مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ماذا يقرأ مسلمو الغرب؟
ماذا يقرأ مسلمو الغرب؟

نصر الدين الدجبى

هولندا- يعيش في أوربا أكثر من خمسين مليون مسلم، يتوزعون على مختلف بقاعها الممتدة. ويصنّف هؤلاء المسلمون إلى ثلاث فئات هي:

1- أوربيون مسلمون: مر على دخولهم الإسلام سنوات طويلة، ولم يعد بالإمكان فصلهم عن تركيبة المجتمع الذي يعيشون فيه رغم محاولات ’’التطهير’’ العرقي التي مرت عليهم، وخاصة في أوربا الشرقية والجنوبية.

2- مَن يُطلق عليهم ’’المسلمون الجدد’’: وهم من أهل البلد ممن أسلموا عن طريق دعوة المسلمين لهم، أو عن طريق دراستهم للإسلام واقتناعهم به، أو عن طريق الاحتكاك بالمسلمين، والزواج منهم بالنسبة للنساء. وهذا النوع من المسلمين يزيد عددهم باطراد في أوربا كلها.

3- المهاجرون من الجنوب إلى الشمال خلال القرن العشرين الذين أصبحوا من المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي والثقافي الحالي لهذه المجتمعات الأوربية، بعد أن توطنوا فيها بإسلامهم.

وقد أثارت سياسة العولمة وأحداث 11 سبتمبر رغبة لدى الأوربيين وغيرهم لمعرفة الإسلام، كما زادت هذه الرغبة أيضًا عند الأقليات المسلمة التي تعيش في الغرب للتدقيق في معرفة إسلامها من خلال مصادر معرفة الإسلام التي بدأت بالنقول والدراسات الاستشراقية، مرورًا بما حملته الهجرات وتوطين المسلمين على هذه الأراضي، وصولا إلى عالم العولمة من فضائيات ومواقع شبكة المعلومات، إلى الكتب المترجمة، وغيرها من مظاهر تدفق المعلومات.

تباين في المصادر المعرفية

يؤكد استطلاع قمنا به بين عدد من المسلمين في هولندا من فئة الشباب من الصنفين (الرجال والنساء) أن ’’الإنترنت’’ والكتب المترجمة من العربية يمثلان 55% من مصادر معارفهم الإسلامية، في حين يعتقد المستطلعون أن الاستشراق والإعلام الهولندي لا أثر له عليهم، ولا يمثل سوى 4% من معارفهم الإسلامية. كما يؤكد الاستطلاع أن أثر الأئمة على معارف الشباب لا يزيد عن 10%، في حين ما زالت تلعب المعارف السمعية والموروث الأبوي والأصدقاء دورًا مهمًّا وصل إلى 28%. كما تأخذ الفضائيات العربية ذات التوجه الدعوي والبرامج الدعوية موقعًا لها بين الشباب المسلم في الغرب.

غير أن هذا الاستطلاع لم يشمل الجيل الأول من المهاجرين الذين لهم توجه آخر في تحصيل معارفهم الإسلامية والثقافية، وهي شريحة ما زالت تمثل حوالي 50% من المهاجرين. وهذه الشريحة تعيش على مكتسبات وتحصيل ما تلقوه من مجتمعاتهم التي جاءوا منها، ولا يزال المسجد عندهم من الأهمية بمكان لما يقوم به الأئمة في المساجد من تأطير لهذه الفئة، ولما يجدونه من تناغم مع خطاب الإمام الذي يتسم -في غالبيته- بالاقتراب من فئة الجيل الأول أكثر من اقترابه من فئة الجيل الثاني. إذ لا يزال المسجد والإمام يلعبان دورًا مهمًّا في المحافظة على نسيج معين للجالية المسلمة بغض النظر عن الانقسامات القطرية والطائفية والمذهبية، وانعكاسات ذلك على وضع المسلمين في الغرب. فالمسجد ما زال يقوم بدور فعال في الحفاظ على هوية هذه الشريحة، لما تقوم به مؤسسة المسجد من تنظيم لدروس توعوية وتعبوية، ولمتابعة حاجة أبناء المصلين بإقامة دورات شرعية، وتعليم الأطفال القرآن واللغة العربية والثقافة الإسلامية.

مؤسسات تعليمية وتربوية

قد تكون الفترة الطويلة التي قضاها المسلمون في الغرب كفيلة بإنشاء عدد من المؤسسات التعليمية والنوادي الثقافية التي اتسع دورها في العقد الأخير، نظرًا للتطورات التي تشهدها المجتمعات المسلمة في الغرب، ولعل آخرها إنشاء المؤسسات التعليمة الإسلامية الخاصة والتي تمولها الحكومات في بعض الدول.

تطرح هذه المؤسسات التعليمية نفسها بديلا عن النظام التعليمي اللاديني أو المسيحي أو اليهودي المنتشر في عدد من دول الغرب، وتعتمد هذه المؤسسات التعليمية على منهج الدولة، مع إضافة برنامج تكميلي قد لا يجده الطالب المسلم في المدارس الحكومية العامة. كما تركز غالبية هذه المؤسسات على تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية، ويقوم على هذه المهمة معلمون ممن درسوا وتعلموا في الدول العربية والإسلامية، ويتعاون الأكاديميون المسلمون مع تلك المدارس والمعاهد لإعطاء حصص تعليمية ووضع برنامج تكميلي لأبناء المسلمين في خطوة نحو إيجاد التوافق بين الاندماج والهوية. وفي خطوة جريئة وعملاقة بدت في الأفق بوادر جامعات ومعاهد إسلامية.

كما كان لهذه المؤسسات التعليمية والتربوية أثرها في وجود المكتبة الإسلامية التي احتواها عدد من الجامعات، مثل مكتبة جامعة روتردام ومكتبة جامعة أوربا في هولندا اللتين تحويان أكثر من 20 ألف عنوان لأهم المصادر والمراجع الإسلامية. زد على ذلك المكتبات الكبرى لعدد من المراكز الإسلامية والمؤسسات الثقافية.

’’الرقائق’’ أكثر شيوعًا

وتعتبر كتب الرقائق الأكثر شيوعًا وقراءة بين الشباب المسلم في الغرب، حسبما يذكر مسئولو المكتبات الإسلامية؛ حيث تملأ تلك الكتب الفراغ الروحاني الذي يشعرون به في حياتهم التي يطفو عليها الجانب المادي الذي انبنت عليه الحياة الأوربية بصفة عامة؛ فالجانب الروحي هو الجانب الذي يفتقده المجتمع الغربي بصفة عامة، ويستوي فيه المسلم حديث العهد بالإسلام مع غيره ممن يتعطشون إلى الناحية الروحية.

ويعدد الأستاذ محمود الصيفي -المدرس المساعد لفقه الأقليات بجامعة ’’نمخن’’ بهولندا- العوامل المؤدية إلى جنوح عدد من الشباب إلى كتب الرقائق قائلا: ’’أول هذه العوامل هو غياب مصادر التلقي المقنعة في البيت -هذا إن وجدت المصادر أصلا- ثم إن هذه المصادر يغلب عليها الطابع الثقافي أو القومي أكثر منه الديني، كما أن عائق فقدان لغة التواصل في المسجد بين الإمام ومرتادي المسجد يتسع باطراد، خاصة بين فئة المسلمين الجدد والناشئة الذين تعوزهم اللغة العربية. هذه العوامل وعوامل أخرى تجعل كتب الرقائق المترجمة أو المعدة محليا تحظى بهذه الأهمية’’.

كما يذكر الصيفي أنه إلى جانب الرقائق أيضًا هناك رواج للكتب التي تتناول قضايا تؤرق الشباب؛ كمعرفة مبادئ الإسلام عمومًا، والعلاقة بين الجنسين، ووضع المرأة في الإسلام. ويضيف أن اتجاه الأفراد عادة ما يكون محددًا لنوعية الكتاب الذي يقرءونه.

ترجمة عشوائية قاصرة

ويرى الصيفي أن ’’هذه الكتب المترجمة إلى الآن لا تستجيب للواقع المعيش، ولا ترقى لمستوى التحدي الثقافي والفكري المفروض على الأقلية المسلمة. فليست هناك انتقائية في المادة المترجمة بما يتجاوب مع معطيات هذا الواقع بتعقيداته الثقافية والاجتماعية والقانونية المختلفة؛ فغالبية الكتب المترجمة لا تراعي هذه القضايا، وخصوصًا إذا كانت من خلفية ثقافية أو من بيئة تختلف في مكوناتها عن تلك البيئة التي يترجَم لها’’.

ويؤكد الصيفي -مدرس فقه الأقليات بجامعة ’’نمخن’’ بهولندا- أن الرقائق وحدها لا تكفي، وإن كانت مطلوبة بلا شك لتقوية الإيمانيات، لكن الإغراق فيها قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الأحيان؛ حيث يخلق نوعًا من العزلة اللاشعورية عن الواقع الذي لا تكاد توجد فيه أشباه هذه النماذج المسطرة على الصفحات، وهذا يخلق نوعًا من السلبية والإحباط عند المقارنة مع الواقع، والمطلوب أن نوجد توافقًا بين التدين والانتماء لهذا المجتمع، لا الانعزال عنه’’.

الإنترنت ملاذ المتعطشين

الإنترنت ملاذ المتعطشين للمعرفة
ومع ذلك فإن الواقع يظل يثبت لنا بما ليس فيه مجال للشك أن الإنترنت تحولت إلى سمكة ابتلعت الكل، بما في ذلك الكتب، وأصبحت المصدرَ الأكثر أهمية في الحصاد المعرفي. والإسلام أحد هذه المعارف؛ فالاطلاع على الإسلام واتجاهاته المختلفة هو النافذة الأكثر استقطابًا والمقدور عليها في الغرب، خاصة بين الشباب الذين يتعاملون معها في البيت والمدرسة والعمل وفي مواقع الترفيه، كلٌ يمكن أن يجد فيها مطلبه. وهي في الوقت نفسه ملاذ للمتعطشين للبحث والمعرفة. ويقول الخبراء: إن التاريخ البشري لم يعرف وسيلة أخذت وقت الشباب في الغرب مثل الإنترنت في عصرنا. والشباب المسلم في الغرب جزء من هذه الظاهرة التي تستميلهم لإشباع البعد المعرفي في مختلف الجوانب. ولأن المسلمين لا يمثلون فكرًا واحدًا ولا مذهبًا واحدًا، ولا يعتمدون منهجًا واحدًا؛ فإنهم بمختلف اتجاهاتهم يجدون في الإنترنت ما يشبع حاجتهم المعرفية الدينية.

وترى عدة دراسات أن الإنترنت بقدر ما هي مصدر معرفة مهم فإنها الأخطر من جهة نوعية المعلومة وطرق وأسلوب تقديمها. ففقدان الرقابة وضعف الوعي لدى عدد من مبحريها يؤدي غالبًا إلى غير المراد، ومن هنا ينشأ التميع والانحلال كما ينشأ الغلو والتطرف.

رسالة الفضائيات مستوردة

بدت الفضائيات في السنوات الأخيرة مصدرًا مهمًّا في نقل ونشر المعلومات، وأكثر فاعلية وانتشارًا من غيره. كما بدا التعامل مع هذا الوسيط الجديد يطرح نفسه بجدية أكثر في مجال جمع المعلومات والبحث عن حلول على الهواء لإشكاليات تعترض المسلمين في الغرب.

كما أن الفضائيات في متناول الكبار والصغار على السواء، يتابعون من خلالها البرامج الدينية المختلفة، ويبحثون عن الفتاوى على الهواء. ويعد انتشارها ظاهرة لافتة للنظر؛ إذ لا يكاد يخلو بيت مسلم في الغرب من صحن فضائي يلتقط من خلاله القنوات المختلفة وباللغات المختلفة وفي الموضوعات المختلفة.

ويذكر الدكتور تيسير الآلوسي -أستاذ الأدب العربي- أن تأثير الفضائيات العربية على الجمهور الموجود في الغرب كبير ومتنوع، وهو على تماس مباشر مع أجواء مختلفة، إلا أنها ليست على مستوى تقني وتعبوي مكتمل، وتشوبها كثير من النواقص على مستوى الأداء، كما تتحكم فيها ظروف محلية محكومة بسياسات محددة في كثير من الأحيان. كما أن ضعف قدرتها على التنسيق، وضعف صلاتها بالجاليات في الغرب يضع العراقيل أمام تفعيلها بطريقة إيجابية.

ويضيف الآلوسي: ’’إن الفضائيات تمتلك أدوارًا تأثيرية، ولكن أحيانًا سلبية، بخاصة عند تعلق الأمر بالإسلام والمسلمين؛ لأنها تعتمد خطابًا جامدًا لا يتفاعل مع واقع يمتلك حراكه الخاص والمميز، وهي عدا ذلك تعكس خليطًا من أرضية ليست متنوعة؛ بل مختلفة متناقضة أحيانًا؛ وهو ما يجعل التأثير السلبي قائمًا، ويجرها بعيدًا عن الاعتدال والوسطية، في وسط حالة من عدم التدقيق في قراءة الوضع الإعلامي ودراسته موضوعيًّا وعلميًّا؛ حيث يعتمد قراءات متعجلة لغير المتخصصين’’.

الاستشراق ومشكلاته

لقد تناولت أقلام المستشرقين الغربيين خلال القرنين الماضين بالدراسة والتحليل مختلف العلوم الإسلامية، وألّفت في ذلك كتبا وأعدت دراسات، وإن بدا تركيزهم منصبًّا بالأساس على الجانب التاريخي والفلسفي أكثر. غير أن مؤاخذات كثيرة يطرحها عدد من الأكاديميين والمتخصصين في الفكر الاستشراقي؛ أهمها غياب الحيادية في الغالب، واعتماد أسلوب التشكيك، وتنزيل مناهج نقدية مجردة عن الخلفية الثقافية للمادة المراد دراستها؛ وهو ما دعا عددًا كبيرًا من المسلمين إلى عدم التسليم بالنتائج التي وصل إليها الفكر الاستشراقي، والنظر إلى الإنتاج الاستشراقي بمزيد من الريبة والشك لكل ما يكتبونه وما كتبوه؛ وهو ما استوجب من الاستشراق الحديث البحث عن مداخل جديدة يستطيع من خلالها رفع الغشاوة التي وضعت على إنتاجه بالعمل تحت مسميات جديدة.

أما عن دور الاستشراق في تشكيل عقل المسلم في الغرب، وضبط صورة الإسلام لدى الغربيين؛ فيوضحه الدكتور يوحنا مولمان -أستاذ الثقافة الإسلامية في جامعة أوكسفورد- في حديثنا معه قائلا: ’’إن الاستشراق ليس له علاقة مباشرة بالعامة من الناس، ولكن تأثيره غالبًا ما يكون على المتخصصين من الطلبة والمثقفين والباحثين’’.

ويضيف مولمان: ’’إن عددًا من وسائل الإعلام في الغرب تصنع صورة الإسلام في ذهن العامة بما تستقيه من معلومات من الكتب الاستشراقية، وبالتالي يكون التأثير الاستشراقي غير مباشر على العامة، وتأثيره أقوى على المثقفين وصناع الرأي والقرار من ساسة وصحفيين’’.

ضبابية الرسالة

بتنوع المسلمين الذين يعيشون في الغرب -من حيث المستوى العلمي والمعرفي والأصول الجغرافية، ثم من حيث الاتجاه الديني ونوعية التدين الذي تحمله كل مجموعة من جهة، ومدى قابلية القوانين الغربية للتنوع، وقدرة هذه الدول على إدماج المسلمين في نسيج الدورة الاجتماعية التي يعيشون فيها من جهة أخرى- بهذا التنوع تزداد صعوبة التوصل إلى إيجاد مصدر واحد يشبع رغبة الجميع. في مقابل أن التنوع والتدفق الهائل يستوجب الحذر من الرسالة والخطاب الذي لا يراعي الخصوصية للأقليات المتوزعة، ثم يبتعد عن التفعيل الإيجابي لهذه الأقليات، غارقًا في مطبات القضايا الخلافية والفرعية والتركيز على جلد الذات.

كما يتحتم على ملقي الرسالة أن يراعي في رسالته المتلقي المراد إيصال الرسالة إليه؛ فمنهم من لا يتكلمون العربية وليسوا عربًا، أو من تشبعوا بثقافة الغرب ولم يعودوا يحملون من العربية سوى اسمها، أو مَن هم من الأميين الذين تعوزهم آلية فهم اللغة وأبعادها، أو من لا يستطيع أن يُعمِل العقل بشكل سليم. أمّا القلة التي تتوجه الرسالة إليهم مباشرة ممن نهلوا من معين مصادر الإسلام فإنهم ما زالوا مغلولي الأيدي وما زالوا يمثلون الأقلية، ولم يتمكنوا إلى الآن من أن يأخذوا بزمام المبادرة رغم المحاولات التي يبذلونها؛ لاستحواذ الجيل الأول الذي يغلب عليه الأمية وقلة المعرفة على ما يعتقد أنها مكتسبات يخاف أن تؤخذ منه ويسحب منه البساط.

ولأننا في عصر غلبت عليه المظاهر أكثر من الأفكار، وتعددت فيه وسائل التدفق المعرفي التي يقف أمامها الحليم حيرانَ، خاصة مع تحول العالم إلى قرية يلامس فيها الجميع ثقافة الآخر، استوجب علينا أن نستثمر هذا الكم الهائل من الوسائط المتاحة لإيصال الرسالة المرجوة بالطريقة المرجوة إلى المتلقي المرجو، وهذا يكون من الصعوبة بمكان إذا لم نكيف الدعوة بمتغيرات ربما لم تعهدها من قبل، واستثمار ما هو متاح من فرص في سبيل رفع الشبهات، والظهور بمستوى التحدي الذي فرض على الإسلام بعد أن يخرج من دائرته الضيقة ليتصدر اليوم واجهة الأحداث العالمية.

صحفي تونسي الأصل مقيم بهولندا
.إسلام اون لاين
أضافة تعليق