(عارف أبو حاتم )
[email protected]
لن يهدأ علي عبدالله صالح أو يقر قراره حتى يفعل كما فعل الجنرال «انطونيو لوبيز»، الديكتاتور الذي حكم المكسيك النصف الأول من القرن الـ19.
الثلاثاء الماضي وجهت النيابة بالتحقيق مع 30 موقوفاً على ذمة تفجير جامع الرئاسة، والتحقيق لن يكون غير إمعان في إشباع رغبة صالح في الانتقام، ومن المؤكد أن تكون الاستخبارات الرئاسية والأمن القومي والقوات الخاصة قد اشبعت الموقوفين تنكيلاً وتحقيقاً، لكنها رغبة التسلط والشعور بـ«الأنا» المتضخمة، فالجنرال «لوبيز» أقام جنازة رسمية مهيبة لساقه اليمنى التي فقدها أثناء «حرب الفطائر»، وظل يمُنُّ على الشعب المكسيكي طيلة سنوات حكمه أنه ضحى بساقه، دون اكتراث بعشرات الآف الشهداء الذين قدموا أرواحهم... وصالح يتذكر الصهاينة بمزيد من الاحترام، ويقول إنهم لم يقتلوا الشيخ أحمد ياسين إلا بعد خروجه من المسجد، دون أن يتذكر مجازر الحرم الإبراهيمي والأقصى، ودور العبادة الأخرى ككنيستي بيت المهد والقيامة.
يأخذ صالح نفساً عميقاً، ويرسل تنهيدة كعاشقة تأخر موعد قرانها، ويقول: «لكن هؤلاء أخبث من الصهاينة، ما احترموا بيت الله»، ولولا حالة اللاعنف التي تتلبسني، والإيمان المطلق بالنضال السلمي، لقلت: لقد فعل المنفذون لحادثة الرئاسة خيراً بكل اليمن، وجزاهم الله خير ما جزا نبياً عن أمته!! يمنعني من ذلك إيماني المطلق باللاعنف، ولا أبغض شيئاً كالسلاح الذي لا يعرف حقه الشرعي والأخلاقي، ومن سيعترض على حادثة الرئاسة عليه أن يتذكر الـ15 ساعة التي سبقت الحادثة، كيف كانت الصواريخ والقذائف بكل أنواعها تدك حي الحصبة وما جاوره، ومنظر مبنى «اليمنية» وهو يحترق بفعل القصف المركز، ثم صباح اليوم التالي «الجمعة»: الصواريخ تدك منزلي اللواء علي محسن والشيخ حميد الأحمر، وهذا الأخير قُتل من حراسة منزله 18 شخصاً في ظرف ساعات.. ثم جاءت هبة سماوية، وحدث ما حدث في جامع دار الرئاسة في 3 يونيو الماضي، ونُقل صالح وأركان حكمه إلى المستشفيات في الداخل والخارج، وكم تمنيت لو أن صالح طوال سنوات حكمه قد بنى مستشفى ضخم، على الأقل يكون له وحده، بدلاً من «الشرشحة» في الخارج، بصحبة 88 من رموز نظامه.
بعد حادثة الرئاسة وضعت الحرب أوزارها، وتنفس الناس هواء نقياً، بدلاً من البارود، ولو تأخرت الحادثة ثلاثة أيام فقط، لكان صالح أحرق نصف العاصمة، وكل تعز!! وقد أرادت المقادير أن يُحرق صالح وأعوانه بعد خمسة أيام فقط من محرقة تعز (29 مايو) التي راح ضحيتها العشرات من المعتصمين، بينهم 12 معاقاً، جُرفت وأُحرقت خيمتهم بمن فيها.
يؤكد التقرير الثالث للمستشفى السعودي بالرياض أنه تم «استئصال ثلثي الرئة اليمني للرئيس صالح»، ويبدو أن رئته أعلى قيمة من ساق الجنرال «لوبيز»، ويريد أولاً أن يقتص لنفسه من كل الجناة والمشتبهين، ثم يقيم جنازة رسمية، ويضع ثلثي رئته على عربة مدفع، وتقام المراسيم الضخمة، وتدفن في مقبرة خمسة نجوم، بعدها يغادر السلطة.. لكن فيتور المتحدث باسم البيت الأبيض قال الأربعاء الماضي إن أمريكا والمجتمع الدولي لن يسمحوا لصالح بالتلاعب بوعوده، وعليه تسليم السلطة فوراً، مع أنهم يعرفون أنه لم يعد أكثر من «أسد مفرشة»، لا قيمة ولا وزن لقراره أو فعله، إنما أراد أن يستفز المجتمعين المحلي والدولي بأنه لن يغادر للعلاج في أمريكا، وسيبقى حتى يطمئن على تسليم السلطة لنائبه هادي، مع أن هادي مرشح توافقي، والانتخابات الرئاسية يوم 21 فبراير القادم ليست أكثر من إجراء صوري، لنزع بقايا شرعية صالح عبر صناديق الاقتراع، غير أن صالح يضغط ببقائه في اليمن حتى يتم إنجاز «قانون المصالحة» بدلاً من الحصانة، وهو قانون يتم وفقاً لـ«قانون العدالة الانتقالية» المعمول به دولياً، وبموجبه يحصل صالح ومن عمل معه طوال سنوات حكمه على الحصانة من الملاحقة القضائية والأمنية في مختلف القضايا.
وهنا يجب التأكيد أن القانون يتحدث عن قضايا الحق العام، من فساد ونهب وتفريط بالسيادة واستغلال الوظيفة العامة لمصالح شخصية، ومن المؤكد أنه لا نص قانوني محلي أو دولي، يُعطي القاتل «حصانة»، لأن كل الشرائع والمواثيق لا تعتدي على الحق الخاص، حق أولياء الدم، ووحدهم من لهم حق العفو من عدمه.. وتزامناً مع إقرار حكومة الوفاق لمشروع القانون أعلنت النيابة الجزائية مباشرتها التحقيق مع الموقوفين على ذمة حادثة الرئاسة، لكي يطمئن صالح أنه في وضع يسمح له بمحاكمة من حاولوا اغتياله، في حين لا يستطيع أحد محاكمته، لأنه «محصن» بالقانون، ولو دقق في قانون «المصالحة» لوجده يعطي العفو في كل القضايا لكل من عملوا معه، والموقوفين الـ30 هم ممن عملوا معه في حراسته وخدمته، ولو أراد أن يحاكمهم باعتبار ذلك «حق خاص» لا يسقطه القانون، سيكون قد فتح باب جهنم على نفسه، فغداً سيتقدم أهالي الضحايا الذين قتلهم طيلة 34 سنة بطلب محاكمته، وهم بالآلاف، ثم هل يمكن لتشريع محلي أن يلغي قوانين دول العالم، مثلاً لو قررت أمريكا أو دولة أوروبية اعتقال ومحاكمة صالح وفقاً لقانونها المحلي، هل سيجدون قانون المصالحة اليمني عقبة أمامهم، لا، لن يكون كذلك، لأن تشريعات هذه الدول المتعلقة بالحقوق والحريات تتعدى حدود أبناء جنسيتها، فالبرلمان الفرنسي صادق الأسبوع قبل الماضي على مسودة قانون يجرم من ينكر مجزرة الأرمن التي ارتكبها الأتراك قبل أكثر من 100 سنة.
من المؤكد أن صالح قد حصل على فيزا أمريكية من نوع A1 له و18 من أقاربه، وهي «فيزا مؤقتة» بمعنى أنه لا يحق له بموجبها الإقامة في الأراضي الأمريكية، وأيضاً إذا أُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة وهو لا يزال في أمريكا فقد خُلعت عنه الصفة «الرئاسية»، ويُصبح مواطناً عادياً، قد يستدعي الضغط الشعبي والحقوقي الأمريكي اعتقاله ومحاكمته.. وتهديد صالح بالبقاء وعدم السفر للعلاج لا يخلو من رسالة توعد بالتراجع عن المبادرة الخليجية إذا ما استمرت ثورة المؤسسات الحكومية ضد رؤسائها المقربين من صالح، فثورة الموظفين البسطاء ضد من انتهكوا حقوقهم عشرات السنين، هزت كيان صالح، وأنذرت بتحلل نظام حكمه إلى الأبد.
* الصحوة نت
[email protected]
لن يهدأ علي عبدالله صالح أو يقر قراره حتى يفعل كما فعل الجنرال «انطونيو لوبيز»، الديكتاتور الذي حكم المكسيك النصف الأول من القرن الـ19.
الثلاثاء الماضي وجهت النيابة بالتحقيق مع 30 موقوفاً على ذمة تفجير جامع الرئاسة، والتحقيق لن يكون غير إمعان في إشباع رغبة صالح في الانتقام، ومن المؤكد أن تكون الاستخبارات الرئاسية والأمن القومي والقوات الخاصة قد اشبعت الموقوفين تنكيلاً وتحقيقاً، لكنها رغبة التسلط والشعور بـ«الأنا» المتضخمة، فالجنرال «لوبيز» أقام جنازة رسمية مهيبة لساقه اليمنى التي فقدها أثناء «حرب الفطائر»، وظل يمُنُّ على الشعب المكسيكي طيلة سنوات حكمه أنه ضحى بساقه، دون اكتراث بعشرات الآف الشهداء الذين قدموا أرواحهم... وصالح يتذكر الصهاينة بمزيد من الاحترام، ويقول إنهم لم يقتلوا الشيخ أحمد ياسين إلا بعد خروجه من المسجد، دون أن يتذكر مجازر الحرم الإبراهيمي والأقصى، ودور العبادة الأخرى ككنيستي بيت المهد والقيامة.
يأخذ صالح نفساً عميقاً، ويرسل تنهيدة كعاشقة تأخر موعد قرانها، ويقول: «لكن هؤلاء أخبث من الصهاينة، ما احترموا بيت الله»، ولولا حالة اللاعنف التي تتلبسني، والإيمان المطلق بالنضال السلمي، لقلت: لقد فعل المنفذون لحادثة الرئاسة خيراً بكل اليمن، وجزاهم الله خير ما جزا نبياً عن أمته!! يمنعني من ذلك إيماني المطلق باللاعنف، ولا أبغض شيئاً كالسلاح الذي لا يعرف حقه الشرعي والأخلاقي، ومن سيعترض على حادثة الرئاسة عليه أن يتذكر الـ15 ساعة التي سبقت الحادثة، كيف كانت الصواريخ والقذائف بكل أنواعها تدك حي الحصبة وما جاوره، ومنظر مبنى «اليمنية» وهو يحترق بفعل القصف المركز، ثم صباح اليوم التالي «الجمعة»: الصواريخ تدك منزلي اللواء علي محسن والشيخ حميد الأحمر، وهذا الأخير قُتل من حراسة منزله 18 شخصاً في ظرف ساعات.. ثم جاءت هبة سماوية، وحدث ما حدث في جامع دار الرئاسة في 3 يونيو الماضي، ونُقل صالح وأركان حكمه إلى المستشفيات في الداخل والخارج، وكم تمنيت لو أن صالح طوال سنوات حكمه قد بنى مستشفى ضخم، على الأقل يكون له وحده، بدلاً من «الشرشحة» في الخارج، بصحبة 88 من رموز نظامه.
بعد حادثة الرئاسة وضعت الحرب أوزارها، وتنفس الناس هواء نقياً، بدلاً من البارود، ولو تأخرت الحادثة ثلاثة أيام فقط، لكان صالح أحرق نصف العاصمة، وكل تعز!! وقد أرادت المقادير أن يُحرق صالح وأعوانه بعد خمسة أيام فقط من محرقة تعز (29 مايو) التي راح ضحيتها العشرات من المعتصمين، بينهم 12 معاقاً، جُرفت وأُحرقت خيمتهم بمن فيها.
يؤكد التقرير الثالث للمستشفى السعودي بالرياض أنه تم «استئصال ثلثي الرئة اليمني للرئيس صالح»، ويبدو أن رئته أعلى قيمة من ساق الجنرال «لوبيز»، ويريد أولاً أن يقتص لنفسه من كل الجناة والمشتبهين، ثم يقيم جنازة رسمية، ويضع ثلثي رئته على عربة مدفع، وتقام المراسيم الضخمة، وتدفن في مقبرة خمسة نجوم، بعدها يغادر السلطة.. لكن فيتور المتحدث باسم البيت الأبيض قال الأربعاء الماضي إن أمريكا والمجتمع الدولي لن يسمحوا لصالح بالتلاعب بوعوده، وعليه تسليم السلطة فوراً، مع أنهم يعرفون أنه لم يعد أكثر من «أسد مفرشة»، لا قيمة ولا وزن لقراره أو فعله، إنما أراد أن يستفز المجتمعين المحلي والدولي بأنه لن يغادر للعلاج في أمريكا، وسيبقى حتى يطمئن على تسليم السلطة لنائبه هادي، مع أن هادي مرشح توافقي، والانتخابات الرئاسية يوم 21 فبراير القادم ليست أكثر من إجراء صوري، لنزع بقايا شرعية صالح عبر صناديق الاقتراع، غير أن صالح يضغط ببقائه في اليمن حتى يتم إنجاز «قانون المصالحة» بدلاً من الحصانة، وهو قانون يتم وفقاً لـ«قانون العدالة الانتقالية» المعمول به دولياً، وبموجبه يحصل صالح ومن عمل معه طوال سنوات حكمه على الحصانة من الملاحقة القضائية والأمنية في مختلف القضايا.
وهنا يجب التأكيد أن القانون يتحدث عن قضايا الحق العام، من فساد ونهب وتفريط بالسيادة واستغلال الوظيفة العامة لمصالح شخصية، ومن المؤكد أنه لا نص قانوني محلي أو دولي، يُعطي القاتل «حصانة»، لأن كل الشرائع والمواثيق لا تعتدي على الحق الخاص، حق أولياء الدم، ووحدهم من لهم حق العفو من عدمه.. وتزامناً مع إقرار حكومة الوفاق لمشروع القانون أعلنت النيابة الجزائية مباشرتها التحقيق مع الموقوفين على ذمة حادثة الرئاسة، لكي يطمئن صالح أنه في وضع يسمح له بمحاكمة من حاولوا اغتياله، في حين لا يستطيع أحد محاكمته، لأنه «محصن» بالقانون، ولو دقق في قانون «المصالحة» لوجده يعطي العفو في كل القضايا لكل من عملوا معه، والموقوفين الـ30 هم ممن عملوا معه في حراسته وخدمته، ولو أراد أن يحاكمهم باعتبار ذلك «حق خاص» لا يسقطه القانون، سيكون قد فتح باب جهنم على نفسه، فغداً سيتقدم أهالي الضحايا الذين قتلهم طيلة 34 سنة بطلب محاكمته، وهم بالآلاف، ثم هل يمكن لتشريع محلي أن يلغي قوانين دول العالم، مثلاً لو قررت أمريكا أو دولة أوروبية اعتقال ومحاكمة صالح وفقاً لقانونها المحلي، هل سيجدون قانون المصالحة اليمني عقبة أمامهم، لا، لن يكون كذلك، لأن تشريعات هذه الدول المتعلقة بالحقوق والحريات تتعدى حدود أبناء جنسيتها، فالبرلمان الفرنسي صادق الأسبوع قبل الماضي على مسودة قانون يجرم من ينكر مجزرة الأرمن التي ارتكبها الأتراك قبل أكثر من 100 سنة.
من المؤكد أن صالح قد حصل على فيزا أمريكية من نوع A1 له و18 من أقاربه، وهي «فيزا مؤقتة» بمعنى أنه لا يحق له بموجبها الإقامة في الأراضي الأمريكية، وأيضاً إذا أُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة وهو لا يزال في أمريكا فقد خُلعت عنه الصفة «الرئاسية»، ويُصبح مواطناً عادياً، قد يستدعي الضغط الشعبي والحقوقي الأمريكي اعتقاله ومحاكمته.. وتهديد صالح بالبقاء وعدم السفر للعلاج لا يخلو من رسالة توعد بالتراجع عن المبادرة الخليجية إذا ما استمرت ثورة المؤسسات الحكومية ضد رؤسائها المقربين من صالح، فثورة الموظفين البسطاء ضد من انتهكوا حقوقهم عشرات السنين، هزت كيان صالح، وأنذرت بتحلل نظام حكمه إلى الأبد.
* الصحوة نت