د.عدنان باحارث
إن الواقع العام لوضع المرأة في العالم يستوجب إعادة النظر في فلسفة اختلاف الطبيعة الفطرية بين الجنسين، ودور كل منهما في الحياة الإنسانية؛ إذ لا يُتصور إمكانية الاستغناء بأحدهما عن الآخر ؛ فإن كلاًّ منهما يخدم التنمية البشرية ضمن نهج هدايته الذي خصَّه الله به، فالرجل يشارك في التنمية من خلال جهده في الحياة الخارجية العامة، وتفاعلاتها الاقتصادية والإدارية والسياسية والعسكرية ونحوها، والمرأة تشارك في التنمية من خلال جهدها في الحياة الداخلية الخاصة، وتفاعلاتها التربوية في رعاية النسل، وحفظ النوع، إلا أن دائرة ضيِّقة بين الحياتين الخارجية والداخلية تحتاج إلى جهد الجنسين معاً؛ فالحياة لا تستغني عن جهد الرجل التربوي في تنشئة الصغار، وضبط الأسرة، والحياة الخارجية لا تستغني – هي الأخرى – عن جهد المرأة في التعليم، والتمريض، والخدمة الاجتماعية ونحوها، فلا الرجل يصح منه أن ينقطع للحياة الداخلية، ويهمل واجب المشاركة في التنمية العامة، ولا المرأة يصح منها أن تنقطع للحياة الخارجية، وتهمل واجباتها التناسلية والتربوية، وإنما هو القدر الذي لا بد منه لتعمر الحياة الإنسانية بنوعي الجهدين من الرجل والمرأة، اللذيْن يتحقق بهما معاً التكامل المطلوب لعمارة الأرض.
ومن هنا جاء الاختلاف بين المهتمين بقضايا المرأة، بين من يرى: توسيع هذه الدائرة المشتركة بين الجنسين، فيوجب على المرأة المسلمة العمل في الحياة العامة كالرجل، وبين من يرى: أن الأصل عمل المرأة في بيتها، وأن خروجها للعمل استثناء للحاجة أو الضرورة، ضمن ضوابط شرعية لا بد منها.
ومن هذا المنطلق كان لا بد من وضع الضوابط التي تحكم عمل المرأة في ميادين التنمية الاقتصادية العامة، والسعي في محاولة حسم الخلاف في هذه المسألة، على أن يكون هدف التنمية الذي تشارك فيه المرأة العاملة- بكل ما تحمله من فعاليات وممارسات- هو تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، وتكون التقوى هي قاعدة الانطلاق في كل أنواع الأنشطة الاقتصادية، وبغير هذين العنصرين – العبودية والتقوى – يستحيل وصف النشاط الاقتصادي بأنه إسلامي، وعليه لا يصح من المسلم أو المسلمة المشاركة فيه.
ثم إن مشروعية النشاط الاقتصادي– بسلامة هدفه وقاعدته – لا تستلزم – بالضرورة – جواز مشاركة المرأة فيه بصورة مطلقة، حتى ينضم إليه مجموعة من الضوابط والشروط؛ فإن عمل المرأة في الحياة العامة يتطلب مزيد قيود زائدة على ما يجب على الرجل، ولعل في خبر نبي الله موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام، ما يوضِّح المراد، فحين ورد ماء مدين، ووجد الرعاة يزدحمون على الماء : تعجَّب من صنيع المرأتين وهما تكفَّان ماشيتهما عن الماء، رغبةً منهما في تجنُّب الاختلاط بالرعاة، وليس لهما من يقوم نيابة عنهما بهذا العمل، ولم يكن موسى عليه السلام حينها قد بُعث؛ ليدرك - من خلال التشريع- حسن صنيعهما، فلا يحتاج إلى سؤالهما، فالمرأتان عملتا عملاً عامًّا مباحاً مثل عمل الرعاة، إلا أنه زاد عليهما كون العمل بالنسبة لهما ضرورة لا غنى لهما عنه، فلما حانت لهما فرصة لتركه : تركتاه لموسى عليه السلام، وزاد عليهما أيضاً كونهما انضبطتا بتجنب الاختلاط بالرعاة.
إن في ترك المرأتين عملهما الخارجي ليقوم به موسى عليه السلام إشارة إلى أن المرأة التي تعيش فطرتها الطبيعية لا تتأذى أن تكون بلا عمل عام ؛ فإن استنكافها أن تكون بلا عمل هو عرف غربي؛ فإن المجتمع الغربي لا يحترم المرأة، ولا يساويها بالرجل إذا لم يكن لها عمل اقتصادي يدرُّ عليها مالاً، وقد سرت مثل هذه الأفكار الأجنبية إلى بعض المجتمعات الإسلامية في عصر ضعفت فيه الأمة المسلمة وتخلَّفت، وحُبِّب إليها التقليد والمحاكاة للمجتمعات الغربية المتحضرة ، بعد أن كانت زمن عافيتها تنتقي عن غيرها، وتتثاقف معه بمنهج راشد صالح معتدل ، تأخذ ما ينفعها، ويوافق منهجها، وتترك ما يضرها، ويتعارض مع ثقافتها.
والمنطقة الإسلامية بصورة عامة ، والعربية بصورة خاصة، والمنطقة الخليجية بصورة أخص تُقبل على فترة انفتاح اقتصادي عام بعد موافقة غالب دول العالم، ودخولها- راغبة أو كارهة- ضمن اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وهذا الوضع من شأنه فتح مجالات الاستثمار في الدول النامية كأوسع ما يكون، ولاسيما الاستثمار الأجنبي الذي يوفِّر- عادة - فرص عمل للجنسين ، ولا يميِّز كثيراً في أنواع المهن بين الرجال والنساء ، وإنما يسعى من خلال تشغيلهم إلى تحقيق أقصى درجات الربح المادي، بأقل تكلفة وجهد.
كما أن الاستثمار الأجنبي غالباً ما يأتي محمَّلاً بثقافة بيئته الأصلية، التي تتصادم – في كثير من الأحيان – مع المبادئ والقيم الإسلامية ، لا سيما فيما يتعلَّق بالتشريعات والآداب الخاصة بالمرأة المسلمة، ولقد كشفت دراسة أجنبية عام 1983م : ’’ أن المرأة في دول العالم الثالث تسير على المنوال نفسه الذي سارت عليه المرأة في الدول الصناعية ’’ ، وهذا من شأنه أن تكون النتائج السلبية التي وصلت إليها المرأة العاملة في الدول الصناعية تشبه النتائج التي سوف تصل إليها المرأة في العالم الثالث ، وقد تكون المسألة أبلغ وأعقد بعد انضمام غالب الدول النامية – ومنها الدول الإسلامية – إلى منظمة التجارة العالمية، حينما يفقد المجتمع المحلي – بما فيه الدولة التقليدية – الدور التربوي، والسلطة الأخلاقية، لتكون المرجعية المسيطرة – في كل ذلك – هي السوق الاستثمارية ، التي تعبِّر عن قيم واتجاهات ورغبات الشركات الاستثمارية الكبرى العابرة للقارات .
لذا كان من المفروض وضع الضوابط التربوية الإسلامية التي تحكم مشاركة المرأة المسلمة في ميادين التنمية الاقتصادية العامة ، وتراعي خصوصيتها الاجتماعية، ودورها التربوي ، وطبيعتها الفطرية.
*تربيتنا
إن الواقع العام لوضع المرأة في العالم يستوجب إعادة النظر في فلسفة اختلاف الطبيعة الفطرية بين الجنسين، ودور كل منهما في الحياة الإنسانية؛ إذ لا يُتصور إمكانية الاستغناء بأحدهما عن الآخر ؛ فإن كلاًّ منهما يخدم التنمية البشرية ضمن نهج هدايته الذي خصَّه الله به، فالرجل يشارك في التنمية من خلال جهده في الحياة الخارجية العامة، وتفاعلاتها الاقتصادية والإدارية والسياسية والعسكرية ونحوها، والمرأة تشارك في التنمية من خلال جهدها في الحياة الداخلية الخاصة، وتفاعلاتها التربوية في رعاية النسل، وحفظ النوع، إلا أن دائرة ضيِّقة بين الحياتين الخارجية والداخلية تحتاج إلى جهد الجنسين معاً؛ فالحياة لا تستغني عن جهد الرجل التربوي في تنشئة الصغار، وضبط الأسرة، والحياة الخارجية لا تستغني – هي الأخرى – عن جهد المرأة في التعليم، والتمريض، والخدمة الاجتماعية ونحوها، فلا الرجل يصح منه أن ينقطع للحياة الداخلية، ويهمل واجب المشاركة في التنمية العامة، ولا المرأة يصح منها أن تنقطع للحياة الخارجية، وتهمل واجباتها التناسلية والتربوية، وإنما هو القدر الذي لا بد منه لتعمر الحياة الإنسانية بنوعي الجهدين من الرجل والمرأة، اللذيْن يتحقق بهما معاً التكامل المطلوب لعمارة الأرض.
ومن هنا جاء الاختلاف بين المهتمين بقضايا المرأة، بين من يرى: توسيع هذه الدائرة المشتركة بين الجنسين، فيوجب على المرأة المسلمة العمل في الحياة العامة كالرجل، وبين من يرى: أن الأصل عمل المرأة في بيتها، وأن خروجها للعمل استثناء للحاجة أو الضرورة، ضمن ضوابط شرعية لا بد منها.
ومن هذا المنطلق كان لا بد من وضع الضوابط التي تحكم عمل المرأة في ميادين التنمية الاقتصادية العامة، والسعي في محاولة حسم الخلاف في هذه المسألة، على أن يكون هدف التنمية الذي تشارك فيه المرأة العاملة- بكل ما تحمله من فعاليات وممارسات- هو تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، وتكون التقوى هي قاعدة الانطلاق في كل أنواع الأنشطة الاقتصادية، وبغير هذين العنصرين – العبودية والتقوى – يستحيل وصف النشاط الاقتصادي بأنه إسلامي، وعليه لا يصح من المسلم أو المسلمة المشاركة فيه.
ثم إن مشروعية النشاط الاقتصادي– بسلامة هدفه وقاعدته – لا تستلزم – بالضرورة – جواز مشاركة المرأة فيه بصورة مطلقة، حتى ينضم إليه مجموعة من الضوابط والشروط؛ فإن عمل المرأة في الحياة العامة يتطلب مزيد قيود زائدة على ما يجب على الرجل، ولعل في خبر نبي الله موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام، ما يوضِّح المراد، فحين ورد ماء مدين، ووجد الرعاة يزدحمون على الماء : تعجَّب من صنيع المرأتين وهما تكفَّان ماشيتهما عن الماء، رغبةً منهما في تجنُّب الاختلاط بالرعاة، وليس لهما من يقوم نيابة عنهما بهذا العمل، ولم يكن موسى عليه السلام حينها قد بُعث؛ ليدرك - من خلال التشريع- حسن صنيعهما، فلا يحتاج إلى سؤالهما، فالمرأتان عملتا عملاً عامًّا مباحاً مثل عمل الرعاة، إلا أنه زاد عليهما كون العمل بالنسبة لهما ضرورة لا غنى لهما عنه، فلما حانت لهما فرصة لتركه : تركتاه لموسى عليه السلام، وزاد عليهما أيضاً كونهما انضبطتا بتجنب الاختلاط بالرعاة.
إن في ترك المرأتين عملهما الخارجي ليقوم به موسى عليه السلام إشارة إلى أن المرأة التي تعيش فطرتها الطبيعية لا تتأذى أن تكون بلا عمل عام ؛ فإن استنكافها أن تكون بلا عمل هو عرف غربي؛ فإن المجتمع الغربي لا يحترم المرأة، ولا يساويها بالرجل إذا لم يكن لها عمل اقتصادي يدرُّ عليها مالاً، وقد سرت مثل هذه الأفكار الأجنبية إلى بعض المجتمعات الإسلامية في عصر ضعفت فيه الأمة المسلمة وتخلَّفت، وحُبِّب إليها التقليد والمحاكاة للمجتمعات الغربية المتحضرة ، بعد أن كانت زمن عافيتها تنتقي عن غيرها، وتتثاقف معه بمنهج راشد صالح معتدل ، تأخذ ما ينفعها، ويوافق منهجها، وتترك ما يضرها، ويتعارض مع ثقافتها.
والمنطقة الإسلامية بصورة عامة ، والعربية بصورة خاصة، والمنطقة الخليجية بصورة أخص تُقبل على فترة انفتاح اقتصادي عام بعد موافقة غالب دول العالم، ودخولها- راغبة أو كارهة- ضمن اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وهذا الوضع من شأنه فتح مجالات الاستثمار في الدول النامية كأوسع ما يكون، ولاسيما الاستثمار الأجنبي الذي يوفِّر- عادة - فرص عمل للجنسين ، ولا يميِّز كثيراً في أنواع المهن بين الرجال والنساء ، وإنما يسعى من خلال تشغيلهم إلى تحقيق أقصى درجات الربح المادي، بأقل تكلفة وجهد.
كما أن الاستثمار الأجنبي غالباً ما يأتي محمَّلاً بثقافة بيئته الأصلية، التي تتصادم – في كثير من الأحيان – مع المبادئ والقيم الإسلامية ، لا سيما فيما يتعلَّق بالتشريعات والآداب الخاصة بالمرأة المسلمة، ولقد كشفت دراسة أجنبية عام 1983م : ’’ أن المرأة في دول العالم الثالث تسير على المنوال نفسه الذي سارت عليه المرأة في الدول الصناعية ’’ ، وهذا من شأنه أن تكون النتائج السلبية التي وصلت إليها المرأة العاملة في الدول الصناعية تشبه النتائج التي سوف تصل إليها المرأة في العالم الثالث ، وقد تكون المسألة أبلغ وأعقد بعد انضمام غالب الدول النامية – ومنها الدول الإسلامية – إلى منظمة التجارة العالمية، حينما يفقد المجتمع المحلي – بما فيه الدولة التقليدية – الدور التربوي، والسلطة الأخلاقية، لتكون المرجعية المسيطرة – في كل ذلك – هي السوق الاستثمارية ، التي تعبِّر عن قيم واتجاهات ورغبات الشركات الاستثمارية الكبرى العابرة للقارات .
لذا كان من المفروض وضع الضوابط التربوية الإسلامية التي تحكم مشاركة المرأة المسلمة في ميادين التنمية الاقتصادية العامة ، وتراعي خصوصيتها الاجتماعية، ودورها التربوي ، وطبيعتها الفطرية.
*تربيتنا