لمن كانت الغلبة في حوارات المستقلة
الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي
يتحدث الكثيرون عن السجالات الفكرية التي نتابعها في أيامنا الحاضرة في العديد من القنوات الفضائية على أنها نمط من أنماط المناظرات ، والذي يظهر لي كمتابع -وأيضا كمشارك في عدد من هذه السجالات ولاسيما التي أجرتها قناة المستقلة- أن ما يجري هو أبعد ما يكون عن المناظرة بالمفهوم الاصطلاحي سواء أكان من حيث الإدارة أم من حيث الأهداف أم من حيث المشاركين .
فالمناظرة فن قديم له قواعده التي سطرها المفكرون من أصوليين ومتكلمين والتي تضبط كيفية السؤال وطريق الجواب كما تحدد الطريقة التي يعرف بها المنقطع في الخصومة والحائد عن موضوع النقاش
وقواعد المناظرة يلزم منها أن تكون المناظرة في مسألة محددة ، فلا يمكن أن تكون المناظرة في قضية كلية تحتها العديد من الجزئيات ، وتلزم تلك القواعد صاحب القضية أن يطرح مذهبه في شكل مقدمات يصل بها إلى نتائج ويقوم الطرف الآخر إما ببيان فساد إحدى المقدمات ليصل من ذلك إلى فساد النتيجة ، أو بالتسليم الحقيقي بصحة المقدمات ثم المعارضة بصحة ابتناء النتيجة عليها ، أو بالتسليم الجدلي بصحة المقدمات ثم بيان فساد ابتناء النتيجة عليها .
وقد يختار المتناظران أن تبدأ المناظرة بسؤال من أحدهما للآخر حول القضية التي يدور حولها النظر ، يقوم الطرف الآخر بالإجابة عليه ، ومن ثم يقوم السائل بطرح إلزامات يرى أنها تنبني على هذا الجواب يتبعها بسؤال المجيب هل يلتزم بهذه الإلزامات أم لا ؟ فإن التزم بها قام السائل ببيان أن الالتزام بهذه الأمور ينقض مذهب المناظر ، أما إن رفض المسئول الالتزام بما يراه خصمه لازما فعليه بيان وجه عدم لزومها .
أما هدف المناظرة فهو انقطاع الخصم ، وقد حدد النظارون طرقا لمعرفة الانقطاع منها الحيدة ، أي : الجواب في غير محل النزاع ، والإلجام وهو سكوت المناظر مما يدل على عدم قدرته على الجواب ، أو التسليم وهو اعتراف الخصم بصحة مذهب خصمه .
أما أطراف المناظرة فلهم شروط لا تعقد المناظرة دون توفرها فيهم وهي كونهم من المتخصصين في الجزئية المراد الحديث عنها ، وكونهم من أهل النظر ، أي : المعرفة بقواعد فن المناظرة .
وما يجري اليوم من سجالات فكرية لا يدخل في معظمه ضمن فن المناظرات إلا تجوزا ، فموضوعها في أغلب الأحيان قضايا كلية تبدأ بسؤال من مدير الحوار حول قضية الخلاف ، ولا يشترط في الجواب سوى أن يكون مباشرا ، ويأتي دور الطرف الآخر ليرد على فكرة نظيره بمرافعة أخرى ، وقد يكون في الجلسة الواحدة أكثر من محور وأكثر من موضوع نقاش ، ولا يوجد هناك سوى قواعد محدودة أكثرها تتعلق بأسلوب إدارة الحوار وأدب الحديث مع المخالف .
كما أن السجالات لا تنتهي بانقطاع أحد الطرفين بل ربما خرج الطرفان والكل يظن أنه تفوق على الآخر وتغلب في النقاش .
أما هدف هذه السجالات فليس بمحدد أيضا كما هو في المناظرات بل كل طرف يدخل السجال وله هدفه الخاص ، فهناك من يحاور لكسب قاعدة جماهيرية ومن يحاور لشرح توجهه بشكل أجود وهناك أيضا من يدخل السجال للدفاع عن مواقف فكرية حسبت عليه ويرى أن السجال أفضل وسيلة للدفاع عن نفسه ، بل وجد من يدخل السجالات للإثارة المجردة وكسب الأضواء الإعلامية .
وقد اكتسبت الحوارات في عصرنا أهمية كبيرة لظهور أثرها في التعبير عن توجهات المجتمع كما أن لها أثرا لا ينكر في توجيه الرأي العام ، وبالنسبة للمتحاورين أنفسهم فهم يكتسبون دربة عظيمة على تقبل المخالف والصبر وشحذ الذهن وصقل الفكر .
فهذه المقدمة هي المنهج الذي على أساسه أفهم هذه الحوارات وأقيمها ، فأنا لا أنتظر أن يعجز أحد المتحاورين عن الجواب ولا أن يسلم لخصمه ولا أنتظر أيضا أن يحيد عن الجواب حتى أحكم بفشله .
الناجح في تقديري هو من يعرض فكرته بجرأة ويحدد معالمها بدقة ، ويستطيع مع ذلك أن يدافع عنها بشكل يشعرني بأنه لم يقدم على تبنيها إلا بدافع فكري صرف بعيدا عن الهوى وسطوة الجماهير ، من يصل إلى هذا المستوى في السجال هو الناجح بغض النظر عن مدى اتفاقي معه ، وعليه فيمكن أن ينتهي السجال وقد تفوق الطرفان وأبدعا ، كما يمكن أن ينتهي السجال بخسارة كلا الفريقين .
حين أعرض هذه القواعد على السجال الأخير الذي جرى في قناة المستقلة أجد أنه تنقل بين أفكار عريضة جدا كان أبرزها فكرة التحديث ومدى قبول التوجه المشايخي لها .
وحول هذه الفكرة كان من يمثلون الفكر المشايخي أكثر جرأة على طرح مفاهيم التحديث من الطرف الآخر الذي يعيب على توجههم عدم المسارعة في التحديث .
فمثلا : الدكتور الهرفي والأستاذ عبدالله زقيل دافعا عن فكرة الانتخابات والاحتجاج السلمي العاقل لدى ولي الأمر على ما لا يتوافق مع ما يرونه المصلحة من قرارات .
بينما وافق الأستاذ يحي الأمير على فكرة الانتخابات لكنه نفى وبشدة صلاحيتها للمجتمع السعودي ، والحقيقة أنني أقبل من يحي الأمير أو غيره أن يرفض الانتخابات كطريق إلى الوصول إلى الأصلح كما هو شأن الكثير من العلماء والمفكرين ، لكن أن يقبلها كمبدأ وفكرة ثم يتهم المجتمع بالتخلف عن القدرة على ممارستها فهذا ما لا أقبله وكمتابع فإنني أعتبره إعلانا لهزيمة التيار الذي ينتمي له الأستاذ يحي الأمير والذي يخشى الانتخابات لعلمه بعدم قابلية المجتمع لأكثر ما يقدمه من طرح .
كما أن الاحتجاجات السلمية تعد من أعظم برامج التحديث بل هي من أبرز خصائص النظام في المملكة العربية السعودية والذي يتقبل هذا الاحتجاج على هيئة التقاء نخب المجتمع بولي الأمر والمسئولين أو الإبراق لهم .
ولم يكتف الأستاذ يحي بعدم الدفاع عن هذا النوع من التحديث بل هاجمه مما أكد لي أنه يعلن رفضه لأي تحديث إذا كان يخدم الفكر الذي يختلف معه .
تحدث الأستاذ يحي كثيرا عن الموقع المتميز لهيئة كبار العلماء والمفتي العام للمملكة وأكد على مرجعيتهم في القضايا الشرعية ، وما ذكره في هذا مما يسر به الطرف الآخر في حال تبني الأستاذ يحي له في الجانب التطبيقي ، أما إذا لم يظهر أثر هذه الفكرة على كتابات الأستاذ يحي المستقبلية فسوف يعلم المتابع أن هذا التصريح من هذا الكاتب إنما كان لتسجيل موقف إعلامي وكسبا للمشاهد الغير المتابع لحركة الكتابة الصحفية في المملكة .
فمثلا :ماذا سيكون موقف الأستاذ يحي من قرار مؤسسة النقد فتح سوق للسندات ، هل سيؤيد المؤسسة أم يقف مع قرار هيئة كبار العلماء بتحريم بيع الدين ؟
وماذا سيكون موقفه من المخالفات الشرعية في منتدى جدة الاقتصادي والتي قد صدرت فتوى من المفتي بتحريمها ، هل سيقف الأستاذ يحي مع من يبدون استياءهم من استمرار هذه المخالفات تأييدا لفتوى المفتي؟
والعجيب أنه حين أشار إلى موقفه الخاطئ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لم أر فتنة أضر على الرجال من النساء)لم يجد في وصفه هذا الحديث النبوي بالوحشية أكثر من كونه خطأ عابرا حصل أثناء الحوار ، وأنه حين يعترف بخطأ هذا التعبير لا يقر بخطئه في مضمون نقده للحديث ، ويصر أن لديه من الأدلة ما يؤيد نظرته تلك .
وهذا أحد الشواهد المبكرة التي تجعلني أخشى على الأستاذ يحي أن لا يكون متسقا في المجال التطبيقي مع فكرته التي أعلنها ، ومدى الاتساق هذا هو ما سيجعل صدقية هذا الكاتب على المحك .
حاول الأستاذ يحي أن يجعل محاوريه في حيرة من أمرهم حين ظل يؤكد على الثوابت التي لا يخالفونه فيها حيث كان من استراتيجيته -كما أحسب- أن يصل بالحوار إلى أن الخلاف مسألة تضخمها منتديات الإنتر نت ، وأن كل من يرمي كتاب الصحافة بالليبرالية أو الإقصائية ليس سوى متطرفا أو حزبيا .
وهي استراتيجية ذكية جدا لو لم يقع هو في خطأ كبير عند تطبقها، هذا الخطأ يتمثل في استعجاله في طرح النتيجة بنفسه وكان المفترض أن يترك للمشاهد استنتاجها ،أعني بالنتيجة: إنكاره لوجود محاولات التغريب في بلادنا .
هذا الاستعجال قصم ظهر الأستاذ يحي عند المشاهد الفطن قبل أن يتولى الدكتور الهرفي والأستاذ عبد الله زقيل ضرب الأمثلة على الجهود التغريبية المحيطة بأمتنا .
كنتيجة عامة لهذا السجال بدا لي أن الأستاذ يحي قدم ما يمكن أن أسميه تنازلات لمحاوريه في سبيل إنجاح تلك الاستراتيجية التي أزعم لنفسي أنه انتهجها في الحوار ، لكن هذه الاستراتيجية لم تفلح في تحقيق المراد منها ، بل يخرج المشاهد منها بأن الأستاذ يحي يعيش أزمة فكرية يتصارع فيها ماضيه المتشدد مع حاضره المتسامح أدت إلى ظهور هذا التناقض بين ما يطرحه بلسانه في القناة وبين بعض ما يكتبه في الصحافة أو يقوله في قنوات أخر ، أو أنه يعمل بالتقية التي ذكر الدكتور تركي الحمد أن بعض اللبراليين يمارسونها تحت وطأة توجه المجتمع .
.لجينيات
الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي
يتحدث الكثيرون عن السجالات الفكرية التي نتابعها في أيامنا الحاضرة في العديد من القنوات الفضائية على أنها نمط من أنماط المناظرات ، والذي يظهر لي كمتابع -وأيضا كمشارك في عدد من هذه السجالات ولاسيما التي أجرتها قناة المستقلة- أن ما يجري هو أبعد ما يكون عن المناظرة بالمفهوم الاصطلاحي سواء أكان من حيث الإدارة أم من حيث الأهداف أم من حيث المشاركين .
فالمناظرة فن قديم له قواعده التي سطرها المفكرون من أصوليين ومتكلمين والتي تضبط كيفية السؤال وطريق الجواب كما تحدد الطريقة التي يعرف بها المنقطع في الخصومة والحائد عن موضوع النقاش
وقواعد المناظرة يلزم منها أن تكون المناظرة في مسألة محددة ، فلا يمكن أن تكون المناظرة في قضية كلية تحتها العديد من الجزئيات ، وتلزم تلك القواعد صاحب القضية أن يطرح مذهبه في شكل مقدمات يصل بها إلى نتائج ويقوم الطرف الآخر إما ببيان فساد إحدى المقدمات ليصل من ذلك إلى فساد النتيجة ، أو بالتسليم الحقيقي بصحة المقدمات ثم المعارضة بصحة ابتناء النتيجة عليها ، أو بالتسليم الجدلي بصحة المقدمات ثم بيان فساد ابتناء النتيجة عليها .
وقد يختار المتناظران أن تبدأ المناظرة بسؤال من أحدهما للآخر حول القضية التي يدور حولها النظر ، يقوم الطرف الآخر بالإجابة عليه ، ومن ثم يقوم السائل بطرح إلزامات يرى أنها تنبني على هذا الجواب يتبعها بسؤال المجيب هل يلتزم بهذه الإلزامات أم لا ؟ فإن التزم بها قام السائل ببيان أن الالتزام بهذه الأمور ينقض مذهب المناظر ، أما إن رفض المسئول الالتزام بما يراه خصمه لازما فعليه بيان وجه عدم لزومها .
أما هدف المناظرة فهو انقطاع الخصم ، وقد حدد النظارون طرقا لمعرفة الانقطاع منها الحيدة ، أي : الجواب في غير محل النزاع ، والإلجام وهو سكوت المناظر مما يدل على عدم قدرته على الجواب ، أو التسليم وهو اعتراف الخصم بصحة مذهب خصمه .
أما أطراف المناظرة فلهم شروط لا تعقد المناظرة دون توفرها فيهم وهي كونهم من المتخصصين في الجزئية المراد الحديث عنها ، وكونهم من أهل النظر ، أي : المعرفة بقواعد فن المناظرة .
وما يجري اليوم من سجالات فكرية لا يدخل في معظمه ضمن فن المناظرات إلا تجوزا ، فموضوعها في أغلب الأحيان قضايا كلية تبدأ بسؤال من مدير الحوار حول قضية الخلاف ، ولا يشترط في الجواب سوى أن يكون مباشرا ، ويأتي دور الطرف الآخر ليرد على فكرة نظيره بمرافعة أخرى ، وقد يكون في الجلسة الواحدة أكثر من محور وأكثر من موضوع نقاش ، ولا يوجد هناك سوى قواعد محدودة أكثرها تتعلق بأسلوب إدارة الحوار وأدب الحديث مع المخالف .
كما أن السجالات لا تنتهي بانقطاع أحد الطرفين بل ربما خرج الطرفان والكل يظن أنه تفوق على الآخر وتغلب في النقاش .
أما هدف هذه السجالات فليس بمحدد أيضا كما هو في المناظرات بل كل طرف يدخل السجال وله هدفه الخاص ، فهناك من يحاور لكسب قاعدة جماهيرية ومن يحاور لشرح توجهه بشكل أجود وهناك أيضا من يدخل السجال للدفاع عن مواقف فكرية حسبت عليه ويرى أن السجال أفضل وسيلة للدفاع عن نفسه ، بل وجد من يدخل السجالات للإثارة المجردة وكسب الأضواء الإعلامية .
وقد اكتسبت الحوارات في عصرنا أهمية كبيرة لظهور أثرها في التعبير عن توجهات المجتمع كما أن لها أثرا لا ينكر في توجيه الرأي العام ، وبالنسبة للمتحاورين أنفسهم فهم يكتسبون دربة عظيمة على تقبل المخالف والصبر وشحذ الذهن وصقل الفكر .
فهذه المقدمة هي المنهج الذي على أساسه أفهم هذه الحوارات وأقيمها ، فأنا لا أنتظر أن يعجز أحد المتحاورين عن الجواب ولا أن يسلم لخصمه ولا أنتظر أيضا أن يحيد عن الجواب حتى أحكم بفشله .
الناجح في تقديري هو من يعرض فكرته بجرأة ويحدد معالمها بدقة ، ويستطيع مع ذلك أن يدافع عنها بشكل يشعرني بأنه لم يقدم على تبنيها إلا بدافع فكري صرف بعيدا عن الهوى وسطوة الجماهير ، من يصل إلى هذا المستوى في السجال هو الناجح بغض النظر عن مدى اتفاقي معه ، وعليه فيمكن أن ينتهي السجال وقد تفوق الطرفان وأبدعا ، كما يمكن أن ينتهي السجال بخسارة كلا الفريقين .
حين أعرض هذه القواعد على السجال الأخير الذي جرى في قناة المستقلة أجد أنه تنقل بين أفكار عريضة جدا كان أبرزها فكرة التحديث ومدى قبول التوجه المشايخي لها .
وحول هذه الفكرة كان من يمثلون الفكر المشايخي أكثر جرأة على طرح مفاهيم التحديث من الطرف الآخر الذي يعيب على توجههم عدم المسارعة في التحديث .
فمثلا : الدكتور الهرفي والأستاذ عبدالله زقيل دافعا عن فكرة الانتخابات والاحتجاج السلمي العاقل لدى ولي الأمر على ما لا يتوافق مع ما يرونه المصلحة من قرارات .
بينما وافق الأستاذ يحي الأمير على فكرة الانتخابات لكنه نفى وبشدة صلاحيتها للمجتمع السعودي ، والحقيقة أنني أقبل من يحي الأمير أو غيره أن يرفض الانتخابات كطريق إلى الوصول إلى الأصلح كما هو شأن الكثير من العلماء والمفكرين ، لكن أن يقبلها كمبدأ وفكرة ثم يتهم المجتمع بالتخلف عن القدرة على ممارستها فهذا ما لا أقبله وكمتابع فإنني أعتبره إعلانا لهزيمة التيار الذي ينتمي له الأستاذ يحي الأمير والذي يخشى الانتخابات لعلمه بعدم قابلية المجتمع لأكثر ما يقدمه من طرح .
كما أن الاحتجاجات السلمية تعد من أعظم برامج التحديث بل هي من أبرز خصائص النظام في المملكة العربية السعودية والذي يتقبل هذا الاحتجاج على هيئة التقاء نخب المجتمع بولي الأمر والمسئولين أو الإبراق لهم .
ولم يكتف الأستاذ يحي بعدم الدفاع عن هذا النوع من التحديث بل هاجمه مما أكد لي أنه يعلن رفضه لأي تحديث إذا كان يخدم الفكر الذي يختلف معه .
تحدث الأستاذ يحي كثيرا عن الموقع المتميز لهيئة كبار العلماء والمفتي العام للمملكة وأكد على مرجعيتهم في القضايا الشرعية ، وما ذكره في هذا مما يسر به الطرف الآخر في حال تبني الأستاذ يحي له في الجانب التطبيقي ، أما إذا لم يظهر أثر هذه الفكرة على كتابات الأستاذ يحي المستقبلية فسوف يعلم المتابع أن هذا التصريح من هذا الكاتب إنما كان لتسجيل موقف إعلامي وكسبا للمشاهد الغير المتابع لحركة الكتابة الصحفية في المملكة .
فمثلا :ماذا سيكون موقف الأستاذ يحي من قرار مؤسسة النقد فتح سوق للسندات ، هل سيؤيد المؤسسة أم يقف مع قرار هيئة كبار العلماء بتحريم بيع الدين ؟
وماذا سيكون موقفه من المخالفات الشرعية في منتدى جدة الاقتصادي والتي قد صدرت فتوى من المفتي بتحريمها ، هل سيقف الأستاذ يحي مع من يبدون استياءهم من استمرار هذه المخالفات تأييدا لفتوى المفتي؟
والعجيب أنه حين أشار إلى موقفه الخاطئ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لم أر فتنة أضر على الرجال من النساء)لم يجد في وصفه هذا الحديث النبوي بالوحشية أكثر من كونه خطأ عابرا حصل أثناء الحوار ، وأنه حين يعترف بخطأ هذا التعبير لا يقر بخطئه في مضمون نقده للحديث ، ويصر أن لديه من الأدلة ما يؤيد نظرته تلك .
وهذا أحد الشواهد المبكرة التي تجعلني أخشى على الأستاذ يحي أن لا يكون متسقا في المجال التطبيقي مع فكرته التي أعلنها ، ومدى الاتساق هذا هو ما سيجعل صدقية هذا الكاتب على المحك .
حاول الأستاذ يحي أن يجعل محاوريه في حيرة من أمرهم حين ظل يؤكد على الثوابت التي لا يخالفونه فيها حيث كان من استراتيجيته -كما أحسب- أن يصل بالحوار إلى أن الخلاف مسألة تضخمها منتديات الإنتر نت ، وأن كل من يرمي كتاب الصحافة بالليبرالية أو الإقصائية ليس سوى متطرفا أو حزبيا .
وهي استراتيجية ذكية جدا لو لم يقع هو في خطأ كبير عند تطبقها، هذا الخطأ يتمثل في استعجاله في طرح النتيجة بنفسه وكان المفترض أن يترك للمشاهد استنتاجها ،أعني بالنتيجة: إنكاره لوجود محاولات التغريب في بلادنا .
هذا الاستعجال قصم ظهر الأستاذ يحي عند المشاهد الفطن قبل أن يتولى الدكتور الهرفي والأستاذ عبد الله زقيل ضرب الأمثلة على الجهود التغريبية المحيطة بأمتنا .
كنتيجة عامة لهذا السجال بدا لي أن الأستاذ يحي قدم ما يمكن أن أسميه تنازلات لمحاوريه في سبيل إنجاح تلك الاستراتيجية التي أزعم لنفسي أنه انتهجها في الحوار ، لكن هذه الاستراتيجية لم تفلح في تحقيق المراد منها ، بل يخرج المشاهد منها بأن الأستاذ يحي يعيش أزمة فكرية يتصارع فيها ماضيه المتشدد مع حاضره المتسامح أدت إلى ظهور هذا التناقض بين ما يطرحه بلسانه في القناة وبين بعض ما يكتبه في الصحافة أو يقوله في قنوات أخر ، أو أنه يعمل بالتقية التي ذكر الدكتور تركي الحمد أن بعض اللبراليين يمارسونها تحت وطأة توجه المجتمع .
.لجينيات