علّينية القائد الأعلى
د. فضل عبد الله مراد استاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان[email protected]
«ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون».
أيها الإخوة إننا أمام تنمية بشرية متكاملة، حقا إنها نهوض بالنفس والقلب والعقل بهذه الثلاثية التي هي معيارية العطاء الحضاري.
لقد بذل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جهده في دعوة أقوام غلف، لا يستجيبون لنداء أو هدى، يرونه عليه الصلاة والسلام فيتخذونه هزوا، إنها حقا السفاهة العربية، والوقاحة الجاهلية أن يتخذ هذا العملاق الذي سماه الله الصادق الأمين أن يتخذ هزوا من نفر سفهاء، لا يقيمون للأخلاق وزنا.
هذا يقول ساحر، والآخر يقول كذاب، وتتوالى نعقات الإفك، يحارب ويحاصر ويهاجر بلده ويتآمر عليه، يقتل من يقتل من أصحابه، وينكل بمن بقي له حظ تحت النكال ورسولنا يصبرهم ويقويهم ويثبتهم. ومع هذا كله وبعد هذا كله يتسلل الحزن إلى قلب يحب الناس، يحب الخير، يتسع للعالم، إلى قلب ينزل عليه جبريل آناء الليل وأطراف النهار، أتدرون على ماذا يحزن؟
إنه يحزن على أصحابه، وفي نفس الوقت يحزن على أعدائه!! ما هذا القلب؟ ما هذا الرجل العظيم؟ إنها فعلا علّينية القائد الأعلى!! نعم.. علّينية لا علو ولا استعلاء، لأن عليين أرفع من العلو والاستعلاء.
دعوني الآن -بعد هذه المقدمة الظلية الوارفة التي أدخلتنا جو الموضوع- آخذكم في جولة استنباطية.
لقد أقره الله أن يحزن على أصحابه لكنه وجهه ألا يحزن على الأعداء لأنهم أعرضوا عن الإيمان والهدى، لأنهم تآمروا وقتلوا وأفسدوا، لا تحزن على مفسد في الأرض، ولا تحزن على مجرم روج الدعايات والتفاهات والكذب ورمى نفايات التآمر في طريق الداعية والدعوة ليصد عنه أو على الأقل ليقلقه ويربكه.
أيها الإخوة.. إن هذا درس واقعي متكرر علينا الاستفادة منه «ولا تحزن عليهم»، هكذا يحب الله أن نتعامل مع كل غادر ومحارب وصاد عن الله وسبيله.
إذاً هذه هي المعيارية الربانية للتعامل مع هذا الصنف من البشر «ولا تحزن عليهم»، صدقوني أنني كلما قرأت هذه الآية المكرمة أشعر بارتياح نفسي بالغ، لما تتركه من معنى الراحة والرحمة.
لو أن أحدنا أحزن نفسه على نتائج أفعال الظلمة لما أبصر ولا سمع لأن المفردات الكارثية اليومية من سوء تصرفات المفسدين لا يتحملها العضو المخروطي الجميل «القلب»!! إذاً فلم الحزن؟ لماذا الحزن عليهم؟
وهكذا لن أحزن على من ظلم نفسه ووطنه.. هذا مواطن رعوي وذاك رحال بدوي وآخر لابس للكرفتة على أبواب الوزارات يبحث عن عمل.
كانوا جميعا مظلمة للفساد في يوم محاربة الفساد، لقد عزروه ونصروه.
أيها الإخوة: ليس معنى أنّا لن نحزن على من ظلم نفسه، إنا لن نحزن على الوطن، لأنه حزن مشروع، كما كان صلى الله عليه وسلم يحزن على معسكر الصدق إلا أن حزننا هو إيجاب، هو نية للتغيير والبناء والعمل، إننا لن نحزن فيذهب منا الحزن بوميض الحياة.
فنغدو من الصبح بوجوه ساهرة، عاملة، ناصبة، شاحبة، جافة، جفاف ما نراه وما نسمعه.
بل سنصلي لله في بيوت يرضاها الله، لا في بيوتنا، سنكثر الذكر لأنه مصدر القوة، سأبقى مع الجماعة لأنها مصدر التأييد «هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين»، سأبقى ناصحا حرا لأن حرية النصيحة عنوان كمال الإيمان «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».
ولا أزال ناصحا حتى تصل النصيحة إلى رتبة الوصية وهو معنى «وتواصوا» لأن رتبة النصيحة المجردة العابرة أدنى كثيرا من رتبة النصيحة التي ارتقت إلى أن توصف بالوصية، لكثرة المداومة عليها.
«ولا تك في ضيق مما يمكرون»، هذه ثنائية التوجيه الحق، «ولا تحزن عليهم» هذا جزء منه والآخر «ولا تك في ضيق مما يمكرون».
يجب أن يعيش القلب هكذا، يجب أن نعيش معا بأريحية تامة ما دمنا نتواصل ونتعامل مع من بيده نواصي الخلق.
أيها الأخ المؤمن، أيها الداعية إلى الله، أيها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر السياسي والمدني والأخلاقي.
أنتم موظفون مع الله، فلا تتضايق من المكر السيء، لقد تولى الله الدفاع والدفع عنك أنت شخصيا، «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» نعم أنت أنت، وكل مؤمن، عش في أمان، اذهب في أمان، لا تحاصرك الهموم والجلسات الدوامية في المقايل التي لا تسمع فيها غير المفجعات والمخوفات والمحبطات، لا تظن أنك وحدك أنت مع الله لأنك قلت أنا لله وبالله.
وهذا هو ما قاله الله في مقدمة هذه الآية التي تكلمنا عنها «واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون»، والصبر بالله أي متصلا به ومستعينا، لأن الباء لها في لغة العرب أكثر من أربعة عشر معنى كما هو موضح في المغنى لابن هشام ومنها الاستعانة.
والصبر بالله، والصبر لله، والصبر في الله، فالأول الاستعانة بالله في الصبر والثاني الإخلاص له في الصبر والثالث أن يكون الصبر في مرضاة الله وعلى دينه وشريعته لا على ما لا يرضى من الباطل لأنهم يصبرون ويتواصون بالصبر كما في قوله تعالى «أن امشوا واصبروا على آلهتكم».
إذاً أيها الإخوة إيانا أن نضيق من المكر والتآمر لأن هذا هو واقع التكليف «وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون».. نعم نعم، نصبر ونستعين بك.
إن هذا التوجيه الرباني هو زاد المسيرة وعيادتها التخصصية التي لا بد أن يتعامل به من قال أنا داعٍ إلى الله، أنا على منهج الرسول، أنا متبع.
صدقني، إذا عشت بنفسية خوفية أنك ستعيش في حملات رعب نفسي أنت مصدرها، ستحاصر نفسك وعقلك وتحركك.
لكن عش بهذه النفسية والتي جمعت الصبر، ترك الحزن، إنهاء العقد مع المضايق النفسية من التآمر، إنه العقد الآن.
ستلقي محاضرة، ستلقي خطابا، ستحاور في مجالسك، ستنصح الآخر، ستحل مشاكل الناس، يمكن أن تبني مشروعا، يمكن أن تنظم احتجاجا أو تكتب مقالا، أو تشكل تحالفا أو تنشئ جمعية ومؤسسة، أو تقود تنظيما، أو جامعة، أو وظيفة صغرت أو كبرت.. إن أصابك خوف أو قلق فلن تعمل شيئا..
.الأهالي نت
د. فضل عبد الله مراد استاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان[email protected]
«ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون».
أيها الإخوة إننا أمام تنمية بشرية متكاملة، حقا إنها نهوض بالنفس والقلب والعقل بهذه الثلاثية التي هي معيارية العطاء الحضاري.
لقد بذل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جهده في دعوة أقوام غلف، لا يستجيبون لنداء أو هدى، يرونه عليه الصلاة والسلام فيتخذونه هزوا، إنها حقا السفاهة العربية، والوقاحة الجاهلية أن يتخذ هذا العملاق الذي سماه الله الصادق الأمين أن يتخذ هزوا من نفر سفهاء، لا يقيمون للأخلاق وزنا.
هذا يقول ساحر، والآخر يقول كذاب، وتتوالى نعقات الإفك، يحارب ويحاصر ويهاجر بلده ويتآمر عليه، يقتل من يقتل من أصحابه، وينكل بمن بقي له حظ تحت النكال ورسولنا يصبرهم ويقويهم ويثبتهم. ومع هذا كله وبعد هذا كله يتسلل الحزن إلى قلب يحب الناس، يحب الخير، يتسع للعالم، إلى قلب ينزل عليه جبريل آناء الليل وأطراف النهار، أتدرون على ماذا يحزن؟
إنه يحزن على أصحابه، وفي نفس الوقت يحزن على أعدائه!! ما هذا القلب؟ ما هذا الرجل العظيم؟ إنها فعلا علّينية القائد الأعلى!! نعم.. علّينية لا علو ولا استعلاء، لأن عليين أرفع من العلو والاستعلاء.
دعوني الآن -بعد هذه المقدمة الظلية الوارفة التي أدخلتنا جو الموضوع- آخذكم في جولة استنباطية.
لقد أقره الله أن يحزن على أصحابه لكنه وجهه ألا يحزن على الأعداء لأنهم أعرضوا عن الإيمان والهدى، لأنهم تآمروا وقتلوا وأفسدوا، لا تحزن على مفسد في الأرض، ولا تحزن على مجرم روج الدعايات والتفاهات والكذب ورمى نفايات التآمر في طريق الداعية والدعوة ليصد عنه أو على الأقل ليقلقه ويربكه.
أيها الإخوة.. إن هذا درس واقعي متكرر علينا الاستفادة منه «ولا تحزن عليهم»، هكذا يحب الله أن نتعامل مع كل غادر ومحارب وصاد عن الله وسبيله.
إذاً هذه هي المعيارية الربانية للتعامل مع هذا الصنف من البشر «ولا تحزن عليهم»، صدقوني أنني كلما قرأت هذه الآية المكرمة أشعر بارتياح نفسي بالغ، لما تتركه من معنى الراحة والرحمة.
لو أن أحدنا أحزن نفسه على نتائج أفعال الظلمة لما أبصر ولا سمع لأن المفردات الكارثية اليومية من سوء تصرفات المفسدين لا يتحملها العضو المخروطي الجميل «القلب»!! إذاً فلم الحزن؟ لماذا الحزن عليهم؟
وهكذا لن أحزن على من ظلم نفسه ووطنه.. هذا مواطن رعوي وذاك رحال بدوي وآخر لابس للكرفتة على أبواب الوزارات يبحث عن عمل.
كانوا جميعا مظلمة للفساد في يوم محاربة الفساد، لقد عزروه ونصروه.
أيها الإخوة: ليس معنى أنّا لن نحزن على من ظلم نفسه، إنا لن نحزن على الوطن، لأنه حزن مشروع، كما كان صلى الله عليه وسلم يحزن على معسكر الصدق إلا أن حزننا هو إيجاب، هو نية للتغيير والبناء والعمل، إننا لن نحزن فيذهب منا الحزن بوميض الحياة.
فنغدو من الصبح بوجوه ساهرة، عاملة، ناصبة، شاحبة، جافة، جفاف ما نراه وما نسمعه.
بل سنصلي لله في بيوت يرضاها الله، لا في بيوتنا، سنكثر الذكر لأنه مصدر القوة، سأبقى مع الجماعة لأنها مصدر التأييد «هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين»، سأبقى ناصحا حرا لأن حرية النصيحة عنوان كمال الإيمان «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».
ولا أزال ناصحا حتى تصل النصيحة إلى رتبة الوصية وهو معنى «وتواصوا» لأن رتبة النصيحة المجردة العابرة أدنى كثيرا من رتبة النصيحة التي ارتقت إلى أن توصف بالوصية، لكثرة المداومة عليها.
«ولا تك في ضيق مما يمكرون»، هذه ثنائية التوجيه الحق، «ولا تحزن عليهم» هذا جزء منه والآخر «ولا تك في ضيق مما يمكرون».
يجب أن يعيش القلب هكذا، يجب أن نعيش معا بأريحية تامة ما دمنا نتواصل ونتعامل مع من بيده نواصي الخلق.
أيها الأخ المؤمن، أيها الداعية إلى الله، أيها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر السياسي والمدني والأخلاقي.
أنتم موظفون مع الله، فلا تتضايق من المكر السيء، لقد تولى الله الدفاع والدفع عنك أنت شخصيا، «إن الله يدافع عن الذين آمنوا» نعم أنت أنت، وكل مؤمن، عش في أمان، اذهب في أمان، لا تحاصرك الهموم والجلسات الدوامية في المقايل التي لا تسمع فيها غير المفجعات والمخوفات والمحبطات، لا تظن أنك وحدك أنت مع الله لأنك قلت أنا لله وبالله.
وهذا هو ما قاله الله في مقدمة هذه الآية التي تكلمنا عنها «واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون»، والصبر بالله أي متصلا به ومستعينا، لأن الباء لها في لغة العرب أكثر من أربعة عشر معنى كما هو موضح في المغنى لابن هشام ومنها الاستعانة.
والصبر بالله، والصبر لله، والصبر في الله، فالأول الاستعانة بالله في الصبر والثاني الإخلاص له في الصبر والثالث أن يكون الصبر في مرضاة الله وعلى دينه وشريعته لا على ما لا يرضى من الباطل لأنهم يصبرون ويتواصون بالصبر كما في قوله تعالى «أن امشوا واصبروا على آلهتكم».
إذاً أيها الإخوة إيانا أن نضيق من المكر والتآمر لأن هذا هو واقع التكليف «وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون».. نعم نعم، نصبر ونستعين بك.
إن هذا التوجيه الرباني هو زاد المسيرة وعيادتها التخصصية التي لا بد أن يتعامل به من قال أنا داعٍ إلى الله، أنا على منهج الرسول، أنا متبع.
صدقني، إذا عشت بنفسية خوفية أنك ستعيش في حملات رعب نفسي أنت مصدرها، ستحاصر نفسك وعقلك وتحركك.
لكن عش بهذه النفسية والتي جمعت الصبر، ترك الحزن، إنهاء العقد مع المضايق النفسية من التآمر، إنه العقد الآن.
ستلقي محاضرة، ستلقي خطابا، ستحاور في مجالسك، ستنصح الآخر، ستحل مشاكل الناس، يمكن أن تبني مشروعا، يمكن أن تنظم احتجاجا أو تكتب مقالا، أو تشكل تحالفا أو تنشئ جمعية ومؤسسة، أو تقود تنظيما، أو جامعة، أو وظيفة صغرت أو كبرت.. إن أصابك خوف أو قلق فلن تعمل شيئا..
.الأهالي نت