عارف أبو حاتم
2015-05-29
مع تعالي أصوات القذائف المنبعثة من الأرض، والمتساقطة من السماء، تأتي حسرات الأمين العام للأمم المتحدة قلقة فزعة لمآلات الأوضاع الإنسانية في اليمن، وربما كانت هي حسرات أمريكية/ إيرانية بقناعة مدفوعة.
لا يريد شعب اليمن من بان كي مون أن يتحسر أو يشعر بألم، بل أن يحرك مفاعيل الأمم المتحدة وأدواتها لإنقاذ اليمن من عصابة اختطفتها، وصادرت حق هذا الشعب العظيم في العيش والخيال، حرمته أن يحلم بمستقبل أفضل، وأن يسلك طريق المدنية لتحقيق حلمه الذي ينكسر كلما كبر غصنه.
وفقاً لدساتير كل دول العالم وكل تشريع سماوي وأرضي، فإن كل مجرم له من العقاب ما يوازي حجم جريمته، ولا جريمة دون عقاب، ولا حوار مع من تلوثت أيديهم بالدماء، ومن مزقوا المدن، ومن هتكوا سكينة الأبرياء، ومن أحالوا القوانين سجاجيد تمر فوقها عربات "السيد الوسيم"، ومن حرموا الناس من حقهم في الحياة.
وفق القوانين الدولية والمحلية، فإن مليشيا صالح والحوثيين قتلت آلاف الأبرياء، ودمرت المدن، واجتاحت مؤسسات الدولة، وحولتها إلى مخازن أسلحة، وأوقفت التعليم، وفجرت المدارس والمساجد وبيوت المواطنين، ونهبت المال العام، وسيطرت على المعسكرات، وتسببت بإدخال البلاد في حرب دولية، واستجلبت حملة عسكرية دولية سميت بـ"عاصفة الحزم"، لكي يتمكن الشعب اليمني من التخلص من هؤلاء، فبأي منطق يطالب الأمين العام للأمم المتحدة بالعودة إلى الحوار السياسي؟
لماذا لا تتعامل الأمم المتحدة والغرب عموماً مع اليمن إلا باعتبارها معضلة أمنية؟
ولا يلتفت أحد لليمن السياسي والتنموي.. لليمن الجغرافيا والشعب.
مَنْ يحاور مَنْ؟ وعلام يكون الحوار، هذا الذي فجر مدرستي وجامعتي ومشفاي وقتل أخي وصديقي وجاري وقصفت بأسلحته مديني وطريقي وقريتي يريدني أن أتحاور معه، وأن نجلس على طاولة واحدة.. وافتراضاً، كيف سيكون شكل كلينا على الطاولة، أنا الحزين الجريح المضمد، وهو القاتل الملطخ بالدم، علام نتحاور؟.
وفقاً لكل قوانين العالم، المكان الطبيعي لهؤلاء هو المقاصل والسجون، وليس طاولات الحوار.. لا حوار مع قتلة، ولا تعايش مع اللصوص.
حين انتفض النسر الأمريكي مذعوراً بعد أحداث سبتمبر 2001، وتوجه شرقاً لم يتجرأ أحد أن يقول له: إلى أين ذاهب؟ وماذا أنت فاعل؟ تركوه يفرغ غضبه فوق جبال أفغانستان وكهوفها، ثم العراق ومدنها.. ثم اعترف بأن غضبه لم يؤتِ ثماره؛ لأنه غضب موجه ومسيس، فلا قضى على بن لادن وطالبان في أفغانستان، ولا وجد في العراق أسلحة دمار شامل، أما غضب الشعب اليمني فيجب أن يؤخذ بالاعتبار، حتى وإن استعان بسلاح جاره، ثم إن غضبه ليس مفتعلاً ولا مسيساً، بل دعت إليه ضرورة وحاجة..
لا أحد يستطيع لوم الشعوب في تقرير مصيرها، وما تتخذه من خطوات، وما تطلقه من تسميات ومصطلحات في وجه من حرموها حقها في العيش الكريم الآمن، فقد ترادف مصطلح "اجتثاث" مع حزب البعث العراقي عقب احتلال العراق، ونادى الشعب التونسي بـ"الحل" لحزب التجمع الدستوري الذي حكم في عهد بن علي، وطالب المصريون بـ"العزل السياسي" لقادة الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك.
ومثله يجب أن يقول الشعب اليمني: نعم لحل حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه وتزعمه ودمره صالح، بل حوله من حزب سياسي حكم البلاد منفرداً 30 سنة إلى مليشيا مسلحة تتسق في مسارها مع مليشيا الجماعة الحوثية.
ولولا وجود هذه العضلة الصالحية والمؤتمرية القوية لما تمكن الحوثي من السيطرة على قرية في ريف أو حارة في مدينة، وبأحسن الأحوال، يجب أن نخيّر قادة وقواعد المؤتمر بين أمرين، إما حل حزبهم، أو فك الارتباط مع صالح وعائلته، فهذه الأسرة بدلاً من أن تمنح المؤتمر قوة سياسية تضاف إلى رصيده في السياسة وإدارة الأزمات حولته إلى مليشيا مسلحة.
وكان العالم محقاً حين نادى بتجريم ما فعلته طالبان في أفغانستان، وجيش الرب في أوغندا، وحركة الشباب المجاهدين في الصومال، فهذه حركات إجرامية إرهابية، وإن كان فعلها أقل سوءاً وأضعف خطراً من الحركة الحوثية في اليمن، ومن حق الشعب اليمني أن يحاسب قاتليه، وأن يقول كلمته في من اعتدى عليه، وآن الوقت لإعلان الحوثيين "جماعة أنصار الله" حركة إرهابية محظورة.
قبل أن يعلن التاريخ حكمه بأن جنوب الجزيرة العربية أصبح إمارةً إيرانية، صحت دول الخليج من سبات عميق، والتفتت خلفها، فوجدت ذراعاً عسكريةً إيرانية مخيفة تطوق جنوب الجزيرة، وتهدد أمنها.
ودون أن تنتظر موافقة أمريكية، فرضت أمراً واقعياً، وشنت حرباً شرسةً حشدت لها 10 دول، وتأييدا من دول شتى، ووجهت ضربات موجعة تجاه جماعة الحوثيين الموالية لإيران وحليفها الرئيس اليمني السابق علي صالح، وركزت بعمليات خاطفة على مدارج الطيران الحربي ومخازن الأسلحة، خصوصاً التي بيد الجماعة الحوثية، وتجمعات العربات والقطع العسكرية الثقيلة، وقطعت الإمدادات بين من في مقدمة المعارك ومن يسندونها من الخلف، وتمكنت من إرهاق صالح والحوثيين، وتضييق خناقهم العسكري والسياسي.
غير أن ما ينقص "عاصفة الحزم" الخليجية هو وجود "عاصفة حسم" على الأرض، ولا بد من مقاومة شعبية تعيد للناس ثقتهم بأنفسهم، فقوة الحوثي كجسد سليمان، انتهت، لكنها تحتاج إلى دابة الأرض تدل الناس على موتها.
ورغم عنفوان "عاصفة الحزم"، إلا أن مجلس الأمن أصدر قراره الأممي رقم 2216 في 14 أبريل الماضي، بتصويت 14 دولة، وامتناع روسيا فقط، التي يعد امتناعها فعلاً إيجابيا، وبهذا القرار الذي صدر تحت الفصل السابع، أعادت الأمم المتحدة الاعتبار للشأن اليمني، الذي أهملته وتساهلت به كثيراً، فقد صدر في حق اليمن خمسة قرارات دولية وثلاثة بيانات رئاسية، ولم تحرك فيها ساكناً.
ونجح العرب لأول مرةٍ في تشكيل "لوبي عربي"، بل فرضت صيغة قرار هم من أملوا صيغة بنوده، ودلالة ذلك أن المجتمع الدولي تنبه هو الآخر لخطورة هذه الحركة المسلحة التي لن يقبل بها اليمنيون، ولن تتمكن من الحكم والسيطرة، وفي عهدها لن تكون اليمن غير بيئة صراعات مفتوحة تؤثر على أمن وسلامة الملاحة البحرية، ثم إن المجتمع الدولي ملّ من سياسات الملالئ والآيات في إيران وما تمسكه في يدها من أوراق ضغط تحسن بها شروط التفاوض.
وبقي أمام العرب استثمار هذا التوحد والاصطفاف، وإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك المنسية منذ 1951، وتكوين اتحاد عسكري وبرلماني ومحكمة عدل عربية، والأهم من ذلك التوسع والاشتغال في الأماكن التي خسرتها الدبلوماسية الإيرانية، والتركيز على العمق الاستراتيجي العربي ومجاله الحيوي، الممتد من أفغانستان إلى تركيا، ومن ساحل العاجل إلى الصحراء الكبرى، وأن تدرك أن تركيا حليف قوي وفاعل واستثنائي في المنطقة، وأن في أدنى القارة الأفريقية دولة قوية، ومن الممكن أن تكون حليفا استراتيجيا آخر وهي جمهورية جنوب أفريقيا، وأن تعمل على تذويب جليد الخلافا
ت البينية، فهي في جوهرها لا ترتقي إلى مستوى القطيعة والافتراق.
وتلوح أمام السعودية بارقة أمل كبير في أن تتصدر المشهد العربي والإسلامي، من خلال بوابتين؛ الأولى أن تنجح في ضم اليمن إلى دول مجلس التعاون، وهذا يعني تحصين أمن الجزيرة العربية قبل فوات الأوان، حتى وإن كان إجراء محدوداً في بعض جوانبه، إلى أن تتأهل اليمن وتكتمل بنيتها، وشروط استحقاقاتها الكاملة، والآخر هو النجاح في تشكيل حلف سعودي تركي باكستاني مصري، وهو الحلف الذي سيعيد تشكيل خارطة التوازنات في المنطقة، وسيضع إيران في حجمها الطبيعي.
وستظل مشكلة العرب الكبرى هو التعويل على الخارج، وأمريكا تحديداً، فالغرب له عقيدة واحدة هي المصالح، ومن المناسب جداً الاستشهاد هنا بمقولة عميقة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" قال: "لم نقل يوماً إن سياستنا الخارجية مبنية على الأخلاق".