعية الدولية ليعيش في نطاق محروس من أي استهداف داخلي أو خارجي فمضى يوسع نطاقه الجغرافي مستغلا ضعف الدولة ليحوز على أكبر قدر من النجاح السياسي غير أنه اصطدم بسخرة السلفيين الذين استهدفهم بناره لتصفيتهم أو ترحيلهم ليخلو جو صعدة السياسي لأيدلوجيته الباطنية الإيرانية لينطلق منها إلى عموم اليمن .
-صحافة جيل الوحدة