مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
من ثقافة الحرب.. إلى ثقافة السلام – زيد السامي
جعل الله الاختلاف بين الجماعات والقبائل والشعوب سببا للتعارف والتعاون، لا وسيلة للصراع والحروب، فالحياة تقوم على السلام والتعايش، أما الحروب فهي الاستثناء الذي إن حدث يجب أن لا يدوم ولا يستمر.

للحروب ثقافتها واستعدادها المادي والنفسي، الحذر والحيطة والأخذ بأسوأ الاحتمالات، التوجس من أي تصرف يقوم به الخصم، القوة والشدة والتعبئة القتالية ورفع الروح المعنوية، تلك مقتضيات الحروب، وبغيرها تكون الهزائم والانكسارات، ويأتي الضعف والخور لذلك يستمر الاستعداد اليقظ في ظروف الحرب وهو العمل الصحيح، وغيره ليس مقبولا، والمتضرر ليس معزولا.

لكن إذا وضعت الحرب أوزارها، وعاد الناس إلى السلام فإن له مقتضيات أخرى تتعلق بتثبيت الأمن والاستقرار، وتنمية الثقة، وإثبات حسن النوايا، والابتعاد عن الإثارات، أو ما يؤدي إلى سوء الفهم، لابد من الصدق والتسامح والوفاء، هذه ثقافة السلم، ويجب عدم التخوف من المكر السيئ لأنه لا يحيق إلا بأهله، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أراد البغي والعدوان فسيمنى بالهزيمة، قال الصديق رضي الله عن: (ثلاثة من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر) هذا ما ذكره القرآن الكريم وتصدقه التجربة.

وبالنظر إلى ما آلت إليه حروب صعدة الستة نلحظ أنها قد أفرزت وضعا غير طبيعي من التعامل، فانعدمت الثقة، وزاد التوجس، وظل كل طرف ينظر إلى أي اتفاق على أنه مجرد استراحة محارب يستعد لجولة جديدة من القتال، رغم أن الحرب السادسة توقفت بعد مفاوضات انتهت بالموافقة على الشروط الستة التي وضعتها الدولة، لكن دواعي اشتعال الحرب واردة في أي لحظة، لذلك شكلت لجان للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق، وعلى هذه اللجان التحلي بالصبر وأعلى درجة من التحمل والشعور بالمسئولية، وأن تعمل على إزالة أي سبب يمكن أن يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار.

لقد اتخذ قرار وقف إطلاق النار، وهو قرار سياسي ليس على اللجان الإشرافية سوى رعاية تنفيذه، وعلى الجيش ومن وقف معه، وكذلك الحوثيين ومن وقف معهم تقع مسئولية المحافظة على هذا الإنجاز، وعدم إثارة أي طرف ببعض التصرفات العجلى والحمقى التي قد تصدر ولو بشكل فردي أو اجتهاد شخصي.

فتحت الطرق، وبدأت حركة التنقل بالانسياب، وعادت روح الحياة تدب في مناطق الحرب فلا داعي للتجمعات المسلحة ولا استعراض القوة، أو ترديد الأناشيد الحماسية أو الشعارات والعبارات المثيرة، ويجب وقف الحملات الإعلامية التي تشعل نيران الأحقاد، وإذا كان الجيش يرقب المشهد بعد الحرب فعليه أن يتغاضى عن بعض المظاهر المستفزة التي ستنتهي بمرور الزمن.

نحن بحاجة اليوم إلى ثقافة الوئام والتسامح والعفو والصفح وتضميد الجراح، على الجميع أن يدركوا مأساة عشرات الآلاف من الأسر التي شردت من بيوتها وقراها وعاشت الخوف والفزع، ويجب أن تتهيأ لها الظروف وأجواء الاطمئنان لتعود بسلام وأمن، ولن يكون ذلك إلى حين ترى بأن مظاهر الحرب قد انتهت، وأن يترك المسلحون المتارس والتلال ويتوشح الجميع بالابتسامة بدلا عن البندقية والقنبلة.

كل الأطراف مطالبة اليوم بالعمل الحثيث لمنع عودة الحرب، وعليها التحلي بأقصى درجات الصبر والتحمل، ويجب التحري التام في كل الأخبار والبلاغات التي تأتي، لأن كثيرين ما زالوا يبشرون بثقافة الحرب، ولم ينتقلوا بعد إلى مرحلة السلام، فنتناسى دواعي الانتقام، ونعمق ونتذكر روابط الأخوة وصلة الرحم، ذاق الجميع ويلات الحرب، وعليهم اليوم أن ينعموا بخير السلام.
*الصحوة نت
أضافة تعليق