الرؤية الإسرائيلية للثورة المصرية
إعداد المستشار السياسي :
حسين خلف موسى
عندما اندلعت الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011 ساد الاضطراب أوساط الحكومة الإسرائيلية وصدرت تحذيرات شديدة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ونتنياهو، مؤداها أن الثورة المصرية ستقود إلي ظهور نظام أصولي في مصر علي غرار النظام الإيراني، وأن النظام الجديد في مصر سوف يبادر إلي إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل ويعيد أجواء المواجهة مجددا،
في الوقت نفسه بذلت الحكومة الإسرائيلية جهودا كبيرة لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم التخلي عن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك وبعد تقدم الثورة المصرية وتراجع نظام الرئيس السابق مبارك أمام الثوار وتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق علي ما يجري في مصر، وطلب من أعضاء حكومته التزام الصمت تماما وعدم الحديث إلي وسائل الإعلام عن الشأن المصري، وجري التركيز علي مآل معاهدة السلام فقط، وهو الأمر الذي انتهي عمليا مع صدور البيان الرابع للمجلس العسكري الأعلى في الثاني عشر من فبراير 2011 الذي تضمن في البند الخامس »التزام جمهورية مصر العربية بكافة الالتزامات والمعاهدات الإقليمية والدولية«، فبصدور هذا البيان لم يكن هناك مجال لاستمرار التساؤل عن موقف الثورة المصرية من معاهد السلام مع إسرائيل، فقد أقرت القوات المسلحة المصرية التزام مصر بكافة المعاهدات الإقليمية والدولية.
أثار اندلاع الثورة في مصر جدلا حادا في إسرائيل انصب حول فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في توقع الثورة لا سيما أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ـ أمان " أفيف كوخافي " كان قد أكد قبل أسبوع من الثورة المصرية أن النظام في مصر مستقر، ولا يوجد خطر يتهدده، ومن هنا تعرضت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لحملة إعلامية وسياسية شديدة تتهم هذه الأجهزة بالتقصير، وهناك من أكد أن الفشل في توقع الثورة في مصر يعادل الفشل في توقع ما جري في السادس من أكتوبر عام 1973م
ونتيجة لذلك طلب عدد من أعضاء لجنة الخارجية والأمن بالتحقيق في الفشل الجديد للأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية في وقت لاحق تحتمل إسرائيل نتائج مثل هذا الفشل. فقد شبّه الصحفي الإسرائيلي ( ألوف بن ) فشلَ إسرائيل ـ خاصة جهاز المخابرات العسكرية (أمان) ـ في توقع حدوث الثورة المصرية، بالفشل في توقع حدوث حرب أكتوبر عام 1973. وعزا " ألوف بن " أسبابَ هذا الفشل إلى العوامل التالية:
أولاً : كانت الفكرة السائدة في أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث ولدى خبراء الشؤون العربية على اختلاف اتجاهاتهم، أن في مصر نظاما قويا ومعارضة ضعيفة تخضع لرقابة صارمة.
ثانياً : كثفت أجهزة الأمن الإسرائيلية نشاطها ـ منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر ـ حول ما يجري في الساحات الفلسطينية والسورية واللبنانية والإيرانية، وخفضت من متابعتها العميقة لما يجري في مصر.
ثالثا : أسهمت العلاقات الوطيدة والمباشرة التي نشأت بين قيادات الأجهزة الأمنية في البلدين، وكذلك العلاقات المباشرة والودية بين القيادات السياسية، في تبني وجهة نظر ترى أن الأوضاع في مصر مستقرة
موقف المؤسسة السياسية الإسرائيلية من الثورة المصرية:
- مع بداية الثورة طلب مكتب بنامين نتنياهو من جميع الوزراء عدم التحدث أو التعليق الإعلامي عما يحدث في مصر .
- في نهاية الأسبوع الأول للثورة في مصر ، بعثت إسرائيل برسالة إلى الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية مفادها انه يوجد مصالح للغرب في الحفاظ على استقرار النظام في مصر وان إسرائيل ترى أن استقرار النظام في مصر مفيد للاستقرار في الشرق الأوسط كله ولذلك يجب لجم الانتقادات العلنية التي توجه لمبارك .
- قال الرئيس الاسرائيلى ( شمعون بيريز shimon peres ) في 31/1/2011 . خلال حفل تسلمه أوراق اعتماد لعدد من السفراء الأجانب الجدد في تل أبيب: أن نشوء نظام حكم ديني متشدد في مصر لن يجعل الأوضاع أفضل حالا مما كانت عليه في ظل النظام الحالي.
ج - وعقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية في 24/6/2012م وفوز مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور / محمد مرسى بالرئاسة . قال مكتب نتنياهو في بيان له : تشيد إسرائيل بالعملية الديمقراطية في مصر وتحترم نتيجتها وتتوقع إسرائيل استمرار التعاون مع الإدارة المصرية على أساس معاهدة السلام بين البلدين التي هي في مصلحة الشعبين .
موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية :
أثارت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حملة تخويف أخري للرأي العام الإسرائيلي بسبب الثورات الشعبية في العالم العربي، فأخذت تتحدث عن تغيير في السياسة والإستراتيجية الإسرائيليتين وعن أنها ستعيد تشكيل الألوية العسكرية التي تم تفكيكها بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر وأنها بصدد إجراء تعديلات في نظرية الأمن الإسرائيلي الراهنة.وقد تلخص موقف المؤسسة العسكرية فما يلي:
1- عبرت وزارة الدفاع عن ارتياحها لـ"تضمينات" الجيش المصري بان مصر ستستمر في احترام الاتفاقيات الدولية التي وقعتها. وبان الجيش "مستعد لكل الاحتمالات" في حين يتعرض كل العالم العربي لزلزال شامل.2- رؤية المؤسسة العسكرية أن الثورة المصرية ليست إسلامية حتي وإن كان هناك قلق من القادة الإسرائيليين من تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر، وتقوية حركة حماس.
3- التفكير علي المدى الطويل في إعادة تشكيل فرقة من الجيش للجبهة الجنوبية بعد أن تم تفكيكها إثر توقيع السلام مع مصر، وبالتالي - وفي أسوأ الحالات المتوقعة لتدهور الأوضاع ودخول قوات مدرعة مصرية مفاجئة إلي شبه جزيرة سيناء - "فستكون معرضة تماما للهجمات الجوية الإسرائيلية".
4- أن الجيش المصري مشغول حاليا في أكثر من قضية تمنعه من إعادة النظر في معاهدة السلام، ضمنها تثبيت الأوضاع الداخلية في مصر تمهيدا لاتخاذ خطوات سياسية ودستورية، والسعي لمنع الفوضي القائمة في مصر التي تشير إلي عبث قوي خارجية في الأوضاع الداخلية مثل الجهات المرتبطة بإيران وحزب الله و"حماس، وقوي إسلامية تابعة للإخوان
- استبعد وزير الدفاع الاسرائيلى ايهود باراك خطر تهديد عسكري فوري على إسرائيل بسبب تطورات الثورة في مصر .
- حذر رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال احتياط ( عاموس جلعاد ) من أن صعود الإخوان المسلمين في مصر سيقلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط .
- وحذر رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلى الجنرال ( جابي اشكنازى ) من أن الأوضاع الأمنية في مصر هشة والهدوء الذي تشهده الحدود قد يتغير في اى لحظة بدليل ما يحدث في مصر .
- أما نائب وزير الدفاع الأسبق ( أفريم سنيه ) فقد دعا لإعادة احتلال الشريط الحدودي ما بين قطاع غزة وسيناء المصرية .. وقد اعترض ( يسرائيل كاتس ) وزير المواصلات على هذه التصريحات وقال انه لا يمكن القيام بمثل هذه الخطوة .
- في 8/2/2011م صادقت اللجنة المالية في الكنست على طلب طارئ لوزارة الأمن الإسرائيلية من اجل إضافة مبلغ يقدر ب 700 مليون شيكل إلى ميزانيتها وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن طلب وزارة الأمن هذا جاء بسبب الثورة المصرية .