د.هشام الحمامي
قال لى المفكرالسياسى د.إبراهيم البيومى غانم، إن أحد الأصدقاء (القوميين)، قال له ذات مرة، إن (وصول الإسلاميين إلى السلطة...) وأكمل بإشارة بيده على عنقه.. بطريقة الذبح.. كان هذه اللقاء بينهما فى عز جمهورية حسنى مبارك، على ما حكى لنا د.إبراهيم فى محاضرته الثرية عن (الدولة العميقة) بالمركز الثقافى العربى فى بدايات حكم الرئيس محمد مرسى.. لذلك لم تكن دهشته كبيرة، كما كنت أنا مثلاً وغيرى من أصحاب الظنون الحسنة بالأصدقاء القوميين واليساريين الذين طالما التقيناهم فى المؤتمرالقومى العربى والمؤتمر القومى الإسلامى ناعين بيننا الهم المشترك فى غياب الحرية السياسية وثقافة التعددية وانتشار الفساد والتخلف.. ما لم أكن أعلمه وكان يعلمه د.غانم، كان يعود إلى صداقته القديمة بالدكتور داوود أوغلو المفكر الاستراتيجى التركى والعقل الكبير القابع خلف ما تشهده تركيا الآن من نهوض اقتصادى (السادسة أوروبيًا) واجتماعى وسياسى، وهو أيضًا وزير خارجيتها الحالى.. ذلك أن قصة الدولة العميقة فى تركيا ليست (قصة قصيرة)، بل (رواية نهرية) ممتدة عبر أجيال تلى أجيال.. لذلك كانت معرفته بالموضوع معرفة شاملة وتامة.. وهو ما أهله لأن يستوعب موقف الصديق اليسارى القومى الذى أشار إلى (نحره) بالذبح حال تحقق هذا الافتراض سواء فى واقع الأنام أو حتى فى حلم النيام.. الإشارة بالذبح هذه حكاها لى أيضًا الأستاذ عبد الله السناوى نقلاً عن أحد أصدقائه الوزراء فى وزارة د.نظيف عام 2005م أثناء الانتخابات البرلمانية التى فازت فيها جماعة الإخوان المسلمين بثمانين مقعدًا كانوا كلهم تقريبًا فى الجولة الأولى، وهو ما دعا هذا الوزير لسؤال وزير الدفاع وقتها المشير طنطاوى عما إذا كان هناك تغير فى الموقف من الإسلاميين باتجاه فتح الطريق أمامهم للسلطة؟؟ فما كان من المشير طنطاوى إلا أن أشار له بنفس الإشارة بيده على عنقه. بعدها سنعرف أن أحد الأجهزة المهمة هو المسئول عن نشر وصف (الخرفان) على الإسلاميين تطبيقًا لنظريات علمية فى طريقة صنع الرأى العام و(تهيئته) لقبول أشياء يصعب عليه قبولها فى الظرف الإنسانى العادى. والخروف تحديدًا له فى الأذهان حالة (ارتباط شرطى) بالذبح والنحر وإراقة الدم.. وبالتالى فما أن ترى دماءهم تسيل أمامك إلا وتتذكر (الخروف) نازعًا عنهم الصفة الإنسانية، ناهيك عن الانعدام التام لإمكانية وصفهم بالصفة الوطنية.. سنسمع بعدها جملاً وكلمات متوافقة مع نفس السيناريو (أمن قومى.. تخابر.. خيانة.. عناصر.. تنظيم.. سلاح... إلخ)، والحاصل أنها كلها تؤدى إلى إشارة الصديق القومى اليسارى الدكتور إبراهيم غانم وإشارة المشير طنطاوى للوزير صديق ا.عبد الله السناوى. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر ما حدث فى مدينة (حماة) عام 1980م فى سوريا.. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر المسارعة واللهفة الشديدة إلى (الدم) عام 1954م والسرعة اللافتة فى إعدام مفكر بحجم (سيد قطب) 1965م، ولم تقبل فيه شفاعات ووساطات رؤساء وملوك!!.. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر 14/8 (رابعة).. وستأتى أجيال بعدنا وبعدهم تسأل عن فض خط بارليف عام 1973م بخراطيم المياه وفض اعتصام (رابعة) عام 2013م.. وسيسألون ويسألون.. كما سأل أمل دنقل زرقاء اليمامة (كيف حملت العار ** ثم مشيت دون أن أقتل نفسى** دون أن أنهار). الدولة الوطنية بعد الاستقلال والتى شغلت تقريبًا النصف الثانى من القرن الماضى تميزت بتحالف (القوميين والعسكر)، وتكونت بالأساس عبر انقلابات عسكرية منظمة ومدبرة.. ذلك أن المنطقة العربية كانت محتلة من (الجريحين الأكبر) فى الحرب العالمية الثانية (إنجلترا وفرنسا)، وكان هناك شك كبير فى قدرة إسرائيل على القيام بدورها كدولة (وظيفية) فى المنطقة قائمة على (الإحلال) وتستطيع القيام بدورها فى حماية مصالح (الحضارة الغربية)، ستدهش أكثر حين تعلم أنه حتى عام 1967م كان هناك شك دولى فى قدرة (إسرائيل) على الاستمرار كدولة!! _ حتى أخذ الرئيس (بالغ الروعة) عبد الناصر قرار إغلاق المضايق، وهو يعلم ما الذى يعنيه هذا القرار استراتيجيًا.. ويعلم أيضًا أن وزير حربية الجمهورية العربية المتحدة لم يكن يستيقظ من نومه قبل (الواحدة ظهرًا)!! وما يشير إليه ذلك فى جهوزية (القوات المسلحة) على القتال وأجيال الشباب الآن لم تر المشير عامر، وهو يقول للرئيس: (برقبتى يا ريس)، وأشار فعلاً إلى عنقه تمهيدًا (للذبح) الذى تم للمصريين فى صحراء سيناء.. ويا للروعة ويا للبهاء.. على تكرار الإشارة إلى (العنق) والذى يعقبه (ذبح) للمصريين الطيبين فى كل (الزمن المفقود) على رأى الروائى الشهير مارسيل بروست. ما حدث بعد خروج (الاحتلال) أن ترتيبات المنطقة كانت تشير إلى صعود الإسلاميين فى حال لو تركت الأمور إلى تطورها الطبيعى.. فالنضال ضد الاحتلال فى المنطقة العربية من أواخر القرن الثامن عشر كان (إسلاميًا) بامتياز.. فى المشرق العربى كان إسلاميًا.. فى مصر كان إسلاميًا.. فى المغرب العربى كان إسلاميًا.. وسواء كان ذلك ذا طبيعة (حضارية) أم كان ذا طبيعة (حركية).. إلا أنه كان فى أدنى التقديرات مشحونًا (بمزاج إسلامى).. ولأن التاريخ خيط متصل.. سنرى الجنرال (هنرى جورو) يذهب مباشرة إلى قبر صلاح الدين فى دمشق بعد احتلالها، قائلاً: (ها قد عدنا يا صلاح الدين) فى واحدة من أشهر فلتات اللسان التاريخية.. لا تساويها إلا فلتة لسان وزير خارجيتنا (المتهم بالتهرب من القتال فى حرب 73)، بأن ما حدث فى 3/7/2013 كان لوقف استكمال (المشروع الإسلامى) فى المنطقة، وسواء كان هناك بالفعل (مشروع إسلامى) جاد أم هازل!.. إلا أن الجنرال جورو (برمزيته) حين خرج من المنطقة فى منتصف القرن الماضى، ما كان له إلا أن يطمئن على ألا يكون هناك (حالة) تسمح بصلاح (للدين)، فصلاح الدين عبر تاريخ المنطقة العربية كله كان مصحوبًا بصلاح الدنيا.. وهو ما يضاد (المشروع الغربى) بالكلية.. فكان التحالف (البالغ الروعة) بين القوميين والعسكر بعدها.. وهو ما رأيناه بأم أعيننا فى سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا والجزائر، ورأينا معه (الانحطاط العظيم)، إذ بدأ على الفور التأسيس لتاريخ مرعب من الخسائر الإنسانية والحضارية الكبرى فى تواصل لا ينقطع من البؤس الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، فيما أخذت وسائل القمع البالغة الشراسة تزيد وتتسع مع قدر هائل من الإهمال والاحتقار للناس مصحوبًا بالعزلة والخوف واليأس.. ومن خلف ذلك كله الإعلام الكاذب والاستبداد المهين والديكتاتورية وعسكرة المجتمع وتحويل الفشل إلى انتصار وتحول القطاع العام والتنمية واستثمار الموارد إلى نهب عام وإفقار للناس وتبديد للثروات وتعريض الاستقلال الوطنى للانتهاك، وصار المجتمع كله أسيرًا للشعارات (المموهة)، غير مدرك أنها وهم كبير وظلت الدولة تتفسخ داخل هياكلها الضيقة، فيما أخذت تزداد بؤسًا على الشعب المسكين وتزداد انحناء للأجنبى تاركة الميدان الاجتماعى (تربويًا وتعليميًا) والاقتصادى والثقافى ينهار انهيارًا يكاد يكون تامًا.. انتهى إلى خواء ضخم عمم الفقر والأمية والانحدار الأخلاقى وشكل الأرضية الفعلية لكل ألوان البؤس.. باختصار شديد لقد أوصلنا تحالف (القوى القومية والعسكر) إلى كل أنواع الهزائم.. كان ظلامًا عند الظهيرة!! فهل يريد أحد لهذه (الحقبة السوداوية) أن تعيد المشهد من أول سطوره!! حتى الليبراليين (السائرون نيامًا) الذين هم فى الأصل الخصم التاريخى لليسار القومى بلغت بهم كراهية أنفسهم إلى حد ارتهان الوطن كله فى حالة (عسكرة)، ولا أن يشهدوه فى حالة نهوض بــ(نفس إسلامى).. وقد سمعنا د.حمزاوى يقول عن تجربة (الرئيس المنتخب) بعد عام واحد: (لقد استطعنا إرباكهم بالقضاء والإعلام وتحالفنا مع رجال الأعمال..!!)، ثم ماذا أيها المناضل العظيم؟ ليس ثمة.. ثم.. هناك المستقبل المفتوح على كل هزائم الماضى السحيق.. ينتظرك وينتظر كل البائسين الذين يصرخون فى (الزمن المفقود).. الطفل فى بطن أمه كان يعلم ماذا سيحدث بعد (إسقاط) رئيس منتخب بعد عام (استثنائي) جاء بعد ستين عامًا من (التأسيس المنظم) لدولة القهر والفساد والتبعية وتغلغلها فى تلابيب الوطن.. ورغم أن كل المخلصين الواعين بدروس التاريخ حاولوا منع (الإسلاميين) من الاقتراب من (الدولة) فى هذا الوقت الخطأ.. (أتيت ولكنى لم أصل.. لم أجد صاحبى فى انتظارى)، ويكفيهم من هذه (الدورة التاريخية) انفتاحهم على المجتمع دون مطاردة وملاحقة.. مضيئون لكل المناطق المعتمة فيه.. محققون طموح كل الرساليين.. تاركين إصلاح الدولة للتطور الطبيعى الذى يترتب على صلاح المجتمع وإعادة تشكيله عبر منظومة قيم وأفكار جديدة هى الخير كله.. إلا أنهم فى أحسن الظنون بهم ودون الاقتراب من (التفسير النفسى) لفهم وقائع ما حدث.. قرأوا المشهد قراءه خاطئة (ويا لهف نفسى إن كانت أموركم شتى...) .. ولن أزيد. الآن ونحن فى تصفية حساب عسير مع الواقع.. ليس علينا الآن إلا أن نزداد وعيًا بالتاريخ.. ولا أستثنى أحدًا.. حتى إخوتنا الكبار فى المؤسسة العسكرية.. أدعوهم بكل ما أعلمه فيهم وعنهم من وعى استراتيجي.. بأن يعيدوا قراءة المشهد قراءة (مرجعية). فقط عليهم أن (يراجعوا) ماذا كان يقول أحد عظماء تاريخنا المعاصر (الشهيد عبد المنعم رياض) فيما ينبغى أن تكون عليه تلك العلاقة المقدسة بين الشعب وقواته المسلحة.. والابن غصن من أصل أبيه.. وعندى أن الأب الفذ للجيش المصرى العظيم هو (الشهيد رياض).. لا (حيدر باشا) ولا (المشير عامر). وقد نصحت لكم فلا يغروكم أحدًا.
*المصريون
قال لى المفكرالسياسى د.إبراهيم البيومى غانم، إن أحد الأصدقاء (القوميين)، قال له ذات مرة، إن (وصول الإسلاميين إلى السلطة...) وأكمل بإشارة بيده على عنقه.. بطريقة الذبح.. كان هذه اللقاء بينهما فى عز جمهورية حسنى مبارك، على ما حكى لنا د.إبراهيم فى محاضرته الثرية عن (الدولة العميقة) بالمركز الثقافى العربى فى بدايات حكم الرئيس محمد مرسى.. لذلك لم تكن دهشته كبيرة، كما كنت أنا مثلاً وغيرى من أصحاب الظنون الحسنة بالأصدقاء القوميين واليساريين الذين طالما التقيناهم فى المؤتمرالقومى العربى والمؤتمر القومى الإسلامى ناعين بيننا الهم المشترك فى غياب الحرية السياسية وثقافة التعددية وانتشار الفساد والتخلف.. ما لم أكن أعلمه وكان يعلمه د.غانم، كان يعود إلى صداقته القديمة بالدكتور داوود أوغلو المفكر الاستراتيجى التركى والعقل الكبير القابع خلف ما تشهده تركيا الآن من نهوض اقتصادى (السادسة أوروبيًا) واجتماعى وسياسى، وهو أيضًا وزير خارجيتها الحالى.. ذلك أن قصة الدولة العميقة فى تركيا ليست (قصة قصيرة)، بل (رواية نهرية) ممتدة عبر أجيال تلى أجيال.. لذلك كانت معرفته بالموضوع معرفة شاملة وتامة.. وهو ما أهله لأن يستوعب موقف الصديق اليسارى القومى الذى أشار إلى (نحره) بالذبح حال تحقق هذا الافتراض سواء فى واقع الأنام أو حتى فى حلم النيام.. الإشارة بالذبح هذه حكاها لى أيضًا الأستاذ عبد الله السناوى نقلاً عن أحد أصدقائه الوزراء فى وزارة د.نظيف عام 2005م أثناء الانتخابات البرلمانية التى فازت فيها جماعة الإخوان المسلمين بثمانين مقعدًا كانوا كلهم تقريبًا فى الجولة الأولى، وهو ما دعا هذا الوزير لسؤال وزير الدفاع وقتها المشير طنطاوى عما إذا كان هناك تغير فى الموقف من الإسلاميين باتجاه فتح الطريق أمامهم للسلطة؟؟ فما كان من المشير طنطاوى إلا أن أشار له بنفس الإشارة بيده على عنقه. بعدها سنعرف أن أحد الأجهزة المهمة هو المسئول عن نشر وصف (الخرفان) على الإسلاميين تطبيقًا لنظريات علمية فى طريقة صنع الرأى العام و(تهيئته) لقبول أشياء يصعب عليه قبولها فى الظرف الإنسانى العادى. والخروف تحديدًا له فى الأذهان حالة (ارتباط شرطى) بالذبح والنحر وإراقة الدم.. وبالتالى فما أن ترى دماءهم تسيل أمامك إلا وتتذكر (الخروف) نازعًا عنهم الصفة الإنسانية، ناهيك عن الانعدام التام لإمكانية وصفهم بالصفة الوطنية.. سنسمع بعدها جملاً وكلمات متوافقة مع نفس السيناريو (أمن قومى.. تخابر.. خيانة.. عناصر.. تنظيم.. سلاح... إلخ)، والحاصل أنها كلها تؤدى إلى إشارة الصديق القومى اليسارى الدكتور إبراهيم غانم وإشارة المشير طنطاوى للوزير صديق ا.عبد الله السناوى. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر ما حدث فى مدينة (حماة) عام 1980م فى سوريا.. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر المسارعة واللهفة الشديدة إلى (الدم) عام 1954م والسرعة اللافتة فى إعدام مفكر بحجم (سيد قطب) 1965م، ولم تقبل فيه شفاعات ووساطات رؤساء وملوك!!.. لا أنا ولا أنت فى حاجة إلى تذكر 14/8 (رابعة).. وستأتى أجيال بعدنا وبعدهم تسأل عن فض خط بارليف عام 1973م بخراطيم المياه وفض اعتصام (رابعة) عام 2013م.. وسيسألون ويسألون.. كما سأل أمل دنقل زرقاء اليمامة (كيف حملت العار ** ثم مشيت دون أن أقتل نفسى** دون أن أنهار). الدولة الوطنية بعد الاستقلال والتى شغلت تقريبًا النصف الثانى من القرن الماضى تميزت بتحالف (القوميين والعسكر)، وتكونت بالأساس عبر انقلابات عسكرية منظمة ومدبرة.. ذلك أن المنطقة العربية كانت محتلة من (الجريحين الأكبر) فى الحرب العالمية الثانية (إنجلترا وفرنسا)، وكان هناك شك كبير فى قدرة إسرائيل على القيام بدورها كدولة (وظيفية) فى المنطقة قائمة على (الإحلال) وتستطيع القيام بدورها فى حماية مصالح (الحضارة الغربية)، ستدهش أكثر حين تعلم أنه حتى عام 1967م كان هناك شك دولى فى قدرة (إسرائيل) على الاستمرار كدولة!! _ حتى أخذ الرئيس (بالغ الروعة) عبد الناصر قرار إغلاق المضايق، وهو يعلم ما الذى يعنيه هذا القرار استراتيجيًا.. ويعلم أيضًا أن وزير حربية الجمهورية العربية المتحدة لم يكن يستيقظ من نومه قبل (الواحدة ظهرًا)!! وما يشير إليه ذلك فى جهوزية (القوات المسلحة) على القتال وأجيال الشباب الآن لم تر المشير عامر، وهو يقول للرئيس: (برقبتى يا ريس)، وأشار فعلاً إلى عنقه تمهيدًا (للذبح) الذى تم للمصريين فى صحراء سيناء.. ويا للروعة ويا للبهاء.. على تكرار الإشارة إلى (العنق) والذى يعقبه (ذبح) للمصريين الطيبين فى كل (الزمن المفقود) على رأى الروائى الشهير مارسيل بروست. ما حدث بعد خروج (الاحتلال) أن ترتيبات المنطقة كانت تشير إلى صعود الإسلاميين فى حال لو تركت الأمور إلى تطورها الطبيعى.. فالنضال ضد الاحتلال فى المنطقة العربية من أواخر القرن الثامن عشر كان (إسلاميًا) بامتياز.. فى المشرق العربى كان إسلاميًا.. فى مصر كان إسلاميًا.. فى المغرب العربى كان إسلاميًا.. وسواء كان ذلك ذا طبيعة (حضارية) أم كان ذا طبيعة (حركية).. إلا أنه كان فى أدنى التقديرات مشحونًا (بمزاج إسلامى).. ولأن التاريخ خيط متصل.. سنرى الجنرال (هنرى جورو) يذهب مباشرة إلى قبر صلاح الدين فى دمشق بعد احتلالها، قائلاً: (ها قد عدنا يا صلاح الدين) فى واحدة من أشهر فلتات اللسان التاريخية.. لا تساويها إلا فلتة لسان وزير خارجيتنا (المتهم بالتهرب من القتال فى حرب 73)، بأن ما حدث فى 3/7/2013 كان لوقف استكمال (المشروع الإسلامى) فى المنطقة، وسواء كان هناك بالفعل (مشروع إسلامى) جاد أم هازل!.. إلا أن الجنرال جورو (برمزيته) حين خرج من المنطقة فى منتصف القرن الماضى، ما كان له إلا أن يطمئن على ألا يكون هناك (حالة) تسمح بصلاح (للدين)، فصلاح الدين عبر تاريخ المنطقة العربية كله كان مصحوبًا بصلاح الدنيا.. وهو ما يضاد (المشروع الغربى) بالكلية.. فكان التحالف (البالغ الروعة) بين القوميين والعسكر بعدها.. وهو ما رأيناه بأم أعيننا فى سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا والجزائر، ورأينا معه (الانحطاط العظيم)، إذ بدأ على الفور التأسيس لتاريخ مرعب من الخسائر الإنسانية والحضارية الكبرى فى تواصل لا ينقطع من البؤس الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، فيما أخذت وسائل القمع البالغة الشراسة تزيد وتتسع مع قدر هائل من الإهمال والاحتقار للناس مصحوبًا بالعزلة والخوف واليأس.. ومن خلف ذلك كله الإعلام الكاذب والاستبداد المهين والديكتاتورية وعسكرة المجتمع وتحويل الفشل إلى انتصار وتحول القطاع العام والتنمية واستثمار الموارد إلى نهب عام وإفقار للناس وتبديد للثروات وتعريض الاستقلال الوطنى للانتهاك، وصار المجتمع كله أسيرًا للشعارات (المموهة)، غير مدرك أنها وهم كبير وظلت الدولة تتفسخ داخل هياكلها الضيقة، فيما أخذت تزداد بؤسًا على الشعب المسكين وتزداد انحناء للأجنبى تاركة الميدان الاجتماعى (تربويًا وتعليميًا) والاقتصادى والثقافى ينهار انهيارًا يكاد يكون تامًا.. انتهى إلى خواء ضخم عمم الفقر والأمية والانحدار الأخلاقى وشكل الأرضية الفعلية لكل ألوان البؤس.. باختصار شديد لقد أوصلنا تحالف (القوى القومية والعسكر) إلى كل أنواع الهزائم.. كان ظلامًا عند الظهيرة!! فهل يريد أحد لهذه (الحقبة السوداوية) أن تعيد المشهد من أول سطوره!! حتى الليبراليين (السائرون نيامًا) الذين هم فى الأصل الخصم التاريخى لليسار القومى بلغت بهم كراهية أنفسهم إلى حد ارتهان الوطن كله فى حالة (عسكرة)، ولا أن يشهدوه فى حالة نهوض بــ(نفس إسلامى).. وقد سمعنا د.حمزاوى يقول عن تجربة (الرئيس المنتخب) بعد عام واحد: (لقد استطعنا إرباكهم بالقضاء والإعلام وتحالفنا مع رجال الأعمال..!!)، ثم ماذا أيها المناضل العظيم؟ ليس ثمة.. ثم.. هناك المستقبل المفتوح على كل هزائم الماضى السحيق.. ينتظرك وينتظر كل البائسين الذين يصرخون فى (الزمن المفقود).. الطفل فى بطن أمه كان يعلم ماذا سيحدث بعد (إسقاط) رئيس منتخب بعد عام (استثنائي) جاء بعد ستين عامًا من (التأسيس المنظم) لدولة القهر والفساد والتبعية وتغلغلها فى تلابيب الوطن.. ورغم أن كل المخلصين الواعين بدروس التاريخ حاولوا منع (الإسلاميين) من الاقتراب من (الدولة) فى هذا الوقت الخطأ.. (أتيت ولكنى لم أصل.. لم أجد صاحبى فى انتظارى)، ويكفيهم من هذه (الدورة التاريخية) انفتاحهم على المجتمع دون مطاردة وملاحقة.. مضيئون لكل المناطق المعتمة فيه.. محققون طموح كل الرساليين.. تاركين إصلاح الدولة للتطور الطبيعى الذى يترتب على صلاح المجتمع وإعادة تشكيله عبر منظومة قيم وأفكار جديدة هى الخير كله.. إلا أنهم فى أحسن الظنون بهم ودون الاقتراب من (التفسير النفسى) لفهم وقائع ما حدث.. قرأوا المشهد قراءه خاطئة (ويا لهف نفسى إن كانت أموركم شتى...) .. ولن أزيد. الآن ونحن فى تصفية حساب عسير مع الواقع.. ليس علينا الآن إلا أن نزداد وعيًا بالتاريخ.. ولا أستثنى أحدًا.. حتى إخوتنا الكبار فى المؤسسة العسكرية.. أدعوهم بكل ما أعلمه فيهم وعنهم من وعى استراتيجي.. بأن يعيدوا قراءة المشهد قراءة (مرجعية). فقط عليهم أن (يراجعوا) ماذا كان يقول أحد عظماء تاريخنا المعاصر (الشهيد عبد المنعم رياض) فيما ينبغى أن تكون عليه تلك العلاقة المقدسة بين الشعب وقواته المسلحة.. والابن غصن من أصل أبيه.. وعندى أن الأب الفذ للجيش المصرى العظيم هو (الشهيد رياض).. لا (حيدر باشا) ولا (المشير عامر). وقد نصحت لكم فلا يغروكم أحدًا.
*المصريون