مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
وقفات مع المشهد المصري 2/ الإنقلاب ...منهج وفشل
عبد العزيز كحيل
الانقلاب العسكري انقلابٌ مهما زيّن اسمَه ومهما كان مظهره وشعاراته، فهو ثورة هنا وتصحيح ثوري هناك وحركة إنقاذ هنالك، لكنّه في كلّ الأحوال تمرّد مسلّح دموي يفتح على الشعوب المغلوبة عهود الدماء والمعتقلات وكبت الحريات.
· من سورية كانت البداية: دشّن عساكر سورية المستقلة موجة الانقلابات العسكرية في البلاد العربية وذلك منذ أربعينيات القرن العشرين، فكانت دمشق الفيحاء مسرحا حقيقيا – لكنّه دموي – لسلسلة لا تنتهي من انقلاب الضباط ’’ الأشقاء ’’ بعضهم على بعض، وتوّجَهُ حافظ الأسد بالانقلاب الذي ما زالت سورية تعيش تحت حكمه الطائفي إلى اليوم، وهو يوشك على الانهيار إن شاء الله .
ومن سورية انطلقت العدوى مبكّرا إلى معظم الأقطار العربية بدءا بالعراق الذي نال منها نصيبا وافيا فاليمن والسودان وموريتانيا حيث لا تكاد تمرّ سنة إلاّ على وقع حركة عسكرية تُطيح بسابقتها، ووقعت محاولات انقلابية في المغرب زمن الحسن الثاني وأخمدها بقسوة بالغة في نهر من الدماء ، وفي تونس أطاح الجنرال بن علي بمعلّمه ومَثَله الأعلى في العلمانية والاستبداد بورقيبة، ولعلّ أكثر الانقلابات إيلامًا وأثرًا في الأمّة كان ’’ ثورة ’’ عبد الناصر سنة 1952 و’’ لجنة إنقاذ الجزائر ’’ سنة 1992، فالأوّل أدخل مصر والعالم العربي في نَفَق الحكم الفردي المطلق ومشروع الأوهام الذي أنهك الدولة والجماهير بشعارات الحرية والوحدة والتقدم وهو يذيقها ويلات القهر والتشرذم والانحطاط المادي والمعنوي، أما الثاني – وقد سبقه انقلاب بومدين على بن بلّة سنة 1965 – فقد فتح على الشعب الجزائري أبواب حرب أهلية مدمرة حصدت نحو 20000 شخصا وتركت آثارا نفسية واقتصادية بالغة الخطورة لن تنمحي من قريب مع الأسف.
والجدير بالذكر أن الأردن ودول الخليج نجت من الانقلابات العسكرية لكنّها ترزح منذ قيامها تحت وطأة الحُكم الأُسري والفردي الأكثر استبدادًا وانتهاكًا للحقوق وتضييقًا على الحريات.
· من شهوة السلطة إلى فرض العلمانية: كان قادة الانقلابات العسكرية في الغالب الأعمّ من المغامرين الذين تدفعهم شهوة السلطة، فمن عبد الناصر وبومدين إلى النميري والقذافي وعلي عبد الله صالح وحافظ الأسد وصدام حسين و ولد عبد العزيز كان الجميع من المتعطّشين إلى السلطة المطلقة،لا تعنيهم إيديولوجيا إلاّ بقدر تجييش الجماهير من أجل استتباب الأمر لهم، لذلك نجدهم ينتقلون من توجّه سياسي إلى نقيضه بكلّ سهولة، لكن انقلاب 1992 في الجزائر كان تحوّلا كبيرا في عقلية العساكر إذ كان له توجّه إيديولوجي واضح يتمثّل في منع وصول الإسلاميين إلى السلطة مهما كان ثمن ذلك المنع، وفرض العلمانية قسرًا على المجتمعات العربية المسلمة، مقتدين بالجيش الأتاتركي ’’ حارس العلمانية ’’ بالقوّة ورغم أنف الشعب، فسلكوا سياسة مناهضة للإسلام ذاته تحت غطاء محاربة الإرهاب وحاصروا الدعوة والدعاة وضيّقوا على التديّن والمتدينّين بأشكال شتّى ووضعوا منهجية ’’ علمية ’’ لتجفيف منابع التديّن ليخلو الجوّ في النهاية لإسلام آخر غير الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، إسلام الدروشة والخرافة ، يقنع بدورات المياه ونثر البخور حول ’’ السادة ’’ ، يمثّل العبودية لغير الله فلا يحرّر ضميرا ولا عقلا ولا شعبا ، لا علاقة له بالحياة الكريمة وأسباب القوّة ، ويبدو جليا أن هذا هو توجّه الانقلابيين في مصر، ويكفي للتأكد من ذلك ملاحظة من يؤيدهم من الرموز الدينية التي ترتدي لباس الخادم الذليل للمتغلّب المتجبّر التي تبارك خروجه على الشرعية الدستورية كما تبارك إمداده بأموال النفط ، ولا تبصر ما فعله من تقتيل رهيب للأبرياء المسالمين.
· نهاية واحدة: ليس للانقلاب سوى نهاية واحدة هي الفشل الذريع، خاصة في الظروف الحالية المتّسمة بانفجار وسائل الاتصال ونقل الصوت والصورة على المباشر من جهة، وتجذّر الرغبة الشعبية في الحرية والاختيار السيّد، لكن لن يحصل ذلك مع الأسف إلاّ بعد أن تدفع البلاد ضريبة غالية في مقاومة الاستبداد،لا سلاح لها إلاّ التظاهر والاعتصام والعصيان المدني وتوعية الجماهير، أمّا المشروع الإسلامي فتعلم العلمانية العربية المتوحّشة ومعها الإنقلابيّون أنه لن يضيع أبدا ولن يخمد نبضه لأنه أصبح خيار أغلبية الأمة ،يمكنهم عرقلته بالحديد والنار والتأييد الغربي والمال الخليجي وتزوير الانتخابات حينا من الدهر، لكنّ التجربة التركية ستتكرّر من غير شكّ لتُزيح العسكر نهائيّا من المشهد السياسي وحينها ستجد العلمانية نفسها أمام الشعب بلا سند الدبّابات، فما عليها إلا التسليم بهزيمتها الحضارية في بلاد العرب والمسلمين.
أضافة تعليق