مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مستقبل الأخلاق في بلادنا
الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله.

لا أشك أن الوزارات المعنية بالتخطيط والعمل والصناعة والاقتصاد تمتلك كلٌ منها دراسات متنوعة عن مستقبل التنمية بجميع أشكالها في بلادنا بصرف النظر عن مستوى تفعيل هذه الدراسات أو العناية بها ، لكنها على كلِ حال موجودة .

أما الذي أشك فيه كثيراً فهو وجود دراسة ولو واحدة عن مستقبل الأخلاق في بلادنا ، مع أن المعطيات العلمية لمثل هذا العمل متوفرة ومتنوعة ويمكن للباحث أن يستحضرها وبسهولة تامة ويضع من خلالها ما يقتضيه البحث الاستشرافي من أسئلة واحتمالات وإجابات تفصيلية على كل احتمال من خلال الواقع بكل تفاصيله التي لا يخفى تأثيرها الشديد على أخلاق الناس وتأثرها به.

نعم إن تفاصيل الواقع كما تؤثر على الأخلاق تتأثر بها حتماً، ويمكن أن يُقال : إن هذا هو أبرز معالم أهمية البحث في مستقبل أخلاقنا، فمستقبلنا الثقافي والاجتماعي والصناعي والاقتصادي بل والسياسي يستحيل الوصول في محاولة استشرافه إلى نتائج علمية دون توفر معلومات استشرافية أيضا عن مستقبل أخلاقنا.

وبالتالي : لا يُمكن لاستراتيجية تنموية أن تنجح دون أن يكون مستقبل الأخلاق أحد القواعد التي بُنيت عليها هذه الخطة، فالتنمية بكل أشكالها كما تتوقف على السكان وقدراتهم المادية والصحية فإنها تتوقف أيضا على أخلاق هؤلاء السكان التي يتعاملون عبرها مع بعضهم ومع أموالهم وبيئتهم وسائر المقدَّرات التي تحوزها أيديهم .

ويتفرع عن هذا أنه التخطيط لا ينبغي أن يقتصر على التنمية بل يجب أن يشمل الأخلاق أيضا ، لأن التخطيط التنموي الذي لا يراعي مصير الأخلاق تخطيط تافه محصلته أن تكون الصناعة والاقتصاد هما المُشَكِّل لأخلاقنا ، والصواب أن يتشكل هذان بما لا يتعارض مع ما نريده لأنفسنا ولأبنائنا من رُقي أخلاقي.

إن الجميع في بلادنا ولله الحمد يحملون همَّا لمصير أخلاقهم وأخلاق أبنائهم أكبر من الهم الذي يحملونه لمصير أموالهم وسُبُلِ معايشهم في ظل ما يرونه غزواً أخلاقياً عالمياً يرنوا إلى تشكيل قِيَمِهم كيف يشاء هو لا كيف يأملون .

ويزداد قلقهم حين لا يجدون رؤية واضحة موحدة لدى أكثر من يديرون المؤسسات المؤثرة في بناء الأخلاق والقم لدى الأمة لما يجب أن تكون عليه القيم والأخلاق في مستقبل الأيام ، بل إن أكثر الناس لديه انطباع أن هناك تناقضاٌ في طموحات المسؤولين في بلادنا لمستقبل الأخلاق في بلادنا.

فطموح وزارة الشؤون الإسلامية لما يجب أن تكون عليه الأخلاق في بلادنا يختلف كما يتصور الناس عن طموح وزارة الإعلام مثلا، ومؤسسة الإفتاء أيضا يختلف تصورها للمستقبل الأخلاقي المنشود عن وزارة العمل ، أما وزارة الشؤون الاجتماعية فلا تمتلك رؤية أو طموحاً واضحاً حول هذه القضية .

هذا ما أتصوره وهو تصور شخصي لكنه مُستقى ممَّا ألمسه من الناس الذين أخالطهم وأعتقد أنهم يُمثلون كل فئات المجتمع من جهة تنوعهم العلمي والمادي والإقليمي والعشائري.

إن الغرب اليوم قد أدركوا فداحة خطئهم في ترك الأخلاق تتكيف كما يشاء الاقتصاد ، أو كما يشاء أباطرة الإعلام الذين لا تنفك مشيئتهم في الغالب عن الاقتصاد ، ومع هذا لم يتحركوا كثيرا في سبيل التخطيط لأخلاقهم ، لكنهم تحركوا كثيراً في سبيل التفكير فيما يريدون أن تكون عليه أخلاقنا ، وذلك لأن الأخلاق كما بدا لهم وسيلة مهمة جداً من وسائل الهيمنة السياسية والهميمنة المالية ، بل إن توحيد القيم في جميع أنحاء العالم على ما يريدون هم أصبحت مشروعا ساسيا واقتصاديا لبعض دولهم لا يخفى أمره على الباحثين .
*لجينيات
أضافة تعليق