مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
متى وكيف أحب
د . هشام الحمامي
مَنْ منا لم يبكِ مع «فرتر» وعليه وهو يسكب دموع أحزانه على «شارلوت» في رائعة «جوته» الروائية «آلام فرتر»؟! من منا لم يأسَ ويأسف على صفقة «د. فاوست» البائسة الخاسرة في مسرحيته الشهيرة؟! مَنْ منا لم يتملكه الإعجاب إن لم يكن الحب والإكبار لشاعر الألمان الأعظم «جوهان فولفجانج جوته» (1749 - 1832م) الذي أحب النبي محمد ’’صلى الله عليه وسلم’’حباً قوياً عميقاً، أثار وجدانه وشعوره؛ فكتب متغنياً بهذا الحب قصيدته الشهيرة «أغنية محمد»، التي تصور فيها النبي ’’صلى الله عليه وسلم’’نهراً قوي التدفق، يبدأ هادئاً ثم يصل إلى أقصى قوته، ويتسع حتى يصب في البحر المحيط الذي يشير إلى دار الخلود: ها هو يجرى في الوادي متلألئاً بهياً.. والأنهار الجارية في الوهاد.. والجداول الهابطة من الجبال.. تهتف به صائحة: يا أخانا يا أخانا خذ إخوتك معك.. خذنا إلى المحيط الأزلي الذي ينتظرنا.. كان «جوته» في حقيقة الأمر يشعر بعاطفة عميقة تجاه الإسلام، بدأت معه من شبابه المبكر، وصاحبته في كل مراحل عمره؛ فدرس القرآن الكريم دراسة وافية في ترجماته اللاتينية والإنجليزية والعربية، واصفاً إياه بأنه «كتاب الكتب»، وأنه «الطمأنينة الخالدة»، وكانت معرفته به - بعد الكتاب المقدس - من أوثق معارفه. ورأى في النبي الكريم ’’صلى الله عليه وسلم’’ نموذجاً للنبي صاحب الرسالة الخالدة الذي نشر رسالته بالكلمة والعمل والجهاد، ورأى في عقيدة الإسلام ما يتفق مع آرائه وأفكاره وتصوراته ومذهبه في الحياة، وأكثر ما لاقى في قلبه ووعيه من قبول وتوافق وهوى ذلك التسليم المطلق لمشيئة الله تعالى وعقيدة التوحيد التي تدعو إلى الخضوع والتسليم لله الواحد؛ ومن ثم تدعو إلى تحرر الإنسان من كل صنوف العبودية لغير الله سبحانه. نراه يتفاعل بقصة إبراهيم عليه السلام في بحثه - بين النجوم والأقمار - عن خالق هذا الكون الجدير بالعبادة، إلى أن يصل إلى حقيقة التوحيد كما وردت في الآيات (75 -79) من سورة «الأنعام»، فيقول في إحدى قصائده: «أنت إلهي يا من تحب الخلق أجمعين يا من خلقتني.. وخلقت الشمس والقمر.. والنجوم والأرض والسماء». مسألة التسليم لله تعالى هذه ستظهر بعد ذلك وبوضوح أكثر عند العلامة «علي عزت بيجوفيتش» (1925 - 2003م) - هل الأصل الأوروبي المشترك لهما له دلالة؟ - فيقول في كتابه الأشهر «الإسلام بين الشرق والغرب»: «الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الإنسان بها، إنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه.. من حقيقة التسليم لله.. إنه استسلام لله.. والاسم إسلام». لـ«جوته» مؤلف شهير ليس بأدل عليه من قميص يوسف على يوسف كما يقولون، اسمه «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي»، تجلت في سطور هذا الكتاب روح الإسلام ونبيه الكريم [ في أنقى وأروع الصور والمعاني، هذا الكتاب نال عليه الشاعر الكبير عبدالرحمن صدقي (1896 -1973م) جائزة الدولة في الأدب عام 1960م، حين كتب عنه دراسة وافية بعنوان «الشرق والإسلام في أدب جوته»، وما كان لفيلسوف بقيمة وقامة عبدالرحمن بدوي (1917 - 2002م) أن يمر على هذا المؤلف العظيم مروراً عابراً، وهو الابن البار لمدرسة الفلسفة الألمانية؛ فترجم الكتاب وكتب له مقدمة ضافية مع شروح وتعليقات عليه. توفي «جوته» ولم يكن قد نشر بعد إحدى أجمل وأروع قصائده في حب النبي «بعثة محمد»، التي عثر عليها تلاميذه وأصدقاؤه، يصف فيها برهافة صادقة اللحظات الأولى لتلقي الرسول الكريم الوحي والنبوة يقول فيها: «حينما كان يتأمل في الملكوت.. جاءه الملاك على عجل.. جاء مباشرة بصوت عالٍ ومعه النور.. اضطرب الذي كان يعمل تاجراً.. فهو لم يقرأ من قبل.. وقراءة كلمة تعني الكثير بالنسبة له.. لكن الملاك أشار إليه وأمره بقراءة ما هو مكتوب.. ولم يبالِ.. وأمره ثانية: اقرأ فقرأ.. لدرجة أن الملاك انحنى.. واستطاع القراءة.. واستمع الأمر وبدأ طريقه..»، صلى الله عليه وآله وسلم. هكذا هي صورة الرسول ’’صلى الله عليه وسلم’’ في عقل ووجدان أحد أهم العلامات في الفكر الأوروبي والغربي كله، على الرغم من بُعد اللغة والبيئة الثقافية والاجتماعية.. وإلا فصورته عليه الصلاة والسلام أجمل وأكمل وأبهى إلى آخر الدهر.
*المجتمع
أضافة تعليق