مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2020/07/09 15:15
حقيقة الدور الخفي الذي تلعبه أسرائيل في ملف سد النهضة

 

 

حقيقة الدور الخفي الذي تلعبه أسرائيل في ملف سد النهضة

بقلم الباحث والمحلل السياسي سيد حسني

 

فشلت "إسرائيل" خلال العقود الماضية، في فرض مشاريعها للاستفادة من مياه نهر النيل، إزاء الرفض المصري المتكرر لذلك،

يبدو أن إسرائيل لا تلعب دورا خفيا فى ملف سد النهضة فحسب بل تلعب أدوارا فى ملف حوض النيل و المياه العذبة على مستوى دول الجوار أولهم سوريا و مصر و العراق و قد كانت موارد المياه العذبة من الأسباب الرئيسية لحرب الأيام الستة او النكسة كما تسميها الدراسات السياسية و الإستراتيجية بالأيام الستة نظرا للتوسع العمراني و الزيادة السكانية التي تحدث فى إسرائيل و بناء المزيد من المستوطنات و عودة ضم الضفة الغربية و منطقة وادي نهر الأردن و بالتالي البحث عن موارد المياه دافع قوى جدا لدى إسرائيل منذ بداية نشأتها ليس فقط فى فلسطين و لكن فى إفريقيا و هى المقترح الأول من يهود العالم و خاصة من المملكة البريطانية و جولدا مائير و زيارتها لافريقيا فى 1912 و 1928 بسبب موارد المياه العذبة .

بدايةً تعود الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل إلى ما قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي، وتحديداً إلى العام 1903 عندما قدّم زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل، مشروعاً يسعى من خلاله إلى بناء مستوطنات في شبه جزيرة سيناء تنضم في وقتٍ لاحق إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، حيث سعت المنظمة الصهيونية التي يمثلها هرتزل إلى توطين اليهود في العريش

 

ولمواجهة مشكلة ندرة المياه في تلك المنطقة، اقترح هرتزل على لانسدون، وزير خارجية بريطانيا، مد أنبوب على عمق كبير تحت قناة السويس لضخ مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء. لكن بريطانيا رفضت هذا الطلب، بسبب تأثيره السلبي على مشروعات الزراعة المصرية بالوادي، خاصة محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية..

وأعادت "إسرائيل" طرح هذه الرغبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استناداً إلى مقالات ودراسات تناولت المشاريع التي يمكن من خلالها نقل مياه النيل إلى المستوطنات الإسرائيلية. كان أبرز تلك الدراسات ما عرف بـ"مشروع اليشع كالي" حيث قام المهندس الإسرائيلي اليشع كالي، في عام 1974 بطرح مشروعٍ تضمن نقل جزءٍ من مياه النيل يقدّر بـ1% سنوياً لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في النقب وقطاع غزة والضفة الغربية، بواسطة أنابيب تمر تحت قناة السويس بجانب منطقة الإسماعيلية المصرية، يصل طولها إلى 200 كلم

وفي عام 1977 قام الخبير الإسرائيلي ارلوزوروف، بطرح مشروعٍ تضمن شق 6 قنوات تحت قناة السويس تعمل على دفع المياه العذبة إلى نقطة سحبٍ رئيسية، ليتم بعد ذلك ضخ المياه إلى ارتفاعٍ يبلغ عشرات الأمتار لتدفع بقوة الثقل نحو ساحل سيناء وعبر أقنية فرعية إلى صحراء النقب وكل ذلك التخطيط فشل لرفض مصر أعطى إسرائيل ما ليس من حقها .

 

ثم جاءات الفرصة سانحة لإسرائيل  لتنفرد بأثيوبيا والقرن الأفريقي كاملاً , منذ حادث الاغتيال الفاشل للرئيس الراحل مبارك في أثيوبيا وهو ما يشير باصبع الأتهام إلى أن اسرائيل طرف في محاولة الإغتيال بغرض عزوف وابتعاد جميع القيادة السياسية المصرية عن أثيوبيا بصفة خاصه وأفريقيا بصفة عامه نتيجة هذا الحادث . وكعادتها دائما في الاصطياد بالماء العكر لم تفوت إسرائيل الفرصة لتوطيد علاقتها بأثيوبيا واختراقها من الداخل وأستخدمت كل الطرق المشروعة والغير مشروعة في ذلك عن طريق الدبلوماسية وعن طريق استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية في أثيوبيا ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل بلغ المكر والدهاء الإسرائيلي باستخدام يهود الفلاشا كورقة ضغط علي الجانب الأثيوبي ولا يخفى علي أحد الدعم الكبير والغير مسبوق والدور الخفي الذي تلعبه إسرائيل  بذلك في ملف أزمة سد النهضة حتي يكون ورقة ضغط علي القيادة السياسية المصرية

من هنا وبدأت اللعبة الإسرائيلية بمد نفوذها على الحكومات الإفريقية فى تقديم ما يسمى بالقروض الميسرة و كذلك تقدمها وكالة (اسرا ايد) للمساعدات للإفراد فى التعليم و الصحة و مد شبكات المياه و الاتصالات و الزراعة و حتى تدريب الفصائل المسلحة و مدهم بالأسلحة ، فضلا عن البعثات التبشيرية التي تعمل على تهويد الأفارقة حتى يكسبوا ولائهم للدولة الإسرائيلية و يكون ولاءهم الديني أقوى من أية دوافع أخرى و حتى أقوى من انتماءهم للدولة الأفريقية التي تاويهم، بالإضافة الى وصول الاستثمارات الإسرائيلية فى الطاقة الشمسية النظيفة فى إفريقيا و الكهرومائية إلى أكثر من 200 مليون دولار فى 8 دول عن طريق شركتها التي تسمى (انرجيا جلوبال)

وبدأ يتحقق الحلم الإسرائيلي الأثيوبي في بناء سد النهضة للسيطرة على موارد الطاقة وتصدرها لدول عدة والضغط على مصر لتوصيل المياه لداخل إسرائيل..

 

إن خلفيات التموضع الإسرائيلي في أزمة "سد النهضة" الدائرة بين مصر وأثيوبيا والسودان جاءات انطلاقاً من الرغبة الإسرائيلية في السطو على نسبة من مياه النيل، هذا من ناحية الأمن المائي. أمّا في البعد الجيوسياسي، فإن إسرائيل تطمح إلى توسيع نفوذها والهيمنة على مصادر الطاقة التي يعد نهر النيل أبرزها، ما سيعزز موقفها السياسي في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية

 

كل تلك العوامل، تدفع السلطات الإسرائيلية إلى التواجد بشكل مباشر في مسألة "سد النهضة" المرتبطة بنهر النيل، وذلك من أجل فرض وجودها السياسي والأمني الذي سيخولها في مرحلةٍ لاحقة إعادة إحياء المشاريع الهادفة لإيصال مياه النهر إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، نظراً لخطورة ما تعانيه حالياً فيما يخص "أمنها المائي"، في ظلّ رغبتها المتزايدة في التوسع واستقدام المزيد من المستوطنين.

ما يؤكد صدق ذلك ما ذكره  الإعلام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بقوله  أن الكثير من بحيرات فلسطين المحتلة وأحواضها النهرية والمياه الجوفية وصلت إلى أدنى المستويات التي لم يسبق لها مثيل منذ 100 عام، حيث اقتربت بحيرة طبريا بشكل خطير من "الخط الأسود"، وهو المستوى الذي يقع تحت أنابيب السحب من مضخات المياه التي ترسل مياه البحيرة إلى البلدات المجاورة.

وفي الدراسات الإسرائيلية يظهر أن تحسين مستوى العيش وبناء المستوطنات يحتّم تأمين زيادة في المياه بمقدار 600 مليون متر مكعب كل عام. فإذا تعثَّر الحصول على ذلك فيكون من الضروري تأمين ثلثه على حساب المشاريع الزراعية، ما يؤدي إلى أزمة اقتصادية واجتماعية بغض النظر عن الأضرار التي تحصل بفعل برنامج التوزيع السكاني.

 

كذلك إذا نظرنا إلي  إستراتيجية رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وهي إطالة أمد المفاوضات إلى أقصى قدر ممكن، حتى يكتمل بناء سد النهضة في عام 2023، ودون تقديم أيّ تنازلات عن مواقفه المتصلبة لمصر تحديدًا، وبما يمكّنه من فرض أمر الواقع تحت عنوان السيادة

نجد أن هذه الإستراتيجية تذكرنا بنظريتها التي اتبعتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في مفاوضات أوسلو مع الفلسطينيين التي امتدت لحوالي 25 عاما، واستولت خلالها الدولة العبرية على معظم الضفة الغربية ومياهها، وأرضها وتجارتها، وهو ما يؤكد لنا أن التخطيط للمفاوضات تخطيط إسرائيلي أثيوبي بالدرجة الأولى.

فالعديد من أوجه التشابه بين استراتيحية إثيوبيا في التعامل مع هذه الملف وإستراتيجية إسرائيل في التفاوض مع الفلسطينيين تؤكد أن الذي يديرالأزمة إسرائيل وليست أثيوبيا.

فالحضور الإسرائيلي القوي والداعم لأثيوبيا في هذا الملف يؤكد أن تل أبيب باتت تتحكم بنسبة كبيرة في المشروعات المائية والكهربائية في أثيوبيا (من دول المنبع)، ما سيجعلها تتحكم في مرحلة لاحقة بتدفق مياه النيل، من المنبع إلى المصب، مع ضمان حصول مصر على نسبة معينة، على أن تكون هي من ضمن "المصب"، بمعنى أن تشترط "إسرائيل" وصول المياه إليها مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع أثيوبيا بـالبنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق.

هكذا أخذت إثيوبيا تماطل وتبتسم مرة، وتمد يدها مرات لتخدعنا، وتنجح في تنويمنا بالفعل، حتى أكملت بناء السد، وبذلك وضعتنا أمام الأمر الواقع

 

مما سبق يتضح للقاصي والداني مدى الوجود الإسرائيلي في ملف سد النهضة وبخاصة بعد زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد واجتماعه بنتنياهو لبحث التعاون المشترك بينهما، في مجالات التكنولوجيا والأمن والمياه، ووصفه الزيارة بالتاريخية، داعيا الطرفين للتعاون والتغلب على التحديات المشتركة ومنها إدارة مصادر المياه، رافق ذلك معلومات عن قيام إسرائيل بتزويد اثيوبيا بأنظمة دفاعية لحماية السد من أي هجوم مصري محتمل

 

إن حل مسألة "سد النهضة" لا يتعلق فقط بالمفاوضات المصرية-الأثيوبية-السودانية، بل لها خلفيات ترتبط بالرغبات الإسرائيلية بالهيمنة على مصادر الطاقة في حوض النيل من جهة، وعلى التوسع باتجاه القارة الأفريقية من جهةٍ أخرى. لذا، فإن "إسرائيل" الحاضر الأبرز في "سد النهضة" لن توافق على أيّ حلّ يستثنيها من "مياه النيل" ويقوّض توسعها في دول حوض النهر، وعلى سواحل البحر الأحمر.

 

كما أن ملء السد وتشغيله بشكل أحادي، ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتي المصب، مصر والسودان، من شأنه أن يزيد من التوتر في المنطقة، وقد ينجم عنه أزمات وصراعات تهدد استقرار المنطقة برمتها..

فإذا أخفقت كل البدائل الدبلوماسية والقانونية والسياسية فإن التدخل العسكري ربما يكون اضطراريا. لا يوجد عاقل واحد يدعو إليه فعواقبه وخيمة، لكن إذا ما وصلت السكين إلى حد الرقبة فلا أحد بوسعه أن يوقف مثل هذا الخيار وهو  خيار شبه انتحاري لكنه قد يكون اضطراريا إذا لم تتعقل إثيوبيا وتدرك  أن الأزمة إذا أفلتت من عقالها فلن تنفها إسرائيل أو تركيا كما سنذكر دور تركيا في المقال القادم بالتفصيل .

 

 

أضافة تعليق