السينما والمسرح في معترك الدعوة
عبد العزيز كحيل
اليوم أدرك الواعون من أبناء الحركة الإسلامية وأنصار المشروع الإسلامي مدى الخطأ الذي ارتكبوه منذ عقود حين عزفوا عن الاشتغال بمختلف مجالات الفن ، وعلى رأسها السينما والمسرح وتوظيفهما لخدمة الدعوة وتبليغ رسالتهم وزهدوا فيها وذهب غير قليل منهم إلى اعتبار كل حديث عن الفن رجسا من عمل الشيطان.
وهانحن نعض على أناملنا من الندم عندما نرى الفضيلة مقصاة من السينما والمسرح ، في حين يتربع على عرشهما اليهود على المستوى العالمي وحلفاؤهم الموضوعيون من علمانيين ويساريين على مستوى بلادنا العربية الإسلامية.
وهل تنفعنا الصيحات المتحسرة أو التنديد بالمشروع التخريبي الذي تحمله تلك الوسائل وتجارب به –بطريقة مباشرة أو ملتوية – مشروعنا الحضاري وديننا وأخلاقنا وقيمنا؟ وهل يجوز أن نلقى باللائمة مرة أخرى على خصومنا بدعوى أنهم ضايقونا ولم يدعوا لنا فرصة لنلج تلك المجالات التي أصبحت من أنجع وسائل التأثير على الجماهير؟ الحقيقة المرة أننا نتحمل المسؤولية كاملة في التفريط ، إذ كان يمكن أن يتخصص شباب ملتزم في فنون الإخراج والتمثيل وتستثمر أموال في الإنتاج فنتمكن من مزاحمة العلمانيين ومنافستهم ، لكننا عجزنا عن حسن تقديم جواهرنا وبرعوا في تزيين أوساخهم فامتلكوا ناصية السينما والمسرح ، وبعض السذج عندنا مازالوا يستنكرون حتى الأناشيد الإسلامية المؤداة بغير موسيقى ويعدونها من السماع المحرم.
إن نظرة عاجلة على الإنتاج السينمائي العربي تبين فداحة المصاب وتجعلنا نحس بمرارة الندم ونحن نرى ناسا من المسلمين تخصصوا في هذا الفن ، لكنهم ارتموا في أحضان الفلسفة التغريبية المتميزة بالمادية والغرائزية ومعاداة قيم الطهر والفضيلة وأصبحوا مجرد لولب وزر في الآلة الجاهلية الطاحنة شعروا بذلك أو لم يشعروا،لا علاقة لها بأرضنا،واذكر على سبيل المثال مهرجان السينما المتوسطية الذي انعقد منذ مدة بفرنسا وحضرته على الخصوص البلدان المغاربية وكانت محاوره (الحب والتمرد) وتميزت فيه أفلام ضفتنا الجنوبية المهزومة بتقليد ذليل لأسياد الضفة المقابلة ، فالفيلم التونسي(غبار من اللؤلؤ) يروي صراع شيخ كبير مع مجتمع متغير ومع ابن غير شرعي أقسم أن يهشم ما ترك والده ، الفيلم الآخر (حلفا وين)يصور النساء في أحط منزلة باعتبارهن مظلومات من طرف مجتمع رجالي يعدهن قاصرات إلى الأبد،فيلم ثالث إيطالي يتناول هو الآخر بلادنا من زاوية غير مشرفة،فهي بلاد متميزة بفقر مدقع وآراء أخلاقية صارمة ودين تعسفي.
ويصور فيلم مغربي (الهروب)هروب فتاتين تحاولان الانفكاك من أسر محيط خانق للأنفاس فيه الزوج الغيور والأب الغاشم وتتعرضان إلى انتقام شديد من القرية المحافظة ، وأشير في آخر هذا العرض السريع إلى أن فيلم حلفا وين المشار إليه يصور النساء عاريات في حمام عمومي يدخله بطل القصة.
هذه بعض مخازي مخرجينا الذين يعتبرهم النقد الفني أمل السينما المغاربية ، ولست في حاجة إلى ذكر توجهات السينما المصرية الخليعة والسينما الجزائرية التي تحذو حذوها وإن كانت أكثر دهاء وخبثا ، لكن أشير فقط إلى أن فيلم (معركة الجزائر) يصور بيوت الدعارة خلية للثورة وعاهراتها فدائيات وبطلات.
كما أن السينما العربية اتفقت على تهميش الإسلام وتقزيمه بل وإلغائه نهائيا في بعض الأحيان ، أما الإسلاميون في منظورها – ومنذ مطلع القرن - فهم دراويش وصعاليك وعصبيون ، ويكفي أن الأفلام الحربية الجزائرية تقفز فوق العنصر الإسلامي ولا تعيره اهتماما خلافا لواقع مازال قريبا ورجاله أحياء ثم إن المخرج المصري المسيحي يوسف شاهين يشوه الحقائق بكل جرأة ، فينفي عن جماعة الإخوان أي مشاركة في اانضال ضد الاستعمار الأنجليزي ، بل يصور الإمام الشهيد نفسه على أنه خائن خوار ملازم للزوايا المظلمة بعيدا عن هموم الشعب ، وذلك في فيلمه الشهير(اسكندرية ليه).
أما الفساد الأخلاقي الذي تصوره السينما العربية وتزينه وتدعو إليه فهو لا يحتاج إلى تذكير أو تعليق.
هذا حال الفن السابع عندنا ، فأين البديل النظيف الجميل الهادف؟ المسألة لا تحلها جلجلة خطيب في منبره وإنما تتطلب الوعي بأبعاد وأخطار وسائل الاتصال الحديثة والدعوة إلى ولوج ميدانها وامتلاك تقنياتها والعمل ضمنها لخدمة الدعوة الإسلامية ومشروعنا الحضاري ، فعلينا – بالإضافة إلى دعوة أصحاب هذا الفن إلى الرجوع إلى الذات - أن نحسس أبناء الحركة بأهمية الموضوع ونجعله واحدا من أكبر همومنا واهتماماتنا ونسعى إلى إيجاد المؤسسات الكفيلة بالتخصص فيه وإعطاء البديل الإسلامي ، وهذا يبدأ بإزالة المعوقات الداخلية والارتقاء إلى النظرة المقاصدية وفقه المصلحة والانعتاق من الذهنية الذرائعية وعقلية التحريم التي تئد المبادرات وترفض التجديد وتقدس الأشكال وتهمل الجوهر.
ويعتبر توجيه الطلبة أصحاب المواهب للدراسة في المعاهد المتخصصة وامتلاك المعرفة والخبرة والتجربة الميدانية أولوية لدى المؤسسات الدعوية والعائلات الملتزمة المنشغلة بهم الإسلام والأمة ولا شك أن ذلك من الجهاد المدني الذي يرضي الله كما قرر فقهاء الدعوة المعاصرون أمثال الشيخ القرضاوي والأستاذ محمد أحمد الراشد
و ما يقال عن السينما والمسرح يقال عن الرسوم المتحركة التي لم يعد ينكر خطرها أحد مع أن إسهام الإسلاميين فيها لا وجود له _ إلا استثناء قليلا وضئيلا في تركيا _ فهذا ميدان بكر اخر ينتظر الدعاة الواعين الايجابيين .
.ينابيع
عبد العزيز كحيل
اليوم أدرك الواعون من أبناء الحركة الإسلامية وأنصار المشروع الإسلامي مدى الخطأ الذي ارتكبوه منذ عقود حين عزفوا عن الاشتغال بمختلف مجالات الفن ، وعلى رأسها السينما والمسرح وتوظيفهما لخدمة الدعوة وتبليغ رسالتهم وزهدوا فيها وذهب غير قليل منهم إلى اعتبار كل حديث عن الفن رجسا من عمل الشيطان.
وهانحن نعض على أناملنا من الندم عندما نرى الفضيلة مقصاة من السينما والمسرح ، في حين يتربع على عرشهما اليهود على المستوى العالمي وحلفاؤهم الموضوعيون من علمانيين ويساريين على مستوى بلادنا العربية الإسلامية.
وهل تنفعنا الصيحات المتحسرة أو التنديد بالمشروع التخريبي الذي تحمله تلك الوسائل وتجارب به –بطريقة مباشرة أو ملتوية – مشروعنا الحضاري وديننا وأخلاقنا وقيمنا؟ وهل يجوز أن نلقى باللائمة مرة أخرى على خصومنا بدعوى أنهم ضايقونا ولم يدعوا لنا فرصة لنلج تلك المجالات التي أصبحت من أنجع وسائل التأثير على الجماهير؟ الحقيقة المرة أننا نتحمل المسؤولية كاملة في التفريط ، إذ كان يمكن أن يتخصص شباب ملتزم في فنون الإخراج والتمثيل وتستثمر أموال في الإنتاج فنتمكن من مزاحمة العلمانيين ومنافستهم ، لكننا عجزنا عن حسن تقديم جواهرنا وبرعوا في تزيين أوساخهم فامتلكوا ناصية السينما والمسرح ، وبعض السذج عندنا مازالوا يستنكرون حتى الأناشيد الإسلامية المؤداة بغير موسيقى ويعدونها من السماع المحرم.
إن نظرة عاجلة على الإنتاج السينمائي العربي تبين فداحة المصاب وتجعلنا نحس بمرارة الندم ونحن نرى ناسا من المسلمين تخصصوا في هذا الفن ، لكنهم ارتموا في أحضان الفلسفة التغريبية المتميزة بالمادية والغرائزية ومعاداة قيم الطهر والفضيلة وأصبحوا مجرد لولب وزر في الآلة الجاهلية الطاحنة شعروا بذلك أو لم يشعروا،لا علاقة لها بأرضنا،واذكر على سبيل المثال مهرجان السينما المتوسطية الذي انعقد منذ مدة بفرنسا وحضرته على الخصوص البلدان المغاربية وكانت محاوره (الحب والتمرد) وتميزت فيه أفلام ضفتنا الجنوبية المهزومة بتقليد ذليل لأسياد الضفة المقابلة ، فالفيلم التونسي(غبار من اللؤلؤ) يروي صراع شيخ كبير مع مجتمع متغير ومع ابن غير شرعي أقسم أن يهشم ما ترك والده ، الفيلم الآخر (حلفا وين)يصور النساء في أحط منزلة باعتبارهن مظلومات من طرف مجتمع رجالي يعدهن قاصرات إلى الأبد،فيلم ثالث إيطالي يتناول هو الآخر بلادنا من زاوية غير مشرفة،فهي بلاد متميزة بفقر مدقع وآراء أخلاقية صارمة ودين تعسفي.
ويصور فيلم مغربي (الهروب)هروب فتاتين تحاولان الانفكاك من أسر محيط خانق للأنفاس فيه الزوج الغيور والأب الغاشم وتتعرضان إلى انتقام شديد من القرية المحافظة ، وأشير في آخر هذا العرض السريع إلى أن فيلم حلفا وين المشار إليه يصور النساء عاريات في حمام عمومي يدخله بطل القصة.
هذه بعض مخازي مخرجينا الذين يعتبرهم النقد الفني أمل السينما المغاربية ، ولست في حاجة إلى ذكر توجهات السينما المصرية الخليعة والسينما الجزائرية التي تحذو حذوها وإن كانت أكثر دهاء وخبثا ، لكن أشير فقط إلى أن فيلم (معركة الجزائر) يصور بيوت الدعارة خلية للثورة وعاهراتها فدائيات وبطلات.
كما أن السينما العربية اتفقت على تهميش الإسلام وتقزيمه بل وإلغائه نهائيا في بعض الأحيان ، أما الإسلاميون في منظورها – ومنذ مطلع القرن - فهم دراويش وصعاليك وعصبيون ، ويكفي أن الأفلام الحربية الجزائرية تقفز فوق العنصر الإسلامي ولا تعيره اهتماما خلافا لواقع مازال قريبا ورجاله أحياء ثم إن المخرج المصري المسيحي يوسف شاهين يشوه الحقائق بكل جرأة ، فينفي عن جماعة الإخوان أي مشاركة في اانضال ضد الاستعمار الأنجليزي ، بل يصور الإمام الشهيد نفسه على أنه خائن خوار ملازم للزوايا المظلمة بعيدا عن هموم الشعب ، وذلك في فيلمه الشهير(اسكندرية ليه).
أما الفساد الأخلاقي الذي تصوره السينما العربية وتزينه وتدعو إليه فهو لا يحتاج إلى تذكير أو تعليق.
هذا حال الفن السابع عندنا ، فأين البديل النظيف الجميل الهادف؟ المسألة لا تحلها جلجلة خطيب في منبره وإنما تتطلب الوعي بأبعاد وأخطار وسائل الاتصال الحديثة والدعوة إلى ولوج ميدانها وامتلاك تقنياتها والعمل ضمنها لخدمة الدعوة الإسلامية ومشروعنا الحضاري ، فعلينا – بالإضافة إلى دعوة أصحاب هذا الفن إلى الرجوع إلى الذات - أن نحسس أبناء الحركة بأهمية الموضوع ونجعله واحدا من أكبر همومنا واهتماماتنا ونسعى إلى إيجاد المؤسسات الكفيلة بالتخصص فيه وإعطاء البديل الإسلامي ، وهذا يبدأ بإزالة المعوقات الداخلية والارتقاء إلى النظرة المقاصدية وفقه المصلحة والانعتاق من الذهنية الذرائعية وعقلية التحريم التي تئد المبادرات وترفض التجديد وتقدس الأشكال وتهمل الجوهر.
ويعتبر توجيه الطلبة أصحاب المواهب للدراسة في المعاهد المتخصصة وامتلاك المعرفة والخبرة والتجربة الميدانية أولوية لدى المؤسسات الدعوية والعائلات الملتزمة المنشغلة بهم الإسلام والأمة ولا شك أن ذلك من الجهاد المدني الذي يرضي الله كما قرر فقهاء الدعوة المعاصرون أمثال الشيخ القرضاوي والأستاذ محمد أحمد الراشد
و ما يقال عن السينما والمسرح يقال عن الرسوم المتحركة التي لم يعد ينكر خطرها أحد مع أن إسهام الإسلاميين فيها لا وجود له _ إلا استثناء قليلا وضئيلا في تركيا _ فهذا ميدان بكر اخر ينتظر الدعاة الواعين الايجابيين .
.ينابيع