زيد الشامي
يوم لا ولم ولن يُنسى في التاريخ اليمني الحديث، ومع أن أيام ربيع الثورة اليمنية كثيرة وعظيمة؛ إلا أن جمعة الكرامة مثّلت الجوهرة المتلألئة في عقد جميل صنعه شباب اليمن بتضحياتهم وفدائهم من أجل الحرية والكرامة، برؤوسهم التي حملوها على أكفهم، بشجاعتهم النادرة التي لا نظير لها، بدمائهم الزكية التي قدّموها بطيب خاطر مهرا للانعتاق من الظلم والاستبداد والتخلف.
في ساحة التغيير بجامعة صنعاء أدى جموع المصلين ذلك اليوم صلاة الجمعة باطمئنان وأمان، بينما كان المجرمون والقتلة يعدون العدة ويشحذون هممهم الشيطانية لينفذوا الخطة الجهنمية بارتكاب تلك المذبحة المروعة، وينضموا إلى قافلة أعتى مجرمي العالم القديم والجديد.
صورتان متقابلتان: إحداهما تمثل النبل في أبهى صوره، والتضحية في أعظم معانيها، والفداء في أرقى سموّه، رسم تلك اللوحة الرائعة - التي لم تلتقط العدسات إلاّ النزر اليسير منها – أولئك الأبطال الميامين الذين كانوا يتسابقون نحو الموت محاولين بصدورهم العارية أن يقبضوا على القتلة بأسلحتهم النارية ليمنعوهم من الاستمرار بالمزيد من القتل، وتمكنوا أن يكسروا شوكتهم ويحطموا غرورهم ويجبروهم على الفرار بين الأدخنة والنيران التي أشعلوها؛ حاملين معهم العار والذّل والشّنار في الدنيا والخزي يوم الحساب.
أما الصورة الثانية المعاكسة فمثلت الوحشية في أبشع صورها، واللؤم في أشد خبثه، والجريمة مع سبق الإصرار والترصد ، خطة محكمة، وتهيئة واسعة في مختلف وسائل الإعلام الرسمية، وتجميع للمجرمين من مناطق مختلفة وكأنهم أصحاب الأحياء المجاورة للساحة – وقد تبرأ الجيران من تلك الإدعاءات الكاذبة – أقاموا جدراناً على مداخل الساحة ليتحركوا بحرية تامة، وليتمكنوا من الفرار تحت غطاء الدخان الذي أحضروا له إطارات السيارات وأشعلوها بالبنزين، جريمة واضحة مرتبة خطط لها متخصصون في الإجرام، ونفذها طائشون غسلت أدمغتهم وعبّئوا بالحقد والكراهية فأوغلوا أيديهم النجسة في الدماء الزكية والوجوه المتوضئة الرضية، وارتكبوا تلك المذبحة التي ستظل تلاحقهم لعناتها في الدنيا والآخرة .
يصعب علينا أن نستقصي ما حدث ذلك اليوم فوراء كل شهيد وجريح قصة ورواية تستحق أن يُكتب عنها، ربما من الصعب أن نستوعب ما حدث لولا أن عشرات الآلاف قد عاشوا الحدث؛ منهم من كان في وسط المعمعة، ومنهم المسعف والمنقذ، ومنهم الشاهد والمصوّر والحاضر، والقريب والجار والصاحب، والصديق لأولئك الأبطال الميامين الذين جادوا بأرواحهم لم ينتظروا من أحد جزاءً ولا شكوراً لكنهم عند رب كريم ندعوه أن يرفع مقامهم ويجزيهم عن أمتهم خيرا، ونسأله أن ينتقم ممن قتلوهم ويفضحهم في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
لقد كانت مذبحة جمعة الكرامة مرحلة فاصلة في ربيع الثورة اليمنية، لأنها أسقطت مشروعية النظام فغدا بعدها يخبط خبط عشواء، يراكم الأخطاء والخطيئات كالذي يتخبّطه الشيطان من المَسّ، لم تقم له بعدها قائمة ولم تستقم له حُجة، وستظل جريمة الغدر بالمصلين المسالمين سُبّة على جبين كل المجرمين المخططين والمنفذين والذين ترتعد فرائصهم كلما ذكرت جمعة الكرامة!!
اليوم وبعد عام على المذبحة البشعة الذين ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شهيداً ومئات الجرحى والمعاقين، جدير بنا أن نستكمل الأهداف التي من أجلها ضحى أولئك الميامين بأنفسهم، يجب أن نسعى لبناء يمن جديد ينعم فيه جميع أبنائه بالحرية والعدالة والمساواة، ويجب أن تتولَى الحكومة رعاية أسر الشهداء رعاية تليق بالتضحيات التي قدّموها، كما يجب رعاية المعاقين واستكمال علاج الجرحى.
ولزاماً على الأحياء أن يستمروا في البحث والتحري في كل تفاصيل الجريمة ومعرفة الحقيقة، ومن ثمّ تعقب المجرمين وتقديمهم للعدالة.
من الصعب أن تمر حادثة بهذه الضخامة دون أن نقف أمامها طويلاً، يجب أن نكتب عنها وأن نعلّمها للأجيال من خلال المناهج الدراسية وبرامج التوعية والخطب والمحاضرات والكتب والروايات والشعر والنثر الفني ... ليعرف أبناؤنا وبناتنا الثمن الغالي الذي قدّمه أولئك الأبطال الميامين ليعيش شعبهم عزيزاً كريماً رافع الرأس شامخاً بين الشعوب!!
[email protected]
*الصحوة نت
يوم لا ولم ولن يُنسى في التاريخ اليمني الحديث، ومع أن أيام ربيع الثورة اليمنية كثيرة وعظيمة؛ إلا أن جمعة الكرامة مثّلت الجوهرة المتلألئة في عقد جميل صنعه شباب اليمن بتضحياتهم وفدائهم من أجل الحرية والكرامة، برؤوسهم التي حملوها على أكفهم، بشجاعتهم النادرة التي لا نظير لها، بدمائهم الزكية التي قدّموها بطيب خاطر مهرا للانعتاق من الظلم والاستبداد والتخلف.
في ساحة التغيير بجامعة صنعاء أدى جموع المصلين ذلك اليوم صلاة الجمعة باطمئنان وأمان، بينما كان المجرمون والقتلة يعدون العدة ويشحذون هممهم الشيطانية لينفذوا الخطة الجهنمية بارتكاب تلك المذبحة المروعة، وينضموا إلى قافلة أعتى مجرمي العالم القديم والجديد.
صورتان متقابلتان: إحداهما تمثل النبل في أبهى صوره، والتضحية في أعظم معانيها، والفداء في أرقى سموّه، رسم تلك اللوحة الرائعة - التي لم تلتقط العدسات إلاّ النزر اليسير منها – أولئك الأبطال الميامين الذين كانوا يتسابقون نحو الموت محاولين بصدورهم العارية أن يقبضوا على القتلة بأسلحتهم النارية ليمنعوهم من الاستمرار بالمزيد من القتل، وتمكنوا أن يكسروا شوكتهم ويحطموا غرورهم ويجبروهم على الفرار بين الأدخنة والنيران التي أشعلوها؛ حاملين معهم العار والذّل والشّنار في الدنيا والخزي يوم الحساب.
أما الصورة الثانية المعاكسة فمثلت الوحشية في أبشع صورها، واللؤم في أشد خبثه، والجريمة مع سبق الإصرار والترصد ، خطة محكمة، وتهيئة واسعة في مختلف وسائل الإعلام الرسمية، وتجميع للمجرمين من مناطق مختلفة وكأنهم أصحاب الأحياء المجاورة للساحة – وقد تبرأ الجيران من تلك الإدعاءات الكاذبة – أقاموا جدراناً على مداخل الساحة ليتحركوا بحرية تامة، وليتمكنوا من الفرار تحت غطاء الدخان الذي أحضروا له إطارات السيارات وأشعلوها بالبنزين، جريمة واضحة مرتبة خطط لها متخصصون في الإجرام، ونفذها طائشون غسلت أدمغتهم وعبّئوا بالحقد والكراهية فأوغلوا أيديهم النجسة في الدماء الزكية والوجوه المتوضئة الرضية، وارتكبوا تلك المذبحة التي ستظل تلاحقهم لعناتها في الدنيا والآخرة .
يصعب علينا أن نستقصي ما حدث ذلك اليوم فوراء كل شهيد وجريح قصة ورواية تستحق أن يُكتب عنها، ربما من الصعب أن نستوعب ما حدث لولا أن عشرات الآلاف قد عاشوا الحدث؛ منهم من كان في وسط المعمعة، ومنهم المسعف والمنقذ، ومنهم الشاهد والمصوّر والحاضر، والقريب والجار والصاحب، والصديق لأولئك الأبطال الميامين الذين جادوا بأرواحهم لم ينتظروا من أحد جزاءً ولا شكوراً لكنهم عند رب كريم ندعوه أن يرفع مقامهم ويجزيهم عن أمتهم خيرا، ونسأله أن ينتقم ممن قتلوهم ويفضحهم في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
لقد كانت مذبحة جمعة الكرامة مرحلة فاصلة في ربيع الثورة اليمنية، لأنها أسقطت مشروعية النظام فغدا بعدها يخبط خبط عشواء، يراكم الأخطاء والخطيئات كالذي يتخبّطه الشيطان من المَسّ، لم تقم له بعدها قائمة ولم تستقم له حُجة، وستظل جريمة الغدر بالمصلين المسالمين سُبّة على جبين كل المجرمين المخططين والمنفذين والذين ترتعد فرائصهم كلما ذكرت جمعة الكرامة!!
اليوم وبعد عام على المذبحة البشعة الذين ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شهيداً ومئات الجرحى والمعاقين، جدير بنا أن نستكمل الأهداف التي من أجلها ضحى أولئك الميامين بأنفسهم، يجب أن نسعى لبناء يمن جديد ينعم فيه جميع أبنائه بالحرية والعدالة والمساواة، ويجب أن تتولَى الحكومة رعاية أسر الشهداء رعاية تليق بالتضحيات التي قدّموها، كما يجب رعاية المعاقين واستكمال علاج الجرحى.
ولزاماً على الأحياء أن يستمروا في البحث والتحري في كل تفاصيل الجريمة ومعرفة الحقيقة، ومن ثمّ تعقب المجرمين وتقديمهم للعدالة.
من الصعب أن تمر حادثة بهذه الضخامة دون أن نقف أمامها طويلاً، يجب أن نكتب عنها وأن نعلّمها للأجيال من خلال المناهج الدراسية وبرامج التوعية والخطب والمحاضرات والكتب والروايات والشعر والنثر الفني ... ليعرف أبناؤنا وبناتنا الثمن الغالي الذي قدّمه أولئك الأبطال الميامين ليعيش شعبهم عزيزاً كريماً رافع الرأس شامخاً بين الشعوب!!
[email protected]
*الصحوة نت