مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الحلف بالطلاق او علي الحرام
الحلف بالطلاق او علي الحرام

-محمد الوقشي
الحمد لله رب العالمين ، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعـــــــــــد :

فقد سئلت أكثر من مرة مشافهة ، وسؤالا مكتوبا عن حكم الطلاق باليمن ، وكذا عن حكم الحرام أو علي الحرام أو الجمع بينهما وكنت أذكر الخلاف في المسألة ، والقول الراجح عندي فيها ، فطلب مني أحد طلبة العلم الشريف وهو الطالب النجيب : يوسف بن حسين الرخمي كفاءه الله أن أكتب في هذه المسألة بحثا ، فأجبته إلى ذلك مستعينا بالله وبيانه في المباحث التالية :

المبحث الأول

تحرير محل النزاع في المسألة

لقد عنون الفقهاء للمسألة المراد بحثها ( بيمين الطلاق أو الحلف بالطلاق ) وذلك أن يقول : ( علي الطلاق ) ، وأول ظهور هذه المسألة في عصر الدولة الأموية ، والدولة العباسية ، وذلك : أنهم كانوا يحلفون المسلمين عند البيعة بقولهم : ( فإن نكثت البيعة ، فنسائي طوالق ، ومالي صدقة ، وعبيدي أحرار ) ، وعلى هذا فالحلف بالطلاق يتضمن الحث على أمر أو الامتناع منه ، أو التصديق أو الإبراء ، وليس مرادا به اليمين الحقيقية ، وهو الحلف بالله أو بصفاته ( ) ( التاج المذهب 2 / 158 ) أنه قبل الخوض في المسألة فلا بد أن نعرف لفظ ( على الطلاق ) ، والحلف بالطلاق لم يكن معروفا فيما مضى بأنه طلاق ، ولم يجر على ألسنة الناس أنه طلاق ، ولذا ذهب كثير من متقدمي أصحاب المذاهب أنه لا يعد شيئا أو أنه كناية

1 ـ عند الحنفية :

قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار ج: 3 ص: 20:

( وأفتوا بالوقوع في علي الطلاق وأنه تعليق يقع به الطلاق ثم وقوع الشرط لأنه صار بمنزلة إن فعلت فأنت كذا ومثله الطلاق يلزمني لا أفعل كذا مع كونه غلطا ظاهرا لغة وشرعا لعدم وجود ركنه وعدم محلية الرجل للطلاق وقول أبي السعود إنه أي هذا الطلاق ليس بصريح ولا كناية نظرا لمجرد اللفظ لا إلى الاستعمال الفاشي لعدم وجوده في بلاده فإذا لم نعتبر هذا الغلط الفاحش لزمنا أن لا نعتبره فيما نحن فيه مع فشو استعماله وكثرة دورانه في ألسنة أهل القرى والأمصار ) .

وقال في ج: 2 ص: 430 من الحاشية :

( قوله ولو حلف بأن قال امرأته طالق إن لم تفطر كذا في السراج وكذا قوله علي الطلاق لتفطرن فإنه في معنى تعليق الطلاق كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى) .

وقال في البحر الرائق ج: 3 ص: 271

( وفي فتح القدير لو قال عليك الطلاق أو لك اعتبرت النية وليس منه لله علي طلاق امرأتي فلا يلزمه شيء كما في الأصل واختلفوا فيما لو قال طلاقك علي واجب أو لازم أو ثابت أو فرض قيل يقع في الكل بلا نية وقيل لا وإن نوى وقيل نعم بالنية بكذا الصدر الشهيد في شرح المختصر عدمه في الكل ثم الإمام بكذا في الواقعات الوقوع في الكل وفرق الفقيه أبو جعفر فأوقع في واجب ونفى في غيره كذا في الخانية وفي فتاوى الخاصي المختار الوقوع في الطلاق في الكل لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع وفرق بينه وبين العتاق وفي فتح القدير وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا فإنه يقال هذا الأمر علي واجب بمعنى ينبغي أن أفعله لا أني فعلته فكأنه قال ينبغي أن أطلقك ا ه والمعتمد عدم الوقوع في الكل لأنه المذكور في الأصل وفي البزازية والمختار عدم الوقوع وفي فتح القدير وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد أن فعلته لزم الطلاق ووقع فوجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق أن لا افعل )

3 ـ عند الشافعية :

قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج ج: 3 ص: 281 :

( قال في البحر عن المزني ولو قال علي الطلاق فهو كناية وقال الصيمري إنه صريح وهو كما قال شيخنا أوجه بل قال الزركشي وغيره إنه الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق فقول ابن الصلاح في فتاويه أنه لا يقع به شيء محمول على أنه لم يشتهر في زمنه ولم ينو به الطلاق )

الإقناع للشربيني ج: 2 ص: 439

( فروع قوله الطلاق لازم لي أو واجب علي صريح بخلاف قوله فرض علي للعرف في ذلك ولو قال علي الطلاق وسكت ففي البحر عن المزني أنه كناية وقال الصيمري إنه صريح قال الزركشي وهو الحق في هذا الزمن لاشتهاره في معنى التطليق وهذا هو الظاهر )

وقال في إعانة الطالبين ج: 4 ص: 8 :

( ولو قال علي الطلاق فهو صريح أيضا خلافا لبعضهم وكأن قال أوقعت عليك الطلاق أو يلزمني الطلاق )

4 ـ عند الحنابلة :

قال ابن قدامة المغني ج: 7 ص: 372

( وإن قال علي الطلاق فهو بمثابة قوله الطلاق يلزمني لأن من لزمه شيء فهو عليه كالدين وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق ويخرج فيه في حالة الإطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة )

قال المرداوي في الإنصاف للمرداوي ج: 9 ص: 4 :

( اعلم أن الصحيح من المذهب أن قوله أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم أو يلزمني الطلاق أو علي الطلاق ونحوه صريح في الطلاق منجزا كان أو معلقا بشرط أو محلوفا به نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم )

كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج: 35 ص: 303 :

( وكذلك لو قال علي الطلاق لأفعلن كذا او الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا فهو كقوله على الحج لأفعلن كذا فهو جعل المحلوف به ههنا وجوب الطلاق لا وجوده كانه قال ان فعلت كذا فعلى ان اطلق فبعض صور الحلف بالطلاق يكون المحلوف به صيغة وجوب كما ان بعض صور الحلف بالنذر يكون المحلوف به صيغة وجود واما الجواب الثانى فنقول هب ان المعلق بالفعل هنا وجود الطلاق والعتاق والمعلق هناك وجوب الصدقة والحج والصيام والاهداء اليس موجب الشرط ثبوت هذا الوجوب بل يجزئه كفارة يمين كذلك ثم الشرط لا يثبت هذا الوجوب بل يجزيه كفارة يمين ثم وجوب الشرط فان كان ثم الشرط لا يثبت ذلك الوجوب كذلك ثم الشرط لا يثبت هذا الوجود بل كما لو قال هو يهودى او نصرانى او كافر ان فعل كذا فان المعلق هنا وجود الكفر ثم الشرط ثم اذا وجد الشرط لم يوجد الكفر بالاتفاق بل يلزمه كفارة يمين او لا يلزمه شىء ولو قال ابتداء هو يهودى او نصرانى او كافر يلزمه الكفر بمنزلة قوله ابتداء عبدى حر وامرأتى طالق وهذه البدنة هدى وعلى صوم )

بقية الكلام في المسألة :

حاشية ابن عابدين ج: 3 ص: 252

( فرع في البزازية قال لامرأتيه أنتما علي حرام ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الأخرى صحت نيته ثم الإمام وعليه الفتوى قوله فيقع بلا نية للعرف أي فيكون صريحا لا كناية بدليل عدم اشتراط النية وإن كان الواقع في لفظ الحرام البائن لأن الصريح قد يقع به البائن كما مر لكن في وقوع البائن به بحث سنذكره في باب الكنايات وإنما كان ما ذكره صريحا لأنه صار فاشيا في العرف في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره ولا يحلف به إلا الرجال وقد مر أن الصريح ما غلب في العرف استعماله في الطلاق بحيث لا يستعمل عرفا إلا فيه من أي لغة كانت وهذا في عرف بكذا كذلك فوجب اعتباره صريحا كما أفتى المتأخرون في أنت علي حرام بأنه طلاق بائن للعرف بلا نية مع أن المنصوص عليه ثم المتقدمين توقفه على النية ولا ينافي ذلك ما يأتي من أنه لو قال طلاقك علي لم يقع لأن ذاك ثم عدم غلبة العرف وعلى هذا يحمل ما أفتى به العلامة أبو السعود أفندي مفتي الروم من أن علي الطلاق أو يلزمني الطلاق ليس بصريح ولا كناية أي لأنه لم يتعارف في زمنه ولذا قال المصنف في منحه إنه في ديارنا صار العرف فاشيا في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره فيجب الإفتاء به نية كما هو الحكم في الحرام يلزمني وعلي الحرام وممن صرح بوقوع الطلاق به للتعارف الشيخ قاسم في تصحيحه وإفتاء أبي السعود مبني على عدم استعماله في ديارهم في الطلاق أصلا لا يخفى اه وما ذكره الشيخ قاسم ذكره قبله شيخه المحقق ابن الهمام في فتح في البحر والنهر ولسيدي عبد الغني النابلسي رسالة في ذلك سماها رفع الانغلاق في علي الطلاق ونقل فيها الوقوع عن بقية إذنه الثلاثة )

حاشية ابن عابدين ج: 3 ص: 253

( أقول وقد رأيت المسألة منقولة عندنا عن المتقدمين ففي الذخيرة وعن ابن سلام فيمن قال إن فعلت كذا فثلاث تطليقات علي أو قال علي واجبات يعتر عادة أهل البلد هل غلب ذلك في أيمانهم اه وكذا ذكرها السروجي في الغاية كما يأتي وما أفتى به في الخيرية من عدم الوقوع تبعا لأبي السعود أفندي فقد رجع عنه وأفتى عقبه بخلافه وقال أقول الحق الوقوع به في هذا الزمان لاشتهاره في معنى التطليق فيجب الرجوع إليه والتعويل عليه عملا بالاحتياط في أمر الفروج اه تنبيه عبارة المحقق ابن الهمام في الفتح هكذا وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع فيجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت فأنت طالق وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل اه وهذا صريح في أنه تعليق في المعنى على فعل المحلوف عليه بغلبة العرف وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحا ورأيت التصريح بأن ذلك معتبر في الفصل التاسع عشر من التاترخانية حيث قال وفي الحاوي عن أبي الحسن الكرخي فيمن اتهم أنه لم يصل الغداة فقال عبده حر أنه قد صلاها وقد تعارفوه شرطا في لسانهم قال أجري أمرهم على الشرط على تعارفهم كقوله عبدي حر إن لم أكن صليت الغداة وصلاها لم يعتق كذا هنا اه وفي البزازية وإن قال أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقنها إن دخلت الدار بمنزلة قوله عبده حر إن دخلت الدار لأضربنك فهذا رجل حلف بعتق عبده ليضربنها إن دخلت الدار فإن دخلت الدار لزمه أن يطلقها فإن مات أو ماتت فقد فات الشرط في آخر الحياة اه أي فيقع الطلاق كما في منية المفتي قلت فيصير بمنزلة قوله إن دخلت الدار ولم أطلقك فأنت طالق وإن دخلت الدار ولم أضربك فعبدي حر وذكر الحنابلة في كتبهم أنه جار مجرى القسم بمنزلة قوله والله فعلت كذا مطلب في قولهم علي الحرام قال في النهر ولو قال علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو الحرام ولم يقل لا أفعل كذا لم أجده في كلامهم اه وفي حواشي مسكين وقد ظفر فيه شيخنا مصرحا به في كلام الغاية للسروجي معزيا إلى المغني ونصه الطلاق يلزمني أو لازم لي صريح لأنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وكذا قوله علي الطلاق اه ونقل السيد الحموي عن الغاية معزيا إلى الجواهر الطلاق لي لازم يقع بغير نية اه قلت لكن يحتمل أن مراد الغاية ما إذا ذكر المحلوف عليه لما علمت من أنه يراد به في العرف التعليق وأن قوله على الطلاق لاأفعل كذا بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق فإذا لم يذكر لا أفعل كذا بقي قوله على الطلاق بدون تعليق والمتعارف استعماله في موضع التعليق دون الإنشاء فإذا لم يتعارف استعماله في الإنشاء منجزا لم يكن صريحا فينبغي أن يكون على الخلاف الآتي فيما لو طلاقك على ثم رأيت سيدي عبدالغني ذكر نحوه في رسالته تتمة ينبغي أنه لو نوى الثلاث تصح نيته لأن الطلاق مذكور وقد علمت صحتها فيه وكذا )

حاشية ابن عابدين ج: 3 ص: 299

وأجيب بأن المتعارف إنما هو إيقاع البائن لا الرجعي حتى لو قال لم أنو لم يصدق ولو قال مرتين ونوى بالأولى واحدة وبالثانية ثلاثا صحت نيته ثم الإمام وعليه الفتوى كما في البزازية ح عن النهر قلت لكن عبارة البزازية قال لامرأتيه أنتما علي حرام ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الأخرى صحت نيته ثم الإمام وعليه الفتوى ثم اعلم أن ما ذكره من الإيراد والجواب مذكور في البزازية أيضا فأتى الجواب وقوع الرجعي به في بكذا لأنه لم يتعارف إيقاع البائن به فإن العامي الجاهل الذي يحلف بقوله علي الحرام لا أفعل كذا لا يميز بين البائن والرجعي فضلا عن أن يكون عرفه إيقاع البائن به وإنما المعروف عنده أن من حنث بهذا اليمين يقع عليه الطلاق مثل قوله علي الطلاق لا أفعل كذا وقد مر أن الوقوع بقوله علي الطلاق إنما هو للعرف لأنه في حكم التعليق وكذا علي الحرام وإلا فالأصل عدم الوقوع أصلا كما في طلاقك علي كما تقدم تقريره فحيث كان الوقوع بهذين اللفظين للعرف ينبغي أن يقع بهما المتعارف بلا فرق بينهما وإن الحرام في الأصل كناية )

شرح فتح القدير ج: 4 ص: 8

( ولو قال طلاقك علي لا يقع ولو زاد فرض أو واجب أو لازم أو ثابت قيل تطلق رجعية نوى أولا وقيل لا يقع وان نوى وقيل في قول أبي حنيفة يقع وفي قولهما لا يقع في واجب ويقع في لازم وقيل بل في قول أبي يوسف يرجع في ذلك كله إلى نيته وقيل يقع في واجب للتعارف به وفي الثلاثة لا يقع وان نوى لعدم التعارف وفي الفتاوى الكبرى للخاصي المختار أنه يقع في الكل لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه وحكمه لا يجب ولا يثبت الا بعد الوقوع وفرق بينه وبين العتاق وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا فانه قد يقال هذا الأمر علي واجب بمعني ينبغي أن أفعله لا أني فعلته فكأنه قال ينبغي أن أطلقك وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع فيجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل )
*الإصلاح نت
أضافة تعليق