مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإسلام والدولة المدنية
الشيخ محمد إبراهيم

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛
فإن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى الناس، فقد جاء الإسلام ليحرِّر الناس من الظلم ويخرجهم من الظلمات، جاء الإسلام ليخرج الناس من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

وجعل الله سبحانه وتعالى السعادة في الدارَيْن منوطة باتباع شرعه ومنهجه، وجعل الشقاوة في الدارَيْن منوطة بالإعراض عن شرعه ومنهجه قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾ (طه).

- الدولة الدينية والدولة المدنية:

بين الحين والآخر تُثار دعوى أن الإسلام لا يعترف بالدولة المدنية، وأنه يدعو إلى دولة دينية، وفي الحقيقة هذه الدعوى إما عن جهل بحقيقة الإسلام وتشريعاته، وإما عن حقد على منهج الإسلام لا سيما وإن جل أصحاب هذه الدعوى من العلمانيين الذين لا يؤمنون بأن الإسلام منهج حياة.

لذلك سنعرِّف الدولة الدينية والدولة المدنية وموقف الإسلام منهما.

الدولة الدينية: هي الدولة التي يعتبر الحاكم فيها نفسه نائبًا عن الله، ويضفي على نفسه نوعًا من القداسة، فهو الحاكم بأمر الله لا تجوز معارضته؛ لأن أوامره مستمدة من الله!

الدولة المدنية: هي الدولة التي تقوم على اختيار الأمة لحاكمها، والعدالة بين جميع أبنائها، وتعتبر الحاكم فردًا منها، يجوز معارضته إذا أخطأ وحاد عن الصواب كما أنها تقوم على الشورى.

لكن العلمانيين يربطون بين مدنية الدولة والعلمانية، بمعنى أن الدولة المدنية لا وجود للدين في نظمها وتشريعاتها.

يقول الدكتور رفيق حبيب: ’’والواقع أن قطاعًا كبيرًا من النخب العلمانية تمارس دور محاكم التفتيش بأسلوب حديث، فيجعل من الحداثة الغربية كتابًا مقدسًا ومفاهيم مطلقة، لا يجوز الخروج عليها؛ ما يجعل النموذج الغربي العلماني الليبرالي هو الكتاب المقدس للسياسة، وبالتالي تصبح النخب العلمانية هي الوصية على تعاليم الليبرالية، فهي تمنح صكوك الغفران السياسية لتحدِّد من يحق له العمل في المجال السياسي ومن يحرم منه’’.

- موقف الإسلام من الدولة الدينية:
الإسلام لا يعترف بالدولة الدينية، ولا يدعو إليها؛ فالإسلام كما يقول المجدد الكبير الشيخ محمد عبده: ’’الإسلام لم يعرف تلك السلطة الدينية التي عرفتها أوروبا، فليس في الإسلام سلطة دينية إلا سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطة خوَّلها الله تعالى إلى كل عباده أدناهم وأعلاهم، والأمة هي التي تولي الحاكم، وهي صاحبة الحق في السيطرة عليها، وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدني من جميع الوجوه، ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط بين ما يسمى عند المسلمين بالخليفة وما يُسمى عند الإفرنج ’’ثيو كرتيك’’ أي ’’سلطان إلهي’’، فليس للحاكم ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الإسلام أدنى سلطان على العقائد وتحرير الأحكام، وكل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية قدرها الشرع الإسلامي’’.

التاريخ خير شاهد

التاريخ الإسلامي لم يرصد لنا أن أحدًا من الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم- أضفى على نفسه نوعًا من القداسة، بل إنهم دعوا الناس لمناصحتهم ومعارضتهم إن صح التعبير، فقد قال أبو بكر رضي الله عنه في أول خطبة له: ’’إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوموني... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم’’.

روى ابن أبي شيبه في المصنف في كتاب الزهد عن حذيفة قال: ’’دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدِّث نفسه، فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين؟ فقال هكذا بيده وأشار بها، قال: قلت: الذي يهمك والله لو رأينا منك أمرًا ننكره لقوَّمناك قال: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمرًا تنكرونه لقومتموه؟ فقلت: الله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمرًا ننكره لقومناك، قال: ففرح بذلك فرحًا شديدًا، وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم- أصحاب محمد- مَن الذي إذا رأى مني أمرًا ينكره قوَّمني’’.

فخلاصة القول.. إن الدولة الإسلامية مدنية مرجعيتها الشريعة الإسلامية، وذلك لأن الإسلام كما يقول الشيخ محمد عبده: ’’دين وشرع فهو قد وضع حدودًا، ورسم حقوقًا لا تكتمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجدت قوة لإقامة الحدود، وتنفيذ حكم القاضي بالحق، والإسلام لم يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان شأنه محاسبة قيصر على ماله، ويأخذ على يده في عمله، فكان الإسلام كمالاً للشخص وألفة للبيت ونظامًا للملك’’.
أضافة تعليق