مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مباهاة الملائكة
بقلم :مها المحمدي-خاص بالوفاق
يجئ من مقص الزمان ويذهب ما يجتمع في أثواب قصار وطوال ، يعلو ويسفل من رمي
تواريخ الأزل فإذا بعض أيامه من أيامه لا شيء سوى العدد ، وإذا بعض أيامه هي كل أيامه بلا عدد ! وسبحان من أراد فرفع وخفض !
يوم من تاريخ الأزل ، ومكان هو عين الصدارة من الأزل ، لا يضيق بالناس ولا يصم عن الأصوات ، ولا يتبرم بضعيف ولا ينتشي بقوي ، هو المُلك من مالك المُلك ، يملكه الجميع في سوادهم الأعظم فيرتفعون به وإن ذلوا !
عرفة يوم من الزمن القدسي ، ومكان من القدس السماوي ، الحج أشهر معلومات وهو العَلم فيها والحج من أشهر الله الحُرم ودم المسلم بحرمة يومنا هذا في شهرنا هذا في بلدنا هذا ! وما بلدنا إلا قدس الأقداس !، {والفجر وليال عشر } قَسم بيوم من قَسم ببلد { والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين } فاق فضل أيام عشر الأضحى كل عمل زكي ،قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء .
من يوم عرفة البدء للحنيفية وهو التمام لها ، فإن قيل في تسميته لأن الناس يتعرفون عليه ، أو للقاء آدم بحواء - عليهما السلام - بعد الهبوط إلى الأرض لتبدأ رحلة البشرية عليها ، إلا أن للقول بأن السبب في التسمية أن جبريل طاف بإبراهيم – عليهما السلام – يُريه المشاهد فيقول له : أعرفت ؟ أعرفت ؟ فيقول الخليل عليه السلام – : عرفت عرفت .
لهذا القول ثغر بسام لفجر الحنيفية تتطاير على لمحاته ستائر الظلام ، ثم ما تلبث أن تُريق من ترياق الحقائق أفق ختم النبوة وإكمال الدين وتمام النعمة بتمام الملة ، رجل من اليهود أتى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال :
يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
قال: أي آية؟

قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا}
قال عمر – رضي الله عنه : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
تبني الشهوات واللذات عالم الأثرة من الدنيا وتبني شعائر وأعلام عالم الرحمات فلا يبقى من حطام الدنيا إلا الباقيات الصالحات ، سن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة وحض على صيامه لغير الحاج بعَلم رحمة فقال في فضله : يكفر السنة الماضية والسنة القابلة .
هنا تسكب العبرات ، تلتصق بحائط النفس الشفاف وتنطلق من قلوب قادها شراع الأماني إلى مرسى الغفران بحاسة العبودية ، وهل العبودية إلا حاسة وجارحة ووقدة من فكر وهاج عَظُمت نفسه فيه فعرف أن خالقه أعظم فمَّزق نفسه تلك على أعتابها ، ولما عظم الطلب عَّظم الدعاء خير الدعاء دعاء يوم عرفة بذا وصفه صاحب الحوض – صلى الله عليه وسلم –
ضج الحجيج او انكسروا ....
كنهر الجليد الأبيض المتكسر تتخلله أشعة الشمس بوهن الضعف فتصفوا بلورات منه وتتحرك كتل كالجبال ببطء من يتقلب النعاس في جفنيه فيرفع رأسه ليفيق فيشده النوم بحبال الكسل .
وهكذا و بذنوب كالجبال نرتمي وقوفاً على طود باذخ المعاني في حقيقة معلومة بظهور الشمس على الحيطان حتى أجرأنا على كبير المعاصي يقف مذهولاً عنها بواقع الحقيقة المعلومة ويباهي ربنا جل جلاله بالجميع ملائكته البررة يقول صاحب الحوض – صلى الله عليه وسلم - : إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ! يقول سبحانه :
انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبرا ، حاجين جاءوا من كل فج عميق ؛ يرجون رحمتي ولم يروا عذابي ، فلم ير يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة .
أيام تتجدد فيها النفوس ، ويجددون عهدهم بربهم وهم الذر في صلب أبيهم آدم حين أشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم ؟ قالوا : بلى ، واليوم يفعلونها ، تلك ساعات من أيام عيد للمؤمنين ، تبزغ فيها شموس من النفوس فلا المكان جزء من الأرض ولا الزمان برهة الأزل !
أيام تتجدد فيها رحمة العلي القدير وما تردد فيها بكرمه عن عُصاته فكيف بالطائعين شعثاً غبرا !؟ أيام يتكرم السيد على عبيده بسيل العتق من النار ، وللعبودية اعتلاج الشعور المطمئن الخائف بلون التنهيد الوردي بعواطف مشبوبة ، تسجل من تاريخ الصلة تخط بقلم رقيق من النور فتخلق الحركة في وقوف وطواف وسعي وركوع وسجود وبطن كف يناجي ربه فتستفيض الروح ولها أن تفيض .
من العزة طرف وعلى الطرف الثاني يسترجع الشيطان ذكراه مع ابراهيم - عليه السلام- يوم دحره بحصوات ويجتر مرارة الحصى ولا يسهو عنه القدر فيزيد الدحر من لغته في تحقير وغيظ ، ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب .
الحج عرفة ؟ !
عرفة اليوم ..عرفة الجبل ..
عرفة المكان والزمان
بجبروت العقول ورقة القلوب
بأسلوب الحظ وجهد العمل
لا تُصنف الكلمات حين يجيش البحر ولا تتكأ الأعصاب حين تتضعضع الدموع .
جاء اليقين بأسباب الخلود جبل عرفة وناداه قال :
ما أنت ناظر في نفسك من أسبابي ؟
فانشطر عرفة بلغتين :
لغة الجلال بصحائف المقدور
ولغة حرب الهوى بغليان العاطفة
استبد به الفخر وقال :
رفعت الأقلام وجفت الصحف ، فلعلك عاذري .
أضافة تعليق