مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
وقفات مع المشهد  المصري 3/ أسئلة ما بعد الانقلاب
عبد العزيز كحيل
انقلاب ضدّ فكرة:حركة التمرّد والغدر التي قادها العسكر والعلمانيون في مصر هي – ككلّ انقلاب – انقلاب على فكرة قبل أن تكون خروجا على الشرعية الدستورية وإزاحة لرئيس أو لحزب أو تيار، إنهم لم يقوموا في حقيقة الأمر ضدّ الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين لأنهم يختلفون معها سياسيّا وإنما قاموا ضدّ سابقة يعتبرونها خطيرة عليهم هي الشرعية الشعبية التي يفصل فيها صندوق الانتخاب الشفّاف النزيه، لأنها تُفقدهم السلطة العليا التي ألِفوها منذ 60 سنة بالانقلاب والتزوير والتوريث، ثمّ هم يرفضون المشروع الذي يحمله الإسلاميون حتّى ولو نال رضا أغلبية الشعب لأنهم – كعلمانيّين متوحّشين – حُرّاس الحلول المستوردة وأعداء الأصالة، فالانقلاب إذًا ضدّ فكرة لا يطيقونها رغم زعمهم أنهم دعاة فكر، وقد رأى القاصي والداني أنهم دعاة عنف وإرهاب فكري ومادّي.
فهل يستطيعون قتل الفكرة، وبخاصة الفكرة التي تؤمن بها الأمة وتنحاز إليها أغلبية الشعب؟ هل يأملون النجاح فيما أخفق فيه أتاترك وجنرالات تركيا من بعده كما فشل عبد الناصر وبورقيبة وأقرانهما والأنظمة الوراثية – الملكية والجمهورية سواء- ؟ هل يظنون أن المشروع الإسلامي سيُنسى وأن الشعب سيتخلّى عن حريته وحقه في اختيار حكّامه؟
· حال الحريات والمناخ العام والاقتصاد والإعلام والدعوة: الذي أفضى بمصر إلى الانقلاب وما تلاه من دماء ودموع وخراب مادي ونفسي هو إلى حدّ كبير عناد غلاة العلمانيين في مخاصمة الإسلاميّين ونأيهم عن التصالح رغم جهود الرئيس محمد مرسي وتنازلاته لهم، فماذا جنَوا هم من الوضع الجديد غير التواجد في السلطة بالقوّة؟ أيُبهجهم – وهم أكثر الناس رفعًا لشعار الحرية ورفض الإرهاب الفكري – إغلاق القنوات الإسلامية حتى لا يبقى مجال للرأي الآخر بالصوت والصورة؟ أين هو مناخ الحريات العامة والخاصة الذي نَعِمَ به المصريون طيلة حكم الإخوان؟ ما قول ’’ دعاة الحرية ومناهضة الاستبداد ’’ في إغلاق المساجد والكنائس والتضييق على التديّن وتغييب الرأي المخالف؟ لماذا تتخلّى مجامعهم الصحفية والفكرية عن المعايير المهنية والأخلاقية وتعمل على طمس معالم الواقع المزري بدل تنوير الرأي العام؟ ما سرّ إصرارهم على المسارات التصادمية مع التيار الإسلامي الذي زكّته صناديق الإقتراع أكثر من مرّة ومع كلّ الأطياف المتمسّكة بالشرعية حتى من العلمانيّين المعتدلين؟ هل هذا يخدم مصر والديمقراطة أم المهمّ عندهم ’’ السيرورة الثورية طويلة الأمد ’’ التي يحلمون بها للتخلّص من جميع خصومهم فيخلو لهم الجوّ وحدهم وحينذاك فقط يقبلون بالديمقراطية وصندوق الاقتراع؟ ألم يتعلّموا من التاريخ أن أوهامهم هذه ستنهار كما انهارت فلسفات الجدلية الماركسية ونظريات نهاية التاريخ؟ ألم يلاحظوا أن محرقة رابعة العدوية وحّدت الشعب المصري بعد أن أيقظت من كانوا قد انخدعوا بدعاية الثورة المضادّة؟
· ابتهاج المستبدّين والصهاينة: الانقلاب العسكري الغادر لم يشرح صدور غلاة العلمانيّين فحسب بل ابتهج به الحكّام المستبدّون – وعلى رأسهم أنظمة الخليج التي بادرت منذ الأيام الأولى بإمداده بالأموال لإخماد جذوة الثورة وقهر الشعب – وقادة الكيان الصهيوني، فهل بقي من شكّ حول الحلف الإستراتيجي الذي يجمع هؤلاء ويباركه بعض المغفّلين من أدعياء السلفية الجامدة؟ أليس الإسلام والإسلاميون هم العدوّ في نظر العلمانية العربية المتوحشة قبل الأنظمة الاستبدادية والاحتلال اليهودي؟ ما هذا السخاء السعودي الكويتي الإماراتي على الانقلابيين مقابل الشحّ على أهل غزة المحاصرين؟
أين أصوات ’’ الشيوخ ’’ الذين يكادون يكفّرون المسلمين بسبب حلق اللحية والاستماع للغناء وزيارة قبر وليّ صالح؟ أين هم من تبديد الأموال لقمع دعاة الإسلام وعموم المسلمين؟ ألم يبصروا الحق بعدُ فيشتغلوا بالتنديد بشرك القصور بدل المبالغة في أوهام شرك القبور؟
· مستقبل الإخوان: بعد وفاة عبد الناصر أعادت مجلة ’’ جون أفريك ’’ الفرنسية واسعة الانتشار نشر آخر حوار لها معه، وسألته فيه عن جماعة الإخوان فأجاب بكلّ ثقة وغرور أنها انتهت إلى غير رجعة ولم يبق لها من أثر، ونعرف جميعا أنه هو الذي طواه النسيان بينما عادت الجماعة أكثر قوة وتنظيما وعطاء وحضورا، فهل يظنّ انقلابيو اليوم أنهم فاعلون أفضل من أسلافهم؟ هل تستطيع صدورهم المشتعلة بالحقد أن تفكّك جماعة عالمية التواجد متينة الأركان ؟ ألم يفكروا في أن ظلمهم لها سيصبّ في صالحها كما حدث من قبل؟ إذا كانوا يملكون اليوم القوة الغاشمة والتأييد الأمريكي –الصهيوني والمال المنهوب من الشعوب فإن الجماعة تستثمر الاعتماد على الله سبحانه وتعالى وتملك التأييد الشعبي الذي سيستمرّ في الثبات والنموّ ليواجه بالمقاومة السلمية الأوضاع الراهنة ويُفشل الانقلاب ويُعيد لثورة 20 يناير زخمها ويُطيح هذه المرّة بالدولة العميقة التي تحنّ إلى الاستبداد وتُفسد الحياة السياسية.
أضافة تعليق