الفعالية في حياة المسلمين
*عبدالعزيز كحيل
-خاص الوفاق
يتميّز المجتمع الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوّرة بالحيوية العجيبة رغم بساطة الحياة آنذاك ،لم يكن ساكنا بل اسم بالنشاط الديني والدنيوي الحثيث الذي امتدّ في مدة وجيزة إلى جزيرة العرب ثم تجاوزها ليعمّ القارات ، وما حدث ذلك طفرة وإنما بإتقان النبيّ عليه الصلاة والسلام لتوظيف جميع الطاقات البشرية والمادية توظيفا علميا منهجيا جعلها تؤتي أقصى ما يمكن نصرة للدين وخدمة للمسلمين..فأين نحن من ذلك؟
إن الإسلام لم يحثّ أتباعه على مجرد الفعل والنشاط والحركة وإنما حثهم على الفعل المجدي والنشاط الأكثر إنتاجا والحركة التي تعطي أقصى ما يمكن أن يعطيه الإنسان’’ليبلوكم أيكم أحسن عملا’’ (سورة الملك 2) - ’’والسابقون السابقون أولئك المقربون’’ (سورة الواقعة 9- 10)-’’وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون’’ (سورة التوبة 105)، بعبارة مختصرة يمكن القول إن الإسلام يأمر بالفعالية أي باستخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل (مادية ومعنوية)معينة وهذا يقتضي حتما توجيه الأفكار وتكتيل القوى والطاقات بطريقة متناغمة تجنب الإنسان(سواء الفرد أو الجماعة أو المجتمع)الإسراف في الجهد والوقت وتمكنه من حسن إدارة العقول والسواعد في أحسن الظروف الأمنية والإنتاجية،ولا يختلف عاقلان في أن بين المسلمين والفعالية مسافة واسعة في العصر الحديث،بل وبينهما جفاء غريب أنشأته عقلية عصور التخلف كانت التي تؤصل للجبرية وللمفهوم الشعائري البحث للإسلام الذي يلغي البعد الحضاري لهذا الدين.
إننا لن نكون مسلمين بالمعنى الحقيقي إلا إذا امتلكنا العقيدة البناءة والتفوق الفكري الفعال وهذا متوفر من الناحية النظرية متمثلا في الكتاب والسنة لكنه في شكل’’مادة خام’’تحتاج إلى التصنيع،ففي القرآن والحديث فكر منشط للهمة الحضارية لكنه لا يفعل فعله إلا عندما نبدع في تحويله من أفكار إلى آليات تغيّر الإنسان والمجتمع والأشياء ذلك أن المهم ليس اكتساب الأفكار وإنما توجيهها طبقا لمهمتها الاجتماعية المراد تحقيقها وبما أن الإسلام جعل من الإنسان المؤمن خليفته في الأرض ومن جماعة المؤمنين الأمة الشاهدة على الناس فإن ذلك يقتضي من الفرد والمجتمع اكتساب الفعالية اللازمة على مستوى المشاعر والأفكار والسلوك لينتهي الأمر إلى إسلامية الحياة أي إسلامية التصور والتربية والقاعدة والقيادة والتنظيم والإجراءات...إلخ،فلا يكفي إطلاقا الاتكاء على الذخيرة النظرية والرصيد الفكري والعاطفي الموجود في طيات الكتب وعلى مستوى عموم الأمة بل إن ذلك يعتبر مزيدا من الاتهام لنا والتوبيخ إذ لم نستطع التعامل معه بفعالية لترجمته إلى واقع نفسي وأفق راق متطور،وليست العبادة في الإسلام- في صورتها المثلى- إلا تحقيق المؤمن لكمالاته وتفجيره لقواه العاطفية والذهنية والجسمية بالوعي والممارسة أي أن العبادة تعامل فعال مع عالمي الغيب والشهادة سواء كانت شعائر دينية محضة أو علاقات مع الإنسان والكون.
إن الفعالية اتصال بمصادر القوة والقدرة والعلم لأنها تنمية للفعل الذاتي للإنسان وتداخله مع القدرة الإلهية مما يؤدي إلى نتائج موضوعية في غاية الأهمية والإيجابية،فكيف تبقى أمة تترنح تحت وطأة التخلف وهي تحمل في تصورها صورة سجود الطبيعة لداود عليه السلام بالتسخير،وسجود الملائكة لآدم عليه السلام؟فداود عليه السلام تعامل بفعالية مع وظيفة الاستخلاف’’يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض’’ (سورة ص 26)- ’’وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء’’ (سورة البقرة 251 )،كما أن آدم عليه السلام تعامل بفعالية مع المعرفة - ’’وعلم آدم الأسماء كلها’’ ’ (سورة البقرة 31 )–’’يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم...’’ (سورة البقرة 33 ) فالخلافة التي سجدت لها الملائكة تحمل كل معاني القوة والإبداع والفعل كما أن الطبيعة التي لانت أسبابها لنبي الله داود إنما خضعت لتعامله معها وفق معاني القوة والإبداع والفعل وهذا عين الفعالية التي تقترن بأستاذية الدنيا ،ولعلنا ابتعدنا عن الفعالية بسبب الانفصام الذي أوجدته أحقاب تاريخية بين الفكرة والنشاط ذلك أن الأفكار تمدنا بالمقاييس والقواعد ويصاب النشاط بالشلل عندما يدير ظهره للفكرة كما أن النشاط هو مقياس النجاح ودليله وتصاب الفكرة بالشلل عندما تنحرف عن النشاط وتدخل اللهو والعبث وتصبح مادة للترف العقلي،وهذا جزء كبير من الأزمة الشاملة التي تعانيها الأمة.
إن التعامل الحي الواعي الفعال مع آيات الكتاب من جهة وآيات الأنفس والآفاق من جهة أخرى يقتضي تحويل الأفكار إلى آليات اجتماعية تؤسس الحضارة وتحيل المشاعر إلى عوامل بناء وتجميع وتوازن بين الدنيا والآخرة وتحويل السلوك إلى إنتاج مادي وأدبي جيد متقن مضاعف في الميادين الدعوية والاقتصادية والإعلامية والتربوية والعسكرية وغيرها’’إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن تكن مائة صابرة يغلبوا ألفا’’ (سورة الأنفال 65 )..هذه الآية وردت في سياق الجهاد لكن بعض العلماء المعاصرين عمموا مقتضاها على كل أعمال المسلم ورأوا أن عطاءه في أي مجال عطاء فعال يبلغ في أوجه عطاء عشرة من غير المسلمين ،ولا يجوز بالمقاييس الربانية أن يقل عن ضعفين’’الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين’’ (سورة الأنفال 66 ) خاصة في زمن التحدي المتعدد الأوجه الذي نعيشه ولا يجدي معه السير المتثاقل،فللفعالية ثلاثة مستويات أعلاها عشرة أضعاف وأوسطها ضعفان وأدناها- وهو درجة الصفر- ما أشار إليه القرآن الكريم’’مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا’’ (سورة الجمعة 5 )كما أشار إليه مثال الرجل الذي هو’’كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير’’ (سورة النحل 76 )، وواضح أن الأمة بدعاتها وسياسييها وعمالها وطلبتها ومهندسيها وأطبائها لن تطلق حالة الضعف والتخلف إلا عندما تأخذ بأسباب الفعالية على مستوى القلوب والعقول والجوارح ليتجسد ذلك في شكل نشاط متبوع ينشد الكمال.
*عبدالعزيز كحيل
-خاص الوفاق
يتميّز المجتمع الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوّرة بالحيوية العجيبة رغم بساطة الحياة آنذاك ،لم يكن ساكنا بل اسم بالنشاط الديني والدنيوي الحثيث الذي امتدّ في مدة وجيزة إلى جزيرة العرب ثم تجاوزها ليعمّ القارات ، وما حدث ذلك طفرة وإنما بإتقان النبيّ عليه الصلاة والسلام لتوظيف جميع الطاقات البشرية والمادية توظيفا علميا منهجيا جعلها تؤتي أقصى ما يمكن نصرة للدين وخدمة للمسلمين..فأين نحن من ذلك؟
إن الإسلام لم يحثّ أتباعه على مجرد الفعل والنشاط والحركة وإنما حثهم على الفعل المجدي والنشاط الأكثر إنتاجا والحركة التي تعطي أقصى ما يمكن أن يعطيه الإنسان’’ليبلوكم أيكم أحسن عملا’’ (سورة الملك 2) - ’’والسابقون السابقون أولئك المقربون’’ (سورة الواقعة 9- 10)-’’وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون’’ (سورة التوبة 105)، بعبارة مختصرة يمكن القول إن الإسلام يأمر بالفعالية أي باستخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل (مادية ومعنوية)معينة وهذا يقتضي حتما توجيه الأفكار وتكتيل القوى والطاقات بطريقة متناغمة تجنب الإنسان(سواء الفرد أو الجماعة أو المجتمع)الإسراف في الجهد والوقت وتمكنه من حسن إدارة العقول والسواعد في أحسن الظروف الأمنية والإنتاجية،ولا يختلف عاقلان في أن بين المسلمين والفعالية مسافة واسعة في العصر الحديث،بل وبينهما جفاء غريب أنشأته عقلية عصور التخلف كانت التي تؤصل للجبرية وللمفهوم الشعائري البحث للإسلام الذي يلغي البعد الحضاري لهذا الدين.
إننا لن نكون مسلمين بالمعنى الحقيقي إلا إذا امتلكنا العقيدة البناءة والتفوق الفكري الفعال وهذا متوفر من الناحية النظرية متمثلا في الكتاب والسنة لكنه في شكل’’مادة خام’’تحتاج إلى التصنيع،ففي القرآن والحديث فكر منشط للهمة الحضارية لكنه لا يفعل فعله إلا عندما نبدع في تحويله من أفكار إلى آليات تغيّر الإنسان والمجتمع والأشياء ذلك أن المهم ليس اكتساب الأفكار وإنما توجيهها طبقا لمهمتها الاجتماعية المراد تحقيقها وبما أن الإسلام جعل من الإنسان المؤمن خليفته في الأرض ومن جماعة المؤمنين الأمة الشاهدة على الناس فإن ذلك يقتضي من الفرد والمجتمع اكتساب الفعالية اللازمة على مستوى المشاعر والأفكار والسلوك لينتهي الأمر إلى إسلامية الحياة أي إسلامية التصور والتربية والقاعدة والقيادة والتنظيم والإجراءات...إلخ،فلا يكفي إطلاقا الاتكاء على الذخيرة النظرية والرصيد الفكري والعاطفي الموجود في طيات الكتب وعلى مستوى عموم الأمة بل إن ذلك يعتبر مزيدا من الاتهام لنا والتوبيخ إذ لم نستطع التعامل معه بفعالية لترجمته إلى واقع نفسي وأفق راق متطور،وليست العبادة في الإسلام- في صورتها المثلى- إلا تحقيق المؤمن لكمالاته وتفجيره لقواه العاطفية والذهنية والجسمية بالوعي والممارسة أي أن العبادة تعامل فعال مع عالمي الغيب والشهادة سواء كانت شعائر دينية محضة أو علاقات مع الإنسان والكون.
إن الفعالية اتصال بمصادر القوة والقدرة والعلم لأنها تنمية للفعل الذاتي للإنسان وتداخله مع القدرة الإلهية مما يؤدي إلى نتائج موضوعية في غاية الأهمية والإيجابية،فكيف تبقى أمة تترنح تحت وطأة التخلف وهي تحمل في تصورها صورة سجود الطبيعة لداود عليه السلام بالتسخير،وسجود الملائكة لآدم عليه السلام؟فداود عليه السلام تعامل بفعالية مع وظيفة الاستخلاف’’يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض’’ (سورة ص 26)- ’’وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء’’ (سورة البقرة 251 )،كما أن آدم عليه السلام تعامل بفعالية مع المعرفة - ’’وعلم آدم الأسماء كلها’’ ’ (سورة البقرة 31 )–’’يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم...’’ (سورة البقرة 33 ) فالخلافة التي سجدت لها الملائكة تحمل كل معاني القوة والإبداع والفعل كما أن الطبيعة التي لانت أسبابها لنبي الله داود إنما خضعت لتعامله معها وفق معاني القوة والإبداع والفعل وهذا عين الفعالية التي تقترن بأستاذية الدنيا ،ولعلنا ابتعدنا عن الفعالية بسبب الانفصام الذي أوجدته أحقاب تاريخية بين الفكرة والنشاط ذلك أن الأفكار تمدنا بالمقاييس والقواعد ويصاب النشاط بالشلل عندما يدير ظهره للفكرة كما أن النشاط هو مقياس النجاح ودليله وتصاب الفكرة بالشلل عندما تنحرف عن النشاط وتدخل اللهو والعبث وتصبح مادة للترف العقلي،وهذا جزء كبير من الأزمة الشاملة التي تعانيها الأمة.
إن التعامل الحي الواعي الفعال مع آيات الكتاب من جهة وآيات الأنفس والآفاق من جهة أخرى يقتضي تحويل الأفكار إلى آليات اجتماعية تؤسس الحضارة وتحيل المشاعر إلى عوامل بناء وتجميع وتوازن بين الدنيا والآخرة وتحويل السلوك إلى إنتاج مادي وأدبي جيد متقن مضاعف في الميادين الدعوية والاقتصادية والإعلامية والتربوية والعسكرية وغيرها’’إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن تكن مائة صابرة يغلبوا ألفا’’ (سورة الأنفال 65 )..هذه الآية وردت في سياق الجهاد لكن بعض العلماء المعاصرين عمموا مقتضاها على كل أعمال المسلم ورأوا أن عطاءه في أي مجال عطاء فعال يبلغ في أوجه عطاء عشرة من غير المسلمين ،ولا يجوز بالمقاييس الربانية أن يقل عن ضعفين’’الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين’’ (سورة الأنفال 66 ) خاصة في زمن التحدي المتعدد الأوجه الذي نعيشه ولا يجدي معه السير المتثاقل،فللفعالية ثلاثة مستويات أعلاها عشرة أضعاف وأوسطها ضعفان وأدناها- وهو درجة الصفر- ما أشار إليه القرآن الكريم’’مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا’’ (سورة الجمعة 5 )كما أشار إليه مثال الرجل الذي هو’’كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير’’ (سورة النحل 76 )، وواضح أن الأمة بدعاتها وسياسييها وعمالها وطلبتها ومهندسيها وأطبائها لن تطلق حالة الضعف والتخلف إلا عندما تأخذ بأسباب الفعالية على مستوى القلوب والعقول والجوارح ليتجسد ذلك في شكل نشاط متبوع ينشد الكمال.