انتخابات إندونيسيا.. تحالفاتٌ وصيدٌ في الماء العكر
علاء البشبيشي
عَقدت إندونيسيا، أكبر الديمقراطيات في جنوب شرق آسيا، انتخاباتِها العامّة في التاسع من أبريل الجاري، وهي الثالثة في البلاد منذ سقوط سوهارتو عام 1998، لتُحدِّد نتائجها الأحزابُ التي ستتأهل لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في الثامن من يوليو المقبل.
وقد سمحت المحكمة الدستورية بنشر نتائج الفرز السريع، احترامًا لمبدأ حرية المعلومات، بحسب مجلة ’’فوربس’’ الأمريكية، أما النتائج الرسمية فمن غير المتوقع الإعلان عنها قبل 9 مايو المقبل. وتصبّ هذه النتائج المبدئية في مصلحة الرئيس الإندونيسي ’’سوسيلو بامبنغ يودويونو’’ وحزبه الديمقراطي؛ حيث تضاعفت أعداد الأصوات التي حصل عليها الحزب الديمقراطي 3 أضعاف مقارنةً بالانتخابات الماضية التي انعقدت في العام 2004، ليحتلّ بذلك موقع الصدارة من بين 38 حزبًا- معظمها أحزاب صغيرة- شاركت في الانتخابات الإندونيسية التي دُعِي إليها قرابة 170 مليون ناخب لاختيار مُمَثّليهم من بين أكثر من 1.6 مليون مرشح تنافسوا على مقاعد مجلسَي البرلمان وآلاف المقاعد في المجالس التشريعية المحلية.
وتحت عنوان (نتائج الانتخابات الإندونيسية.. رابحٌ واحد وخاسرون كُـثُر)، قالت مجلة ’’ذي إيكونوميست’’: إنّ الرابح في هذه الانتخابات هو الحزب الديمقراطي الحاكم- على الرغم من نتائجه المتواضعة- بجانب خاسرين كُـثُر، ذكرت على رأسهم حزب ’’جولكار’’ الذي يُعَدّ أكبر حزب في البلاد الآن، والذي تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها بقرابة 6% بعدما حصد على 13.5% فقط من الأصوات، وهي تقريبًا نفس النتيجة التي حصل عليها حزب النضال الديمقراطي الذي تتزعمه الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري (14،5% مقارنة بـ18،3%، حصل عليها في الانتخابات السابقة عام 2004).
ورغم أنّ الأحزاب الإسلامية شهدت تراجعًا من 39% إلى 29،5% في نسبة التصويت لصالحها، شذَّ حزب ’’العدالة والرفاه’’ ذو الجذور الإسلامية، عن هذه القاعدة، حيث حلّ رابعًا بنسبة 8،4% من الأصوات، بتقدُّم عن آخر نتائجه عام 2004 والتي حصد خلالها 7،9% من الأصوات.
ألف خَرْق!
ووصفت الأسبوعية البريطانية هذه الانتخابات بأنها ’’مضطربة’’؛ مستشهدةً بما يربو على ألف خرق انتخابِيٍّ تَمّ رصدُه في هذه الانتخابات- في أكثر من 31 إقليمًا- وتحديدًا 936 تجاوزًا أعلنت عنها هيئة الإشراف على الانتخابات، وفق ما نشرته وكالة أنباء ’’شينخوا’’ الصينية. وهو ضعف ما تَمّ رصده في انتخابات العام 2004. ورغم الصراخ الذي أطلقه بعض الخاسرين ـ والذي لم يستند كثير منه لدليل ـ فغالبًا لن يتم إلغاء نتائج هذه الانتخابات.
وتمثلت أبرز هذه المشكلات في ’’قوائم الناخبين’’ وفق ما نقلته صحيفة ’’جاكارتا جلوب’’ عن رئيس هيئة الإشراف الانتخابي، نور هدايات سارديني، بالإضافة إلى مراكز الاقتراع المُزَوَّرة التي انعقدت في عدد من المدن الإندونيسية.
وفي لقطاتٍ سريعة عن بعض المشاكل الانتخابية، تحدث موقع ’’لندن ساوث إيست’’ عن 13 مليون ورقة اقتراع مفقودة أو تالفة أو لم تكن قد سُلِّمت بعدُ إلى المراكز الإقليمية بحلول الرابع من الشهر الجاري. كما نقلت تحذيرَ نخبةٍ من المفكرين الإسلاميين، من بينهم جنرالات ووزراء سابقون، من أن أيَّ تأجيل في موعد هذه الانتخابات سيكون من شأنه خلْقُ حالة فراغ في البلاد، ربما تقود إلى استيلاء العسكرية على السلطة. مشيرة أيضًا إلى الاتهامات التي وجهتها هيئة مراقبة الفساد في إندونيسيا (ICW ) للجنة العليا للانتخابات بتقديم معلومات مغلوطة للأحزاب عن التبرعات السياسية، حيث يخضع الحد القانوني إلى مجمل قيمة التبرعات التي يتلقاها كل حزب، وليس قيمة كل عملية تحويل.
هذه المشاكل لم تكن مفاجئة؛ فقد سبقتها ’’حالة مزاحية كئيبة، ومشكلات لوجستية هائلة’’ على حد وصف صحيفة ’’جاكارتا بوست’’؛ نتيجة الأخطاء المطبعية في أوراق الاقتراع، ونقصان عددها، وإرسال بعضها خطأً لغير وِجْهَتِهَا، ومشكلات نقل المعدات الانتخابية، أرجعها المراقبون كلها إلى عدم كفاءة لجنة الانتخابات العامة الحالية.
بل هناك مشاكل تعود للعام الماضي، تحدثت عنها صحيفة ’’سيترايت تايمز’’ تحت عنوان (أشباح الماضي تَنْتَابُ الانتخابات)، أطلَّت هذا العام مزاعم أخرى تتحدث عن تزوير في انتخابات العام الماضي في إقليم ’’جافا الشرقية’’، شملت أكثر من 300،000 صوت زائف، مما يثير الشكوك حول شرعية هذه الانتخابات.
معركة التَّحَالُفَات
وأشارت ذي إيكونوميست إلى أن معضلة الرئيس ’’يوديونو’’ الكبرى تكمن في أنه مضطر لاختيار حلفاءَ له في البرلمان؛ حيث ينص للدستور الإندونيسي على أن المرشح للانتخابات الرئاسية يجب أن يحصل على دعم من حزب أو تحالف حزبي يمتلك 12 مقعدًا على الأقل في البرلمان الذي يضم 560 مقعدًا. ويبدو أن ’’يوسف كالا’’ رئيس حزب ’’جولكار’’ سيكون هو الخيار الأوفر حظًا، لاسيما بعد اجتماعه مع ’’يودويونو’’ في مقر إقامته في ’’بوجور’’ في ’’جاوا الغربية’’ بعد ظهور نتائج الانتخابات.
وهنا تطفوا مشكلة أخرى تكمن في انقسام حزب ’’جولكار’’ من الداخل، لذلك يُتوقَّع ألا يتخذ ’’يودويونو’’ قرارًا أخيرًا، ريثما ينتهي حزب ’’جولكار’’ من قتاله العنيف.
مشكلة ثالثة سلطت عليها الضوء صحيفة ’’وول ستريت جورنال’’ تتلخص في أن هذا التحالف إذا تم سيفرض على حزب ’’جولكار’’ التخلي عن طموحه بتقديم مرشح خاص في الانتخابات الرئاسية القادمة. فيما لم تستبعد الصحيفة أن يعقد الديمقراطيون تحالفًا مع حزب ’’العدالة والرفاه’’ ذي الجذور الإسلامية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن المحلل السياسي ’’كيفين أورورك’’، قوله: ’’إن نتائج هذه الانتخابات أفرزت برلمانًا منقسمًا، وهو ما يصعِّب المهمة على ’’يودويونو’’ للدفع باتجاه الإصلاحات الضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل إعادة النظر في البيروقراطية الإندونيسية، كثيرة المتاهات. ورغم فوز الديمقراطيين، فإن النتائج التي حصدوها تعتبر مخيبة للآمال’’.
وأضافت الصحيفة في مقال للكاتب ’’توم رايت’’ تحت عنوان (ما بعد الانتخابات، بداية محادثات التحالف في إندونيسيا) أن هذه المعضلة التي يواجهها وزير الأمن السابق الجنرال المتقاعد، ورئيس الحزب الديمقراطي ’’سوسيلو بامبانغ يودهويونو’’، لم تكن مفاجئة بالنسبة له، فهو الذي اعترف حتى قبل انعقاد الانتخابات بأنه سيكون بحاجة إلى هذا التحالف.
صيدٌ في الماء العَكِر
وتحت عنوان (إندونيسيا تتجه بثبات صوب السياسة العلمانية) توصلت الأمريكية روبن شولمان، في صحيفة ’’واشطن بوست’’ إلى استنباط مفاده أن عدم تصويت بعض المُحَجَّبَات للإسلاميين يُعتبر ابتعادًا للبلاد عن أُسُسِهَا الإسلامية! رغم أنها أقرت في الوقت نفسه بأن ’’استطلاعات الرأي تشير إلى زيادة تمسك الإندونيسيين بالإسلام في حياتهم الخاصة’’.
واستشهدت الصحيفة بـ ’’إحدى الطالبات المحجَّبات، وتُدعَى ’’صفية’’، ترتاد المدرسة الإسلامية، وتؤدي الصلوات الخمس، ومقتنعة بفكرة قيام المجتمع على الأسس الإسلامية’’، لكنها في الوقت ذاته قررت ألا تصوِّت للإسلاميين في أول انتخابات تشارك فيها بعدما بلغت الثامنة عشر من عمرها.
وتضيف الصحيفة: ’’في الوقت الذي يكسب فيه الإسلام السياسي أرضية واسعة على مستوى العالم، فإنه على النقيض لم يحقق نجاحًا انتخابيًا كبيرًا في إندونيسيا’’.
وكالة ’’رويترز’’ العالمية للأنباء، لم تخرج عن هذا التحليل، حيث نشرت تقريرًا حول تبني بعض السياسيين لقضية تعدُّد الزوجات، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك –على حد قولها ـ على أصوات الناخبات الإندونيسيات’’، بعدما أعدَّتْ بعضُ الحركات النَّسَوِيَّةِ قائمةً جمعت فيها أسماءَ العديد من السياسيين الإسلاميين المتزوجين من أكثر من واحدة، في محاولة لتشويه صورتهم قبل الانتخابات.
لكن النتائج الأولية أظهرت فشل هؤلاء النسوة في مهمتهن، وخطأ الاستنباط الذي خرجت به الأمريكية ’’روبن شولمان’’، في صحيفة ’’واشطن بوست’’، لاسيما بعد أن حصد حزب ’’العدالة والرفاه’’ في هذه الانتخابات أصواتًا أكثر مما حصل عليها في الانتخابات الأخيرة عام 2004.
نصيحةٌ وتحذيرٌ
ووسط هذا الخِضَمِّ المتلاحِق من الأحداث، في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 212 مليون نسمة، تَفُوقُ نسبة المسلمين فيها الـ 90%؛ وهي بذلك تكون أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، نقلت وكالة ’’أنتارا’’ الإندونيسية الحكومية للأنباء، نصيحة للأحزاب المقبلة على تشكيل تحالفات سياسية، على لسان ’’هدايات نور واحد’’، زعيم حزب ’’العدالة والرفاه’’ الإسلامي، جاءت تحت عنوان (التحالف لا ينبغي أن يكون فقط من أجل تقاسم السلطة). قال فيها: ’’ينبغي على الأحزاب السياسية ألا تشكِّل تحالفاتها من أجل تقاسم السلطة فقط، بل لضمان أن تستطيع أصوات الناخبين مساندة برنامج الرئيس المنتخب’’. مضيفًا: ’’لقد أظهرت التجربة أن برنامج الرئيس المنتخب ونائبه يمكن عرقلتها إلى حدٍّ كبيرٍ عبْر قضايا سياسية إذا لم تساند الحكومة أغلبية برلمانية قوية’’. لذلك يرى ’’واحد’’ أن التحالف ينبغي أن يكون قويًا بشكل كافٍ؛ ليتمكَّنَ من مساندة برنامج الحكومة’’.
أما صحيفة ’’جاكارتا بوست’’ فحذَّرت مما يسميه البعضُ ’’التصويتَ بالإكراه’’، فقد يفاجَأُ بعضُ الناخبين بأن الأحزاب التي صوَّتُوا لها تسعى للتحالف مع أحزاب أخرى لا تَرُوقُ لهم، وبذلك يشعرون بأن أصواتهم ذهبت إلى حيث لا يريدون. لكن هذه التحالفات ليست أمرًا جديدًا في حَلَبَةِ الانتخابات، وكما يقول رئيس الوزراء البريطاني ’’لورد بالميرستون’’: ’’لا يوجد هناك تحالفٌ أبديٌّ، ولا عدوٌّ دائمٌ. وحدَهَا المصالحُ هي الدائمةُ والمستمرَّةُ، وهو الأمر الذي يجعل عدوَّ عدويِّ صديقي’’.
هذه الروح الرياضية التي يتحدث بها ’’بالميرستون’’ لم تَرُق لبعض السَّاسَةِ الإندونيسيين الذين أقدم أحدهم على الانتحار، فيما تُوفي اثنان آخران؛ نتيجة إصابتهما بأزمة قلبية عقب خسارتها في الانتخابات، أما البعض الآخر فقد اتَّجه صوبَ مستشفيات الأمراض العقلية، أو لأحد خبراء الطب الشعبي المتخصصين في الأمراض النفسية، ولا غرْوَ أن يفعلوا ذلك بعدما قاموا ببيع ممتلكاتهم الماديَّة للإنفاق على حملاتهم الانتخابية!
.البشير
علاء البشبيشي
عَقدت إندونيسيا، أكبر الديمقراطيات في جنوب شرق آسيا، انتخاباتِها العامّة في التاسع من أبريل الجاري، وهي الثالثة في البلاد منذ سقوط سوهارتو عام 1998، لتُحدِّد نتائجها الأحزابُ التي ستتأهل لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في الثامن من يوليو المقبل.
وقد سمحت المحكمة الدستورية بنشر نتائج الفرز السريع، احترامًا لمبدأ حرية المعلومات، بحسب مجلة ’’فوربس’’ الأمريكية، أما النتائج الرسمية فمن غير المتوقع الإعلان عنها قبل 9 مايو المقبل. وتصبّ هذه النتائج المبدئية في مصلحة الرئيس الإندونيسي ’’سوسيلو بامبنغ يودويونو’’ وحزبه الديمقراطي؛ حيث تضاعفت أعداد الأصوات التي حصل عليها الحزب الديمقراطي 3 أضعاف مقارنةً بالانتخابات الماضية التي انعقدت في العام 2004، ليحتلّ بذلك موقع الصدارة من بين 38 حزبًا- معظمها أحزاب صغيرة- شاركت في الانتخابات الإندونيسية التي دُعِي إليها قرابة 170 مليون ناخب لاختيار مُمَثّليهم من بين أكثر من 1.6 مليون مرشح تنافسوا على مقاعد مجلسَي البرلمان وآلاف المقاعد في المجالس التشريعية المحلية.
وتحت عنوان (نتائج الانتخابات الإندونيسية.. رابحٌ واحد وخاسرون كُـثُر)، قالت مجلة ’’ذي إيكونوميست’’: إنّ الرابح في هذه الانتخابات هو الحزب الديمقراطي الحاكم- على الرغم من نتائجه المتواضعة- بجانب خاسرين كُـثُر، ذكرت على رأسهم حزب ’’جولكار’’ الذي يُعَدّ أكبر حزب في البلاد الآن، والذي تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها بقرابة 6% بعدما حصد على 13.5% فقط من الأصوات، وهي تقريبًا نفس النتيجة التي حصل عليها حزب النضال الديمقراطي الذي تتزعمه الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري (14،5% مقارنة بـ18،3%، حصل عليها في الانتخابات السابقة عام 2004).
ورغم أنّ الأحزاب الإسلامية شهدت تراجعًا من 39% إلى 29،5% في نسبة التصويت لصالحها، شذَّ حزب ’’العدالة والرفاه’’ ذو الجذور الإسلامية، عن هذه القاعدة، حيث حلّ رابعًا بنسبة 8،4% من الأصوات، بتقدُّم عن آخر نتائجه عام 2004 والتي حصد خلالها 7،9% من الأصوات.
ألف خَرْق!
ووصفت الأسبوعية البريطانية هذه الانتخابات بأنها ’’مضطربة’’؛ مستشهدةً بما يربو على ألف خرق انتخابِيٍّ تَمّ رصدُه في هذه الانتخابات- في أكثر من 31 إقليمًا- وتحديدًا 936 تجاوزًا أعلنت عنها هيئة الإشراف على الانتخابات، وفق ما نشرته وكالة أنباء ’’شينخوا’’ الصينية. وهو ضعف ما تَمّ رصده في انتخابات العام 2004. ورغم الصراخ الذي أطلقه بعض الخاسرين ـ والذي لم يستند كثير منه لدليل ـ فغالبًا لن يتم إلغاء نتائج هذه الانتخابات.
وتمثلت أبرز هذه المشكلات في ’’قوائم الناخبين’’ وفق ما نقلته صحيفة ’’جاكارتا جلوب’’ عن رئيس هيئة الإشراف الانتخابي، نور هدايات سارديني، بالإضافة إلى مراكز الاقتراع المُزَوَّرة التي انعقدت في عدد من المدن الإندونيسية.
وفي لقطاتٍ سريعة عن بعض المشاكل الانتخابية، تحدث موقع ’’لندن ساوث إيست’’ عن 13 مليون ورقة اقتراع مفقودة أو تالفة أو لم تكن قد سُلِّمت بعدُ إلى المراكز الإقليمية بحلول الرابع من الشهر الجاري. كما نقلت تحذيرَ نخبةٍ من المفكرين الإسلاميين، من بينهم جنرالات ووزراء سابقون، من أن أيَّ تأجيل في موعد هذه الانتخابات سيكون من شأنه خلْقُ حالة فراغ في البلاد، ربما تقود إلى استيلاء العسكرية على السلطة. مشيرة أيضًا إلى الاتهامات التي وجهتها هيئة مراقبة الفساد في إندونيسيا (ICW ) للجنة العليا للانتخابات بتقديم معلومات مغلوطة للأحزاب عن التبرعات السياسية، حيث يخضع الحد القانوني إلى مجمل قيمة التبرعات التي يتلقاها كل حزب، وليس قيمة كل عملية تحويل.
هذه المشاكل لم تكن مفاجئة؛ فقد سبقتها ’’حالة مزاحية كئيبة، ومشكلات لوجستية هائلة’’ على حد وصف صحيفة ’’جاكارتا بوست’’؛ نتيجة الأخطاء المطبعية في أوراق الاقتراع، ونقصان عددها، وإرسال بعضها خطأً لغير وِجْهَتِهَا، ومشكلات نقل المعدات الانتخابية، أرجعها المراقبون كلها إلى عدم كفاءة لجنة الانتخابات العامة الحالية.
بل هناك مشاكل تعود للعام الماضي، تحدثت عنها صحيفة ’’سيترايت تايمز’’ تحت عنوان (أشباح الماضي تَنْتَابُ الانتخابات)، أطلَّت هذا العام مزاعم أخرى تتحدث عن تزوير في انتخابات العام الماضي في إقليم ’’جافا الشرقية’’، شملت أكثر من 300،000 صوت زائف، مما يثير الشكوك حول شرعية هذه الانتخابات.
معركة التَّحَالُفَات
وأشارت ذي إيكونوميست إلى أن معضلة الرئيس ’’يوديونو’’ الكبرى تكمن في أنه مضطر لاختيار حلفاءَ له في البرلمان؛ حيث ينص للدستور الإندونيسي على أن المرشح للانتخابات الرئاسية يجب أن يحصل على دعم من حزب أو تحالف حزبي يمتلك 12 مقعدًا على الأقل في البرلمان الذي يضم 560 مقعدًا. ويبدو أن ’’يوسف كالا’’ رئيس حزب ’’جولكار’’ سيكون هو الخيار الأوفر حظًا، لاسيما بعد اجتماعه مع ’’يودويونو’’ في مقر إقامته في ’’بوجور’’ في ’’جاوا الغربية’’ بعد ظهور نتائج الانتخابات.
وهنا تطفوا مشكلة أخرى تكمن في انقسام حزب ’’جولكار’’ من الداخل، لذلك يُتوقَّع ألا يتخذ ’’يودويونو’’ قرارًا أخيرًا، ريثما ينتهي حزب ’’جولكار’’ من قتاله العنيف.
مشكلة ثالثة سلطت عليها الضوء صحيفة ’’وول ستريت جورنال’’ تتلخص في أن هذا التحالف إذا تم سيفرض على حزب ’’جولكار’’ التخلي عن طموحه بتقديم مرشح خاص في الانتخابات الرئاسية القادمة. فيما لم تستبعد الصحيفة أن يعقد الديمقراطيون تحالفًا مع حزب ’’العدالة والرفاه’’ ذي الجذور الإسلامية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن المحلل السياسي ’’كيفين أورورك’’، قوله: ’’إن نتائج هذه الانتخابات أفرزت برلمانًا منقسمًا، وهو ما يصعِّب المهمة على ’’يودويونو’’ للدفع باتجاه الإصلاحات الضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل إعادة النظر في البيروقراطية الإندونيسية، كثيرة المتاهات. ورغم فوز الديمقراطيين، فإن النتائج التي حصدوها تعتبر مخيبة للآمال’’.
وأضافت الصحيفة في مقال للكاتب ’’توم رايت’’ تحت عنوان (ما بعد الانتخابات، بداية محادثات التحالف في إندونيسيا) أن هذه المعضلة التي يواجهها وزير الأمن السابق الجنرال المتقاعد، ورئيس الحزب الديمقراطي ’’سوسيلو بامبانغ يودهويونو’’، لم تكن مفاجئة بالنسبة له، فهو الذي اعترف حتى قبل انعقاد الانتخابات بأنه سيكون بحاجة إلى هذا التحالف.
صيدٌ في الماء العَكِر
وتحت عنوان (إندونيسيا تتجه بثبات صوب السياسة العلمانية) توصلت الأمريكية روبن شولمان، في صحيفة ’’واشطن بوست’’ إلى استنباط مفاده أن عدم تصويت بعض المُحَجَّبَات للإسلاميين يُعتبر ابتعادًا للبلاد عن أُسُسِهَا الإسلامية! رغم أنها أقرت في الوقت نفسه بأن ’’استطلاعات الرأي تشير إلى زيادة تمسك الإندونيسيين بالإسلام في حياتهم الخاصة’’.
واستشهدت الصحيفة بـ ’’إحدى الطالبات المحجَّبات، وتُدعَى ’’صفية’’، ترتاد المدرسة الإسلامية، وتؤدي الصلوات الخمس، ومقتنعة بفكرة قيام المجتمع على الأسس الإسلامية’’، لكنها في الوقت ذاته قررت ألا تصوِّت للإسلاميين في أول انتخابات تشارك فيها بعدما بلغت الثامنة عشر من عمرها.
وتضيف الصحيفة: ’’في الوقت الذي يكسب فيه الإسلام السياسي أرضية واسعة على مستوى العالم، فإنه على النقيض لم يحقق نجاحًا انتخابيًا كبيرًا في إندونيسيا’’.
وكالة ’’رويترز’’ العالمية للأنباء، لم تخرج عن هذا التحليل، حيث نشرت تقريرًا حول تبني بعض السياسيين لقضية تعدُّد الزوجات، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك –على حد قولها ـ على أصوات الناخبات الإندونيسيات’’، بعدما أعدَّتْ بعضُ الحركات النَّسَوِيَّةِ قائمةً جمعت فيها أسماءَ العديد من السياسيين الإسلاميين المتزوجين من أكثر من واحدة، في محاولة لتشويه صورتهم قبل الانتخابات.
لكن النتائج الأولية أظهرت فشل هؤلاء النسوة في مهمتهن، وخطأ الاستنباط الذي خرجت به الأمريكية ’’روبن شولمان’’، في صحيفة ’’واشطن بوست’’، لاسيما بعد أن حصد حزب ’’العدالة والرفاه’’ في هذه الانتخابات أصواتًا أكثر مما حصل عليها في الانتخابات الأخيرة عام 2004.
نصيحةٌ وتحذيرٌ
ووسط هذا الخِضَمِّ المتلاحِق من الأحداث، في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 212 مليون نسمة، تَفُوقُ نسبة المسلمين فيها الـ 90%؛ وهي بذلك تكون أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، نقلت وكالة ’’أنتارا’’ الإندونيسية الحكومية للأنباء، نصيحة للأحزاب المقبلة على تشكيل تحالفات سياسية، على لسان ’’هدايات نور واحد’’، زعيم حزب ’’العدالة والرفاه’’ الإسلامي، جاءت تحت عنوان (التحالف لا ينبغي أن يكون فقط من أجل تقاسم السلطة). قال فيها: ’’ينبغي على الأحزاب السياسية ألا تشكِّل تحالفاتها من أجل تقاسم السلطة فقط، بل لضمان أن تستطيع أصوات الناخبين مساندة برنامج الرئيس المنتخب’’. مضيفًا: ’’لقد أظهرت التجربة أن برنامج الرئيس المنتخب ونائبه يمكن عرقلتها إلى حدٍّ كبيرٍ عبْر قضايا سياسية إذا لم تساند الحكومة أغلبية برلمانية قوية’’. لذلك يرى ’’واحد’’ أن التحالف ينبغي أن يكون قويًا بشكل كافٍ؛ ليتمكَّنَ من مساندة برنامج الحكومة’’.
أما صحيفة ’’جاكارتا بوست’’ فحذَّرت مما يسميه البعضُ ’’التصويتَ بالإكراه’’، فقد يفاجَأُ بعضُ الناخبين بأن الأحزاب التي صوَّتُوا لها تسعى للتحالف مع أحزاب أخرى لا تَرُوقُ لهم، وبذلك يشعرون بأن أصواتهم ذهبت إلى حيث لا يريدون. لكن هذه التحالفات ليست أمرًا جديدًا في حَلَبَةِ الانتخابات، وكما يقول رئيس الوزراء البريطاني ’’لورد بالميرستون’’: ’’لا يوجد هناك تحالفٌ أبديٌّ، ولا عدوٌّ دائمٌ. وحدَهَا المصالحُ هي الدائمةُ والمستمرَّةُ، وهو الأمر الذي يجعل عدوَّ عدويِّ صديقي’’.
هذه الروح الرياضية التي يتحدث بها ’’بالميرستون’’ لم تَرُق لبعض السَّاسَةِ الإندونيسيين الذين أقدم أحدهم على الانتحار، فيما تُوفي اثنان آخران؛ نتيجة إصابتهما بأزمة قلبية عقب خسارتها في الانتخابات، أما البعض الآخر فقد اتَّجه صوبَ مستشفيات الأمراض العقلية، أو لأحد خبراء الطب الشعبي المتخصصين في الأمراض النفسية، ولا غرْوَ أن يفعلوا ذلك بعدما قاموا ببيع ممتلكاتهم الماديَّة للإنفاق على حملاتهم الانتخابية!
.البشير