د. محمد عمارة | 20-12-2010 23:20
في فلسفة الإسلام في الأموال والنقود موقف حاسم يحرم الاتجار في النقود، لأنها ’’بدل’’ سلعة ومنفعة، وليست ’’سلعة’’ تتم التجارة بها وفيها.. لأن التجارة فى الأموال والنقود فضلاً عن أنها نشاط طفيلي غير منتج للمنافع الحقيقية التي تضيف للثروات إضافات حقيقية – فإن هذه التجارة الطفيلية الربوية – تؤدي إلى كنز هذه الأموال والنقود بتركزها في مؤسسات الربا التي تتاجر بالنقود – وإلى تركيز الفقر عند جمهور الناس!.
وهذه الفلسفة الإسلامية في الحكمة من وراء النقود هي التي وقفت وراء تحريم الربا فى الإسلام، لأنه نشاط طفيلي، النقود فيه تثمر نقوداً دون عمل منتج.. ولأنه مليء بالغرر – الذي نراه الآن فاشيًا وواضحًا فى مؤسسات السمسرة والمضاربات والمقامرات على النقود..
وفي الإجماع على تحريم الإسلام لهذه الرأسمالية الطفيلية التي تقود عالمنا المعاصر إلى المقصلة يقول الفقيه المالكي أبو الوليد ابن رشد (530 ـ 595 هـ 1126 ـ 1198 م) فى كتابه الذي خصصه لفلسفة اختلافات الفقهاء ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد):
’’إنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه. وإن العدل فى المعاملات إنما هو مقاربة التساوي، لذلك، لما عسر إدراك التساوي فى الأشياء المختلفة الذوات جُعل الدنيار والدرهم لتقويهمها، أعنى تقديرهما إذا كانت هذه ليس المقصود منها الربح وإنما المقصود بها تقدير الأشياء التى لها منافع ضرورية..’’
وذات الموقف نجده عند العلامة ابن قيم الجوزية (691 ـ571 هـ ـ 1292 ـ 1350م) الحنبلي فى كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين ).. والذي يقول فيه:
’’إن المقصود بالسَّكّة (النقود) أن تكون معيارا للناس لا يتجرون فيها.. ويشتد الضرر من فساد معاملاتهم، والضرر الملاحق بهم حين اتُّخِذت الفلوس سلعة تُعَدّ للربح، فعم الضرر، وحصل الظلم، ولو جُعلت ثمنًا واحدًا لا يزداد ولا ينقص، بل لُقَوَّم به الأشياء، ولا تُقَوَّم هي بغيرها، لصلح أمر الناس.. فالأثمان لا يُقْصَد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت فى أنفسها سلعًا تُقْصَد لأعيانها فسد أمر الناس.. وسر المسألة أنهم مُنعوا من التجارة فى الأثمان بجنسها لأن ذلك يُفسد عليهم مقصود الأقوات’’..
وفى العصر الحديث اتخذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1261ـ1323هـ /1849ـ 1905م) ذات الموقف الإسلامي من وظيفة الأموال والنقود .. فقال ـ وهو الحنفي المذهب ـ فى تفسيره للقرآن الكريم:
’’إن النقدين إنما وضعا ليكون ميزانًا لتقدير قيم الأشياء والتي ينتفع بها الناس فى معايشهم، فإذا تحول هذا، وصار النقد مقصودًا بالاستغلال، فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربو عندهم، ويخزن في الصناديق والبيوت المالية المعروفة بالبنوك، ويُبخس العاملون قيم أعمالهم، لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه، وبذلك يهلك الفقراء’’لذلك حرم الله الربا’’.
إن أوربا نجحت فى تحرير الناس من الرق، ولكنها غفلت عن رفع نير الدينار عن أعناق الناس الذين ربما استعبدهم المال يومًا ما..’’
تلك هي فلسفة الإسلام فى الأموال والنقود.. وهكذا تكلم فقهاء الإسلام ـ من كل المذاهب.. والبقاع، ومنذ قرون ـ وكأنهم يقدمون الحل الإسلامي ـ الإلهي ـ لمأزق الرأسمالية الغربية المتوحشة، التي تقود العالم إلى ’’مقصلة’’ القرن الواحد والعشرين!
*المصري اليوم
في فلسفة الإسلام في الأموال والنقود موقف حاسم يحرم الاتجار في النقود، لأنها ’’بدل’’ سلعة ومنفعة، وليست ’’سلعة’’ تتم التجارة بها وفيها.. لأن التجارة فى الأموال والنقود فضلاً عن أنها نشاط طفيلي غير منتج للمنافع الحقيقية التي تضيف للثروات إضافات حقيقية – فإن هذه التجارة الطفيلية الربوية – تؤدي إلى كنز هذه الأموال والنقود بتركزها في مؤسسات الربا التي تتاجر بالنقود – وإلى تركيز الفقر عند جمهور الناس!.
وهذه الفلسفة الإسلامية في الحكمة من وراء النقود هي التي وقفت وراء تحريم الربا فى الإسلام، لأنه نشاط طفيلي، النقود فيه تثمر نقوداً دون عمل منتج.. ولأنه مليء بالغرر – الذي نراه الآن فاشيًا وواضحًا فى مؤسسات السمسرة والمضاربات والمقامرات على النقود..
وفي الإجماع على تحريم الإسلام لهذه الرأسمالية الطفيلية التي تقود عالمنا المعاصر إلى المقصلة يقول الفقيه المالكي أبو الوليد ابن رشد (530 ـ 595 هـ 1126 ـ 1198 م) فى كتابه الذي خصصه لفلسفة اختلافات الفقهاء ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد):
’’إنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه. وإن العدل فى المعاملات إنما هو مقاربة التساوي، لذلك، لما عسر إدراك التساوي فى الأشياء المختلفة الذوات جُعل الدنيار والدرهم لتقويهمها، أعنى تقديرهما إذا كانت هذه ليس المقصود منها الربح وإنما المقصود بها تقدير الأشياء التى لها منافع ضرورية..’’
وذات الموقف نجده عند العلامة ابن قيم الجوزية (691 ـ571 هـ ـ 1292 ـ 1350م) الحنبلي فى كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين ).. والذي يقول فيه:
’’إن المقصود بالسَّكّة (النقود) أن تكون معيارا للناس لا يتجرون فيها.. ويشتد الضرر من فساد معاملاتهم، والضرر الملاحق بهم حين اتُّخِذت الفلوس سلعة تُعَدّ للربح، فعم الضرر، وحصل الظلم، ولو جُعلت ثمنًا واحدًا لا يزداد ولا ينقص، بل لُقَوَّم به الأشياء، ولا تُقَوَّم هي بغيرها، لصلح أمر الناس.. فالأثمان لا يُقْصَد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت فى أنفسها سلعًا تُقْصَد لأعيانها فسد أمر الناس.. وسر المسألة أنهم مُنعوا من التجارة فى الأثمان بجنسها لأن ذلك يُفسد عليهم مقصود الأقوات’’..
وفى العصر الحديث اتخذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1261ـ1323هـ /1849ـ 1905م) ذات الموقف الإسلامي من وظيفة الأموال والنقود .. فقال ـ وهو الحنفي المذهب ـ فى تفسيره للقرآن الكريم:
’’إن النقدين إنما وضعا ليكون ميزانًا لتقدير قيم الأشياء والتي ينتفع بها الناس فى معايشهم، فإذا تحول هذا، وصار النقد مقصودًا بالاستغلال، فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربو عندهم، ويخزن في الصناديق والبيوت المالية المعروفة بالبنوك، ويُبخس العاملون قيم أعمالهم، لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه، وبذلك يهلك الفقراء’’لذلك حرم الله الربا’’.
إن أوربا نجحت فى تحرير الناس من الرق، ولكنها غفلت عن رفع نير الدينار عن أعناق الناس الذين ربما استعبدهم المال يومًا ما..’’
تلك هي فلسفة الإسلام فى الأموال والنقود.. وهكذا تكلم فقهاء الإسلام ـ من كل المذاهب.. والبقاع، ومنذ قرون ـ وكأنهم يقدمون الحل الإسلامي ـ الإلهي ـ لمأزق الرأسمالية الغربية المتوحشة، التي تقود العالم إلى ’’مقصلة’’ القرن الواحد والعشرين!
*المصري اليوم