مشروعات الدولة الفلسطينية
اعداد المستشار السياسي
حسين خلف موسى
لم يعد هناك خلافا اليوم في العالم على ان المشكلة الفلسطينية هي لب الصراع العربي الاسرائيلى ، وهذه المشكلة لم تعد مشكلة لاجئين كما حاولت اسرائيل تصديرها لكنها اصبحت واضحة انها مشكلة شعب تم احتلال ارضه واصبحت القضية انه من حق هذا الشعب ان يقرر مصيره بنفسه كما نصت على ذلك المواثيق الدولية والتي كفلت حق تقرير المصير لكل الجماعات القومية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يثير على الفور قضية الدولة الفلسطينية ، وفكره الدولة الفلسطينية مرت بتطورات متعددة في الفكر السياسي العربي بل وفى الفكر السياسي الاسرائيلى ذاته .حسين خلف موسى
مشروعات الدولة الفلسطينية
منذ وعد بلفور والسؤال المطروح ما هو مصير الشعب الفلسطيني ففى ذلك الوعد تم التاسيس لقيام دولة اليهود في فلسطين التاريخية باسم اسرائيل ، وكان على الفلسطينيين والاطراف العربية والدولية ان تتعامل مع هذا التحدي وفى مقدمة هذه التحديات إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، ولم تخلو افكار وتصريحات المسئولين والباحثين المعنيين بالصراع عن تصورات معينة لقيام الدولة الفلسطينية ومن هذه التصورات ما يلى كما ذكره استاذنا الدكتور على الدين هلال في كتابة مشروعات الدولة الفلسطينية والصادر في يناير 1978 مستقبل اقامة الدولة الفلسطينية الى اربعة اتجاهات هي
- الدولة الفلسطينية الواحدة
- الدولة الفيدرالية او ثناية القومية
- الاستيعاب
- التقسيم
أ - اتجاه الدولة الفلسطينية الواحدة :
يقصد بها اقامة دولة ديمقراطية واحدة على ارض فلسطين التاريخية وتضم اليهود والعرب كلهم ويعيشون فيها على قدم المساواة دون تميز وهى توصف بانها دولة علمانية وتمسى الدولة الفلسطينية الديمقراطية وظهرت هذه الفكرة بشكل واضح منذ يناير 1968 وتبنتها حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها عدا حركة حماس
اهم افكار هذا الاتجاه :
- ان هذا الاتجاه جذوره موجوده عقب وعد بلفور بقليل عندما بدا العرب يتصدون لمحاولات الحركة الصهيونية ايفاد المهاجرين اليهود الى فلسطين ورغبة عرب فلسطين في الاستقلال عن الحكم العثماني ولكن ضمن وحدة مع سوريا
- مثال على السابق لمؤتمر السوري لعام 1920 وعرض فيه الميثاق القومي الفلسطيني والذى تضمن المطالبة بوحدة فلسطين مع سوريا وتسمية فلسطين بسوريا الجنوبية ، كما رفض المؤتمر السوري هذا مطالب الحركة الصهيونية بجعل القسم الجنوبي من البلاد السورية ( فلسطين ) وطنا قومي لليهود وجاء في بيان المؤتمر ( اما سكان البلاد من اخواننا اليهود فلهم ما لنا وعليهم ما علينا )
- بعد صدور وعد بلفور وتزايد اعداد اليهود بدا الفلسطينيون في الثلاثينات من القرن الماضي المطالبة باستقلال فلسطين قيام حكومة وطنية تمثل الاغلبية العربية مع بقاء اليهود في داخل هذه الدولة كأقلية تتمتع بكافة الحقوق التي يكفلها القانون ومن الامثلة على ذلك :
- مذكرة حزب الدفاع الى لجنة وردهبد في مايو 1938 والتي تبحث سبل التقسيم حيث تم رفض مبدا التقسيم واشارت الى ان الحل الوحيد هو قيام دولة واحدة ترتبط مع انجلترا ويحتفظ فيها اليهود بنسبتهم العددية الحالية ويتمتعون بكافة حقوقهم الدستورية والقانونية
- كما يردد نفس المطلب في المذكرة التي رفعتها اللجنة العربية العليا الى لجنة التحقيق الانجلو امريكية عام 1946
- وفى اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في عام 1946 رفضت الدول العربية حل مشروعات تقسيم فلسطين وانشاء دولتين كما تم طرح نفس الرأي العربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مناقشات قرار التقسيم في نوفمبر عام 1947
- اعلن منظمة فتح في يناير عام 1968 عن تبنيها لهدف اقامة دولة فلسطين الديمقراطية بالمعنى السالف الذكر وانطلقت من مبدا انه لا يجب حل القضية الفلسطينية على حساب خلق مشكلة يهودية جديدة وانها ضد اى اضطهاد يقع على اليهود ومن ثم فان قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية اصبحت ضرورة
- الحدود الجغرافية للدولة هى فلسطين في عهد الانتداب
- انها دولة تقدمية لا عرقية ولا طائفية وتشكل جزءا من الحركة الوحدوية العربية
- ان مواطني هذه الدولة يشملون كلا من الفلسطينيين والاسرائيليين الذين يختارون العيش في فلسطين في مساواة كاملة
- ان نظام الحكم في هذه الدولة لم تأخذ بأسلوب التمثيل الطائفي او الديني بل دولة موحدة علمانية لا طائفية
- ان هذه الدولة الفلسطينية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية نحو فيدرالية عربية في المستقبل
ب – اتجاه الدولة الفيدرالية ( ثنائية القومية )
والمقصود بها اقامة دولة فيدرالية معترف فيها قانونيا بالحكم الذاتي لكل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي
واهم ملامح هذا المشروع :
هناك قوميتان وشعبان عربي ويهودي لكل منهما حقوق متساوية في اطار دولة موحدة
الاسلوب في اقامة الدولة هو الفيدرالية
تبنى هذا الاتجاه الاسرائيليون وبعض الشخصيات الفلسطينية والدولية
اختفى هذا الحل تماما بعد قيام دولة اسرائيل
والخلفية التاريخية لهذا الاتجاه برز كحل بين صفوف بعض العناصر اليهودية لتقليل مخاوف العرب وجعلهم يقبلون بالهجرة اليهودية ، واول من اقترح هذا المشروع ( زئيف جابونسيكى ) في نهاية عام 1922 ثم الكاتب اوثرروبين والذى كون جمعية ثقافية تدعو الى هذا الحل ثم اعيد اقتراح الدولة الثنائية القومية في اللجنة الخاصة بفلسطين التابعة للامم المتحدة عام 1947 والتي عارضت مشروع الاغلبية الذى دعا الى التقسيم
- اقتراح الامير عبد الله حاكم الاردن الى لجنة ( وردهيد ) عام 1938:
- اقتراح نورى السعيد رئيس وزراء العراق عام 1942:
- المقترحات البريطانية في مؤتمر لندن 1938:
- الكتاب الابيض عام 1939:
- مشروع المملكة المتحدة عام 1972:
- مشروع ايجال الون عام 1975
ج - المشروع الثالث ( الاستيعاب – التوطين )
عرف تراث الصراع العربي الاسرائيلى اتجاها اخر مضاد تبناه فريق من الإسرائيليين يقوم على :
- انكار حق وجود الشعب الفلسطيني والنظر الى القضية الفلسطينية على انها قضية لاجئين وقضية انسانية وليست سياسية او قومية
- برز هذا التيار بوضوح بعد عام 1948 وحتى 1967 ويقصد به تلك الافكار والاتجاهات الفكرية والسياسية التي تتجاهل الحقوق القومية للشعب الفلسطيني وتقدم حلولا تقوم على انكار حقه في تقرير مصيره وقد سيطر هذا الاتجاه الخاص بالاستيعاب على الفكر الاسرائيلى مدعوما بأفكار هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية تحت شعار شعب بلا ارض الى ارض بلا شعب – وقد تبلور هذا الاتجاه في مواقف رسمية وفكرية جوهرها ضرورة استيعاب الفلسطينيين في البلاد العربية التي يعيشون فيها ويمكن تحديد اهم مكونات هذا الموقف فيما يلى :
- انه لا يوجد شعب باسم الشعب الفلسطيني وان فلسطين تاريخيا وجغرافيا وسياسيا لم توجد كوحدة مستقلة بل كانت دائما جزءا من سوريا الكبرى وبالتالي فانه لا مجال للحديث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره . ومن جهة اخرى فان قيام دولة اسرائيل وفقا للفكر الصهيوني هو تطبيق لإرادة الله على الارض لأنها مرتبطة بأحياء التاريخ القديم لليهود ورموزه ( فهم يعتقدون ان دولة اسرائيل هى الوريث الطبيعي والامتداد المنطقي لمملكة داود القديمة واعداء اسرائيل اليوم هم ورثة اعدائها القدامى
- ان اسرائيل ليست مسئولة عن مأساة اللاجئين العرب لان هذه المشكلة سببها تدخل الجيوش العربية في فلسطين في اعقاب اعلان دولة اسرائيل ومن ثم فأنها مسئولية عربية في المقام الاول ومع ذلك لبواعث انسانية فان اسرائيل على استعداد في توطين واستيعاب اللاجئين في البلاد العربية وذلك بواسطة الدعم المالي
- ينبع هذا الاختيار من اعتبارات الضرورة الواقعية والسياسة العملية ويتضمن اقامة دولة فلسطينية الى جوار دولة اسرائيلية وينطلق هذا الفرض الى ان هناك قوميتين متنازعتين في فلسطين التاريخية وكل منها يرى ان له حقوقا تاريخية وسياسية وانه ليس من الممكن ان يتعايشا سويا لذا فان الحل تقسيم الرقعة الجغرافية المسماة بفلسطين التاريخية الى دولتين احدهما عربية والاخرى يهودية
- قد طرح هذا الحل منذ بداية المشكلة الفلسطينية قبل قيام دولة اسرائيل وبلغ ذروته في قرار التقسيم الصادر عام 1947 وفى الوقت الراهن جرى احياء هل الحل ضمن مسيرة السلام التي بدات منذ مؤتمر مدريد 1991 في سياق حل الدولتين
- طرح العديد من المبادرات لحل التقسيم في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلى منها
- اقتراح لجنة بيل عام 1937
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947
- ما بين 1975 الى 1978 بلور الرئيس المصري انور السادات اراءه في ضرورة قيام دولة فلسطينية الى جوار اسرائيل في الضفة وغزة وان هذه الدولة يمكن ان ترتبط بعلاقة مع الاردن في شكل اتحاد كونفدرالي او فيدرالي
ه – المشروع الخامس حل الدولتين :
- حل الدولتين ظهر كمفهوم يتردد في تراث المسيرة السلمية لحل الصراع العربي الاسرائيلى منذ فترة ولاية جورج بوش الابن تحت مسمى خارطة الطريق الصادر عام 2003 وكانت هذه الدعوة امتداد لكل الافكار الواردة في المسيرة السلمية منذ مؤتمر مدريد 1991
- الفكرة الرئيسية لهذا الطرح تقوم على اساس ان الجميع قبل بوجود اسرائيل وفى نفس الوقت بضرورة قيام دولة للفلسطينيين
- ان يعترف الفلسطينيون جميعا بيهودية الدولة الاسرائيلية
- ان يتحقق حدود امنه ومعترف بها لإسرائيل
- ان يجرى اعلانها باتفاق سياسي عربي باعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية والتطبيع معها
- الطريق الى اقامتها التفاوض المباشر بين اطراف الصراع وليس من خلال الامم المتحدة او مجلس الامن
- فقرار التقسيم اعطى للفلسطينيين 45% من مساحة الارض واعطى الاسرائيليين مساحة 55% بينما يجرى التفاهم في حل الدولتين على اقامة دولة فلسطينية على مساحة 22%من الارض
- في قرار التقسيم اعطى اختصاصات السيادة للدولة الفلسطينية بينما حل الدولتين اعطى الدولة الفلسطينية اختصاصات سيادية ناقصة
- كانت الحدود واضحة الى حد كبير في قرار التقسيم بينما لم يتم الاتفاق على حدود حل الدولتين
- لم يكن هناك مستوطنات في 1947 بينما الان اعداد كبيرة من المستوطنات مما يجعل الدولة المنتظرة مثل قطعة الجن السويسري
- ان هذا المقترح تم وفق نظرية الامن الاسرائيلية
- لا تغير في وضع المستوطنات وهو ما تسعى اليه اسرائيل بتغير الواقع على الارض
- القدس يجرى تهويدها واسرائيل تتمسك بالسيادة عليها
- قضية اللاجئين يتم تهميشها واقصائها من الصراع
- الترتيبات الامنية تجعل من الدولة الفلسطينية قاصرة السيادة وخاضعة لاسرائيل
- الحدود لن تكون حدود 67
بعد أن تم استعراض عدد من الأفكار والمشاريع الصهيونية والإسرائيلية نلاحظ أن هناك اختلافاً فيها من حيث الطرح والمضمون، فقبل قيام إسرائيل عام 1948، كان هدف الصهيونية في البداية إيجاد موطئ قدم لهم في فلسطين. ولكن بعد حرب 1948، تغيرت الأفكار، فدعا الصهاينة إلى التجرد من اتفاقيات الهدنة، ونادوا بالسيطرة على كامل فلسطين، وإسكان اللاجئين في الدول العربية، وبعد هزيمة العرب عام 1967، أكد القادة الإسرائيليون الصهاينة عدم تنازلهم عن شبر واحد من الأراضي التي احتلوها عام 1967، وهدفوا من هذا الطرح إلى أن يجروا العرب إلى طاولة السلام لسحب الاعتراف العربي بوجود إسرائيل، فالأفكار والمشاريع التي طرحت كانت نتاجاً لما نلاحظه على أرض الواقع من تعزيز لوجود إسرائيل وتهميش للقضية الفلسطينية.
المراجع
- عصام سخنينى، فلسطين الدولة، جذور المسألة في التاريخ الفلسطيني، منشورات دار الأسوار، عكا، 1986.
- معهد البحوث والدراسات العربية، الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين 1948-1973، (د.ط) جزءان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بيروت 1975
- علي الدين هلال ، مشروعات الدولة اليهودية، (ط1)، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 1978.
- عادل رياض ، الفكر الإسرائيلي حدود الدولة، د.ط ، دار النهضة العربية للنشر، بيروت، 1989.
- مروان جرار، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية (1920-1948، رسالة دكتوراة الجامعة الأردنية، عمان، الأردن، 1997.
- أسعد رزوق، إسرائيل الكبرى- دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، (ط 3)، دار الحمراء للطباعة والنشر، بيروت، 1991.