د. هشام الحمامي | 02-07-2011 00:17
سنة 1925 بعد سقوط الخلافة الاسلامية بعامين صدر للشيخ على عبد الرازق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهركتاب بعنوان (الإسلام وأصول الحكم) مثل الكتاب وقتها نموذجا لموقف تيار فكرى وسياسى أخذ فى التكون تبنى العلمانيه الغربيه كرؤية لنظام الحكم والحياة ..ولا أدرى حقيقة ما الذى دفع الشيخ على عبد الرازق لاصدار كتاب بهذا المحتوى..وسواء كان الدافع سوء نية أو قلة علم بتميزالاسلام عن المسيحية فى علاقة الدين بالدولة ..فقد كان صدورة عاصفة فى اجواءالجدل الفكرى الدائر حول موضوع الدين والدولة والسياسة.الشيخ اعتذرعن الكتاب لاحقا وتراجع عما فيه .لكن بقى لنا من هذه العاصفة شهادتان على درجة كبيرة من الأهمية _ما أشد حاجتنا لهما هذه الأيام_أحدهما من سياسى عتيد ورمز من رموز الأمة على مدار تاريخها المعاصر كله وهو سعد باشا زغلول(1857-1927م) و الثانية من مفكر وهامة كبيرة فى دنيا الفكر القانون وهو عبد الرازق باشا السنهورى(1895-1971م).
كان سعد باشا زغلول وقت صدور الكتاب هو زعيم الأمةالمصريةوأبرز زعماء العالم العربى وقائد ثورة 1919م .تربى فى الأزهروتتلمذ على جمال الدين الافغانى ومحمد عبدة..تحدث الرجل عن كتاب الشيخ على عبد الرازق فقال:(قرات كتاب الاسلام وأصول الحكم بإمعان وعجبت كيف يكتب عالم دينى هذا الكلام فى مثل هذا الموضوع ..الرجل جاهل بقواعد دينة بل بالبسيط من نظرياته وإلا فكيف يدعى أن الاسلام ليس دينا مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم ؟فأى ناحية من نواحى الحياة لم ينص عليها الاسلام ؟...أولم يقرأ أن الأمة حكمت بقواعد الاسلام عهودا طويلة كانت أنضر العصور..؟كيف لا يكون الاسلام مدنيا و دين حكم ؟..والذى يؤلمنى حقا ان كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الاعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الأفكار خطأ كانت أم صوابا دون تمحيص ولا درس وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأى وبين قواعد الاسلام الراسخة التى تصدى كتابه لهدمها..)نص كلام زعيم الأمة ومؤسس حزب الوفد قلعة الليبرالية فى مصر كما ورد فى كتاب(سعد زغلول :ذكريات تاريخية)لمحمد ابراهيم الجزيرى.
الاسلام دين مدنى ونظام حكم..أثمرت دولته عصورا من التمدن هى أنضرالعصور والقول بأن الاسلام رسالة روحية فقط هو هدم لقواعد الاسلام..هذا الكلام قيل من ما يقرب من مائة عام ..ولازال يدورحوله نقاشات واسعات ..
بعد أخرلهذا الكلام المهم وهو أنه قيل قبل تأسيس جماعة الاخوان المسلمين وقبل انتشار رسالتها ودعوتها فى التأكيد على شمولية الاسلام.ولعلى أعتب على كثيرمن مفكرى الحركة الاسلامية تجاهلهم لأراء مهمة حول هذا الموضوع ولم يضمنوها فى تأكيد رؤيتهم ..رغم أن هذه الاراء تزيد من تأكيد المؤكد وإثبات المثبوت .حول فكرة الهوية والانتماء كونها صدرت من رموز لا تنتمى للحركة الاسلامية..لقد شببنا على أن سعد زغلول علمانى وكان يلعب الميسر!! ودعا الى أن الدين لله والوطن للجميع ..وهى المقولة التى كانت ولا تزال تسبب توترا شديدا للبعض رغم أن الدين فعلا لله..(ألا لله الدين الخالص)كما ورد فى سورة الزمر..والوطن ليس فقط للجميع بل إن الارض كلها لجميع الأنام(والأرض وضعها للأنام) كما ورد فى سورة الرحمن.
وتتمة للموضوع نورد ما قاله صاحب أروع عقلية قانونية فى تاريخنا المعاصر د .عبد الرازق السنهورى..كان السنهورى وقت صدور الكتاب فى باريس يعد لرسالة الدكتوراة عن(فقه الخلافة وتطورها)..وتعرض فيها بطبيعة الحال لعلاقة الدين بالدولة..وكان طبيعيا أن يتناول الكتاب الذى اثار ضجة وقتها فقال فى نقدة له أن _الشيخ_كان يقصد بالدين والدولة فى كتابه النموذج الأوروبى المعاصر..فالدولة هى مجموع ثلاث سلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية والدين هو القواعد التى تتعلق بعقيدة الفرد وعباداته ..فقال: ان فكرةالدولة والدين لم يكن هناك من تمييز بينهما بهذا الوضوح فى عهد الرسول ولا قبلة لأن النظم السياسية كانت تقوم فى الأغلب على اعتبارات دينية دون أن يغير ذلك من طبيعتها المدنية !!وهذا ما يفسر لنا الطابع الدينى الذى اصطبغت به النظم السياسية فى الاسلام .أما أن نظم الدولة فى عهد النبى كانت غيرمحكمة_ وهى حجة الشيخ على عبد الرازق وكل من يرى رأية الى الأن_ فذلك بسبب الحالة الفطرية التى كانت تسيطرعلى المجتمع فى جزيرة العرب وان النبى وضع لحكومته أصلح النظم الممكنه فى زمنه..لأنها تتناسب مع حالة المجتمع وقتها..وهى النظم التى لاتقل فى نظمها عن الدولة الرومانية فى بدايتها..وهذه النظم كانت تحمل فى طياتها عوامل التطوروالنمو مع الزمن..وقد تطورت فعلا دون ان تخرج بذلك عن كونها مؤسسة على قواعد الاسلام ..مؤكدا ان السلطات التى باشرها النبى انما كانت أنظمة مدنية حقيقية..
بعد ذلك بثلاث سنوات(1929م) نشر العلامة الكبيربحثا أخرفى نفس الموضوع بعنوان(الدين والدولة فى الاسلام) اكد فيه ان الدولة جزء من رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ..وأن الاسلام الذى يجمع بين الدين والدولة يميز بينهما فى ذات الوقت (وهذا كلام هائل الروعة ستحتاج إليه الحركة الاسلامية بعد ثمانين سنة من ذكره)فالدين ثابت والدولة متطورة ..لأن فيها اجتهادا بشريا قائم على المصلحة والتدبير وهى _يقصدالدولة_خاضعة لحكم عقولنا وتتطور مع الزمان والمكان فهى إذن تابعة للتطورالاجتماعى الغير متناهى كما قال الشهرستانى (مالى ارى علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون).
أعتب على كثير من اخواننا الذين تحدثوا كثيرا خلال الفترة الماضية عن مدنية الدولة فى الاسلام ..انهم لم يصلوا حاضرالامة بماضيها المعاصر..فما ذكره سعد زغلول وثيقة مرجعية فى هذا الإطار كيف لنا أن نتجاهلها ..؟ كتابات الدكتورالسنهورى تشكل إطارا مرجعيا عظيما..أيضا لم نسمع أحدا من الإسلاميين _السياسيين_ يتناوله ويقدمه لمن تناوبتهم الهواجس والمخاوف..مذكرون ومؤكدون على الفرق الكبير بين الاسلام المنهج والرسالة وبين التاريخ الاسلامى الذى هو فى نهاية الأمرأعمال بشر يصيبون ويخطؤن..حتى لا نسمع من أهل الخفة والخيابة من يستدعى مواقف تاريخيه سيئة ويتهاتر ويتشاغب بها قائلا هذا هو الاسلام وهذا هوحكم الاسلاميين كما نقرأ كل يوم تقريبا فى الجريدة(المستقلة)لطوال اللسان قصيرى الرأى.
نريد ان نجعل فكرة(مصر العربية الاسلامية) سبيكة اشترك فى سبكها الجميع..بغض النظر عن المسافة التى بينهم وبين الحركة الاسلامية بالمفهوم الدارج .
د/هشام الحمامى
*المصريون
سنة 1925 بعد سقوط الخلافة الاسلامية بعامين صدر للشيخ على عبد الرازق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهركتاب بعنوان (الإسلام وأصول الحكم) مثل الكتاب وقتها نموذجا لموقف تيار فكرى وسياسى أخذ فى التكون تبنى العلمانيه الغربيه كرؤية لنظام الحكم والحياة ..ولا أدرى حقيقة ما الذى دفع الشيخ على عبد الرازق لاصدار كتاب بهذا المحتوى..وسواء كان الدافع سوء نية أو قلة علم بتميزالاسلام عن المسيحية فى علاقة الدين بالدولة ..فقد كان صدورة عاصفة فى اجواءالجدل الفكرى الدائر حول موضوع الدين والدولة والسياسة.الشيخ اعتذرعن الكتاب لاحقا وتراجع عما فيه .لكن بقى لنا من هذه العاصفة شهادتان على درجة كبيرة من الأهمية _ما أشد حاجتنا لهما هذه الأيام_أحدهما من سياسى عتيد ورمز من رموز الأمة على مدار تاريخها المعاصر كله وهو سعد باشا زغلول(1857-1927م) و الثانية من مفكر وهامة كبيرة فى دنيا الفكر القانون وهو عبد الرازق باشا السنهورى(1895-1971م).
كان سعد باشا زغلول وقت صدور الكتاب هو زعيم الأمةالمصريةوأبرز زعماء العالم العربى وقائد ثورة 1919م .تربى فى الأزهروتتلمذ على جمال الدين الافغانى ومحمد عبدة..تحدث الرجل عن كتاب الشيخ على عبد الرازق فقال:(قرات كتاب الاسلام وأصول الحكم بإمعان وعجبت كيف يكتب عالم دينى هذا الكلام فى مثل هذا الموضوع ..الرجل جاهل بقواعد دينة بل بالبسيط من نظرياته وإلا فكيف يدعى أن الاسلام ليس دينا مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم ؟فأى ناحية من نواحى الحياة لم ينص عليها الاسلام ؟...أولم يقرأ أن الأمة حكمت بقواعد الاسلام عهودا طويلة كانت أنضر العصور..؟كيف لا يكون الاسلام مدنيا و دين حكم ؟..والذى يؤلمنى حقا ان كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العلم القومى والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الاعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الأفكار خطأ كانت أم صوابا دون تمحيص ولا درس وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأى وبين قواعد الاسلام الراسخة التى تصدى كتابه لهدمها..)نص كلام زعيم الأمة ومؤسس حزب الوفد قلعة الليبرالية فى مصر كما ورد فى كتاب(سعد زغلول :ذكريات تاريخية)لمحمد ابراهيم الجزيرى.
الاسلام دين مدنى ونظام حكم..أثمرت دولته عصورا من التمدن هى أنضرالعصور والقول بأن الاسلام رسالة روحية فقط هو هدم لقواعد الاسلام..هذا الكلام قيل من ما يقرب من مائة عام ..ولازال يدورحوله نقاشات واسعات ..
بعد أخرلهذا الكلام المهم وهو أنه قيل قبل تأسيس جماعة الاخوان المسلمين وقبل انتشار رسالتها ودعوتها فى التأكيد على شمولية الاسلام.ولعلى أعتب على كثيرمن مفكرى الحركة الاسلامية تجاهلهم لأراء مهمة حول هذا الموضوع ولم يضمنوها فى تأكيد رؤيتهم ..رغم أن هذه الاراء تزيد من تأكيد المؤكد وإثبات المثبوت .حول فكرة الهوية والانتماء كونها صدرت من رموز لا تنتمى للحركة الاسلامية..لقد شببنا على أن سعد زغلول علمانى وكان يلعب الميسر!! ودعا الى أن الدين لله والوطن للجميع ..وهى المقولة التى كانت ولا تزال تسبب توترا شديدا للبعض رغم أن الدين فعلا لله..(ألا لله الدين الخالص)كما ورد فى سورة الزمر..والوطن ليس فقط للجميع بل إن الارض كلها لجميع الأنام(والأرض وضعها للأنام) كما ورد فى سورة الرحمن.
وتتمة للموضوع نورد ما قاله صاحب أروع عقلية قانونية فى تاريخنا المعاصر د .عبد الرازق السنهورى..كان السنهورى وقت صدور الكتاب فى باريس يعد لرسالة الدكتوراة عن(فقه الخلافة وتطورها)..وتعرض فيها بطبيعة الحال لعلاقة الدين بالدولة..وكان طبيعيا أن يتناول الكتاب الذى اثار ضجة وقتها فقال فى نقدة له أن _الشيخ_كان يقصد بالدين والدولة فى كتابه النموذج الأوروبى المعاصر..فالدولة هى مجموع ثلاث سلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية والدين هو القواعد التى تتعلق بعقيدة الفرد وعباداته ..فقال: ان فكرةالدولة والدين لم يكن هناك من تمييز بينهما بهذا الوضوح فى عهد الرسول ولا قبلة لأن النظم السياسية كانت تقوم فى الأغلب على اعتبارات دينية دون أن يغير ذلك من طبيعتها المدنية !!وهذا ما يفسر لنا الطابع الدينى الذى اصطبغت به النظم السياسية فى الاسلام .أما أن نظم الدولة فى عهد النبى كانت غيرمحكمة_ وهى حجة الشيخ على عبد الرازق وكل من يرى رأية الى الأن_ فذلك بسبب الحالة الفطرية التى كانت تسيطرعلى المجتمع فى جزيرة العرب وان النبى وضع لحكومته أصلح النظم الممكنه فى زمنه..لأنها تتناسب مع حالة المجتمع وقتها..وهى النظم التى لاتقل فى نظمها عن الدولة الرومانية فى بدايتها..وهذه النظم كانت تحمل فى طياتها عوامل التطوروالنمو مع الزمن..وقد تطورت فعلا دون ان تخرج بذلك عن كونها مؤسسة على قواعد الاسلام ..مؤكدا ان السلطات التى باشرها النبى انما كانت أنظمة مدنية حقيقية..
بعد ذلك بثلاث سنوات(1929م) نشر العلامة الكبيربحثا أخرفى نفس الموضوع بعنوان(الدين والدولة فى الاسلام) اكد فيه ان الدولة جزء من رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ..وأن الاسلام الذى يجمع بين الدين والدولة يميز بينهما فى ذات الوقت (وهذا كلام هائل الروعة ستحتاج إليه الحركة الاسلامية بعد ثمانين سنة من ذكره)فالدين ثابت والدولة متطورة ..لأن فيها اجتهادا بشريا قائم على المصلحة والتدبير وهى _يقصدالدولة_خاضعة لحكم عقولنا وتتطور مع الزمان والمكان فهى إذن تابعة للتطورالاجتماعى الغير متناهى كما قال الشهرستانى (مالى ارى علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون).
أعتب على كثير من اخواننا الذين تحدثوا كثيرا خلال الفترة الماضية عن مدنية الدولة فى الاسلام ..انهم لم يصلوا حاضرالامة بماضيها المعاصر..فما ذكره سعد زغلول وثيقة مرجعية فى هذا الإطار كيف لنا أن نتجاهلها ..؟ كتابات الدكتورالسنهورى تشكل إطارا مرجعيا عظيما..أيضا لم نسمع أحدا من الإسلاميين _السياسيين_ يتناوله ويقدمه لمن تناوبتهم الهواجس والمخاوف..مذكرون ومؤكدون على الفرق الكبير بين الاسلام المنهج والرسالة وبين التاريخ الاسلامى الذى هو فى نهاية الأمرأعمال بشر يصيبون ويخطؤن..حتى لا نسمع من أهل الخفة والخيابة من يستدعى مواقف تاريخيه سيئة ويتهاتر ويتشاغب بها قائلا هذا هو الاسلام وهذا هوحكم الاسلاميين كما نقرأ كل يوم تقريبا فى الجريدة(المستقلة)لطوال اللسان قصيرى الرأى.
نريد ان نجعل فكرة(مصر العربية الاسلامية) سبيكة اشترك فى سبكها الجميع..بغض النظر عن المسافة التى بينهم وبين الحركة الاسلامية بالمفهوم الدارج .
د/هشام الحمامى
*المصريون