مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الدجل الفرعوني
العلامة / محمد الوزير الوقشي

قال الله تعالى حاكياً على لسان فرعون : ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) .

يا قوم أفسحوا المجال ، فقد أقضَّ موسى مضجع فرعون بقذائف الحق ، لماذا يا فرعون تريد قتله فأجاب : ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ) .

يا للهول فرعون يلبس قميص الناصح ، وينادي في الجماهير بصوت جهير ، بخطاب سياسي يدغدغ العواطف قائلا : ( أيها الجماهير ما حملني على المسارعة لإرادة قتل كليم الله إلا الخوف على دينكم أن يبدله ، وعلى بلدكم أن يفسده ) .

إنَّ منكوس القلب إذا رأيته يخطئ أمة من الناس ، فأعلم أنها على الحق الواضح.

ألا تضحك معي إلى الحرص الفرعوني المفضوح .

عجباً كيف يظن سيد المفسدين أنه على الحق المبين ؟؟؟

والسبب أن قلبه كالكوز مجخياً يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، يذكرني بمقالة قوم لوط : ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) .

متى صار التطهر عيبا ، والرجس مدحاً وفخراً ؟

ولكن النفوس المنكوسة ينظر عقل الحكيم هذه المعاني فيها جلية ، فيحار كيف يفكر هؤلاء الخلق ؟

تأمل في النظرة الفرعونية وردد العبارة مراراً : ( فرعون يخاف على دين قومه من موسى النبي المفسد ) .

هل ينطلي هذا المعنى على ذي لب ؟ ـ سبحانك ربي ـ نعم ، فإن في عصرنا من يرى الإصلاح فساداً والفساد صلاحاً ، والمفسد مصلحاً ، والمصلح مفسداً ، ويجد أذيالا تصدق هذا الهراء .

هل يا ترى طلب فرعون : ( ذروني أقتل موسى ) أيدل على صلاح ؟

لكن الحقيقة أنه استخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين .

يا فرعون ... يا فرعون ... إنك رأس الفساد ، وأبو المفسدين ، فكيف تتوهم أنك مصلح فأجاب : ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد بين ) .

إن كلامك هذا يا فرعون برهان ضلالك ، فدوي الخيلاء والكبر ينادي من أرجائه ، ومكانة المرء في قومه لا تجعل خطأ كلامه صواباً .

فأجاب االملعون : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .

عجباً ...آخر ما كان يتصور العقل أن فرعون مجتهدٌ له رأي يدلي به ، وظواهر الجهل بادية عليه ، ولكن للأسف لم يجد من يقول له أخطأت فتمادى فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) .

أإله يبول أو له زوجة سبحان الله ؟ !!

هكذا يكون التفكير الفرعوني لا يجري على مقاييس العقول السليمة ، ومطلوب منك أن تسلم لما يتقيأ به وإلا فإنك ستوصم بأنك خارج عن الجماعة ، متهم بأنك إصلاحي إرهابي .

( اللهم أحيني إصلاحياً ، وأمتني إصلاحياً ، واحشرني في زمرة الإصلاحيين آمين أمين ) .

وعندها فكر فرعون وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فنادى في وزيره المطيع هامان : ( ابن لي صرحا ) فجرد الجنود سياط القوة يهوون بها على ظهور الشعب المسكين لكي يبني الصرح ، والهدف استنزاف الخزينة العامة ، فجعل لسان حال الشعب الجاهل يقول : ( الله لا رحمك يا موسى لو لم تعارض فرعون ما لبثنا في العذاب المهين ) .

ألا ترى إلى الشعب الفرعوني ، لقد أعداهم فرعون المقاييس المنكوسة ، بحيث صار الخطأ كل الخطأ جاء من موسى .. لماذا حاجج فرعون الملعون ؟

فظهر من هذا أن الهدف من فكرة الصرح تكريه الشعب في موسى الداعية المؤمن ، وإشغال الشعب عن وهج قذائف الحق التي يلهج بها موسى صباح مساء لكي لا تجد قلبا خاليا فتتمكن منه ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) ، ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
*ينابيع
أضافة تعليق