مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الثورة بحاجة إلي حكماء-خاص بالوفاق
بقلم عفاف عنيبة
أبدأ بعرض مقوليتن للأستاذ الفاضل السيد راشد الغنوشي و الذي سأستدل بهما في تحريري لهذه المقالة و قد صرح مؤخرا ما يلي: :
’’ما عملت هذه المؤسسة (القاعدة)؟ فما من مكان دخلته إلا و حل به الخراب. دخلت افغانستان فاحتلت، و دخلت العراق فأحتل و دخلت الصومال فخرب.’’
’’مشروع القاعدة مشروع لا يبني .. مشروع هدم و حرب أهلية.و لم يأت للاسلام بخير قط’’

هذا الرأي السديد في نظري وضع النقاط علي الحروف فيما يخص التغيير الذي ننشده و الإنبعاث الحضاري الذي بدأه مصلحين كبار مثل جمال الدين الأفغاي، الكواكبي، العلامة الشيخ محمد عبده، و فضيلة الشيخ عبد الحميد بن باديس و المفكر مالك بن نبي رحمهم الله جميعا وبين التهديم المنظم الذي دشنه بن لادن و جماعته و من يمشون في ركابهم.




________________________________________
هل الإسلام كرسالة سماوية غائب تماما عن وجدان و عقول أكثر من مليار مسلم ؟
هل الفترة التي شهدت إنتقال السلطة السياسية من يد إستدمارية غربية و تسلمها من طرف نخبة مسلمة غير أمينة حررت البلاد من الإحتلال العسكري للغرب لتغنم الأرض و العباد بعد ذلك و تسوس الناس وفق أهواءها و رؤاها الإيديولوجية القاصرة التي إلتقطتها من هنا و هناك، هل محت تماما معالم الدين من حياة الفرد و الجماعة المقهورين ؟
هل إنقطاع تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل فعال و هذا منذ موت السلطان سليمان القانوي رحمه الله، أخرج لنا أجيال كافرة بالله الواحد الأحد و برسول الحق محمد صلي الله عليه و سلم ؟
هل الثورات التي بدأت فعليا بإنتفاضة الخبز في تونس في 3 جانفي 1984 و إنتفاضة الشباب في الجزائر في 5 اكتوبر 1988 و التي تلتها بعد حوالي إثنتين و عشرين سنة ثورة تونس و ثورة مصر عليها أن تتحول إلي فتح ثاني كما يطالب به متشددون مسلمون في بعض الدول العربية ؟
هل علينا الحكم علي أجيال كاملة تربت في حضن اللادين بأنها مارقة عن الدين و رفضها جملة و تفصيلا بالنتيجة ؟
هل علينا التعامل مع الواقع الذي أفرزته الثورات في منطقة العالم العربي إنطلاقا من وجهة نظر ضيقة تقضي بتسوية هذا الواقع بالأرض و العودة إلي مرحلة الصفر لإعادة بناء كل شيء ؟
هل علينا إعتبار الغرب و حضارة آسيا الزاحفة على أنهم شر مطلق لا رجاء و لا أمل فيهما ؟
لا أدري إن كنت قد طرحت كل الأسئلة التي وددت طرحها، إن تبقي البعض منها و لم أذكره سأثيره إن شاء الله في مقالة مقبلة.
نعود إلي أسئلتنا و نحاول إيجاد أجوبة لها توافق المنطق و روح العدل الذي تميز به ديننا الحنيف، تعامل بن لادن و جماعته بمنطق متخلف تماما بالنظر للتحديات المطروحة في عالم متدافع. فمن جهة غرب متعال بحضارته و الذي لم يجد في العالم العربي الإسلامي منافس حضاري قوي كما هو الحال مع قارة آسيا
فاليابان تغلب علي جرائم نغازاكي و هيروشيما ليس علي الطريقة البنلادية بتفجير ناطحات سحاب في نيويورك بطائرات ركاب مدنيين. و إنما بنهج حضاري إزداد فيه إلتصاقا بقيمه الموروثة علي الزان في طلبه لأسباب الرقي، فكان له ذلك التفوق المدهش الذي إنتزع إحترام الغرب له.

فما أنتجته ظاهرة بن لادن الكارثية من عواقب وخيمة علي العالم العربي الإسلامي غير قابلة للحصر و لا للتوصيف. فقائمة القتلي و الجرحي و اليتامي و الأرامل و المصدومين نفسيا و ردة الفعل الرافضة لمثل هذا ’’الدين الدموي’’ الذي جسده بإقتدار بن لادن و جماعته من داخل الوعاء البشري المسلم دون ذكر حالة الرفض العالمية و ليس فقط الغربية لهذا الجهاد المشوه، لا نستطيع أن نحدد حجم الخسارة التي تكبدناها.
كيف لنا أن نفهم الآخر المختلف عنا دينيا و حضاريا أن ديننا دين سلم و رحمة و علم و رقي أخلاقي سام ؟ و كيف لنا مخاطبة جموع الشعوب المسلمة التي ورثت دين الإسلام أبا عن جد دون التفاعل معه و قد حال بينها و بين ذلك التفاعل المنشود أنظمة إستبداد سياسية ؟
لخص رئيس الوزراء الأسبق السيد بلير خير تلخيص ما لحق المسلمين و ليس الإسلام من عار من جراء ظاهرة بن لادن في حوار أجرته له قناة العربية:’’إن كانت سياستي و أنا رئيس وزراء بريطانيا لم تعجب بعض المسلمين، لم لم يتوجهوا إلي باللائمة مباشرة و عوض ذلك هاجموا و قتلوا أبرياء في 7 جويلية 2005 بلندن ؟’’
بني بن لادن نظرته للإنتصار إلي الإسلام و المظلومين كما إدعي إنطلاقا من مفهوم خاطيء، و هو إستعمال سلاح بشع في الحقيقة، سلاح القتل و نشر الخراب بالتفجيرات الإجرامية بينما الإنتصار إلي الحق يكون بإستعادة زمام المبادرة الحضارية من أعداءنا في الغرب و لإسترجاع هذه المبادرة كان الأحري به أن يولي إهتمامه لأوضاع الإستبداد و الفساد السائدين في عالمنا العربي، و قد كان حكم ديننا في تسيير شؤون الرعية المسلمة صريحا لا غبار عليه و قد قال الرسول صلي الله عليه و سلم :( إذا كان أمراؤكم خياركم، و أغنياؤكم سمحاؤكم، و أمركم شوري بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، و إذا كان أمراؤكم، و أغنياؤكم بخلاؤكم، و لم يكن أمركم شوري بينكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها)رواه الترمذي عن سيدنا أبو هريرة رضوان الله عليه.

و قال تعالي في سورة الشوري الآية 4 ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون )
كيف لنا نواجه العدو الصليبي و الصهيوني و كيف لنا أن نحي من جديد حضارة الإسلام و نحن لم نعد العدة و لا يفهم من العدة هنا تدريب الناس علي تفجير أنفسهم وسط أبرياء مدنيين ؟
العدة التي نقصدها هي في كيفية بعث الروح في المنظومة القيمية للمجتمعات المسلمة و إعادتها إلي قلب التاريخ بعدما أخرجها منه قرون من الإستدمار الغربي و حوالي قرن من ديكتاتورية أبناء جلدتنا.
العدة أن نضع العدل كمبدأ يعلو علي كل قيمة أخلاقية أخري و العدل هنا بمفهومه الواسع الذي يمس العلاقة بين الإنسان و خالقه و بين الإنسان و أخيه الإنسان و بين الفرد و الجماعة و بين الراعي و الرعية.
العدة أن نؤمن بالوصايا العشر التي يلتزم بها بعض أتباع موسي و عيسي عليهما السلام و المذكورة في أواخر سورة الأنعام في القرآن الكريم، هذه هي العدة التي تعيدنا إلي دورنا الريادي في مقدمة الركب الحضاري و تنتشلنا من غياهب الإنحطاط و التخلف.
حينما نحكم في أنفسنا و في غيرنا قيم الخير و الفضيلة و الحق نكون قد أسسنا للأرضية الأخلاقية التي تنبني عليها معالم الحضارة. فعالمنا العربي الإسلامي أيام مجده كان منارة للعالمين لحوالي ثمانية قرون، فما الذي يمنعنا من رد العدوان علينا و علي مقدساتنا و علي تاريخنا و حضارتنا بعيدا عن لغة العنف الأعمي ؟
ما الذي يمنعنا من تفعيل طاقة الإيمان التوحيدي داخل بطارية القلب لنذهب إلي صيرورة تحفظ لنا وجودنا ؟ فنحن تغلبنا علي أهم عدو و هو الخوف من طاغوت الإستبداد، هزمنا الأنا الأنانية التي كانت تزين لنا الخمول و الخنوع و التذلل، نحن نعيش إنبعاث جديد للمواطنة المسلمة، تلك المواطنة التي نشترك فيها مع بقية مواطنينا من ديانات و مذاهب مختلفة و التي من خلالها نتمكن من رفع الغبن علي الجميع، فنحترم إختلافنا عن بعضنا البعض بالتركيز علي العناصر التي نشترك فيها كإنتماءنا للأرض و الزمان و المصير الواحد و الحضارة الواحدة.
فهل لنا أن نعي بأن الثورة الشعبية السلمية التي حققتها شعوبنا هي رسالة ذكية لمن يهمه الأمر، أنه من هنا و صاعدا نحن الملايين من مواطني عالمنا العربي الإسلامي نرنو إلي مصير سيد، تنمحي فيه الحساسيات و الحسابات الضيقة و الخلافات التي لا تسمن و لا تغني من جوع ؟
أظن أنه محكوم علينا بالمضي قدما في سياق تاريخي نحن من نصنعه و ليس مفروضا علينا كما كان الحال قبل الإنتفاضات الشعبية، عن السؤال الأول الذي طرحته في مقدمة المقالة، أجيب :
لا، الإسلام كرسالة سماوية ليس غائبا عن وجدان و عقل مليار مواطن مسلم، بل هو متجذر فينا المطلوب فقط أن ننفض الأتربة و الغبار الذي تراكم عليه ليتحول من إيمان تقليدي إلي إيمان نابض حي في كل ذاتنا.
الرد عن السؤال الثاني يكون ب: لم يختفي الإسلام كدين في الفترة الحالكة للإستبداد السياسي بل ظل موجودا و إنما عرف فترة تضييق رهيبة بحيث أصبح أكثر منه مراسم منه منهج حياة، فقد أراد المستبدون أن يحصروا الإسلام في طقوس علي أن يسمحوا له و لأتباعه أن يطلقوا الطاقة الهائلة التي يحويها داخله و التي تخوله وحده علي أن يكون عامل إنبعاث و صلاح للأمة الإسلامية جمعاء.
الرد علي السؤال الثالث يكون كالتالي :
إنقطاع تطبيق الشريعة لم يخرج لنا أجيال كافرة بالدين، غياب الشريعة أخل بالنظام العام لحياة المجتمعات المسلمة، فقد سادت فيها آفات و مفاسد كبيرة جدا أضرت بمناعتها الروحية و الأخلاقية إن لم تقضي عليها في مجتمعات معينة إلا أن غياب الشريعة كان أكبر عامل تذكير للمسلمين بوجوب الرجوع إليها و المطالبة بتطبيقها و لا يفهم من الشريعة الجانب القانوني و هو الحدود وفقط، الشريعة أكبر و أشمل من ذلك.
الجواب علي السؤال الرابع هو
الفتح الوحيد الحقيقي لعالمنا العربي الإسلامي تم من ألف و أربعمائة سنة و لن يتكرر ثانية لسبب بسيط، كمسلمين نحتاج إلي تفعيل إيماننا و ليس علي حد تعبير مفكرنا الراحل مالك بن نبي رحمه الله تعلم عقيدة نملكها. :
و أما دعوتنا للمتشددين دينيا إن نظرتم لغير الملتزمين أو لأولئك الملتزمين الإلتزام الوسطي علي أنهم علي غير هدي الله، فرسالتكم مغلوطة و المطلع علي القلوب و النوايا هو الله و الحاكم علي الأفعال و السلوكات يبقي الله عز و جل و عليكم بمراجعة موقفكم المتشدد لأن التشدد ليس من الإسلام في شيء.
الإجابة عن السؤال الخامس:
الأجيال التي تربت في حضن اللادين عليها حق علينا، واجب علينا أن نؤديه بأن نكون خير قدوة للإلتزام الديني الوسطي الحضاري و تجنب الحكم عليها لأنها ضحية أكثر منها مسؤولة علي البيئة التي نشأت فيها.
الرد علي السؤال السادس :
الذي ورثناه عن عصر الإستبداد سلبي في مجمله لكن فيه قدر كبير أيضا من الإيجابيات، مثل أننا تعلمنا إعتماد ثقافة النضال لرد المظالم فمثل هذه الثقافة لا نستطيع الإستغناء عنها و إنما علينا الحفاظ عليها و علي أوجه إيجابية أخري طبعت دورنا في مرحلة الديكتاتورية لنستعين بها في عملية إعادة البناء.
جوابي علي السؤال السابع و الأخير، هو :
علينا بالإبتعاد عن سياسة شيطنة الغرب و آسيا، فالكون مبني علي المصالح المتبادلة، في علاقتنا مع الغرب المؤسساتي الصهيوني الصليبي علينا بلزوم خط الصمود الذكي و أما مع الغرب الشعبي و النخبوي و آسيا الحضارة، علينا بنهج العدل في علاقتنا معهم و التعويل علي تفعيل دورنا لنأتي بأجوبة مقنعة لمختلف الأزمات التي تعصف بعالمنا في كل الميادين من النظام البيئي إلي شؤون الإجتماع و الأوضاع المالية المتدهورة جدا و هذا بعد ما نكون حصنا بيتنا من الداخل، لأنه من غير المعقول أن نسعي لإنقاذ الآخر الأجنبي و نحن محليا مركبنا يغرق !!
فعلا الثورة في حاجة إلي حكماء و ليس إلي سياسيين، فالحكيم ينظر إلي كل الناس علي أنهم بشر سواسية لهم من الحقوق و الواجبات ما يترتب عنه تعامل مرن و حازم في آن لضمان العدل و الحرية للجميع، و الحكيم في مواضع كثيرة لن ينسي ما ينساه في أغلب الأحيان السياسي أن فوق العباد رب و أن الله لم يخلق عباده ليشقوا ، فيعمل قدر المستطاع علي بلورة فلسفة حكم تنزع القدسية عن الحاكم و تستنفر في المواطن يقظته و روح الحق فيه.













أضافة تعليق