مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الحق يعرف برجاله
الحق يعرف برجاله


د. فضل عبد الله مراد استاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان
[email protected]


كن مع أربعة أصناف، معهم على سيرتهم وموالاتهم ومنهجهم «اهدنا الصراط المستقيم- صراط الذين أنعمت عليهم» هم «من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين».
هذه القاعدة التي أريد أن أوضحها تعكس قاعدة شهيرة وهي: اعرف الحق تعرف رجاله، وهذه صحيحة، إلا أن القاعدة الجمهورية التي يستطيع العامة فهمها يجب أن ترتبط بأمر واضح إذ العامة قد لا يقدر على ذلك.
ولهذا فقد وضح الله للجمهور ببساطة جدا كيف يعرفون أنهم على الحق فوضح لهم ذلك في أصلين عظيمين في سورة يقرؤها المسلم في اليوم سبعة عشرة مرة في الصلوات.
كن مع «النبيين والصديقين والشهداء والصالحين»، إذاً اعرف إحدى هذه الأصناف تصل إلى الحق.
إذاً هذه الآية تعطينا أصلا من أصول المنهج وهي آية جمهورية عامة وخلاصتها: اعرف الحق بالرجال من «النبيين والصديقين والشهداء والصالحين»، فاتبع ما هم عليه.
وفيها أن شريعة من قبلنا من الأنبياء شريعة لنا إلا إذا جاء تخصيص في شريعتنا لهذه المسألة بحكم مغاير، ولهذا كثر قص القصص في القرآن وذكر الصالحين ومواقفهم وفيها كذلك أن العمل بما عمل به الصالحون هدى.
وفيها: أن إجماعهم حجة لأنه هدى، وفيه أن عمل الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الصلاح هو الصراط المستقيم، وفيه العمل بعمل الجماعة وهم الصالحون، وفيه أن اتباع عمل الصالحين فيما اتفقوا عليه أو أكثرهم هدى واتباع الهدى واجب.
وفيه أن من الحجج الشرعية عمل صالحي الأمة، وعلى رأسهم الخلفاء والصحابة والتابعين ثم الأئمة والعلماء، والصالحون من عامة أهل الإيمان.
وفيه أن الأمة لا تجتمع على ضلالة وفيه جواز التقليد، وفيه أن الصالحين عند اختلافهم لا يخرج من أقوالهم، لأن الحق لا يخرج عنهم، وفيه أن العبرة بصالحي الأمة لا بجميعها.
وقوله تعالى «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» وهذا أصل من أصول الاتباع والسلوك والاستدلال أما الاتباع فلا يقتدى بطرق أهل الضلال والغضب من اليهود والنصارى، فالأصل مجانبة عملهم وأما السلوك: فكل ما عملوه من خلق ذمه الله ورسوله كالكبر والعناد وتضليل بعضهم بعضا، والافتخار بما عندهم والتخاذل والاستهزاء بالدين، ونقض العهود، وتحريف الكلم عن مواضعه، كل هذا من الضلال المبين.
وأما الاستدلال: فإن لم نجد نصا في تحريم شيء ثم وجدنا اليهود والنصارى يدعوننا دعّا إليه، فالأصل حرمة اتباعهم وطاعتهم فيه «ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما» وكل ما حرصوا على أن لا نحصل عليه ولا نهتدي إليه، فلا نطيع حرصهم بل الهدى مناقضة ما أرادوا.. نعم، إن قضية الاقتصاد والتصنيع والتسليح والاتحاد والتكنولوجيا قضايا اشتد حرص المغضوب عليهم والضالين ألا تكون لنا، وتابعهم في ذلك رؤوس الغباء والغثاء من السلاطين والحكام الجهلة، الذين ابتليت بهم جغرافيا عالمنا العربي والإسلامي.
لماذا حرصوا على عدم الاعتراف بحكومة حماس المنتخبة بأسحق أغلبية!؟ حاصروها حتى من الدواء حتى من الإنارة حتى من الحياة.
إنه منهج ممنهج وطريق مسلوك يعاملنا به أولئك القوم.. نعم أيها الإخوة، لم يستطع العرب توحيد رأيهم السياسي أو سوقهم الاقتصادي، فضلا عن الدرع والتسليح الدافع الرادع لماذا؟ إنه اتباع بروتوكولي موقع بأقلام الكبار واتفاقيات عليا لسنوات المستقبل المدبر.
ومع أن هذه الاتفاقيات باطلة في الشريعة، وتصرف من تصرف في الموافقة عليها باطل ولو كان الإمام الأعظم فضال عن هؤلاء المتمزقة، وعلة ذلك أن تصرفاتهم إنما هي للنظر المصلحي لعموم الجمهور، فإذا خرجت بطلت أما لو تسببت في فساد فهي أبطل.
بالله عليكم أيعقل أن هناك اتفاقية مع السلطات بها ألا نزرع القمح!؟ لذلك فعالمنا العربي اليوم لا يطعمه إلا عدوه ولا يسلحه إلا هو ولهذا يتحكم في سياساته غيره.
إنه اتباع رسمي خطير أدى إلى هذه المفاسد القبيحة.
إننا نعيش الآن تحت استبداد مدمر، تحت رقابة ورعاية الأمم المتحدة الغربية، والنظام الغربي المهيمن.
لماذا يطبقون الحريات السياسية في بلدانهم، ويحافظون عليها أن تلفح وجوهنا نفحتها المنعشة لروح الإنسان وفكره وإرادته!؟
هم يجوبون بلادهم من دولة إلى دولة بلا جواز، ونحن لا نستطيع زيارة والدينا إلى دولة عربية أخرى إلا بعد شفاعات ووساطات وفيز لأيام أو لأشهر معدودة فقط.
هم يصنعون، هم يزرعون، هم يخترعون.. ونحن نستورد ذلك، ونبني معاهد التقنية في بلادهم تشجيعا لحركة العلم، وفي بلادنا حركة ساعة السباق نحو التجهيل لم تجد من يوقفها.
أتدرون ماذا سوقوا لنا وروجوا في هذه الأيام؟ حقوق المرأة وتحريرها، وإصلاح المناهج التعليمية ومحاربة الإرهاب وعلى رأسهم حماس المجاهدة في فلسطين ومحاربة التسلح ومعاهدات الاعتراف بإسرائيل.
ومكافحة تهريب المال الداعم للجماعات الشرعية والمعاهد ومدارس القرآن.
هذا هو بعض ما سوقوه وروجوه وذاك أخطر ما منعوه واحتكروه، إذا سورة الفاتحة التي نقرؤها في صلواتنا تغرس لنا منهج التحرر من هذا المنهج، منهج المغضوب عليهم ومنهج الضالين، وتجعله دعاء ندعو به كل يوم مرات ومرات وتجعله هدى وتجعله صراطا.
فلله الحمد على بيانه وتعليمه ورحمته، ولنا وقفة أخرى مع هذا.
.الأهالي نت
أضافة تعليق