مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
القدس: أمانة عُمَر.. في انتظار صلاح الدين الأَسْر المعاصر للقدس
د.محمد عمارة
عادت القوى الغربية، التي حركت ونظمت وتولت الغزوة الصليبية في مرحلة لاحقة، وفي طور جديد، لتحقيق ذات المقصد القديم: «انتزاع الأرض التي تدر سمناً وعسلاً»!! واحتكار قداسة القدس لها وحدها، وإهدار قداستها لدى الآخرين، فبدأت هذه القوى الاستعمارية، بعد اقتلاع الإسلام من الأندلس، وإسقاط «غرناطة» (897هـ/ 1492م) مرحلة «التطويق للعالم الإسلامي». ففي ذات العام الذي سقطت فيه غرناطة خرجت حملة «كريستوفر كولومبس» لاكتشاف طريق تطويق عالم الإسلام. وعندما ضل «كولومبس» الطريق، فذهب إلى القارة الأمريكية خرجت الحملة البرتغالية، لتحقيق الهدف الذي لم يحققه «كولومبس»، فكان اكتشاف البرتغاليين لطريق الالتفاف حول العالم الإسلامي، عبر ميناء «رأس الرجاء الصالح» (903هـ/ 1497م)، أي بعد خمس سنوات من سقوط غرناطة! وعلى شواطئ الهند المسلمة حدثت المواجهة بين البرتغاليين وبين الجيش المصري، بقيادة المماليك (910هـ/ 1504م)، وهي المواجهة التي انتصر فيها البرتغاليون على المماليك. مواجهة التطويق ومع تزايد نشاط حملات «التطويق»، حول شواطئ الهند، وفي بحر العرب، والخليج العربي، والبحر الأحمر.. وفي ظل ضعف الدولة المملوكية، كان الاتجاه الثاني إلى الشرق والجنوب، وإدخال العالم العربي في كنف العسكرية العثمانية (923هـ/ 1517م) لمواجهة أخطار هذا التطويق، الذي نجح في تثبيت أقدام الغزاة الأوروبيين في إندونيسيا، والهند، والفلبين (في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي). ضرب القلب وبعد نجاح «مرحلة التطويق» للعالم الإسلامي، بدأت مرحلة ضرب «القلب» في هذا العالم. فعبر إذكاء الصراع بين «الصفويين، الشيعة» في إيران، وبين الدولة العثمانية، القوة الضاربة والسياج العسكري للعالم الإسلامي، وهو الصراع الذي اصطنعته أوروبا ورعت حروبه الدموية، تم شغل واستنزاف العسكرية العثمانية في صراع «إسلامي - إسلامي!»؛ الأمر الذي فتح الباب لضرب «قلب العالم الإسلامي»، بعد أن تمت «مرحلة التطويق»؛ فكانت حملة «بونابرت» على مصر (1213هـ/ 1798م). وبعد فشل الحملة الفرنسية على مصر، جاءتها حملة «فريزر» الإنجليزية (1222هـ/ 1807م). ثم كان احتلال الجزائر من قبل فرنسا (1246هـ/ 1830م). واحتلال عدن، من قبل إنجلترا (1254هـ/ 1838م). ومنع مصر بقيادة محمد علي باشا من تجديد شباب الدولة العثمانية بمعاهدة لندن (1256هـ/ 1840م). واحتلال فرنسا لتونس (1298هـ/ 1881م). ونجاح الإنجليز في احتلال مصر (1299هـ/ 1882م). واحتلال إيطاليا لليبيا (1329هـ/ 1911م). واحتلال فرنسا للمغرب (1330هـ/ 1911م). وتقسيم جميع أقاليم الخلافة الإسلامية بين القوى الاستعمارية، وفق معاهدة «سايكس - بيكو» (1334هـ/ 1916م)، وكانت القدس رمز الصراع من مقاصد هذا التقسيم، حتى أن «سايكس» الإنجليزي قد أقيم له في قريته «سيلدمير» بمقاطعة «يوركشاير» نصب تذكاري، يقف فيه «مزيناً بالنحاس محصناً بالدروع، متقلداً سيفاً، وتحت قدميه يرتمي مسلم، فوقه لفافة كتب عليها «ابتهجي يا قدس»!! واحتلال إنجلترا للعراق (1335هـ/ 1917م). وإصدار «وعد بلفور» - الذي قنن الشراكة «الصهيونية - الغربية» في هذه الحملة الاستعمارية (1336هـ/ 1917م)، تلك الشراكة التي سبق ودعا إلى إقامتها نابليون، أثناء حصاره لمدينة «عكا» (1213هـ/ 1799م). واحتلال الإنجليز للقدس (1336هـ/ 1917م)، ويومها قال الجنرال الإنجليزي «اللنبي»: «اليوم انتهت الحروب الصليبة»!! ونشرت مجلة «بنش»punch البريطانية رسماً كاريكاتيرياً تحت عنوان: «آخر حملة صليبية»، وفي الرسم يظهر «ريتشارد قلب الأسد» وهو يحدق في القدس، قائلاً: «أخيراً تحقق حلمي»!! واحتلال فرنسا لدمشق (1338هـ/ 1920م) عندما ذهب الجنرال الفرنسي «جورد» إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، وركله بقدمه، وقال: «ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين»!! ومعاهدة «لوزان» (1341هـ/ 1923م) بين «الحلفاء الغربيين» وبين تركيا، تلك التي قننت لطي صفحة الدولة العثمانية وإسقاط الخلافة (1342هـ/ 1924م). وإقامة «إسرائيل» تجسيداً للشراكة «اليهودية - الغربية» في استعمار وطن العروبة وعالم الإسلام (1367هـ/ 1948م). واحتلال كامل القدس، وبدء تهويدها (1387هـ/ 1967م). ليصل الغرب إلى الاحتفال بذكرى خمسمائة عام على بدء هذه الحقبة من حقب هذا الصراع «التاريخي - الحضاري»، بإقامة الدورة الأولمبية في «برشلونة»، على أرض الأندلس، في ذكرى اقتلاع الإسلام، وإسقاط غرناطة، لقد كانت البداية (897هـ/ 1492م)، وكان الاحتفال (1421هـ/ 1992م)!! ومع الاحتفال بذكرى مرور خمسمائة عام على اقتلاع الإسلام من الطرف الغربي لأوروبا، بدأت في نفس العام (1992م) حرب البوسنة، لاقتلاع الإسلام من قلب أوروبا!! وهي الحرب التي جدد وزير الإعلام الصربي موقعها في صفحات كتاب هذا الصراع التاريخي، عندما قال: «نحن طلائع الحروب الصليبية الجديدة»!! الرمز والمقصد والمفتاح وبرزت القدس في حقبة من هذا الصراع، كما كانت في الحقبة الصليبية، باعتبارها «الرمز والمقصد والمفتاح»! فتهويدها واحتكار قداستها، قائماً على قدم وساق. وإذا كانت ذاكرة الأمة، بواسطة ثقافتها، قد ظلت دامية بمكانة القدس في هذا الصراع التاريخي، المتعدد المراحل والحلقات، فإن المهمة المعاصرة لثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية، هي إبقاء ذاكرة الأمة على وعيها الكامل بمكانة هذا القدس الشريف، وذلك حتى يطلع الفجر الجديد، بالناصر صلاح الدين الجديد! لقد درج الناس - عامة الناس - على تسمية قضية القدس وفلسطين: «أزمة الشرق الأوسط»، والمطلوب هو الوعي «بتاريخ أزمة الشرق الأوسط» هذه، ولقد أراحنا الكاتب والقائد الإنجليزي «جلوب باشا» عندما قال: «إن مشكلة الشرق الأوسط قد بدأت منذ القرن السابع للميلاد»، أي منذ ظهور الإسلام!
*المجتمع
أضافة تعليق