بشاعة الإستدمار الغربي
بقلم: عفاف عنيبة -خاص بالوفاق
الحديث عن الإستدمار الغربي المباشر و الذي تكرس عبر إحتلال عسكري لكثير من البلاد في القارتين الإفريقية و الآسيوية و إن وقعت تصفيته من خلال حركة مقاومة شرسة قادتها الشعوب المحتلة، باق عبر هيمنته الإقتصادية و السياسية و لا يزال يتمتع بموطأ قدم في أرض فلسطين المحتلة. فهو و إن إنسحب ظاهريا من الكثير من دول العالم، فقد خلف أنظمة حكم تابعة له، و قد رأينا علي مدي أربعة عقود أو أكثر كيف دعم و أيد الغرب المتحضر رموز الإستبداد في دول كباكستان و مصر و الشيلي و قد أدت الأوضاع في عالمنا المتخلف التابع إلي ظهور موجة ثانية من حركة الإستقلال و قد تجسدت بإمتياز في دول مثل دول أمريكا الجنوبية، تونس و مصر و لازالت هذه الهية الشعبية قائمة إلي حين ما يتم تصحيح الأوضاع في بلداننا، و السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو : هل ستنجح هذه الموجة الثانية من حركة الإستقلال في وضع حد نهائي للوصاية الغير الشرعية التي تمارسها منذ أكثر من قرنين المؤسسة السياسية الغربية ؟
الزمن كفيل بأن يجيبنا و من المناسب و نحن نعيش في أيامنا هذه إرهاصات ولادة عالم جديد أن نقلب صفحات الماضي و نعود أدراجنا، قرنين أو ثلاث إلي الخلف : حركة الإستدمار التي قادتها أوروبا برزت كمفهوم في فترة تاريخية معينة أثناء النهضة التي عرفتها القارة العجوز في القرن الخامس عشر فقد أتاح التقدم العلمي و الصناعي للدول الأوروبية بناء قوة سياسية و عسكرية كبيرة، فإقترنت الحملات الإستعمارية بالرحلات الإستكشافية التي مكنت الممالك الأوروبية من ضم أراضي شاسعة في القارات الخمس إلي منطقة نفوذها و سيطرتها.
و قد كانت تبرر هذه الدول سياستها الإستعمارية برغبتها في تحضير الشعوب و التي تغتصب حريتها ناقلة إليها قيم و مباديء الثورة الفرنسية 1789م!!!
في حين إرتبطت حركة الإستدمار بالثورة الصناعية حيث لم تكن تملك أوروبا من المواد الخام إلا قليلا من الفحم، و من هنا إرتبطت الصناعة الحديثة بالإحتلال العسكري، فأصبح العالم الإسلامي و مناطق كثيرة من المعمورة مصدر للمواد الأولية و سوقا للتجارة في نفس الوقت.
هذا بالإضافة إلي إعتبار آخر لعب دورا هاما في بلورة رؤية المحتلين البيض، فقد كان يعتقد هؤلاء أنهم الجنس العرقي الأرقي و بناءا علي ذلك، موكولة إليهم مهمة قيادة العالم فقد وصف ’’مونتسكيو’’(1689-1755)الزنوج في كتابه’’ روح القوانين’’ ب’’بعد ما أبادت شعوب أوروبا سكان أمريكا الأصليين و هم قبائل الهنود الحمر، لم تري بد من إستعباد شعوب إفريقيا لكي تستخدمها في إستغلال هذه الأقطار الشاسعة، فإن هذه الشعوب سود البشرة من أقدامهم إلي رؤوسهم، و لا يمكن أن يتصور أحد أن الرب - ذو الحكمة البالغة- خلق روحا، و علي الأخص روحا طيبا في أجسام حالكة السواد.’’
و ها هو تعريف آخر لظاهرة الإستدمار الغربي قدمه قانوني فرنسي ’’مريناك’’ في 1912 قائلا:’’ فعل الإستعمار يدخلنا في علاقة مع دول جديدة، لإستغلال مواردها و ثرواتها و هذا من أجل المصالح الوطنية، و في التوقيت ذاته نتمكن من تحضير شعوب بدائية و تثقيفها و منحها إمتيازات فكرية و إجتماعية، علمية و أخلاقية، فنية، تجارية و صناعية و التي هي سمات الأجناس الراقية. إذن الإستعمار هو التأسيس في بلاد جديدة من طرف جنس متطور لتحقيق الهدف المزدوج المذكور أعلاه.’’ مثلت هذه النظرة الإستعلائية إحدي أقوي المبررات لمصادرة حقوق و سيادة الشعوب علي أراضيها.
*الإستدمار أو نظام الرق الجديد :
نستطيع أن نقف علي الخلفية الماكرة و المخادعة للإستدمار الأوروبي بالإطلاع علي بعض الشهادات الموثقة لأصحابها و ضحاياهم كالذي صرح به دوق برابانت إبن ملك بلجيكا ليوبولد الأول : ’’ في اليايان هناك ثروات خيالية، فكنز الإمبراطور ضخم و غير محروس جيدا... فالمال المدخر هناك من الأهمية بمكان و لو علمت به أوروبا لنظمت حملة للإستيلاء عليه.’’
بعد عشرة سنوات من إعتلاء ليوبولد الثاني العرش و بعد ما أيقن أن لا سبيل له لإحتلال شرق آسيا، ركز كل أطماعه علي قارة إفريقيا، فقد جاء في إحدي أقواله، أنه يتعين عليه : ’’ الإستحواذ علي قطعة الكعكة في إفريقيا.’’
و في رسالة للحاكم العام فانتفيلد في أبريل 1892 طالب فيه موظفيه بتجنيد أكبر عدد من الإنديجانة بإستعمال القوة أو بشراءهم إذا ما هم عبيد ليستخدموا في الأشغال الشاقة و في مواجهة ثورات إخوانهم المستغلين أبشع الإستغلال من طرف حكومة الملك ليوبولد الثاني. و في إعتراف آخر لرئيس مركز علي ضفاف نهر الكونغو يقول في 1892 :’’ إننا نترك في سلام القري التي تخدمنا و أما تلك التي تتمرد علينا، فنحن نمحيها من الوجود.’’
فالمهمة الحضارية التي يتبجح الأوروبيين القيام بها ما هي إلا تغطية لأهداف خسيسة و وحشية. ففي المثال الجزائري، سن الوزير ’’إسحاق أدلوف كرميو ’’في 24 أكتوبر 1870 قانون منح فيه الجنسية الفرنسية إلي كل يهود الجزائر و إلي كل الأوروبيين المقيمين فيها بإستثناء الجزائريين و قد خير هؤلاء بين الجنسية الفرنسية و التمسح و بين البقاء علي دينهم، طبعا إختار الشعب الجزائري التمسك بعقيدته و لغته العربية. ففي منظور الوزير الفرنسي لا تستقيم الجنسية الفرنسية مع الدين الإسلامي و اللغة العربية !!
بالنسبة للشعبين الجزائري و الفيتنامي قصة ’’ المهمة الحضارية الفرنسية’’ لم تكن تعني سوي التعذيب و التهجير و التقتيل و ما مذابح 8 ماي 1945 إلا برهان ساطع عن الذهنية العنصرية الفرنسية التي لم تتردد في نكث عهودها بإعتبار أن الشعب الجزائري لا يستحق أن يعامل علي قدم المساواة مع الشعوب الغربية، فالسياسة التي أتبعت في الجزائر و في المستعمرات الأخري كانت سياسة التجهيل و التفقير و ما مظاهر الحضارة و العصرنة التي أنشأت في هذه البلاد إلا خدمة للمحتلين و أتباعهم، و قد ساهمت أفكار غوبينو، لمارك و داروين القائلة بعدم مساواة الأجناس في مضاعفة معاناة السكان الأصليين.
*جريمة قتل الذاكرة :
قام محرروا قانون تمجيد الإستعمار ل23 فبراير 2005 بجريمة قتل الذاكرة بحسب تصريح السيدة باريزا خيري و السيد جان بيار ميشال فالمادة الأولي من قانون رقم 2005-158 تتضمن’’ إعتراف الأمة الفرنسية بالنساء و الرجال الذين شاركوا في المهمة التي أنجزتها فرنسا في دوائرها الفرنسية القديمة الجزائر، المغرب، تونس و الهند الصينية و في المناطق الموضوعة سابقا تحت السيادة الفرنسية و تعترف بالآلام و التضحيات التي بذلها العائدون و الأعضاء القدماء للمنظمات الإضافية و المندمجة، المفقودين و الضحايا المدنيين و العسكريين في الأحداث المرتبطة بحركة الإستقلال لهذه الدوائر القديمة و المناطق، فتعترف بجميلهم و تكرمهم هم و عائلاتهم.’’
أي إعتراف و أي جميل تعني فرنسا المؤسساتية ؟ و لماذا تمجيد أشخاص و فئات شاركت ضمنيا و فعليا في عملية نهب ثروات شعوب و إستعبادها ؟ في جوان 2000 خرج عن صمته الجنرال السفاح جاك ماسو ليعترف متظاهرا بالندم :’’ كان يتعين علينا عدم اللجوء إلي التعذيب و التجاوزات في حرب الجزائر!!’’ إعترف بالتعذيب و مثله المجرم أوساريس و غيرهم كثيرون. و قد ظل الفرنسيون يكيلون بمكيالين كل هذه المدة عوض أن يقروا بهزيمتهم في الجزائر و تصريح المخرج الفرنسي فيليب فوكون يدلل علي إزدواجية المعايير :’’ نحن بعد الإنتصار العسكري لم نفهم لماذا ذهبنا إلي مفاوضات إفيان، فنحن كنا منتصرين أو هكذا كان يتهيأ لآباءنا و أجدادنا.’’
بعد كل ما جري من دك للقري و قتل و تعذيب فظيع و تهجير و حرق الأخضر و اليابس بالنبالم، لا زال يعتقد هؤلاء المحتلين و أبناءهم و أحفادهم أنهم كانوا منتصرين!!
أي كانت أكاذيب المحتلين، فهم لا يستطيعوا أن يتجاهلوا حكم التاريخ المتجسد في الملايين من الشهداء الذين رووا بدماءهم الزكية أرض الجزائر، فما عانته السيدة لويزة إغيل أحريز و مئات الآلاف من إخوانها و أخواتها لم يمحوه النسيان. في ذاكرة و روح كل جزائري أثار الإستدمار الفرنسي بادية في الصوت، في المزاج، في الذاكرة و لا أحد قادر علي نسيان أحباءه ممن رحلوا عنوة عنه في يوم من أيام الإحتلال البغيض. فبالإضافة إلي الشهداء الذين رحلوا، داست’’فرنسا الحضارة’’ علي التاريخ و الدين و المصير و هذا لا يسترد في عقد أو مائة سنة. من يعتقد كما جاء علي لسان السيد فينكلكروت أن ’’ الإستعمار هو الحضارة مجلوبة للوحوش.’’ هو واهم و مضلل. أرادوا تزوير الحقيقة حماية لوجودهم و مصالحهم، فالإستدمار يبقي الوسيلة المثلي للعنصريين و الفاشيين في تحقيق مآربهم الضيقة، وسيلة قذرة لربح حرب خاسرة. و لا نستغرب الكلمة التي ألقاها ألفونس لامارتين (1790-1869) في 1834 لمناقشة الميزانية و التي زعم فيها ما يلي: ’’ بإعادة سواحل و مدن إفريقيا للأمراء العرب نكون قد أعطينا الحضارة للبرابرة و البحر في حراسة القراصنة و معمرينا إلي حماية و إنسانية جلاديهم.’’!!!
منذ بدايات الإحتلال إلي ما بعد هزيمته رؤية العدو القديم الجديد لم يطرأ عليها أي تغيير بل تعززت كما سبق و قلنا بقانون يجمل جريمة الإحتلال و يقبح فعل المقاومة. جذور هذا الموقف المنافي للأخلاق و القيم الإنسانية مرده الحقد الدفين الذي ما فتأ الفرنسيون يظهرونه ناحية المسلمين و الإسلام.
و مهما قيل في هذا الموضوع، لا يجب أن نغفل جانب مهم في العلاقة المؤلمة التي تربط بلدنا بفرنسا الإستدمار، لم يقال كل شيء في الثورة و حرب التحرير و مائة و إثنتان سنة من المقاومة الشعبية، لم نتحرر بعد من كابوس فرنسا و هم لم يتحرروا بعد من عقدة الجزائر. هذا و قسم كبير من السياسيين الفرنسيين إحتفظوا بأحقادهم و كراهيتهم لنا و لم يغفروا ل’’لفيلاجا’’ كما وصفوا المجاهدين الجزائريين إستماتتهم في تحرير هذه الأرض المباركة.
و مرة أخري نقول أي كانت مبررات الإستدمار الغربي لا يحق لأمثال إرنست رينان (1823-1892) أن يقول’’ يجب أن يقوم الرجل الأبيض بمهمته في سبيل نشر الحضارة أي حضارة أوروبا في أوساط الشرائح الدنيا عند الوحوش.’’
هذا الحكم العنصري الفظيع لمؤرخ غربي يعد تلخيص لفلسفة الأنوار الأوروبية. هكذا هم في حقيقتهم و لهذا يتعذر علينا بأي شكل من الأشكال أن ندخل معهم في علاقة متوازنة، فدائما سينظرون لنا نظرة الدونية و دائما سنتذكر جرائمهم و لن ننسي ما فعلوه بنا حتي و إن رغبنا في ذلك.
بقلم: عفاف عنيبة -خاص بالوفاق
الحديث عن الإستدمار الغربي المباشر و الذي تكرس عبر إحتلال عسكري لكثير من البلاد في القارتين الإفريقية و الآسيوية و إن وقعت تصفيته من خلال حركة مقاومة شرسة قادتها الشعوب المحتلة، باق عبر هيمنته الإقتصادية و السياسية و لا يزال يتمتع بموطأ قدم في أرض فلسطين المحتلة. فهو و إن إنسحب ظاهريا من الكثير من دول العالم، فقد خلف أنظمة حكم تابعة له، و قد رأينا علي مدي أربعة عقود أو أكثر كيف دعم و أيد الغرب المتحضر رموز الإستبداد في دول كباكستان و مصر و الشيلي و قد أدت الأوضاع في عالمنا المتخلف التابع إلي ظهور موجة ثانية من حركة الإستقلال و قد تجسدت بإمتياز في دول مثل دول أمريكا الجنوبية، تونس و مصر و لازالت هذه الهية الشعبية قائمة إلي حين ما يتم تصحيح الأوضاع في بلداننا، و السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو : هل ستنجح هذه الموجة الثانية من حركة الإستقلال في وضع حد نهائي للوصاية الغير الشرعية التي تمارسها منذ أكثر من قرنين المؤسسة السياسية الغربية ؟
الزمن كفيل بأن يجيبنا و من المناسب و نحن نعيش في أيامنا هذه إرهاصات ولادة عالم جديد أن نقلب صفحات الماضي و نعود أدراجنا، قرنين أو ثلاث إلي الخلف : حركة الإستدمار التي قادتها أوروبا برزت كمفهوم في فترة تاريخية معينة أثناء النهضة التي عرفتها القارة العجوز في القرن الخامس عشر فقد أتاح التقدم العلمي و الصناعي للدول الأوروبية بناء قوة سياسية و عسكرية كبيرة، فإقترنت الحملات الإستعمارية بالرحلات الإستكشافية التي مكنت الممالك الأوروبية من ضم أراضي شاسعة في القارات الخمس إلي منطقة نفوذها و سيطرتها.
و قد كانت تبرر هذه الدول سياستها الإستعمارية برغبتها في تحضير الشعوب و التي تغتصب حريتها ناقلة إليها قيم و مباديء الثورة الفرنسية 1789م!!!
في حين إرتبطت حركة الإستدمار بالثورة الصناعية حيث لم تكن تملك أوروبا من المواد الخام إلا قليلا من الفحم، و من هنا إرتبطت الصناعة الحديثة بالإحتلال العسكري، فأصبح العالم الإسلامي و مناطق كثيرة من المعمورة مصدر للمواد الأولية و سوقا للتجارة في نفس الوقت.
هذا بالإضافة إلي إعتبار آخر لعب دورا هاما في بلورة رؤية المحتلين البيض، فقد كان يعتقد هؤلاء أنهم الجنس العرقي الأرقي و بناءا علي ذلك، موكولة إليهم مهمة قيادة العالم فقد وصف ’’مونتسكيو’’(1689-1755)الزنوج في كتابه’’ روح القوانين’’ ب’’بعد ما أبادت شعوب أوروبا سكان أمريكا الأصليين و هم قبائل الهنود الحمر، لم تري بد من إستعباد شعوب إفريقيا لكي تستخدمها في إستغلال هذه الأقطار الشاسعة، فإن هذه الشعوب سود البشرة من أقدامهم إلي رؤوسهم، و لا يمكن أن يتصور أحد أن الرب - ذو الحكمة البالغة- خلق روحا، و علي الأخص روحا طيبا في أجسام حالكة السواد.’’
و ها هو تعريف آخر لظاهرة الإستدمار الغربي قدمه قانوني فرنسي ’’مريناك’’ في 1912 قائلا:’’ فعل الإستعمار يدخلنا في علاقة مع دول جديدة، لإستغلال مواردها و ثرواتها و هذا من أجل المصالح الوطنية، و في التوقيت ذاته نتمكن من تحضير شعوب بدائية و تثقيفها و منحها إمتيازات فكرية و إجتماعية، علمية و أخلاقية، فنية، تجارية و صناعية و التي هي سمات الأجناس الراقية. إذن الإستعمار هو التأسيس في بلاد جديدة من طرف جنس متطور لتحقيق الهدف المزدوج المذكور أعلاه.’’ مثلت هذه النظرة الإستعلائية إحدي أقوي المبررات لمصادرة حقوق و سيادة الشعوب علي أراضيها.
*الإستدمار أو نظام الرق الجديد :
نستطيع أن نقف علي الخلفية الماكرة و المخادعة للإستدمار الأوروبي بالإطلاع علي بعض الشهادات الموثقة لأصحابها و ضحاياهم كالذي صرح به دوق برابانت إبن ملك بلجيكا ليوبولد الأول : ’’ في اليايان هناك ثروات خيالية، فكنز الإمبراطور ضخم و غير محروس جيدا... فالمال المدخر هناك من الأهمية بمكان و لو علمت به أوروبا لنظمت حملة للإستيلاء عليه.’’
بعد عشرة سنوات من إعتلاء ليوبولد الثاني العرش و بعد ما أيقن أن لا سبيل له لإحتلال شرق آسيا، ركز كل أطماعه علي قارة إفريقيا، فقد جاء في إحدي أقواله، أنه يتعين عليه : ’’ الإستحواذ علي قطعة الكعكة في إفريقيا.’’
و في رسالة للحاكم العام فانتفيلد في أبريل 1892 طالب فيه موظفيه بتجنيد أكبر عدد من الإنديجانة بإستعمال القوة أو بشراءهم إذا ما هم عبيد ليستخدموا في الأشغال الشاقة و في مواجهة ثورات إخوانهم المستغلين أبشع الإستغلال من طرف حكومة الملك ليوبولد الثاني. و في إعتراف آخر لرئيس مركز علي ضفاف نهر الكونغو يقول في 1892 :’’ إننا نترك في سلام القري التي تخدمنا و أما تلك التي تتمرد علينا، فنحن نمحيها من الوجود.’’
فالمهمة الحضارية التي يتبجح الأوروبيين القيام بها ما هي إلا تغطية لأهداف خسيسة و وحشية. ففي المثال الجزائري، سن الوزير ’’إسحاق أدلوف كرميو ’’في 24 أكتوبر 1870 قانون منح فيه الجنسية الفرنسية إلي كل يهود الجزائر و إلي كل الأوروبيين المقيمين فيها بإستثناء الجزائريين و قد خير هؤلاء بين الجنسية الفرنسية و التمسح و بين البقاء علي دينهم، طبعا إختار الشعب الجزائري التمسك بعقيدته و لغته العربية. ففي منظور الوزير الفرنسي لا تستقيم الجنسية الفرنسية مع الدين الإسلامي و اللغة العربية !!
بالنسبة للشعبين الجزائري و الفيتنامي قصة ’’ المهمة الحضارية الفرنسية’’ لم تكن تعني سوي التعذيب و التهجير و التقتيل و ما مذابح 8 ماي 1945 إلا برهان ساطع عن الذهنية العنصرية الفرنسية التي لم تتردد في نكث عهودها بإعتبار أن الشعب الجزائري لا يستحق أن يعامل علي قدم المساواة مع الشعوب الغربية، فالسياسة التي أتبعت في الجزائر و في المستعمرات الأخري كانت سياسة التجهيل و التفقير و ما مظاهر الحضارة و العصرنة التي أنشأت في هذه البلاد إلا خدمة للمحتلين و أتباعهم، و قد ساهمت أفكار غوبينو، لمارك و داروين القائلة بعدم مساواة الأجناس في مضاعفة معاناة السكان الأصليين.
*جريمة قتل الذاكرة :
قام محرروا قانون تمجيد الإستعمار ل23 فبراير 2005 بجريمة قتل الذاكرة بحسب تصريح السيدة باريزا خيري و السيد جان بيار ميشال فالمادة الأولي من قانون رقم 2005-158 تتضمن’’ إعتراف الأمة الفرنسية بالنساء و الرجال الذين شاركوا في المهمة التي أنجزتها فرنسا في دوائرها الفرنسية القديمة الجزائر، المغرب، تونس و الهند الصينية و في المناطق الموضوعة سابقا تحت السيادة الفرنسية و تعترف بالآلام و التضحيات التي بذلها العائدون و الأعضاء القدماء للمنظمات الإضافية و المندمجة، المفقودين و الضحايا المدنيين و العسكريين في الأحداث المرتبطة بحركة الإستقلال لهذه الدوائر القديمة و المناطق، فتعترف بجميلهم و تكرمهم هم و عائلاتهم.’’
أي إعتراف و أي جميل تعني فرنسا المؤسساتية ؟ و لماذا تمجيد أشخاص و فئات شاركت ضمنيا و فعليا في عملية نهب ثروات شعوب و إستعبادها ؟ في جوان 2000 خرج عن صمته الجنرال السفاح جاك ماسو ليعترف متظاهرا بالندم :’’ كان يتعين علينا عدم اللجوء إلي التعذيب و التجاوزات في حرب الجزائر!!’’ إعترف بالتعذيب و مثله المجرم أوساريس و غيرهم كثيرون. و قد ظل الفرنسيون يكيلون بمكيالين كل هذه المدة عوض أن يقروا بهزيمتهم في الجزائر و تصريح المخرج الفرنسي فيليب فوكون يدلل علي إزدواجية المعايير :’’ نحن بعد الإنتصار العسكري لم نفهم لماذا ذهبنا إلي مفاوضات إفيان، فنحن كنا منتصرين أو هكذا كان يتهيأ لآباءنا و أجدادنا.’’
بعد كل ما جري من دك للقري و قتل و تعذيب فظيع و تهجير و حرق الأخضر و اليابس بالنبالم، لا زال يعتقد هؤلاء المحتلين و أبناءهم و أحفادهم أنهم كانوا منتصرين!!
أي كانت أكاذيب المحتلين، فهم لا يستطيعوا أن يتجاهلوا حكم التاريخ المتجسد في الملايين من الشهداء الذين رووا بدماءهم الزكية أرض الجزائر، فما عانته السيدة لويزة إغيل أحريز و مئات الآلاف من إخوانها و أخواتها لم يمحوه النسيان. في ذاكرة و روح كل جزائري أثار الإستدمار الفرنسي بادية في الصوت، في المزاج، في الذاكرة و لا أحد قادر علي نسيان أحباءه ممن رحلوا عنوة عنه في يوم من أيام الإحتلال البغيض. فبالإضافة إلي الشهداء الذين رحلوا، داست’’فرنسا الحضارة’’ علي التاريخ و الدين و المصير و هذا لا يسترد في عقد أو مائة سنة. من يعتقد كما جاء علي لسان السيد فينكلكروت أن ’’ الإستعمار هو الحضارة مجلوبة للوحوش.’’ هو واهم و مضلل. أرادوا تزوير الحقيقة حماية لوجودهم و مصالحهم، فالإستدمار يبقي الوسيلة المثلي للعنصريين و الفاشيين في تحقيق مآربهم الضيقة، وسيلة قذرة لربح حرب خاسرة. و لا نستغرب الكلمة التي ألقاها ألفونس لامارتين (1790-1869) في 1834 لمناقشة الميزانية و التي زعم فيها ما يلي: ’’ بإعادة سواحل و مدن إفريقيا للأمراء العرب نكون قد أعطينا الحضارة للبرابرة و البحر في حراسة القراصنة و معمرينا إلي حماية و إنسانية جلاديهم.’’!!!
منذ بدايات الإحتلال إلي ما بعد هزيمته رؤية العدو القديم الجديد لم يطرأ عليها أي تغيير بل تعززت كما سبق و قلنا بقانون يجمل جريمة الإحتلال و يقبح فعل المقاومة. جذور هذا الموقف المنافي للأخلاق و القيم الإنسانية مرده الحقد الدفين الذي ما فتأ الفرنسيون يظهرونه ناحية المسلمين و الإسلام.
و مهما قيل في هذا الموضوع، لا يجب أن نغفل جانب مهم في العلاقة المؤلمة التي تربط بلدنا بفرنسا الإستدمار، لم يقال كل شيء في الثورة و حرب التحرير و مائة و إثنتان سنة من المقاومة الشعبية، لم نتحرر بعد من كابوس فرنسا و هم لم يتحرروا بعد من عقدة الجزائر. هذا و قسم كبير من السياسيين الفرنسيين إحتفظوا بأحقادهم و كراهيتهم لنا و لم يغفروا ل’’لفيلاجا’’ كما وصفوا المجاهدين الجزائريين إستماتتهم في تحرير هذه الأرض المباركة.
و مرة أخري نقول أي كانت مبررات الإستدمار الغربي لا يحق لأمثال إرنست رينان (1823-1892) أن يقول’’ يجب أن يقوم الرجل الأبيض بمهمته في سبيل نشر الحضارة أي حضارة أوروبا في أوساط الشرائح الدنيا عند الوحوش.’’
هذا الحكم العنصري الفظيع لمؤرخ غربي يعد تلخيص لفلسفة الأنوار الأوروبية. هكذا هم في حقيقتهم و لهذا يتعذر علينا بأي شكل من الأشكال أن ندخل معهم في علاقة متوازنة، فدائما سينظرون لنا نظرة الدونية و دائما سنتذكر جرائمهم و لن ننسي ما فعلوه بنا حتي و إن رغبنا في ذلك.