عفاف عنيبة –خاص بالوفاق -
أقامت صديقتي المسيحية الأروبية زوجة ديبلوماسي غربي لبضعة سنوات في الجزائر و قبل أشهر من مغادرتها للجزائر و بعد فوز حماس في الإنتخابات التشريعية بفلسطين المحتلة جري حديث بيننا حول مأساة الحصار المضروب علي إخواننا في الأراضي المحتلة ( في إعتقادي أراضي الحكم الذاتي محتلة من طرف العدو الصهيوني).
لم أستسيغ فكرة أن نفس الدول التي تتغني بالديمقراطية و حق الشعوب في تقرير مصيرها هي ذاتها التي تحاصر و تعاقب الشعب الفلسطيني علي إختياره!
فردت علي فاليريا:
- لا تنسي أن هذا الموقف القاس جاء نتيجة عدم إعتراف حماس بأحقية إسرائيل في الوجود.
- و لما عليها الإعتراف بذلك حماس؟ أليس في الإقرار بدولة إسرائيل تنازل صريح عن أرضنا فلسطين؟ فإن خانت جماعة أوسلو، هناك من الفلسطينيون من يروا أنهم من حقهم التشبث بكل الأرض التي إغتصبت منهم. ثم لماذا مطالبة حماس بالإعتراف و بعد 13 سنة من إتفاقيات أوسلو لم يجز الصهانية قيام دولة فلسطينية و لا يريدون أي حديث عن دولة فلسطينية كاملة السيادة و ذات وحدة ترابية ؟
ساد صمت قصير بيننا ثم إرتفع صوت الصديقة الغربية الرقيق:
- يا عفاف ما جرى لفلسطين هو بفعل تفاهم أقوياء العالم فى 1945 على حساب الضعفاء من الشعوب و كان شعبكم العربى المسلم ضعيفا فى فلسطين و كان يعانى فراغا حضاريا رهيبا. فسلمت أرض فلسطين ليهود عانوا من ويلات وحشية الأروبيين. عفاف أعلم أنكم تتألمون كبشر لما يجرى فى الأرض المقدسة و لكن فى حالة عدم إعتراف حماس بالكيان الغاصب، ماذا ستفعلون بستة ملايين يهودى ولدوا و عاشوا و كبروا فى فلسطين 1948 ؟ هل ستقتلونهم جميعا ؟ هل ستعيدون التاريخ الأسود للنازيين ؟
سكت لدقائق، بعدها قلت :
- كل يهودى غير فلسطينى و غير عربى له أن يغادر أرض فلسطين ليعود الى أرض أبيه و جده الأصلية. فاليهودى من أصل مجرى أو روسي أو أمريكي له أن يعود الى المجر و روسيا و أمريكا و ليبقى فى فلسطين إلا اليهود الذين ينحدرون من أصول عربية فلسطينية و ليسمح للاجئين الفلسطينين و هم حوالى سبعة ملايين فلسطينى فى الشتات بالعودة الى فلسطين 1948 هذا هو الحل، يا صديقتي!
عاد الصمت ليخيم بيننا ثم ما لبث أن إرتفع صوت صديقتى الذى بدى حزينا :
- يا عفاف ، اليهودى الذى ولد فى فلسطين عاش و ترعرع فى فلسطين و علم أن هاته هى أرضه و هو لا يعرف شىء عن المجر أو روسيا أو أمريكا كيف له ان يغادر أرض يعتبرها أرضه ليذهب الى أرض لم تعد أرضه بحكم مفارقة أجداده لها. فلا شىء يربطه بأرض أمريكا مثلا، إنه لم يتنسم هواها و لم يشرب من ماءها و لم يركض فى مروجها و لا يعرف شىء عن تاريخها. أذكرك بما حصل للإغريق الذين كانوا بيزنطيون فى القسطنطينية، ماذا وقع لهم عندما جاء العثمانيون ليستولوا علي عاصمة إمبراطوريتهم؟ هربوا الى جزر اليونان و بعد عشرات السنين عادوا الى القسطنطينية و الحنين و الشوق لأرضهم و مدينتهم يعصف بهم، ماذا إكتشفوا ؟ إكتشفوا أن مدينتهم لم تعد مدينتهم و أرضهم لم تعد أرضهم و أن كل شىء هناك يحمل أسماء و بصمات المسلمين و ما تبقى من وطنهم إحتفظت به ذاكرتهم. هذا ما ينطبق على اليهود و الفلسطينيين بشكل رهيب، صدقينى كم أنا محزونة كونى أنتمى الى الحضارة التى ظلمت شعب فلسطين. لكن ما لا يجب أن يغيب علينا أبدا أن الأشرار حينما يكونون أقوياء فهم قادرون على تغيير كل شىء التاريخ و الحقائق و الوجود نفسه!!
شعرت عندئذ بإقشعريرة رعب تعترينى و تمتمت بين نفسي :’’ يإلهى يا واحد أحد أيعقل كل هذا ؟ أيعقل أن أصحاب الباطل شوكتهم قوية الى هذه الدرجة ؟ أيعقل أن تضيع منا أرض فلسطين على الأقل بالنسبة لجيلي ؟’’
لكن ما لبثت أن إستعدت رباطة جأشى لأقول لصديقتى الغربية:
- أنت تحدثت عن اليهودى حفيد المجرم المحتل اليهودى الصهيونى و لكن ماذا عن أبناء و أحفاد الفلسطينيين؟ هل تعتقدين أنهم بولادتهم فى ديار الغربة فى لبنان أو الأردن ، أمريكا أو أروبا قد أصبحوا على جنسية الدول التى تستضيفهم و أنهم غير متصلي الصلة بالأرض التى فر منها أهلهم قهرا و إرهابا؟
- أظن ذلك.
- لا، لا يجب أن تخطىء ، فنح المسلمون القسطنطينية و دخل في الإسلام من دخل و فضل البقية التمسك بمسيحيتهم و لا أحد أجبرهم علي خلاف ذلك، و لم يطرد الفاتحين العثمانيين أي من السكان الأصليين و كان مسموح لرعايا الإمبراطورية البيزنطية البقاء أو الرحيل بإرادتهم بينما ما وقع في فلسطين كان حرب إبادة و تفريغ أرض من أجل إستيطانها و ممن ؟ من يهود أتوا من بقاع الخمسة للمعمورة!!! لهذا ما جري قبل 1948 و بعده نرفضه جملة و تفصيلا و يستحيل علينا القبول به!! ثم حتى و إن فرطت فى فلسطين أجيال الفلسطينيين المولودين فى الشتات، فتلك الأرض أمانة فى عنق كل مسلم كان فلسطينى أم لا، فعلاقتنا بفلسطين هى دينية كما هى علاقة اليهودى بأرض الميعاد و لكن علاقتنا نحن صحية، لأنها تقوم على مبادىء العدل و الحق لكل سكانها الأصليين من يهود و مسيحيين و مسلمين. لهذا التخلى عن فلسطين 1948 غير وارد فى قاموس حكومة حماس و إن تخافون على أحفاد المجرمين الصهاينة من الإبادة، فلسنا نحن من نمتلك 200 رأس نووى مخزن فى صحراء النقب و لسنا مجبورين على الإعتراف بإسرائيل و يحق لحكومة حماس أن لا تعترف بكيان غاصب و فى نفس الوقت ليست مطالبة بمحاربة عدو يمتلك السلاح النووى بل ما هى مطالبة به مع جميع القوى المسلمة الحية أن تسترد المبادرة الحضارية من الصهاينة و الأمريكيين، عندئذ فقط نستطيع أن نواجه المحتلين باللغة التى يفهمونها جيدا.
- طيب، أنت أشرت الآن الي قوة الردع النووية التي تمتلكها إسرائيل، ألم تتسائلين ماذا بوسع تل أبيب فعله في حالة ما تجد نفسها مهددة في وجودها؟ سألتني فاليريا.
- لا أستبعد أن يستعملوا السلاح النووي...
قاطعتني صديقتي المسيحية مستنكرة :
- تقولينها ببساطة هكذا!!؟؟؟ يا عفاف هل أنت مدركة لخطورة الوضع؟؟ إستعمال السلاح النووي معناه إختفاء منطقة الشرق الأوسط، و هذا فظيع و مريع و لا نريد أن يحصل هذا علي الإطلاق. تذكري جيدا أمرا مهما أن الإسرائيلي يفعل أي شيء لينجو بجلده، فأي خسارة لنا عندما سنواجه حرب نووية في المنطقة؟!!
- أنت تبالغين! لن تكون هناك حرب نووية إن شاء الله. فلا وجود لطرف ثاني يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ثم إن الله يحمي أرض بيت المقدس كما هو الحال مع مكة و المدينة. فلن تتعرض الي دمار نووي إن شاء الله لكن لا بد لنا من إنصاف الشعب الفلسطيني، هل يعقل أن يستمر في دفع ثمن جرائم النازين هكذا الي ما لا نهاية؟
- لا هذا غير عادل، في رأي يتوجب علي أروبا أن تطالب بقيام دولة فلسطينية في حدود فلسطين 1967 و وضع القدس تحت إشراف دولي، فهذه المدينة ليست حكرا علي اليهود دون أتباع الديانات السماوية الأخري.
- لا أوافقك! أراضي 67 لا تمثل نصف فلسطين التاريخية و كيف سيتأتي لدولة أن تكون و هي مقسمة جغرافيا و تحت رحمة المحتل ثم لماذا توضع القدس تحت إشراف دولي؟ يا صديقتي ألم يعيش المسيحيون في كنف الإسلام و المسلمين لمئات السنين في سلام؟
- بلي.
- لماذا إذن لا تعود القدس بكليتها إلينا؟ نحن أولي بها.
- طيب، أخطئت لتعود القدس إليكم و لكن لا مفر من قبول دولة فلسطينية في حدود 67 و إلا ما هو الحل؟
- الحل موجود، بعودة اللاجئين الفلسطينيين الي فلسطين 48 و بإستعادتهم لأراضيهم و بيوتهم و ممتلكاتهم سيمثلون بمرور الوقت الأغلبية في دولة صهيونية ستنهار مع الوقت.
- و هذا ما ترفضه بشدة إسرائيل، عودة اللاجئين هو الخط الأحمر التي لن تتجاوزه الدولة الصهيونية.في الواقع ليس هناك خيار آخر سوي القبول بما هو كائن علي الأرض و علي حماس أن تطور خطها السياسي، عدم الإعتراف بإسرائيل لن يخدمها.
- و هل الإعتراف بإسرائيل خدم منظمة التحرير الفلسطينية؟ ألم يقتل الإسرائيليون عرفات لأنه رفض التخلي عن كل الثوابت الفلسطينية؟ الأفضل لحماس أن تبقي علي نهجها الممانع و الصامد هي علي كل حال في هدنة مع العدو و لم تعلن الحرب علي إسرائيل. و كيف تفعل ذلك و ميزان القوي في صالح الصهاينة، أتركوا حماس و شأنها، إكتفوا بإحترام خيار الشعب الفلسطيني.
- حقا عفاف لا أري في المستقبل المنظور إمكانية حل عادل، الأمور معقدة للغاية.
- كان بإمكان العرب أن يتحركوا إيجابيا بحيث تقطع مصر و الأردن علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل. فمقاطعة الكيان الغاصب علي جميع الأصعدة ممكن و الإبقاء علي حالة اللا حرب و اللا سلام، عندئذ ستكون المعطيات و الأوضاع مختلفة إلا أن التشتت و الإنقسام العربي زاد في معاناة الفلسطينيين ثم إن الفلسطينيون أنفسهم أخطأوا عندما سحبوا البساط من تحت أقدام الدول العربية بالتوقيع علي إتفاقيات أوسلو بشكل إنفرادي. الله وحده يعلم الي ماذا ستؤول إليه الأوضاع قريبا.
صمتت فاليريا، كانت تنظر إلي بشيء من التعجب:
- لن تبقي الأحوال علي ما هي عليه، فالأمريكيون جادون في عزل حماس.
- هذا معلوم لكن في المقابل ماذا سيفعل الرئيس عباس و جماعته؟ كيف سيتأتي لهم إنتزاع الفتات الذي تمانع تل أبيب في إعطاءه لهم؟ من المؤكد أنهم لن يحصلوا علي شيء و وضع حماس في الزاوية لن يجدي نفعا بل سيدعم رصيدها. لا أفهم تشبث الفلسطينيون بالسلطة!؟ لما لا يقع حلها ما دام شارون ألغي عمليا إتفاقيات أوسلو.
- لا ليس من الحكمة التخلي عن الحكم الذاتي، هل تريدين أن يعودوا ثانية الي الإحتلال؟
- و هم الآن أليسوا رهينة إرادة الإحتلال فاليريا، يغلق الإسرائليون المعابر متي شاءوا و يراقبون من شاءوا و يسجنون من شاءوا و يتوغلوا حيث شاءوا ؟ صارت السلطة شكلية و هذا لا ينفع.
-صحيح و لكن ما هو البديل ؟ يري بعض الوجوه أوسلو من منظمة التحرير الفلسطينية أنه لا بد من مفاوضات مع إسرائيل و إحرارز و لو تقدم محتشم علي طريق إسترداد الحقوق، هم من دعاة الحوار و لا يريدون غلق بابه.و يؤيدهم في هذا المنحي بعض الفلسطينيين.
- يا صديقتي سأصدمك لكن لا خيار لي في ذلك! في القرآن الكريم يئس الله من بني إسرائيل و من يئسوا من الفلسطينيين من بني إسرائيل عددههم كبير لا يجب أن نهون منه. طبعا ستقولين لي أنك لا تصدقين ما جاء في القرآن الكريم.
-لن أقول ذلك، فأنا أحترم ما جاء في كتابكم المقدس بشأن فلسطين. نحن نعاني من إنسداد في الآفاق و الحلول و هذا مقلق للغاية. أنت تعلمين الآن جيدا موقفي، أنا مع قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 مع القدس عاصمة لها و أعتقد أنه يقع علي عاتق الأروبيين أن ينزلوا بكل ثقلهم في هذا الإتجاه و إلا سيندمون ، لأنه إذا ما إنفجرت الأوضاع سنتضرر جميعا بدون إستثناء.
عند هذا المنعطف من الحديث لاحظت لها:
-كثيرون في أروبا يشاركونك هذه الرؤية غير ان إرادة الحل ليست متوفرة لدي المؤسسة السياسية الأروبية. فالإدارة الأمريكية تمارس وصاية قهرية علي ملف فلسطين و لا أحد في قارتك له الشجاعة أن يقول لها كفي.
-صحيح.
هذا الحوار جري بيني و بين زوجة ديبلوماسي غربي في ربيع 2006 بالجزائر العاصمة.
و بعد هذا ىاللقاء بأسابيع عادت الي وطنها، أهم ما إستنتجته من هذا الحوار أن أمثال هذه السيدة المسيحية واعين بأن ظلما فظيعا وقع علي الفلسطينيين.
*أدبية روائية وباحثة جزائرية
أقامت صديقتي المسيحية الأروبية زوجة ديبلوماسي غربي لبضعة سنوات في الجزائر و قبل أشهر من مغادرتها للجزائر و بعد فوز حماس في الإنتخابات التشريعية بفلسطين المحتلة جري حديث بيننا حول مأساة الحصار المضروب علي إخواننا في الأراضي المحتلة ( في إعتقادي أراضي الحكم الذاتي محتلة من طرف العدو الصهيوني).
لم أستسيغ فكرة أن نفس الدول التي تتغني بالديمقراطية و حق الشعوب في تقرير مصيرها هي ذاتها التي تحاصر و تعاقب الشعب الفلسطيني علي إختياره!
فردت علي فاليريا:
- لا تنسي أن هذا الموقف القاس جاء نتيجة عدم إعتراف حماس بأحقية إسرائيل في الوجود.
- و لما عليها الإعتراف بذلك حماس؟ أليس في الإقرار بدولة إسرائيل تنازل صريح عن أرضنا فلسطين؟ فإن خانت جماعة أوسلو، هناك من الفلسطينيون من يروا أنهم من حقهم التشبث بكل الأرض التي إغتصبت منهم. ثم لماذا مطالبة حماس بالإعتراف و بعد 13 سنة من إتفاقيات أوسلو لم يجز الصهانية قيام دولة فلسطينية و لا يريدون أي حديث عن دولة فلسطينية كاملة السيادة و ذات وحدة ترابية ؟
ساد صمت قصير بيننا ثم إرتفع صوت الصديقة الغربية الرقيق:
- يا عفاف ما جرى لفلسطين هو بفعل تفاهم أقوياء العالم فى 1945 على حساب الضعفاء من الشعوب و كان شعبكم العربى المسلم ضعيفا فى فلسطين و كان يعانى فراغا حضاريا رهيبا. فسلمت أرض فلسطين ليهود عانوا من ويلات وحشية الأروبيين. عفاف أعلم أنكم تتألمون كبشر لما يجرى فى الأرض المقدسة و لكن فى حالة عدم إعتراف حماس بالكيان الغاصب، ماذا ستفعلون بستة ملايين يهودى ولدوا و عاشوا و كبروا فى فلسطين 1948 ؟ هل ستقتلونهم جميعا ؟ هل ستعيدون التاريخ الأسود للنازيين ؟
سكت لدقائق، بعدها قلت :
- كل يهودى غير فلسطينى و غير عربى له أن يغادر أرض فلسطين ليعود الى أرض أبيه و جده الأصلية. فاليهودى من أصل مجرى أو روسي أو أمريكي له أن يعود الى المجر و روسيا و أمريكا و ليبقى فى فلسطين إلا اليهود الذين ينحدرون من أصول عربية فلسطينية و ليسمح للاجئين الفلسطينين و هم حوالى سبعة ملايين فلسطينى فى الشتات بالعودة الى فلسطين 1948 هذا هو الحل، يا صديقتي!
عاد الصمت ليخيم بيننا ثم ما لبث أن إرتفع صوت صديقتى الذى بدى حزينا :
- يا عفاف ، اليهودى الذى ولد فى فلسطين عاش و ترعرع فى فلسطين و علم أن هاته هى أرضه و هو لا يعرف شىء عن المجر أو روسيا أو أمريكا كيف له ان يغادر أرض يعتبرها أرضه ليذهب الى أرض لم تعد أرضه بحكم مفارقة أجداده لها. فلا شىء يربطه بأرض أمريكا مثلا، إنه لم يتنسم هواها و لم يشرب من ماءها و لم يركض فى مروجها و لا يعرف شىء عن تاريخها. أذكرك بما حصل للإغريق الذين كانوا بيزنطيون فى القسطنطينية، ماذا وقع لهم عندما جاء العثمانيون ليستولوا علي عاصمة إمبراطوريتهم؟ هربوا الى جزر اليونان و بعد عشرات السنين عادوا الى القسطنطينية و الحنين و الشوق لأرضهم و مدينتهم يعصف بهم، ماذا إكتشفوا ؟ إكتشفوا أن مدينتهم لم تعد مدينتهم و أرضهم لم تعد أرضهم و أن كل شىء هناك يحمل أسماء و بصمات المسلمين و ما تبقى من وطنهم إحتفظت به ذاكرتهم. هذا ما ينطبق على اليهود و الفلسطينيين بشكل رهيب، صدقينى كم أنا محزونة كونى أنتمى الى الحضارة التى ظلمت شعب فلسطين. لكن ما لا يجب أن يغيب علينا أبدا أن الأشرار حينما يكونون أقوياء فهم قادرون على تغيير كل شىء التاريخ و الحقائق و الوجود نفسه!!
شعرت عندئذ بإقشعريرة رعب تعترينى و تمتمت بين نفسي :’’ يإلهى يا واحد أحد أيعقل كل هذا ؟ أيعقل أن أصحاب الباطل شوكتهم قوية الى هذه الدرجة ؟ أيعقل أن تضيع منا أرض فلسطين على الأقل بالنسبة لجيلي ؟’’
لكن ما لبثت أن إستعدت رباطة جأشى لأقول لصديقتى الغربية:
- أنت تحدثت عن اليهودى حفيد المجرم المحتل اليهودى الصهيونى و لكن ماذا عن أبناء و أحفاد الفلسطينيين؟ هل تعتقدين أنهم بولادتهم فى ديار الغربة فى لبنان أو الأردن ، أمريكا أو أروبا قد أصبحوا على جنسية الدول التى تستضيفهم و أنهم غير متصلي الصلة بالأرض التى فر منها أهلهم قهرا و إرهابا؟
- أظن ذلك.
- لا، لا يجب أن تخطىء ، فنح المسلمون القسطنطينية و دخل في الإسلام من دخل و فضل البقية التمسك بمسيحيتهم و لا أحد أجبرهم علي خلاف ذلك، و لم يطرد الفاتحين العثمانيين أي من السكان الأصليين و كان مسموح لرعايا الإمبراطورية البيزنطية البقاء أو الرحيل بإرادتهم بينما ما وقع في فلسطين كان حرب إبادة و تفريغ أرض من أجل إستيطانها و ممن ؟ من يهود أتوا من بقاع الخمسة للمعمورة!!! لهذا ما جري قبل 1948 و بعده نرفضه جملة و تفصيلا و يستحيل علينا القبول به!! ثم حتى و إن فرطت فى فلسطين أجيال الفلسطينيين المولودين فى الشتات، فتلك الأرض أمانة فى عنق كل مسلم كان فلسطينى أم لا، فعلاقتنا بفلسطين هى دينية كما هى علاقة اليهودى بأرض الميعاد و لكن علاقتنا نحن صحية، لأنها تقوم على مبادىء العدل و الحق لكل سكانها الأصليين من يهود و مسيحيين و مسلمين. لهذا التخلى عن فلسطين 1948 غير وارد فى قاموس حكومة حماس و إن تخافون على أحفاد المجرمين الصهاينة من الإبادة، فلسنا نحن من نمتلك 200 رأس نووى مخزن فى صحراء النقب و لسنا مجبورين على الإعتراف بإسرائيل و يحق لحكومة حماس أن لا تعترف بكيان غاصب و فى نفس الوقت ليست مطالبة بمحاربة عدو يمتلك السلاح النووى بل ما هى مطالبة به مع جميع القوى المسلمة الحية أن تسترد المبادرة الحضارية من الصهاينة و الأمريكيين، عندئذ فقط نستطيع أن نواجه المحتلين باللغة التى يفهمونها جيدا.
- طيب، أنت أشرت الآن الي قوة الردع النووية التي تمتلكها إسرائيل، ألم تتسائلين ماذا بوسع تل أبيب فعله في حالة ما تجد نفسها مهددة في وجودها؟ سألتني فاليريا.
- لا أستبعد أن يستعملوا السلاح النووي...
قاطعتني صديقتي المسيحية مستنكرة :
- تقولينها ببساطة هكذا!!؟؟؟ يا عفاف هل أنت مدركة لخطورة الوضع؟؟ إستعمال السلاح النووي معناه إختفاء منطقة الشرق الأوسط، و هذا فظيع و مريع و لا نريد أن يحصل هذا علي الإطلاق. تذكري جيدا أمرا مهما أن الإسرائيلي يفعل أي شيء لينجو بجلده، فأي خسارة لنا عندما سنواجه حرب نووية في المنطقة؟!!
- أنت تبالغين! لن تكون هناك حرب نووية إن شاء الله. فلا وجود لطرف ثاني يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ثم إن الله يحمي أرض بيت المقدس كما هو الحال مع مكة و المدينة. فلن تتعرض الي دمار نووي إن شاء الله لكن لا بد لنا من إنصاف الشعب الفلسطيني، هل يعقل أن يستمر في دفع ثمن جرائم النازين هكذا الي ما لا نهاية؟
- لا هذا غير عادل، في رأي يتوجب علي أروبا أن تطالب بقيام دولة فلسطينية في حدود فلسطين 1967 و وضع القدس تحت إشراف دولي، فهذه المدينة ليست حكرا علي اليهود دون أتباع الديانات السماوية الأخري.
- لا أوافقك! أراضي 67 لا تمثل نصف فلسطين التاريخية و كيف سيتأتي لدولة أن تكون و هي مقسمة جغرافيا و تحت رحمة المحتل ثم لماذا توضع القدس تحت إشراف دولي؟ يا صديقتي ألم يعيش المسيحيون في كنف الإسلام و المسلمين لمئات السنين في سلام؟
- بلي.
- لماذا إذن لا تعود القدس بكليتها إلينا؟ نحن أولي بها.
- طيب، أخطئت لتعود القدس إليكم و لكن لا مفر من قبول دولة فلسطينية في حدود 67 و إلا ما هو الحل؟
- الحل موجود، بعودة اللاجئين الفلسطينيين الي فلسطين 48 و بإستعادتهم لأراضيهم و بيوتهم و ممتلكاتهم سيمثلون بمرور الوقت الأغلبية في دولة صهيونية ستنهار مع الوقت.
- و هذا ما ترفضه بشدة إسرائيل، عودة اللاجئين هو الخط الأحمر التي لن تتجاوزه الدولة الصهيونية.في الواقع ليس هناك خيار آخر سوي القبول بما هو كائن علي الأرض و علي حماس أن تطور خطها السياسي، عدم الإعتراف بإسرائيل لن يخدمها.
- و هل الإعتراف بإسرائيل خدم منظمة التحرير الفلسطينية؟ ألم يقتل الإسرائيليون عرفات لأنه رفض التخلي عن كل الثوابت الفلسطينية؟ الأفضل لحماس أن تبقي علي نهجها الممانع و الصامد هي علي كل حال في هدنة مع العدو و لم تعلن الحرب علي إسرائيل. و كيف تفعل ذلك و ميزان القوي في صالح الصهاينة، أتركوا حماس و شأنها، إكتفوا بإحترام خيار الشعب الفلسطيني.
- حقا عفاف لا أري في المستقبل المنظور إمكانية حل عادل، الأمور معقدة للغاية.
- كان بإمكان العرب أن يتحركوا إيجابيا بحيث تقطع مصر و الأردن علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل. فمقاطعة الكيان الغاصب علي جميع الأصعدة ممكن و الإبقاء علي حالة اللا حرب و اللا سلام، عندئذ ستكون المعطيات و الأوضاع مختلفة إلا أن التشتت و الإنقسام العربي زاد في معاناة الفلسطينيين ثم إن الفلسطينيون أنفسهم أخطأوا عندما سحبوا البساط من تحت أقدام الدول العربية بالتوقيع علي إتفاقيات أوسلو بشكل إنفرادي. الله وحده يعلم الي ماذا ستؤول إليه الأوضاع قريبا.
صمتت فاليريا، كانت تنظر إلي بشيء من التعجب:
- لن تبقي الأحوال علي ما هي عليه، فالأمريكيون جادون في عزل حماس.
- هذا معلوم لكن في المقابل ماذا سيفعل الرئيس عباس و جماعته؟ كيف سيتأتي لهم إنتزاع الفتات الذي تمانع تل أبيب في إعطاءه لهم؟ من المؤكد أنهم لن يحصلوا علي شيء و وضع حماس في الزاوية لن يجدي نفعا بل سيدعم رصيدها. لا أفهم تشبث الفلسطينيون بالسلطة!؟ لما لا يقع حلها ما دام شارون ألغي عمليا إتفاقيات أوسلو.
- لا ليس من الحكمة التخلي عن الحكم الذاتي، هل تريدين أن يعودوا ثانية الي الإحتلال؟
- و هم الآن أليسوا رهينة إرادة الإحتلال فاليريا، يغلق الإسرائليون المعابر متي شاءوا و يراقبون من شاءوا و يسجنون من شاءوا و يتوغلوا حيث شاءوا ؟ صارت السلطة شكلية و هذا لا ينفع.
-صحيح و لكن ما هو البديل ؟ يري بعض الوجوه أوسلو من منظمة التحرير الفلسطينية أنه لا بد من مفاوضات مع إسرائيل و إحرارز و لو تقدم محتشم علي طريق إسترداد الحقوق، هم من دعاة الحوار و لا يريدون غلق بابه.و يؤيدهم في هذا المنحي بعض الفلسطينيين.
- يا صديقتي سأصدمك لكن لا خيار لي في ذلك! في القرآن الكريم يئس الله من بني إسرائيل و من يئسوا من الفلسطينيين من بني إسرائيل عددههم كبير لا يجب أن نهون منه. طبعا ستقولين لي أنك لا تصدقين ما جاء في القرآن الكريم.
-لن أقول ذلك، فأنا أحترم ما جاء في كتابكم المقدس بشأن فلسطين. نحن نعاني من إنسداد في الآفاق و الحلول و هذا مقلق للغاية. أنت تعلمين الآن جيدا موقفي، أنا مع قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 مع القدس عاصمة لها و أعتقد أنه يقع علي عاتق الأروبيين أن ينزلوا بكل ثقلهم في هذا الإتجاه و إلا سيندمون ، لأنه إذا ما إنفجرت الأوضاع سنتضرر جميعا بدون إستثناء.
عند هذا المنعطف من الحديث لاحظت لها:
-كثيرون في أروبا يشاركونك هذه الرؤية غير ان إرادة الحل ليست متوفرة لدي المؤسسة السياسية الأروبية. فالإدارة الأمريكية تمارس وصاية قهرية علي ملف فلسطين و لا أحد في قارتك له الشجاعة أن يقول لها كفي.
-صحيح.
هذا الحوار جري بيني و بين زوجة ديبلوماسي غربي في ربيع 2006 بالجزائر العاصمة.
و بعد هذا ىاللقاء بأسابيع عادت الي وطنها، أهم ما إستنتجته من هذا الحوار أن أمثال هذه السيدة المسيحية واعين بأن ظلما فظيعا وقع علي الفلسطينيين.
*أدبية روائية وباحثة جزائرية