الدور الإسرائيلي في ازمة سد النهضة
كتب المستشار السياسى
حسين خلف موسى
تعود المطامع الصهيونية في المياه العربية إلي ما قبل إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948م , فمنذ نشوء وتبلور الحركة الصهيونية في نهايات القرن التاسع عشر كتب تيودور هرتزل عن مستقبل المجتمع الإسرائيلي في فلسطين قائلا :"إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة – القديمة هم مهندسو الماء , فعليهم يتوقف كل شي من تجفيف المستنقعات إلي ري المساحات المجدبة وإنشاء معامل توليد الطاقة الكهربائية ومن جانب أخر نجد أن ثوابت الأطماع القديمة – المتجددة للكيان الإسرائيلي في مياه النيل متعددة فعلي الرغم من أن شعار < دولة إسرائيل من النيل إلي الفرات > يعد حلما للكيان الإسرائيلي , فان وثائق التاريخ المعاصر تؤكد أن الحركة الصهيونية وهي في بدايتها انتهزت فرصة وجود قوات الاحتلال البريطاني في مصر , وعمدت إلي الدعوة لتحويل مياه نهر النيل إلي صحراء النقب في فلسطين المحتلة عبر سيناء , حيث تقدم الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل عام 1903 إلي الحكومة البريطانية والي الحكومة المصرية بمشروعة الذي قوبل بالرفض برغم المساعي القوية لتحقيقه , وذلك بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه نهر النيل عبر قناة خاصة لذلك , وكان للموقف الاستعماري البريطاني ونظرته المستقبلية للأوضاع في المنطقة آنذاك أثرة في عدم تحقيق هذا الأمر وترتبط هذه الرؤية الإسرائيلية بالرؤية الأمريكية التي تربط بين ضرورة استغلال الثروات المائية في المنطقة وإعادة توزيعها ، مع عمليات التسوية السياسية في المنطقة ومشاكل نقص المياه في الكيان الإسرائيلي ، وبالتالي فإن قضية المياه ستدخل في إطار قضايا التسوية وإعادة صياغة بناء الوحدات المكونة للنظام الإقليمي في المنطقة / ولذلك تطرح الصفوة الإسرائيلية (التكنوقراط) في إطار تطبيع العلاقات مع مصر وتوزيع الموارد المائية في المنطقة نموذجين للتكامل المائي هما:
(أ) نموذج المهندس اليشع كلي "تاحال": الذي يقوم علي أساس أن مشاكل الكيان الإسرائيلي المائية يمكن حلها عن طريق استخدام 1% من مياه نهر النيل ، وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدي إلي حل بعض مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وإمداد قطاع غزة والكيان الإسرائيلي والضفة الغربية بالمياه
(ب) نموذج "يؤر" أو النيل الأزرق – الأبيض : الذي نادي شاؤول ارلوروف نائب مدير هيئة مياه الكيان الإسرائيلي سابقا ، وذلك بحفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلي سيناء ثم إلي صحراء النقب
ونظرا للموقف المصرى الثابت والرافض لتحويل جزء من مياه النيل الى اسرائيل لما يمثله من مخاطر جمه
و من أهم المخاطر الاقتصادية والإستراتيجية التي يمثلها مشروع نقل مياه نهر النيل إلي الكيان الإسرائيلي ما يلي :
1- تأثر الأمن القومي المصري مائيا وغذائيا بسبب هذا المشروع الذي سيكون علي حساب الاحتياجات الحقيقية للشعب المصري.
2- أن المشروع سيسهم في حل عدد من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الكيان الإسرائيلي كأزمة المياه ، وعدم القدرة علي التوسع الزراعي ، ومحدودية القدرة علي استيعاب المهاجرين ، وهذه عوامل من شأنها وببساطة أن تدعم القوة الإسرائيلية بوجه عام ، وتدعم بالتالي توجهاتها العدوانية والتوسعية.
3- أ ن نجاح هذا المشروع يعني نجاح الكيان الإسرائيلي في إرساء أمر واقع وجديد في المنطقة ، يعد من اخطر أشكال فرض الأمر الواقع علي الإطلاق ، لأنه سيأخذ نوعا من المشروعية والبعد القانوني في ظل التسوية الإسرائيلية – المصرية.
4- ان دول حوض النيل سوف تلغى الاتفاقيات المائية الموقعة مع مصر بحجة خرق مصر لهذه الاتفاقات وخروج مياه حوض النيل خارج دول الحوض وبالتالي سوف يتم اعادة تقاسم حصص المياه بين دول الحوض من جديد وهذا ما تريده اسرائيل والتى ترتبط بعلاقات قوية مع دول حوض النيل قد تمكنها من الحصول على المياه من هذه الدول دون مقابل او بمقابل تقنى من ناحية أخري هناك تخوف من أن يعمد الكيان الإسرائيلي إلي ممارسة ضغوطه بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافه ، وذلك بالإسهام في مشاريع أثيوبية لإنشاء سدود علي نهر النيل الأزرق ، وعندئذ لابد أن يؤدي الأمر إلي توتر في المنطقة بشكل يحقق توقع الدكتور بطرس غالي- وزير الدولة المصري السابق للشئون الخارجية – عندما قال : "إن الحرب المقبلة في الشرق الأوسط بسبب مياه النيل وليس بسبب الاختلافات السياسية"
اسرائيل وتاجيج الصراع المائى في حوض النيل :
1- وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة، وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، وأسفرت العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية عن تهجير أعداد كبيرة من يهود الفلاشا، كما قامت إسرائيل بإنشاء ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج أمثل يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهذه المشاريع ستحرم مصر من 5 مليار م3 من المياه .
2- كما قامت إسرائيل ببناء سد على منشأ أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار م3 من المياه مقابل قيام أثيوبيا بتسهيلات لإسرائيل في جزيرة دهلك وفاتيما لإقامة قواعد عسكرية فيها، تحولت إسرائيل بعدها إلى أرتيريا لقربها من باب المندب، كما بدأت أثيوبيا ترفع دعاوى إعادة توزيع مياه نهر النيل وفق مبدأ عدالة التوزيع، كما أنها لم تشترك حتى الآن في مجموعة الأندوجو الخاصة بالاستفادة من مياه نهر النيل.
3- وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، ، كما قامت إسرائيل ببناء سد على منشأ أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار م3 من المياه مقابل قيام أثيوبيا بتسهيلات لإسرائيل في جزيرة دهلك وفاتيما لإقامة قواعد عسكرية فيها، تحولت إسرائيل بعدها إلى أرتيريا لقربها من باب المندب، كما بدأت أثيوبيا ترفع دعاوى إعادة توزيع مياه نهر النيل وفق مبدأ عدالة التوزيع، كما أنها لم تشترك حتى الآن في مجموعة الأندوجو الخاصة بالاستفادة من مياه نهر النيل
الاهداف الاسرائيلية من تأجيج الصراع المائي في حوض النيل :
ويكمن هدف إسرائيل الثابت من وجودها في هذه المنطقة رغبتها الحصول على مياه النيل ،والضغط على صانع القرار المصري نظرا لحساسية وخطورة (ورقة المياه) في الاستراتيجية المصرية ،حيث تلعب إسرائيل دورا غير مباشر فى صراع المياه بين دول حوض النيل استفادة من نفوذها الكبير فى دول( إثيوبيا – كينيا – رواندا) وينطلق المنطق الإسرائيلي في الحصول على مياه النيل أن ما تريد إسرائيل الحصول على 5 0% من حجم الاستهلاك المصري وهو ليشكل قيمة مهمة في الميزان المائي المصري ،خصوصا وأن هذه الكمية وأكثر منها مستهلكة الآن ،حيث ترى إسرائيل أن هناك فوائض في الري المصري تقدر بحوالي 10مليار متر مكعب فى السنة ، وأن هذه الكمية لن يتم استخدامها قبل اكتمال مشروع قناة جونقلى كما ترى إسرائيل أن المياه المصرية التي تهدر فى البحر المتوسط فى الشتاء (خلال شهري ديسمبر و يناير ) من كل عام بسبب الطلب على المياه لإغراض الكهرباء والملاحة ،ينبغي الاستفادة منها خلال المشروع المقترح لنقل المياه الى إسرائيل من خلال (ترعة السلام ) الى الصحراء النقب ،وتسعى إسرائيل لتحقيق هذا الهدف من خلال الضغط على مصر بالتعاون مع إثيوبيا .
واخيرا :
إن الفجوة المائية في الأمن القومي للكيان الإسرائيلي فجوة مهمة ، لأنها تتعلق بالعمود الفقري لنظرية الأمن الإسرائيلي "الهجرة" ، فالهجرة تحتاج إلي الأرض ، والأرض تحتاج إلي المياه ، والمياه تحول رجال العمال إلي فلاحين مرتبطين بالأرض وتعمق فيهم روح الانتماء . وبالتالي فالطموحات الاسرائيلية الهادفة لزيادة الهجرة اليهودية إلي ارض فلسطين لا يمكن أن تتم دون تخطيط مسبق ، يأخذ في الحسبان ضرورة توفير المصادر المائية اللازمة لتوفير الغذاء لمئات الألوف من المهاجرين القادمين ، فالحصول علي مصادر مائية إضافية ليس ترفا بالمفهوم الإسرائيلي بل هو ضرورة لازمة لاكتمال المشروع الصهيوني بالبقاء والسيطرة علي فلسطين
ثالثا : إن الكيان الإسرائيلي عندما يبحث على حل لمشاكله المائية سوف تتجه أنظاره خارج حدوده ، مما يجعل البحث عن المياه سببا لممارسات سياسية وعسكرية لهذا الكيان ربما تختلف من شكل لأخر ، ولكنها تظل محكومة بذات الدوافع الأولية التي أدت إلي إقامته "دوافع الاستيطان العنصري والتوسع الإقليمي". وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة،
المراجع
1- إبراهيم نصر الدين ، دور القوي الخارجية في دول حوض النيل والمصالح المصرية ، جريدة المشهد بتاريخ 11/4/2013
2- طارق فهمي ، الوجود الاسرائيلى فى دول حوض النيل ، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية
3- هاني رسلان ، حلقة نقاشية عن: أبعاد أزمة المياه فى حوض النيل وتأثير السدود الإثيوبية على مصر، جريدة سودانيل ، بتاريخ 5/9/2011
4- محمد دامو ، الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية، وانعكاساتها على الأمن القومي العربي ـ موقع التاريخ الالكتروني
5- رفعت السيد ، الصراع المائي بين العرب وإسرائيل ( القاهرة : دار الهدى ، الأولى : 1993م )
6- عز الدين شكري ، التعاون الاسرائيلى الاثيويى والأمن القومي المصري ، مجلة السياسة الدولية ( القاهرة ، العدد 101 ،يوليو 1990م )
7- رفعت سيد احمد ،الصراع المائي بين العرب وإسرائيل ( القاهرة : دار الهدى للنشر والتوزيع ، الأولى : 1993)
8- - صبحي كحالة ،المشكلة المائية في إسرائيل وانعكاساتها على الصراع العربي الاسرائيلى ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،الأولى : 1980).