طه بافضل
هكذا نصح العجوز الحضرميّ المخضرم الخبير بتقلّبات الحياة، ذلك الشّاب المتحمّس المتوقّد حرارة وعنفوانًا، قائلاً: ’’قع جويد’’ وفي رواية أخرى ’’قع يويد’’ ولا فرق بين الاثنين، غير أنّ الجيم تُقلب ياءً في لهجة منطقة أخرى، والحاصل أنّ مضمون الوصيّة والنّصيحة من الشّايب إلى الشّاب أن يكون ’’صمصومًا’’؛ أي: لا يؤذي أحدًا، طيّبًا في حاله، وأن يهتمّ بتجويد عمله وإتقانه، وأن لا يشتبك مع أحد، ولا يكدّر على أحد، ولا سيّما مَن فوقه ومَن له قدرة وسلطة، بحيث لا تتوجّه عليه أسهم النّقد والتّجريح وربّما الإقصاء والهدم والتّدمير.
هذه النّصيحة، نوع من النّصائح المخذِّلة لمن يتوقّد حماسًا وهمّة وعزيمة لحمل راية التّغيير، تأتيه هذه الكلمة أو الأمر ليوقفه عند حدّه، ويحدث له صدمة في عقله الباطن، وقلبه وجوارحه، يأمره بأن يقف طويلاً، ويفكّر مليًّا في الأمر، ثم يتساءل: هل هو على خطأ أم على صواب؟ وهل تجربته في الحياة تقابل تجربة ذلك الشّيخ العجوز؟ هل يعلم ما وراء الأكمة وخلف ستائر الغيب؟ وهل المصلحة المرجوّة يقينيّة التّحقّق من هكذا اندفاع وإسراع، وقد يُقال عنه تهوّر وانتحار؟ هل فكّرت في المفاسد التي ستجنيها لو فشلت؟ هل أنت مستعدّ للخسارة، وقد تذهب نفسك حسرات لسلامةٍ تركْتَها، واضطراب ولجْتَ فيه وتحكّم هو فيك؟
لا خير في عزمٍ بغير رويّةٍ ... والشّكُّ عجزٌ، إن أردتَ سراحا
واليأسُ ممّا فات يُعْقِب راحة ... ولرُبَّ مطمعة تعود ذباحا
تتراقص بالشّاب تلك الأسئلة، وتضرب بقوّة في مخيّلته عن فشل قادم ستكون خسارته فادحة، وتنقلب حياته رأسًا على عقب، أسوأ ممّا يتصوّر، وربّما أفدح في أرقامها وجداولها، فماعليه إلاّ أن يكون في حاله، ويركن في زوايا حياته، ويقعد؛ فما أكثر القَعَدة! ويتخلّف؛ وما أكثر الخلوف! ليبحث له عن حياة سعيدة بين أهله وأولاده وأصدقائه، وينتظر موعود ربه فهكذا هي الحياة السعيدة، كما يراها الشّيخ العجوز، لا عليه من رتابتها ومللها واعوجاج أحوال الخلق فيها، ما دام يتمتّع بصحّة وعافية.
هتافات الكُسالى والعجزة، ونداءات المثبّطين المخذّلين، وقرارات من يثبت حالة الخمود والتّماطي والنُعاس والدّعة والسّكون؛ كلّها تقول للشّاب المندفع للتّغيير وللنّهضة والبناء والتّعمير في أمّة ’’قع جويد’’، خليك في حالك أحسن لك، وإلاّ فالدّمار الدمار، أو الفوضى والخراب، والتّقسيم والتّضييق، والمصائب تترى، والنكبات تتوالى؛ فلا أنت حقّقت المــرام ولا أنت فزْتَ بالمغانم، وقصاراك أن جلست تندب حظّك العاثر، وتتحسّر على مكاسبك التي اختفت، وأيّامك التي ازدهرت، ويحك: هل جُننت؟ أم خُبلت؟ أم صرت تائهًا لا تعلم أين الصّواب والرّشاد؟ ’’قع جويد’’ ’’قع صمصوم’’ يا ولدي فالبحر عميق، حذارِ أن تتقاذفك الأمواج؛ فليس لك حينئذٍ إلاّ الهلاك، وستردّد بيت القباني: ’’لو أنّي أعرف أنّ البحر عميقًا جدًّا ما أبحرت’’، ولن تنفعك ’’ليت’’ و’’لو’’؛ فهما تفتحان عمل الشّيطان من التّسخّط والاعتراض على قدر الرّب، وعند اشتداد حلكة الظّلام فلن تجد النّاصر والمعين، غير ربّك الحكيم الخبير، الذي يحثّك أن تكون مسترشدًا بالحكمة والخبرة في معالجة الأمور.
وبعدها تأتي صيحات وسائل الإعلام المؤدلجة بأساليب التّسلّط العفن، تؤكّد وتمجّد وترغّب وتهدّد في آن واحد: إيّاكم وأحلام اليقظة، وسراب الأوهام، وكونوا على حذر من متورّط في حمأة فتنة، أو حالم بمجد في لبوس خراب وتدمير، أو ساعٍ لتنفيذ أجندة خارجيّة، ’’قعوا جويدين وصماصيم’’ أيّها الشّباب ولا تركنوا لهؤلاء أهل الزّيغ والفساد، وكونوا مع من يسعى لاستقرار وطنكم ورخائه ونمائه ونهضته. وإلاّ فلا تأمنوا على أنفسكم من مصير تلقون فيه حتف أنوفكم، فلا تكونوا كالباحث عن حتْفه بِظِلفه، فلحق بالأخسرين أعمالاً، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صُنعًا..
هنا يجدر بمن يسمع هذه الهتافات والصّراخات الإعلاميّة، أن يركن للقعود؛ ففيه سلامة نفسه وأهله، ولا يبالي حينئذ بما يحصل حوله، ليذهب مجتمعه ووطنه إلى ’’حيث ألقت رحلها أمّ قَشْعم’’، وعليه أن يختار الصّمت بديلاً عن الكلام، وليتذكّر حديث نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- فضَّل وميَّز وحصَّل، حيث قال: ’’رحم الله امرأً قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم’’. فجعل حظَّ السّكوت السّلامة وحدها، وجعل حظَّ القوْل الجمْع بين الغنيمة والسّلامة. وقد يسلم من لا يغنم، ولا يغنم إلاّ من سلم. ولكنّه ينسى في المقابل أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال أيضًا: ’’اعملْ فكلٌّ ميسّرٌ لِما خُلق له’’..
والذي نحتاج التّأكيد عليه هنا، أنّ الطّريق الوسط هو الأليق بالشّاب؛ فنصيحة ’’قع جويد’’ و’’قع صمصوم’’ ونحوها، لا ترد مطلقًا ولا تُقبل مطلقًا، بل تنفع في حال دون حال؛ ففيها تجتمع دعوتان؛ دعوة إلى السّلبيّة، وأخرى إلى الإيجابيّة، والأولى مرفوضة والثّانية مطلوبة، والاختيار للمطلوب والتوقّف عن المرفوض، وهي مهمة التّوجيه والتّربية التي يحتاجها الشّابّ من قبل العلماء والخبراء، والدّعاة والمعلّمين الذين عُرفوا بتجاربهم وخبراتهم، وعلمهم وسيْرهم على طريق الاعتدال والوسط؛، إذ تُناط بهم هذه المسؤوليّة العظيمة، ليسير الشّباب على طريقٍ مستقيم لا اعوجاج فيه.
هكذا نصح العجوز الحضرميّ المخضرم الخبير بتقلّبات الحياة، ذلك الشّاب المتحمّس المتوقّد حرارة وعنفوانًا، قائلاً: ’’قع جويد’’ وفي رواية أخرى ’’قع يويد’’ ولا فرق بين الاثنين، غير أنّ الجيم تُقلب ياءً في لهجة منطقة أخرى، والحاصل أنّ مضمون الوصيّة والنّصيحة من الشّايب إلى الشّاب أن يكون ’’صمصومًا’’؛ أي: لا يؤذي أحدًا، طيّبًا في حاله، وأن يهتمّ بتجويد عمله وإتقانه، وأن لا يشتبك مع أحد، ولا يكدّر على أحد، ولا سيّما مَن فوقه ومَن له قدرة وسلطة، بحيث لا تتوجّه عليه أسهم النّقد والتّجريح وربّما الإقصاء والهدم والتّدمير.
هذه النّصيحة، نوع من النّصائح المخذِّلة لمن يتوقّد حماسًا وهمّة وعزيمة لحمل راية التّغيير، تأتيه هذه الكلمة أو الأمر ليوقفه عند حدّه، ويحدث له صدمة في عقله الباطن، وقلبه وجوارحه، يأمره بأن يقف طويلاً، ويفكّر مليًّا في الأمر، ثم يتساءل: هل هو على خطأ أم على صواب؟ وهل تجربته في الحياة تقابل تجربة ذلك الشّيخ العجوز؟ هل يعلم ما وراء الأكمة وخلف ستائر الغيب؟ وهل المصلحة المرجوّة يقينيّة التّحقّق من هكذا اندفاع وإسراع، وقد يُقال عنه تهوّر وانتحار؟ هل فكّرت في المفاسد التي ستجنيها لو فشلت؟ هل أنت مستعدّ للخسارة، وقد تذهب نفسك حسرات لسلامةٍ تركْتَها، واضطراب ولجْتَ فيه وتحكّم هو فيك؟
لا خير في عزمٍ بغير رويّةٍ ... والشّكُّ عجزٌ، إن أردتَ سراحا
واليأسُ ممّا فات يُعْقِب راحة ... ولرُبَّ مطمعة تعود ذباحا
تتراقص بالشّاب تلك الأسئلة، وتضرب بقوّة في مخيّلته عن فشل قادم ستكون خسارته فادحة، وتنقلب حياته رأسًا على عقب، أسوأ ممّا يتصوّر، وربّما أفدح في أرقامها وجداولها، فماعليه إلاّ أن يكون في حاله، ويركن في زوايا حياته، ويقعد؛ فما أكثر القَعَدة! ويتخلّف؛ وما أكثر الخلوف! ليبحث له عن حياة سعيدة بين أهله وأولاده وأصدقائه، وينتظر موعود ربه فهكذا هي الحياة السعيدة، كما يراها الشّيخ العجوز، لا عليه من رتابتها ومللها واعوجاج أحوال الخلق فيها، ما دام يتمتّع بصحّة وعافية.
هتافات الكُسالى والعجزة، ونداءات المثبّطين المخذّلين، وقرارات من يثبت حالة الخمود والتّماطي والنُعاس والدّعة والسّكون؛ كلّها تقول للشّاب المندفع للتّغيير وللنّهضة والبناء والتّعمير في أمّة ’’قع جويد’’، خليك في حالك أحسن لك، وإلاّ فالدّمار الدمار، أو الفوضى والخراب، والتّقسيم والتّضييق، والمصائب تترى، والنكبات تتوالى؛ فلا أنت حقّقت المــرام ولا أنت فزْتَ بالمغانم، وقصاراك أن جلست تندب حظّك العاثر، وتتحسّر على مكاسبك التي اختفت، وأيّامك التي ازدهرت، ويحك: هل جُننت؟ أم خُبلت؟ أم صرت تائهًا لا تعلم أين الصّواب والرّشاد؟ ’’قع جويد’’ ’’قع صمصوم’’ يا ولدي فالبحر عميق، حذارِ أن تتقاذفك الأمواج؛ فليس لك حينئذٍ إلاّ الهلاك، وستردّد بيت القباني: ’’لو أنّي أعرف أنّ البحر عميقًا جدًّا ما أبحرت’’، ولن تنفعك ’’ليت’’ و’’لو’’؛ فهما تفتحان عمل الشّيطان من التّسخّط والاعتراض على قدر الرّب، وعند اشتداد حلكة الظّلام فلن تجد النّاصر والمعين، غير ربّك الحكيم الخبير، الذي يحثّك أن تكون مسترشدًا بالحكمة والخبرة في معالجة الأمور.
وبعدها تأتي صيحات وسائل الإعلام المؤدلجة بأساليب التّسلّط العفن، تؤكّد وتمجّد وترغّب وتهدّد في آن واحد: إيّاكم وأحلام اليقظة، وسراب الأوهام، وكونوا على حذر من متورّط في حمأة فتنة، أو حالم بمجد في لبوس خراب وتدمير، أو ساعٍ لتنفيذ أجندة خارجيّة، ’’قعوا جويدين وصماصيم’’ أيّها الشّباب ولا تركنوا لهؤلاء أهل الزّيغ والفساد، وكونوا مع من يسعى لاستقرار وطنكم ورخائه ونمائه ونهضته. وإلاّ فلا تأمنوا على أنفسكم من مصير تلقون فيه حتف أنوفكم، فلا تكونوا كالباحث عن حتْفه بِظِلفه، فلحق بالأخسرين أعمالاً، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صُنعًا..
هنا يجدر بمن يسمع هذه الهتافات والصّراخات الإعلاميّة، أن يركن للقعود؛ ففيه سلامة نفسه وأهله، ولا يبالي حينئذ بما يحصل حوله، ليذهب مجتمعه ووطنه إلى ’’حيث ألقت رحلها أمّ قَشْعم’’، وعليه أن يختار الصّمت بديلاً عن الكلام، وليتذكّر حديث نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- فضَّل وميَّز وحصَّل، حيث قال: ’’رحم الله امرأً قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم’’. فجعل حظَّ السّكوت السّلامة وحدها، وجعل حظَّ القوْل الجمْع بين الغنيمة والسّلامة. وقد يسلم من لا يغنم، ولا يغنم إلاّ من سلم. ولكنّه ينسى في المقابل أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال أيضًا: ’’اعملْ فكلٌّ ميسّرٌ لِما خُلق له’’..
والذي نحتاج التّأكيد عليه هنا، أنّ الطّريق الوسط هو الأليق بالشّاب؛ فنصيحة ’’قع جويد’’ و’’قع صمصوم’’ ونحوها، لا ترد مطلقًا ولا تُقبل مطلقًا، بل تنفع في حال دون حال؛ ففيها تجتمع دعوتان؛ دعوة إلى السّلبيّة، وأخرى إلى الإيجابيّة، والأولى مرفوضة والثّانية مطلوبة، والاختيار للمطلوب والتوقّف عن المرفوض، وهي مهمة التّوجيه والتّربية التي يحتاجها الشّابّ من قبل العلماء والخبراء، والدّعاة والمعلّمين الذين عُرفوا بتجاربهم وخبراتهم، وعلمهم وسيْرهم على طريق الاعتدال والوسط؛، إذ تُناط بهم هذه المسؤوليّة العظيمة، ليسير الشّباب على طريقٍ مستقيم لا اعوجاج فيه.