استقبال شهر رمضان المبارك
.. بقلم د.عدنان حسن باحارث
الحمدُ لله عددَ ما صامَ صائمٌ وأفطر، الحمد لله عددَ ما صلى مصلٍ وكبَّر، الحمد لله الذي هدانا إلى مرضاته، وبيَّن لنا طريق جناته. أحمده وحده لا شريك له، وأشهد ألا إله إلا هو الإله الحق المبين، يهدي من يشاء إلى نهجه القويم، ويُضلُّ من يشاء عن طريقه المستقيم. وضَّح للعباد نهج هدايته، وبيَّن للناس مسالك عبادته، فهدى المؤمنين إلى سبيل الهدى، وساق الكافرين إلى طريق الردى. فمن هذا الذي يهدي بغير هداه، ومن هذا الذي يُرشد بغير إرشاده، ومن هذا الذي يُصلح بغير إصلاحه، فهو صاحب الفضل أوَّلِهِ وآخره، وصاحبُ النعمةِ ظاهِرِها وباطِنِها.
شرع لأهل طاعته سبيل مرضاته، فهداهم إلى سبيل الرشاد، ووقاهم من طريق الغي والفساد. فشرع لهم العبادات تُزكيهم وترفَعُهم، وشرع لهم المعاملات تحكُمُهُم وتُصلِحُهم، وشرع لهم الحدودَ تضبطُهُم وتُطهِّرُهم. فلو اجتمع الثقلان من الجن والإنس، على أن يضعوا لأنفسهم نهجاً يُصلحون به أحوالَهم، ويحكمون به خلافَهُم، ويُزكُّون به أنفسهم: لعَجَزُوا عن ذلك، وما وصلوا إلى شيء؛ فهل يقدر الفاني على ما يقدر عليه الباقي، وهل يستطيع العاجز ما يقدر عليه القادر، وهل يعلم الجاهل ما يعلمه علام الغيوب. وها هي الأمم الإنسانية منذ فجر التاريخ الإنساني ما تزال تتخبط في دروب الغواية، ومسالك الضلالة، حين تتنكَّبُ هداية الرسل، وتُعرض عن منهج الهدى. لقد عَجَزَ الإنسان أن يضع لنفسه تشريعاً يلتزم به، أو طقوساً يتزكَّى بها، وإنما هي محاولاتٌ يائسةٌ بائسة، يتنقَّل بها الإنسان من ضلالة إلى ضلالة، ومن غواية إلى غواية. فها هو الإنسان في باب التشريعات وضع لنفسه من الأحكام والآصار، ما أثقلت كاهله، وأفسدتْ حاله.
أما في باب العبادات فقد اخترع لنفسه من الطقوس والرموز العبادية، ما تسخرُ منه العقول السليمة، وتشمئز منه النفوسُ السوية. حتى إن العاقل ليعجب: كيف استحسن الإنسان هذه الأعمالَ الغريبة، وهذه المسالك العجيبة، حتى وقع فيما يُشبه الجنون من المعتقدات الباطلة، والطقوس الزائفة: يرجو من ورائها راحة نفسه، وزكاة روحه، فما يزدادُ بهذه الخزعبلاتِ الاعتقاديةِ والسلوكيةِ: إلا رجْساً إلى رجْسه، وضلالاً إلى ضلاله، فها هم أهل الرياضات الروحية، الذين اخترعوا لأنفسهم مناهجَ عبادية، ومناسك روحية: من صلوات مبتدعة، وصيامات مخترعة، ورقصات مبتذلة، وأذكار مستنكرة، فلم يزدادوا بهذه المناهج من الله تعالى إلا بعداً، ولم يرثوا من ورائِها إلا ظلمةً. فإنَّ طريق زكاة النفس وطهارتها من رجس الخطايا والآثام، وترقِّيها في سلم الفضائلِ والمعالي، لا يعلمهُ إلا خالقُ النفسِ ومُبدعها، فهو الذي سوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها، وهو وحده سبحانه وتعالى الذي يعرف حقيقتها، وطبيعتها، وسُبلَ صلاحها، وطرقَ إصلاحها: ) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ (.
إن من أعظم المنن الربانية، ومن أجلِّ المنح الإلهية: أن دلَّكم المولى عز وجل على سبل مرضاته، تفضلاً منه، وأرشدكم إلى طريق رَحَمَاتـه، وبين لكم منهج العبادة الذي ارتضاه لكم: ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا(، ووضَّح لكم وسائلَ تزكيةِ النفس، وسبلَ تطهيرها، وطرقَ رُقيِّها في سلم الكمالات الإنسانية، ضمن منهجٍ قويمٍ معتدل، موافقٍ للفطرة التي فطر الله الناس عليهـا، فلا يخرجُ بهم عن حدِّ الاعتدال إلى الإفراط أو التفريـــط، ولا يبعدُ بهم عن موقـــــع التوسُّط إلى الغلو أو الجفــاء: ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّـتَــكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(.
والمتأمل في دين الإسلام يجد معنى التوسط واضحاً في جميع التشريعاتِ الربانية، وفي كلِّ جوانبِ المسالكِ التعبدية، فقد قام كلُّ ذلك على منهج التيسير، ورفع الحرج، والمقاربة، بعيداً عن أساليب التزمُّت والشطط والغلو. فانظروا أيها المستمعون الكرام، ولينظر معكم كلُّ مُنصف من غير أهل هذا الدين: هل في شريعة الإسلام ما يُذم، أو هل فيها ما يُكْره، أو هل فيها ما يُخالف الفطرة. وكيف يمكن أن يكون فيها نقصٌ، وهي تستمد كمالها من الكمال الإلهي، وكيف يكون فيها ظلمٌ، وهي تستمد عدلها من العدل الإلهي. إن كل جانب من جوانب هذا الدين، وكل جزئية من جزئياته،في العبادات أو المعاملات : تحمل في ذاتها معنى الكمال المطلق، سواء ذلك فيما أوجبــــه الله تعالى على عباده، أو استحبـــــه لهم، أو أباحـه، أو كرهه، أو حرَّمـــه، ليس شيء من ذلك إلا وهـو يحمل طابع الكمال: ) صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (.
لقد أكرمكم الله تعالى بعبادة الصيام ، وأتحفكم بهذا الشهر العظيم ، وهاهو قد أظلكم بظلاله الوارفة ، فهنيئا لكم بلوغ الشهر ، وهنيئا لكم صيامه ومتعة قيامه 0
اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى أحسن الصيام ، ووفقنا إلى أفضل القيام ، وتقبل ذلك منا يا رب العالمين 0
هذا والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
د.عدنان حسن باحارث
جامعة أم القرى
www.bahareth.org
*تربيتنا
.. بقلم د.عدنان حسن باحارث
الحمدُ لله عددَ ما صامَ صائمٌ وأفطر، الحمد لله عددَ ما صلى مصلٍ وكبَّر، الحمد لله الذي هدانا إلى مرضاته، وبيَّن لنا طريق جناته. أحمده وحده لا شريك له، وأشهد ألا إله إلا هو الإله الحق المبين، يهدي من يشاء إلى نهجه القويم، ويُضلُّ من يشاء عن طريقه المستقيم. وضَّح للعباد نهج هدايته، وبيَّن للناس مسالك عبادته، فهدى المؤمنين إلى سبيل الهدى، وساق الكافرين إلى طريق الردى. فمن هذا الذي يهدي بغير هداه، ومن هذا الذي يُرشد بغير إرشاده، ومن هذا الذي يُصلح بغير إصلاحه، فهو صاحب الفضل أوَّلِهِ وآخره، وصاحبُ النعمةِ ظاهِرِها وباطِنِها.
شرع لأهل طاعته سبيل مرضاته، فهداهم إلى سبيل الرشاد، ووقاهم من طريق الغي والفساد. فشرع لهم العبادات تُزكيهم وترفَعُهم، وشرع لهم المعاملات تحكُمُهُم وتُصلِحُهم، وشرع لهم الحدودَ تضبطُهُم وتُطهِّرُهم. فلو اجتمع الثقلان من الجن والإنس، على أن يضعوا لأنفسهم نهجاً يُصلحون به أحوالَهم، ويحكمون به خلافَهُم، ويُزكُّون به أنفسهم: لعَجَزُوا عن ذلك، وما وصلوا إلى شيء؛ فهل يقدر الفاني على ما يقدر عليه الباقي، وهل يستطيع العاجز ما يقدر عليه القادر، وهل يعلم الجاهل ما يعلمه علام الغيوب. وها هي الأمم الإنسانية منذ فجر التاريخ الإنساني ما تزال تتخبط في دروب الغواية، ومسالك الضلالة، حين تتنكَّبُ هداية الرسل، وتُعرض عن منهج الهدى. لقد عَجَزَ الإنسان أن يضع لنفسه تشريعاً يلتزم به، أو طقوساً يتزكَّى بها، وإنما هي محاولاتٌ يائسةٌ بائسة، يتنقَّل بها الإنسان من ضلالة إلى ضلالة، ومن غواية إلى غواية. فها هو الإنسان في باب التشريعات وضع لنفسه من الأحكام والآصار، ما أثقلت كاهله، وأفسدتْ حاله.
أما في باب العبادات فقد اخترع لنفسه من الطقوس والرموز العبادية، ما تسخرُ منه العقول السليمة، وتشمئز منه النفوسُ السوية. حتى إن العاقل ليعجب: كيف استحسن الإنسان هذه الأعمالَ الغريبة، وهذه المسالك العجيبة، حتى وقع فيما يُشبه الجنون من المعتقدات الباطلة، والطقوس الزائفة: يرجو من ورائها راحة نفسه، وزكاة روحه، فما يزدادُ بهذه الخزعبلاتِ الاعتقاديةِ والسلوكيةِ: إلا رجْساً إلى رجْسه، وضلالاً إلى ضلاله، فها هم أهل الرياضات الروحية، الذين اخترعوا لأنفسهم مناهجَ عبادية، ومناسك روحية: من صلوات مبتدعة، وصيامات مخترعة، ورقصات مبتذلة، وأذكار مستنكرة، فلم يزدادوا بهذه المناهج من الله تعالى إلا بعداً، ولم يرثوا من ورائِها إلا ظلمةً. فإنَّ طريق زكاة النفس وطهارتها من رجس الخطايا والآثام، وترقِّيها في سلم الفضائلِ والمعالي، لا يعلمهُ إلا خالقُ النفسِ ومُبدعها، فهو الذي سوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها، وهو وحده سبحانه وتعالى الذي يعرف حقيقتها، وطبيعتها، وسُبلَ صلاحها، وطرقَ إصلاحها: ) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ (.
إن من أعظم المنن الربانية، ومن أجلِّ المنح الإلهية: أن دلَّكم المولى عز وجل على سبل مرضاته، تفضلاً منه، وأرشدكم إلى طريق رَحَمَاتـه، وبين لكم منهج العبادة الذي ارتضاه لكم: ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا(، ووضَّح لكم وسائلَ تزكيةِ النفس، وسبلَ تطهيرها، وطرقَ رُقيِّها في سلم الكمالات الإنسانية، ضمن منهجٍ قويمٍ معتدل، موافقٍ للفطرة التي فطر الله الناس عليهـا، فلا يخرجُ بهم عن حدِّ الاعتدال إلى الإفراط أو التفريـــط، ولا يبعدُ بهم عن موقـــــع التوسُّط إلى الغلو أو الجفــاء: ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّـتَــكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(.
والمتأمل في دين الإسلام يجد معنى التوسط واضحاً في جميع التشريعاتِ الربانية، وفي كلِّ جوانبِ المسالكِ التعبدية، فقد قام كلُّ ذلك على منهج التيسير، ورفع الحرج، والمقاربة، بعيداً عن أساليب التزمُّت والشطط والغلو. فانظروا أيها المستمعون الكرام، ولينظر معكم كلُّ مُنصف من غير أهل هذا الدين: هل في شريعة الإسلام ما يُذم، أو هل فيها ما يُكْره، أو هل فيها ما يُخالف الفطرة. وكيف يمكن أن يكون فيها نقصٌ، وهي تستمد كمالها من الكمال الإلهي، وكيف يكون فيها ظلمٌ، وهي تستمد عدلها من العدل الإلهي. إن كل جانب من جوانب هذا الدين، وكل جزئية من جزئياته،في العبادات أو المعاملات : تحمل في ذاتها معنى الكمال المطلق، سواء ذلك فيما أوجبــــه الله تعالى على عباده، أو استحبـــــه لهم، أو أباحـه، أو كرهه، أو حرَّمـــه، ليس شيء من ذلك إلا وهـو يحمل طابع الكمال: ) صِبْغَةَ اللَّـهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (.
لقد أكرمكم الله تعالى بعبادة الصيام ، وأتحفكم بهذا الشهر العظيم ، وهاهو قد أظلكم بظلاله الوارفة ، فهنيئا لكم بلوغ الشهر ، وهنيئا لكم صيامه ومتعة قيامه 0
اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم إلى أحسن الصيام ، ووفقنا إلى أفضل القيام ، وتقبل ذلك منا يا رب العالمين 0
هذا والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 0
د.عدنان حسن باحارث
جامعة أم القرى
www.bahareth.org
*تربيتنا