مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/17 20:10
قراءة موضوعية في منظومة التعديلات الدستورية !
عبدالحفيظ النهاري
مورس قدر كبير من التعسف والتضليل في تناول منظومة التعديلات الدستورية المقترحة في مجلس النواب، سواء من قبل الإعلام الدولي، أو إعلام أحزاب اللقاء المشترك، وخرج الصحفيون عن مهنيتهم في تأويل نصوص هي ذات طبيعة قانونية دقيقة لا تحتمل التحريف. وكانت الدعاية السياسية المضادة هي الساعي إلى تشويه صورة التعديلات الدستورية.
ولكي نضع القارئ والمواطن في صورة ما يحدث ببعده القانوني ،نبدأ من المادة 158 وأحكام لائحة مجلس النواب التي تسوغ طلب التعديل من ثلث أعضاء مجلس النواب.
وغالباً ما يسعى المُشرِّع في التعديلات الدستورية أو القانونية التي تحتاج إلى تصويت شعبي عليها إلى تقديم باقة من الحوافز للمستفتى بما يجعله أكثر إيجابية وحماساً وتفاعلاً في التصويت على صيغة التعديلات المقدمة بحيث يغلب جانب المكاسب الحقوقية الجديدة.
وحتى لا يتعرض المواطن المستفتى على التعديلات الجديدة للتضليل من خلال التعتيم الذي يمارس من أكثر من طرف عبر وسائل الإعلام ،سنلاحظ أن اتجاهات التعديلات الدستورية الحالية لم تخرج عن قاعدة سلة الحوافز .. بل قدمت أكثر مما يمكن أن نسميه حوافز ، لأنها تحمل تحولاً كبيراً في حجم الإصلاح الدستوري والسياسي يتضمن حزمة من الحقوق والقيم السياسية الجديدة شملت عدة مجالات منها :
1 ـ تطوير البنية المؤسسية للسلطة التشريعية:
وذلك من خلال مجلس الأمة المكون من غرفتين تشريعيتين متساندتين هما مجلس الشورى ومجلس النواب. فمجلس الأمة يوسع دائرة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وفي تطوير عملية التشريع.
2 ـ تعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب من خلال جهاز أعلى للرقابة والمحاسبة المالية، وهو ما ظل يطالب به المجلس الحالي والمجالس السابقة.
3ـ اعتماد الكوتا النسائية :
إذ تنص المادة المقترحة 63 على كوتا نسائية من 44 مقعداً تضاف إلى المقاعد الحالية 301 مقعد ليصبح إجمالي المقاعد 345 مقعداً.على أن يحدد القانون بعد ذلك طريقة انتخاب الكوتا النسائية بالقائمة النسبية أو بغيرها.
4 ـ تطوير نظام الحكم المحلي:
حيث تضمنت التعديلات قفزة جديدة على مستوى مفهوم الحكم المحلي ودوره وصلاحياته ومن أهم ما تضمنته:
5ـ إعادة توزيع الصلاحيات المركزية، واعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية، ومن ذلك منح وحدات الحكم المحلي سلطات التوظيف وإدارة الموارد البشرية، وإسناد دور الخدمات الشرطية المحلية ،أي إنشاء شرطة محلية تتبع المجالس المحلية، فضلاً عن تسيير الشؤون المحلية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية وتثبيت حق انتخاب المحافظين.
ويلاحظ بأن الحديث عن التعديلات قد تمحور بقدر من التضليل والقصدية حول المادة 112 المتعلقة بتحديد مدة رئيس الجمهورية بخمس سنوات بدلاً عن سبع وتحديد سقف الفترات الرئاسية، والتي أورد المشرعون مسوغات لها منها :
طول المدة الأولى نسبياً (سبع سنوات) قياساً بما هو سائد في معظم البلدان الديمقراطية ، واعتبار أن التعديل يحقق فرصة أوسع لتداول السلطة سلمياً.
كما يرى المشرعون بأن تحديد دورات لتداول رئاسة الجمهورية في بلد نام يُعد قفزاً على الواقع، وفي ذات الوقت فإن التداول السلمي لمنصب رئاسة الجمهورية ما زال قائماً طالما وملء هذا المنصب يتم عن طريق الانتخاب وصناديق الاقتراع،وأكدوا بأن هذه الآلية هي التي تعزز هذا التداول وليس تحديد دورات للرئاسة.
التعديلات تشمل أكثر من 60 مادة في الدستور بعضها شكلية تتعلق بالتسميات والمصطلحات وبعضها جوهري يتعلق بتغيير في الوظائف والحقوق والأدوار.
أختم مقالتي هذه بالدعوة إلى التعاطي الحصيف مع مسألة بحجم التعديلات الدستورية ومعرفة مقدار ما تقدمه من باقة حقوقية جديدة لا يمكن إيقافها والتضحية بها من أجل الوقوف عند شكل المادة 112 .
وهو ما يلزمنا بقراءة متكاملة ومتأنية تعرفنا بمنظومة الحقوق الجديدة ،وخاصة فيها ما يتعلق بالنهوض بمشاركة المرأة التي تعد فرصة تاريخية لا أتصور أنها تحصل عليها فيما لو تفاوضت الأحزاب أو توافقت على التعديلات ،لأن الأحزاب المناهضة لاتجاهات التعديلات الحالية هي مناهضة لحق مشاركة المرأة بهذه الصورة وبهذا الحجم.ومثل تلك المكتسبات على صعيد الحكم المحلي.
وأنا أتصور بأن هذه التعديلات ستكون علامة مضيئة في تاريخ المؤتمر الشعبي العام، وسيحوز شرف الدفاع عنها والحصول على موافقة الشعب عليها وخاصة على مستوى المجتمعات المحلية و المرأة التي لن تلوح لها فرصة أفضل من هذه على المدى القريب بالنظر إلى اتجاهات أحزاب المعارضة إزاء تلك الحقوق.
[email protected]
أضافة تعليق