محددات الانقسام الاثني و الطائفي في العالم العربي:
كتب المستشار السياسي
حسين موسى
يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي غرباً إلي الخليج العربي شرقاً بمساحة تقرب 14 مليون كيلومتراً مربعاً أي قدر مساحة الولايات المتحدة الأمريكية مرة ونصف مرة وقرابة ثلثي مساحة الاتحاد السوفيتي , ويسكنه نحو 185 مليون نسمة في سنة 1983 , وبلغ هذا العدد نحو 300 مليون نسمة سنة 2000 ,و 420 مليون 2015 ويكون العرب في الوقت الحاضر نحو 8% من جملة سكان العالم يأتون – مجتمعين – في المركز الخامس من حيث حجم السكان بعد الصين والهند والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وقد انعكست ظروف البيئة الصحراوية الجافة التي تمثل معظم مساحة الوطن العربي على توزيع السكان من حيث تركيزهم في الأودية النهرية أو في السواحل التي تستقبل قدراً من الأمطار يسمح بالزراعة أو الرعي وفي الواحات المبعثرة , وكذا في المناطق ذات التربة الخصبة والتي تقوم بها الزراعة اعتمادا على الأمطار , ويشتغل معظم السكان بالزراعة كحرفة رئيسية رغم أن الإنتاج الزراعي بأساليبه الحالية لم يعد يكفي احتياجات السكان للتزايد السريع في معدلات نموهم .ورغم أن العرب يملكون في أرضهم أكبر احتياطيات بترولية في العالم إلا أنهم يواجهون كثيراً من مشكلات التنمية والتطور لعل أبرزها الزيادة أبرزها الزيادة السكانية الكبيرة من ناحية وسوء التوزيع من ناحية أخرى سواء على المستوى القومي أو المستوى الإقليمي. وبالإضافة إلي ذلك فإن هناك عديداً من المشكلات المرتبطة برفع مستوى العيش والتعليم وتوفير الغذاء. ويعيش نحو 70% من العرب في أفريقيا و30% في آسيا , رغم أن الصفة الغالبة على توزيعهم هي التبعثر في مناطق منفصلة تفصلها أراض صحراوية شاسعة
* سمة الوطن العربي :
بالرغم إمكانية الوقوف عند ملامح شخصية شعب ما، بما يؤدي في النهاية إلى التمييز بينه وبين غيره من الشعوب الأخرى، مثل التمييز بين شخصية الشعب الفرنسي وشخصية الشعب الألماني، فإن هذه المحددات والتمايزات ليست مطلقة وثابتة عبر الجغرافيا والتاريخ، لكنها مرتبطة بتغيرات الجغرافيا من جانب وعواصف التاريخ من جانب آخر، وإلا كانت هذه الملامح والسمات قدرا موقوفا على شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، وهذا تصور منافي لأبسط نواميس الحياة المتغيرة والمتجددة عبر الأزمان صحيح أنه يمكن الحديث عن سمات عامة خاصة بشعب ما، لكن هذه السمات تتغير بتغير الوقت، حيث تلحقها عناصر التغيير المرتبطة بتأثيرات التاريخ والتحولات المجتمعية والسياسية، كما تلحقها عناصر التغيير أيضا الناجمة عن الاشتباك الكوني غير المسبوق بغيرها من الثقافات الخاصة بالشعوب والأمم الأخرى
السؤال هنا ما هي الملامح المميزة للشخصية العربية ؟
* "العروبة هي السمة المميزة لسكان الوطن العربي منذ أقدم عصور التاريخ والعرب لفظة سامية معناها سكان الصحراء الحارة وهذه فيها عموم أكثر من خصوصية , وخصوصية تأتي من أنة أطلق على سكان شبة الجزيرة العربية , أما عموميته فتأتي من تعميمه على كل سكان صحاري العالم لكن هذه السمات لا تجعله يرتقي لكونه مجتمعاً وأحداً ودليلي على ذلك ما ذكره الدكتور حايم بركات فى كتابة ..المجتمع العربي المعاصر (بحث استطلاعي اجتماعي ) حيث ذكر بالنص قوله. "المجتمع العربي مجتمع متكامل بمعنى أنة يكون مجتمعاً -أمه , إنما ينقصة النظام السياسي الموحد الشامل . ويري بعض الباحثين أن الوطن العربي مجموعة من مجتمعات متميزة وليس مجتمعاً وأحداً .
والحقيقة أن المجتمع العربي مجتمع متنوعاً في تكامله تنوعاً هائلاً حسب البيئة والإقليم والتنظيم الاجتماعي والوضع الاقتصادي وأسلوب المعيشة والانتماء الطبقي والطائفي والأثيني ومستوى التخلف والمعيشة والنظام العام السائد والثقافة والمشاكل والقضايا والأزياء وبجدر بنا أن نشير توا إلي أن الوحدة لا تقوم بالضرورة على التشابه , بل قد تقوم على العكس على التنوع المتكامل
وارى كباحث سياسيي أن هناك مجموعة من الملامح والسمات تميز الشخصية العربية تتمثل فى :
• اللغة
• التدين الفطري
• وحده وحده التاريخ والثقافة
• وحده العادات والتقاليد المستمدة من تعاليم الإسلام
• التأثير الكبير للطبيعة الجغرافية والمكان على سلوك المجتمعات العربية فنجد الدول العربية المطلة على المنافذ البحرية أكثر انفتاحا على الثقافات من الدول المغلقة كموريتانيا
• التأبين فى المستوى المادي والاقتصادي من دول الخليج التي تنعم بالرخاء ودول الوطن العربي فى القسم الافريقى التي تعانى من كونها مجتمعات نامية
• التماسك العضوي للمجتمعات العربية أمام الأزمات الخارجية
• وارى أن الإنسان العربي كان قد تجمد دوره تحت سلطات الحكم العثماني لقرون ، وقبل بالحياة تحت أقسى الظروف وأعني هنا العربي الفقير الفلاح المهمش فى مجالات صنع القرار ، والذي بدأت شخصيته متحملة الظلم وسياسات التعسف وغ فتسلح بالصبر من خلال استعمال بضع كلمات من القرآن الكريم أكثر الأحيان وبعض الأمثال الشعبية
محددات الانقسام الاثنى في المجتمعات العربية :
تنوعه التعريفات الدالة على الأثينية ويمكن تصنيفها في عدت اتجاهات كالتالي:
الاتجاه الأول : يقرن أنصار الأثينية بالأقلية بمعنى تطابق تعريف الأثينية بالأقلية حيث يذهب إلي أنها " جماعة ذات تقاليد مشتركة تتيح لها شخصية مميزة ,كجماعة فرعية في المجتمع الأكبر"
الاتجاه الثاني : ذهب أنصاره إلي أن مفهوم الأثينية لا تقتصر دلالته على مجرد جماعات الأقلية داخل المجتمع , بل أن الجماعات الكبرى نفسها تعتبر بحد ذاتها جماعة أثينية.
الاتجاه الثالث : يرادف أنصاره بين الأثينية والعرق
ويعرف الكاتب بشير شايب في دراسته ( الصراعات الأثينية ) بأنها :" الصراع اصطلاحا يعني الوضعية التي يتواجد فيها طرفان على الأقل في حالة اختلاف وعدم تفاهم أو تضارب في الرؤى والمصالح حول قضية ما , ويعرف أيضا على أنه حالة تلاقي عنصرين أو عاطفتين في حالة تعارض أو تضاد ويعرف الصراع أيضا على أنه حالة من الخصومة وهذا التعريف واسع بالقدر الذي يمكنه احتواء معنى النزاع والحرب كذلك ويعرف الصراع أيضا على أنه تعارض بين مجموعتين أو أكثر حول حيازة مصالح ناذرة أو تكريس قيم معينة
النزاعات الإثنية والدينية في المنطقة العربية :
أرى أن الوطن العربي يعانى من ظاهرة الأقليات التي وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد أمن العديد من أقطاره واستقراره، وهذه الظاهرة هي –بلا شك- انعكاس لتعدد الهويات والانتماءات. بالإضافة إلى أن ثراء المنطقة العربية بجماعاتها الثقافية فرض التمييز بينها استنادا إلى معايير شتى وفي مقدمتها معيار الدين واللغة. وتفاقمت خطورة هذه الظاهرة نتيجة عمليات الفصل والتجزئة التي مارسها الاستعمار الغربي في المجتمعات
العربية، واستغلاله العديد من الجماعات الطائفية والعرقية من خلال منحها امتيازات خاصة أصبحت بمثابة الحقوق المكتسبة التي تسعى هذه الجماعات للحفاظ عليها، وزاد من حدة المعضلة عدم سعي النظم السياسية
العربية إلى الحكم على أساس المشاركة التي تأخذ في الاعتبار فئات المجتمع كافة، الأمر الذي زاد من مخاوف الأقليات في تلك النظم ودعا بعضها إلى التمرد على أوضاعها.
ويرى جمال مزراحى أن النزاعات الإثنية _المذهبية : تفاعل سلبي, بين الجماعات الإثنية المختلفة سواء اتخذ هذا التفاعل شكلا عنيفا, أو اقتصر على العنف السياسي, كما أنه_أي النزاع_ يتعامل مع مفهوم الجماعة الإثنية, بوصفها كل جماعة لها خصوصيتها اللغوية, والدينية أو المذهبية, أو العرقية
وتتسم ظاهرة الصراعات الإثنية بالتعقيد، سواء فيما يتصل بخلفياتها و أسبابها، أو فيما يتصل بنتائجها وتداعياتها، ويمكن تصنيف هذه المتغيرات في مجموعتين رئيسيتين.
أولها : البيئة الداخلية مثل طبيعة التعدد في المجتمع والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
وثانيها : يتعلق بالبيئة الخارجية وما يرتبط بها من دور للقوى الدولية والإقليمية في الصراع.
ورغم ذلك فالتعددية الإثنية والعرقية والمذهبية والطائفية في أي دولة هي ظاهرة طبيعية تتطلب إيجاد نظام سياسي ملائم يحقق العدل والمساواة، ويحد من الصراعات ز
* جغرافية الانقسامات الأثينية والطائفية في الدول العربية :
تنقسم الدول العربية من حيث تجانس نسيجها ألاثني إلى ثلاث مجموعات هي:
أ- الدول الأكثر تجانسا
هناك ثمانية دول تقل فيها نسبة الجماعات الإثنية عن 15 بالمائة وهي قطر والسعودية واليمن والأردن ومصر وليبيا وتونس والصومال، ويمكن القول أن الغالبية العظمى من سكان هذه الدول شديدة. التجانس إثنيا من حيث كونهم عرب لغة وثقافة ومسلمون دينا وسنيون مذهبا وساميون حاميون سلالة
ب - الدول متوسطة التجانس
يقصد بعبارة متوسطة التجانس تلك الأقطار التي تحتوي على تكوينات إثنية لغوية أو دينية أو مذهبية أو سلالية تبلغ نسبتها ما بين 15 و 25 بالمئة من مجموع السكان، وتضم خمسة أقطار هي: الكويت والإمارات وعمان وسوریا والجزائر.
ج- الدول الأكثر تنوعا :
هناك تسعة أقطار عربية يصل فيها حجم التنوع إلى مستويات كبيرة، بفعل كبر حجم الجماعات لأثينية التي تكونها حيث يصل تعدادها إلى أكثر من 35 بالمئة من السكان وهي: العراق، البحرين،سوريا، لبنان، موريتانيا، اليمن، السودان، جيبوتي والمغرب. ففي هذه الدول لا توجد أية أغلبية عددية لأي جماعة أثينية مثلما هو الحال في كل من العراق ولبنان وموريتانيا.
العوامل المحددة للصراعات الإثنية والطائفية فى المجتمعات العربية:
تتداخل عدة عوامل في تكوين وبلورت الصراعات الإثنية أهمها:
العوامل البنيوية : وهي العوامل المرتبطة بظروف وبيئة المجموعات ،مثل نسبة النمو السكاني ،قلة الموارد الاقتصادية وتزايد التنافس بين المجموعات المختلفة على تلك الموارد،و انهيار القيم والتقاليد ،وتفشي الفقر والحاجة والتهميش الديني والثقافي ،ولا تظهر نتائج حلول الصراعات على هذا الأساس إلا بعد فترة طويلة من اعتمادها ،لأن معالجة العوامل البنيوية من تحسين ظروف المعيشة وإنعاش الاقتصاد وإعادة الثقة في المنظومة القيمية يتطلب وقتا طويلا
العوامل المثيرة للنزاعات الإثنية: يأتي الخلل في أسلوب إدارة التنوع الإثني, وهو خلل يتجسد في إقدام الجماعة الحاكمة, على إقصاء و تهميش ما عداها من جماعات أخرى, وهذا النموذج نجده واضحا لدى الأنظمة العربية وطريقة أدائها للسلطة, إضافة إلى ما تقوم به هذه الأنظمة من شتى إجراءات تعسفية على شعوبها, تتضمن كبت الحريات ومصادرة الرأي الأخر, ومنع حرية تدفق المعلومات, وغيرها من عوامل القمع والبطش مما أسس لمبدأ نزاع فكري_عقائدي, الذي تطور فيما بعد إلى الصدام المسلح بين الأطياف والمكونات العربية , على اختلاف ألوانها.
العوامل الوسيطة:وهي مجموعة العوامل التي تؤدي إلى تحول العوامل البنيوية إلى ردود أفعال عنيفة ،مثل السياسات الحكومية التي تنتهج في مواجهة أزمة ما أو بعض البرامج الاقتصادية كخطط الإنعاش والتقشف
وترشيد النفقات وتقليص عدد العمال ،أو تلك المشاكل المرتبطة بالتحرر السياسي من الهيمنة
العوامل المباشرة: وهي مجموعة التصرفات والسلوكيات التي تؤدي إلى العنف وتفجره ،مثل القرارات الحكومية أو الإجراءات المتخذة بحق جماعة إثنية معينة ،مما يدفعها إلى العصيان والتمرد.
وأرى كباحث أن أهم العوامل المؤثرة فى تحديد الصراعات الإثنية والطائفية فى الوطن العربي هو شكل النظام السياسي للدولة فى المجتمعات العربية وكيفية تحقيق العدل والمساواة بين العرقيات والطوائف المختلفة وكيفية إيجاد هدف موحد وهو بناء الدولة دون تميز فى اختيار الكفاءات.
أنواع المطالب الأثينية فى المجتمعات العربية :
· تكمن أهمية المطالب الأثينية في أن تجاهلها كثيرا ما يؤدي إلي اسعي تلك الجماعة إلي الانفصال عن الدولة وإقامة قيان سياسي مستقل , أو الانضمام إلي دولة أخري تعتقد الجماعة الأثينية أنها ستكون أكثر تعبيراً عن هويتها مع حدث مع الأكراد فى العراق وأهل جنوب السودان
· المطالبة الأثينية أو الطائفية المتعلقة بالهوية , بصفة عامة يمكن التميز بين هويتين الولاء للدولة والهوية الُقطرية حيث تسود مشاعر الخوف بين الجماعات الأثينية نتيجة لهيمنة جماعة بعينها على مقدرات الدولة , كما تلعب اللغة والدين دوراً مهما في العملية الأثينية ,فكثيراً ما يستخدم كلاهما لتعبئة الطائفية ضد النظام السياسي.
· الاعتراف بالعادات والتقاليد من أهم متطلبات الجماعات الأثينية ,كذلك الاعتراف بالقيادات التي قد يكون لها دور كبير في الضغوط على النظام السياسي.
· المطالب المتعلقة بشكل الدولة :
-المطالب الاستقلالية الانفصالية ,تتجسد في الرغبة في قيام كيان سياسي مستقل معبر عن الهوية .
- المطالب الاستقلالية الإدارية ,وهو ما يوفر الاعتراف الإداري لإقليمها بالاستقلال.
- التمثيل في المؤسسات والمناصب.
* نتائج الصراعات الإثنية والطائفية فى المجتمعات العربية :
· - مشكلة اللاجئين: وتعتبر النتيجة المباشرة الأولى للصراعات ،إذ ينزح الآلاف من السكان من مناطق الصراعات نحو بلدان مجاورة كما يحدث فى العراق وسوريا والسودان والصومال وغيرهما من الأقطار العربية .
· - -مشكلة انهيار الدولة:ويقصد بانهيار الدولة تعطل أجهزتها وتفككها وضعف سلطتها وعجزها على القيام بمهامها تجاه مواطنيها ،ويكون الانهيار إما جزئيا مثل فقدان السيطرة على إقليم من الأقاليم أو انهيارا كليا مع عجز أحد الأطراف المتصارعة على فرض سلطته كما فى العراق والسودان .
· وارى كباحث : أنه من نتائج الصراعات الإثنية والطائفية ذوبان الهوية الوطنية والرباط الاجتماعي مما ينتج عنه محاولة تدويل القضايا الداخلية وهو ما يستغله المتربصون مما يترتب عليه إشعال نار القطيعة والفتنة واستدعاء البعد الديني والاعتبارات الدينية مما ينتج عنه تمزق الدولة فى الداخل وقد يؤدى إلى حروب أهلية كما فى العراق بين أهل السنة والشيعة وقد يودى ظهور حركات انفصالية كما حدث فى السودان وترتب عليه انفصال إقليم جنوب السودان .
دور المستعمر في تعميق أزمة النسيج الواحد في المجتمعات العربية :
لا يمكن إنكار دور الأعداء في تمزيق الأمة , كما لا يجدي شجب ذلك الدور وإدانته, إنما المطلوب هو تعطيل دور القابلية للاستجابة لتلك المحاولات الخارجية , داخل ساحة الأمة , بمعالجة الأسباب وسد المنافذ والثغرات , لان بقائها مشروعة ستغري كل عدو بالتسلل من خلالها , أي وقت شاء , فبعد انهيار الدولة العثمانية تم تقسيم المنطقة العربية بين دول الاستعمار الكبرى , بمقتضى اتفاقية سايكس بيكو ,التي وصفها بعض المؤرخين الأوربيين بأنها " ليست صورة للجشع فحسب , بل صورة مرعبة للمخادعة ,إذ عملت على تفتيت رقعة المنطقة العربية وتقسيمها و يتمثل هذا الدور الاستعماري فيما قامت قوى الاحتلال البريطانية والفرنسية بتقسيم العالم العربي إلى كيانات قطرية؛ لذا فعملية نشوء هذه الكيانات القطرية العربية تمت بشكل قسري، ولم يتم جعل الحدود السياسية للدولة القطرية متجانسة مع الحدود الثقافية والاجتماعية أو العرقية أو القبلية والعشائرية؛ بمعنى آخر استقطبت الدولة القطرية مجتمعات غير متجانسة بل متصارعة أحياناً عرقياً أو طائفياً أو عشائرياً أو مذهبياً، وهذا التكوين أو النشوء القسري لكيانات قطرية جعل من الدول العربية القطرية في بعض الأحيان مهيأة "تلقائياً" ومرتعاً للصراعات عند توفر أجواء سياسية واجتماعية ـ اقتصادية بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى التي أشير إليها لاحقاً، مثل الدكتاتورية السياسية.
أيضاً ما قامت به قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية حين احتلت العراق , توقعة رفض الشعب العراقي لوجودها على أراضية ومصادرتها لسيادته , فكان من الطبيعي أن تخطط لتفجير الصراعات والتناقضات داخل الشعب العراقي , لتمنعه من التوحد لمقاومتها , ولتوفير مبررات استمرار وجودها , وهذا ما نراه بالفعل حيث يعاني الشعب العراقي حالة من الصراع والاحتراب ذات الطابع الطائف نضيف على ذلك الدور السلبي للاستشراف والتبشير والاستعمار في العالم العربي : فقد حاولت هذه القوى الثلاث خلق عزلة عدائية ثقافية ودينية ما بين الأقليات ومجتمع الأغلبية، فلا يخفى على أحد دور هذه القوى في صناعة وصياغة نخب ثقافية وسياسية ضمن أنماط متجانسة معها لقيادة دول أو المجتمعات العربية أو الأقليات العرقية والدينية، حيث أدت هذه النخب، كما أشرنا سابقاً، دوراً محورياً في الصراعات الأهلية العربية .
فالاستعمار كان يغذي الصراعات العنصرية والطائفية من جهة، ويخلق المغالطات التاريخية والثقافية بين طوائف المجتمع وبشكل أخص بين الأغلبية و"الأقلية". ومن جهة ثالثة كان يعمل على خلق المكائد السياسية والأحقاد بين فئات المجتمع؛ ليحافظ على بؤر الصراعات داخل الدولة العربية الواحدة، وكذلك بين الدول العربي, والآن تحاول الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية تحاول استخدام آلية حقوق الإنسان وحماية الأقليات تحت واجهة التدخل الإنساني من حيث كونها آلية لسحب خيوط النسيج الوطني لكل دولة لا تنتهج طريقها ومشروعها، وذلك تكاملا وانسجاما مع الآليات الأخرى السياسية والاقتصادية والعسكرية واتخاذ الأمم المتحدة وأجهزتها الفرعية من أجل إيجاد التبريرات المقنعة والمقننة داخليا وخارجيا لتمرير حق التدخل الإنساني .
الاحتلال الأمريكي للعراق ودوره في النزاعات الإقليمية:
- تخريب الدولة العراقية ونشوء السلطة الجديدة أفضى إلى استلام الإسلام السياسي لسلطة الدولة وما نتج عن ذلك من انتقال العملية السياسية من طابعها الوطني المرتكز على توازن مصالح القوى الاجتماعية وأحزابها السياسية إلى موازنة طائفية.
ـ عزز البناء الطائفي للدولة العراقية من تدخل المراكز الإقليمية إيران ، تركيا ، العربية السعودية في الشؤون العراقية وباتت دبلوماسية تلك الدول وأجهزتها المخابراتية تتدخل في الحياة السياسية من خلال امتداداتها داخل الكتل السياسية المنفذة في الدولة العراقية ـ بروز العامل الطائفي وتحكمه في بناء الدولة العراقية أدى إلى سيادة الفكر الطائفي وما نتج عنه من تراجع الفكر السياسي القومي والوطني الديمقراطي
ـ انتقال عمل المعارضة العراقية المسلحة من إطاره الوطني المتمثل بإعادة بناء الدولة العراقية على أسس الشرعية الديمقراطية إلى محاربة الطائفة الشيعية ومنع أحزابها من استلام السلطة السياسية .
ـ تلاحم الفكر السياسي القومي مع الإسلام الجهادي والتكفيري ترابط ودعم خارجي من بعض دول الخليج العربية ، وبهذا السياق نشير إلى إن العربية السعودية لعبت ولازالت دورا أساسيا في العراق بسبب دعمها المتواصل للقوى الجهادية انطلاقا من أولية نزاعاتها المذهبية مع جمهورية إيران الإسلامية
* إن مسألة استغلال القوى الخارجية لقضية الأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية لا بد من مواجهتها. ويبدو أن هذه المسألة مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة علاقات الدول العربية التي تشكل الأقليات الدينية -خاصة المسيحية - نسبة جيدة فيها مع الدول الغربية.
- إن معظم الصراعات العربية الداخلية عادة ما تكون الحكومة طرفا أساسيا فيها، لذا فهناك غياب لصراعات بينية بين جماعات مختلفة داخل الدول العربية. وبناء عليه فإن الحكومات العربية تتحمل مسؤولية كبرى في حل هذه الصراعات
وارى كباحث أن الوطن العربي يعانى من ظاهرة الأقليات التي وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد أمن العديد من أقطاره واستقراره، وهذه الظاهرة هي –بلا شك- انعكاس لتعدد الهويات والانتماءات. بالإضافة إلى أن ثراء المنطقة العربية بجماعاتها الثقافية فرض التمييز بينها استنادا إلى معايير شتى وفي مقدمتها معيار الدين واللغة. وتفاقمت خطورة هذه الظاهرة نتيجة عمليات الفصل والتجزئة التي مارسها الاستعمار الغربي في المجتمعات العربية، واستغلاله العديد من الجماعات الطائفية والعرقية من خلال منحها امتيازات خاصة أصبحت بمثابة الحقوق المكتسبة التي تسعى هذه الجماعات للحفاظ عليها، وزاد من حدة المعضلة عدم سعي النظم السياسية العربية إلى الحكم على أساس المشاركة التي تأخذ في الاعتبار فئات المجتمع كافة، الأمر الذي زاد من مخاوف الأقليات في تلك النظم ودعا بعضها إلى التمرد على أوضاعها
المراجع :
1- البنك الدولي ، إحصائيات البنك الدولي ، بنك البيانات ، تعداد السكان الاجمالى
2- إسماعيل كاظم البديري ، التعددية الإثنية والطائفية وتأثيرها على الحياة السياسية في العراق ، رابطة الكتاب العراقيين .. نشر بتاريخ 28-05-2010
3- فالح عبد الجبار ، في المشكلة الطائفية..، ..الموقع الرسمي للتيار الديمقراطي العراقي ، نشر بتاريخ : 24 سبتمبر 2013م
4- ) الدكتور عبد الخالق حسين .. الطائفية في عهد حكم البعث .. (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق- 14)
5- لطفي حاتم ، العلاقات الدولية والنزاعات الإقليمية .، مركز دراسات وأبحاث الماركسية واليسار.، ..نشر بتاريخ 1452012م
6- برهان غليون ، في مدح التعددية الإثنية والدينية ، مركز الجزيرة للدراسات ، نشر بتاريخ : 18 سبتمبر 2009
7- مصطفى العربي ، نزاعات الحدود العربية: إرث الاستعمار وحروب الإخوة ( الموقع الرسمي لشبكة CNN بالعربي قسم الشرق الأوسط .
8- كاظم شبيب الشبيب ، الطائفة والطائفية: المفهوم- الواقع- المأمول ، شبكة أم الحمام الإخبارية ، بتاريخ 7/4/2010م