رجاء بنت صالح باسودان
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وارحم اللهم أئمتنا الذين خاضوا ميادين الاجتهاد ، فصالوا وجالوا فيها مستنيرين بكتاب الله وسنة رسوله يستنبطون منهما ، فاتفقوا على أشياء واختلفوا في أخرى .
ومن جملة ما اختلف فيه الفقهاء : العمل بعمل أهل المدينة وإجماعهم ، والذي يعتبر من الأصول التي اعتمد عليها الإمام مالك رحمه الله في بناء مذهبه .
وهذا الأصل المختلف فيه له تأثير في الفروع الفقهية ، وبعض الأحكام التي نشأ فيها الخلاف نتيجة للعمل بهذا الأصل .
ورغم احتجاج الإمام مالك بهذا الأصل ، غير أن مدلوله والمقصود منه ليس واضحاً وفيه بعض الغموض ، مما أدى إلى أن يكثر الجدل حول معناه . فمن مشنّع على الإمام مالك بسبب تقديمه عمل أهل المدينة على خبر الواحد ، ومن مغالٍ يرى بلوغ هذا العمل لمرتبة الإجماع المتفق عليه . فاختلف علماء المذهب وغيرهم في مقصود الإمام ، ومدلول هذا العمل وتباينت آراؤهم في حجيته .
ولأهمية ما ذكر سابقاً ، اخترت البحث فيه : " عمل أهل المدينة ، حقيقته ، وأثره في اختلاف الفقهاء " .
وقد سرت في منهجي لهذا البحث بعد التعريف لمعنى الإجماع وأنواعه ، بعرض رأي الإمام مالك في عمل أهل المدينة ، ثم عرض لأقوال بعض العلماء المالكيين فيه. وأتبعت هذه الآراء بأقوال لبعض الفقهاء والأصوليين من خارج المذهب المالكي . ونتيجة لعرض هذه الآراء ، كان لا بد من تحرير محل الخلاف بينهم . وعرض لبعض المسائل التي اختلف فيها الإمام مالك عن باقي الأئمة ، وذلك بسبب أخذه بعمل أهل المدينة .
وقد استفدت من المصادر الأصيلة لبعض أمهات الكتب ، بالإضافة إلى بعض المصادر الحديثة . وقمت بتقسيم البحث إلى تمهيد ومقدمة وفصلين وخاتمة ، كالتالي :
تمهيد
نبذة عن إمام دار الهجرة "مالك"
مولده و نسبه :
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، وبني أصبح من قحطان من اليمن . ولد الإمام مالك في المدينة عام 93هـ على الصحيح ، وقيل غير ذلك . وتوفي سنة 179هـ بالمدينة أيضاً . ويقال أن الإمام مالك لم يخرج من المدينة إلا بالحج ، وتوفي بمرض سلس البول [1].
نشأته وشيوخه :
نشأ في بيئة إسلامية علمية ، فقد كان عمه سهيل وأخوه النضر من العلماء والأجلاء ، فلا غرو أن ينصرف إلى العلم والدراسة فحفظ القرآن وهو صغير ، واتجه بعد حفظه إلى حفظ الحديث . وأحب أن يذهب إلى مجالس العلم فشجعته أسرته وخاصة أمه التي ألبسته أحسن الثياب وعممته وقالت له : " اذهب إلى ربيعة الرأي فتعلم علمه قبل أدبه " . وبهذا يكون مالك أخذ الفقه بالرأي وهو صغير ثم لازم شيخه عبدالرحمن بن هرمز ، فأخذ عنه علم اختلاف الناس وعلم الكلام والرد على الأهواء ، ولازمه أكثر من ثلاثة عشر سنة . كذلك أخذ العلم عن نافع مولى ابن عمر ، وأبو الزناد ، ويحي بن سعيد الأنصاري . وأخذ علم الأثر عن الإمام الفقيه محمد بن شهاب الزهري ، فكان يلازمه ويسأله عن علم التابعين . ثم تحول إلى علم الفقه ، ويذكر في سبب انصرافه إلى ذلك ، هو أن أباه سأله عن حكم مسألة فم يجب وأجاب أخوه ، فانصرف إلى الفقه [2].
فتياه :
بعد أن أخذ العلم من أهله وعلمائه وبعد أن شهد له سبعون من علماء المدينة بالفتيا ، بعد ذلك جلس للفتيا ، وجعل له جلسة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم فيها الحديث والفقه ، ولم يدرس علم العقائد والرد على أهل الأهواء لأنه يقول " ليس كل ما يعلم يقال " . وانتشرت سمعته في الآفاق فقصده الناس من كل مكان .
وبعد أن كبر ومرض انصرف عن المسجد وأخذ يدرس في منزله ، ولما اشتد عليه المرض ترك صلاة الجماعة وصلاة الجنائز ، ولم يبح بمرضه إلا عند وفاته ، حيث قال : كان بي سلس البول فلا أحب أن آتي مسجد رسول الله وأنا لست على طهارة ، وكان إذا جاءه جماعة يسألونه ، قال لهم : أتريدون الفقه أم الحديث : فإن أرادوا الفقه كان كما هو لا يغير من حاله شيئاً ، وإن أرادوا الحديث خرج ثم اغتسل وتطيب وتعمم وجاءهم احتراماً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم [3].
كتبه :
له كتب كثيرة بعضها اشتتهر وبعضها لم يشتهر .من الكتب التي لم تشتهر:" الأقضية " و"رسالة في القدر" و" كتاب النجوم ". وما اشتهر منها هو :" الموطأ " و " المدونة " في الفقه . وسبب تأليف الموطأ ، قيل : أن أبا جعفر قال لمالك : ضع للناس كتاباً أحملهم عليه ، ويروون أنه قال له : " يا أبا عبد الله ضم هذا العمل ، ودونه كتباً ، وتجنب فيها شدائد عبد الله بن عمر ، ورخص ابن عباس ، وشواذ ابن مسعود ، واقصد أواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الصحابة " .
وقيل أن سبب التسمية : أن العلماء وطؤوه ، أي : وافقوه ، وقيل : أنه وطأ في هذا الكتاب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وجمع فيه الأحاديث الفقهية ورتبها على أبواب الفقه ، ثم تبعها بأقوال الصحابة ثم أقوال التابعين ، ثم عمل أهل المدينة ، ثم يجتهد رأيه . ولقد سبق الإمام مالك في تأليف الموطأ عبد العزيز الماجشون وخصه بعمل أهل المدينة . ولقد استمر مالك في تأليف الموطأ أربعين سنة ، وأراد الخليفتان الرشيد والمهدي أن يفرضاه على الأمة الإسلامية كما جمع عثمان بن عفان الناس على مصحف واحد ولكنه مانع وذكر بأن ذلك ليس في مصلحة المسلمين [4].
تلاميذه :
يبلغ عدد تلاميذه من جميع بلاد المسلمين ، من خراسان ، ومن العراق ، ومن الشام ، ومن المدينة ، ومصر ، وشمال أفريقيا ، وبلاد المغرب ، ألف وثلاثمائة شخص . من أشهرهم : عبد الله بن وهب الذي لازم الإمام مالك نحو عشرين سنة ، وتوفي في سنة 197 هـ . وعبد الرحمن بن القاسم الذي يعتبر بمنزلة محمد بن الحسن الشيباني في مذهب الحنفية ، وتوفي في سنة 191 هـ. وأسد بن الفرات الذي كان مالكياً ثم أصبح حنفياً وهو من القيروان وتوفي سنة 213هـ. وأشهب القيسي الذي توفي سنة 204هـ بعد الشافعي بأيام . وعبد الملك بن الماجشون تلميذ الإمام مالك في المدينة والذي قيل أنه كتب موطأ قبل مالك [5]
مصادر فقهه :
الكتاب - السنة – الإجماع – إجماع أهل المدينة – أقوال الصحابة – القياس – المصلحة المرسلة – وقد أخذ بالاستحسان ، والاستصحاب ، وسد الذرائع . والمقصود بعمل أهل المدينة : ما عليه أهل المدينة في زمن الإمام مالك ، ويقدمون عمل أهل المدينة على خبر الآحاد [6]
انتشار مذهبه :
انتشر مذهبه في الحجاز ، وخاصة المدينة في أول أمره ، ولكن مع مرور الأيام أصبح تارة يغلب ، وتارة يخمل . وانتشر في أفريقيا ، وخاصة في المغرب – الجزائر – تونس – الأندلس – وموريتانيا [7]
الفصل الأول
المبحث الأول : تعريف الإجماع
المبحث الثاني : أنواع الإجماع
المبحث الأول : تعريف الإجماع
الإجماع في اللغة يطلق بإطلاقين :
1 - العزم والتصميم على الشيء ، ومنه قوله تعالى : " فأجمعوا أمركم " [8] أي أعزموا عليه .وقول الرسول عليه الصلاة والسلام :" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " [9].أي يعزم عليه .
2 - الاتفاق : يقال : أجمع القوم على كذا ، إذا اتفقوا عليه [10].
الإجماع في الاصطلاح :
اختلف العلماء في تعريفه ، فقد عرّفه الغزالي بأنه : " اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور الدينية " [11].
وعرّفه الآمدي بأنه :" اتفاق جملة من أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع " [12].
وعرّفه الشوكاني :"اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور ".
والمراد بالاتفاق : الإشتراك في قول أو فعل أو اعتقاد .
والتعريف الأخير يخرج اتفاق العوام إذ لا عبرة باتفاقهم ، ويخرج كذلك اتفاق الأمم السابقة . ويشير التعريف إلى أن الاتفاق الواقع في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى إجماعاً [13].
المبحث الثاني : أنواع الإجماع
القسم الأول : بالنظر إلى كيفية حدوثه ووقوعه ( الإجماع العام )
القسم الثاني : بحسب المجمعين
القسم الأول : الإجماع العام
ومنه الإجماع الصريح القولي [14]. وهو حجة عند الجمهور ، ويعتبر المصدر الثالث من مصادر التشريع .
ومن هذا القسم : الإجماع السكوتي : وهو أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في حكم شرعي أو مسألة ويسكت الباقون [15].
وقد اشترط القائلون بحجيته ( الحنفية والحنابلة ) شروطاً لا بد من توفرها فيه حتى يحقق معنى الإجماع [16]، بينما ذهب المالكية والشافعية إلى أنه ليس بحجة ولا إجماع [17].
القسم الثاني : بحسب المجمعين
أولاً : إجماع أهل المدينة
بناءً على تعريف الإجماع ، يكون إجماع أهل المدينة هو : إتفاق مجتهدي المدينة في عصر من العصور على أمر من الأمور [18].وهو من الإجماعات المختلف فيها ، والذي يدور حوله هذا البحث .
ثانياً : إجماع أهل البيت
ويسمى أيضاً بإجماع العترة ، وهم : علي بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين أبناؤهما . ومن جملة ما استدل القائلون بأن إجماعهم حجة ( وهم الزيدية والإمامية ) قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } [19]. ويجاب عن هذا الاستدلال : بأنه لا علاقة بين المودة والمحبة لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الإجماع الذي هو نتيجة للاجتهاد والاستنباط . فجمهور الأمة يرون أن إجماع البيت ليس بحجة والحجة في إجماع الأمة كلها وليس بعضها [20].
ثالثاً : إجماع الخلفاء الراشدين
اختلف في إجماعهم على حكم ، هل يكون حجة أم لا ؟ فذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن إجماعهم حجة ، وذهب جمهور الأصوليين ومنهم الإمام أحمد في الرواية الثانية أن إجماع الخلفاء الراشدين ليس بحجة مع مخالفة غيرهم ، أما إذا لم يخالفهم أحد فإن إجماعهم يكون حجة [21].
وهناك إجماع الشيخين ( أبي بكر وعمر ) ، وإجماع أهل الحرمين ( المدينة ومكة ) ، وكذلك إجماع أهل المصرين ( البصرة والكوفة ) وهي ليست بحجة (4).
الفصل الثاني
المبحث الأول : عمل أهل المدينة عند الإمام مالك والمالكيين
المبحث الثاني : رأي بعض الفقهاء والأصوليين في عمل أهل المدينة
المبحث الثالث : تحرير محل الخلاف
المبحث الرابع : أثر الاختلاف في عمل أهل المدينة في بعض المسائل
ويعتبر الإمام مالك عمل أهل المدينة أو إجماعهم من مصادر التشريع عنده . وممّا ينبغي ذكره ، أن عمل أهل المدينة أو إجماعهم من الأصول الفقهية التي احتج بها سلف الإمام مالك واعتبروه حجة يعتمدون عليها . وتتجلى هذه القضايا في فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أقضيته ، وتتبعه للسنن ، ومشاورته للصحابة المتواجدين في المدينة ، وكذلك في أقضية عثمان رضي الله عنه ، ومن بعدهما التابعون ، بالإضافة إلى آثار الصحابة وأقضية الأئمة [23].
وممّا يؤيد اعتبار سلف الإمام مالك بهذا الأصل ، أمران :
1 - الاحتجاج به : حيث قال سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج وهو محرم : " أجمع أهل المدينة على أن يفرق بينهما [24].
2 - استعمالهم مصطلحات في العمل ، سار على نهجهم فيها مالك ، ونقل بها قضاياه ، مثل : قول سلمان بن يسار في كفارة اليمين : " أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين بالمد الأصغر ، رأوا ذلك مجزئاً عنهم " [25]وكذلك : عبارة " قد مضى أمر الناس على هذا " ، وغيرها من المصطلحات [26].
ويتبين لنا أن الإمام مالك كان يرى الفقهاء يحتجون بعمل أهل المدينة باستعمال مصطلحات متعددة ، تبعهم فيها [27]. يقول الأستاذ الدكتور ، احمد محمد نور سيف في هذا الموضوع : " أنه (مالك) كان شديد الاتباع لهم (فقهاء المدينة) ، بعيداً عن الابتداع ، ميالاً إلى التأسي بمن سبقه ، مجانباً لما لم ير أصوله تعتمد على تلك الثروة الفقهية عندهم ، ولذا كان عمل أهل المدينة أو إجماعهم أحد الأصول التي اعتمد عليها في الاجتهاد والاستنباط " [28].
ولقد اختُلف في عمل أهل المدينة وكثر الحديث حوله بالنقد والجدل من المعاصرين للإمام مالك وكذلك المتأخرين . واختلف المالكية أنفسهم في المراد من عمل أهل المدينة ، وفيما يأتي آراء لبعض فقهائهم :
1 - القاضي عبد الوهاب [29]
أ - إجماع أهل المدينة نقلاً حجة تحرم مخالفته ، ومن طريق الاجتهاد مختلف في كونه حجة ، والصحيح عندنا أنه يرجح به على غيره ، ولا يحرم الذهاب إلى خلافه [30].
ب - إجماع أهل المدينة على ضربين : نقلي واستدلالي .
الثاني : ليس بحجة ولكن يرجح به أحد الإجتهادين ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي .
الثالث : أنه حجة وإن لم يحرم خلافه ، وعليه يدل كلام أحمد بن المعذل ، وأبي مصعب ، وإليه ذهب أبو الحسن بن أبي عمر من البغداديين ، وجماعة من المغاربة من أصحابنا ، ورأوه مقدماً على خبر الواحد والقياس ، وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك ، ولا يصح عنه كذا مطلقاً [31].
2 - القاضي عياض [32]
إجماع أهل المدينة على ضربين ، ضرب من طريق النقل والحكاية الذي تؤثره الكافة عن الكافة وعملت به عملاً لا يخفى ونقله الجمهور عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال ، فهذا النوع اختلف فيه أصحابنا فذهب معظمهم إلى انه ليس بحجة ولا فيه ترجيح . والمراد به عنده وعند كثير من محققي المالكية عمل الصحابة لا غير [33].
3 - ابن القصار [34]
من مذهب مالك رحمه الله العمل على إجماع أهل المدينة فيما طريقه التوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون الغالب فيه أنه عن توقيف منه عليه الصلاة والسلام ، كإسقاط زكاة الخضراوات ؛ لأنه معلوم أنها قد كانت في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل أنه اخذ منها الزكاة ، وإجماع أهل المدينة على ذلك ، فعمل عليه وإن خالفهم غيره [35].
4 - أبو عبيد القاسم [36]
وإجماعهم (أهل المدينة) فيقسم إلى قسمين : أحدهما : استنباط ، والآخر : توقيف . فالضرب الأول : لا فرق بينهم وبين سائر أهل الأمصار فيه . وأما الضرب الثاني : المضاف إلى التوقيف فهو الذي يعوّل عليه ، ويُعترض على خبر الواحد به ، نحو إسقاطهم الزكاة في الخضراوات ، والآذان ، والتكبير على الجنائز ، وإجازة الوقوف ، ومعاقلة الرجل المرأة إلى ثلث الدية [37].
6 - القرافي [40]
اختلف أصحابه (مالك) في تقرير مذهبه على قولين :
أ - منهم من يقول : إنما مقصوده تلك الأقوال المنقولة خاصة ، إما عن قول سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن فعل وضع كما كان في "الصاع" و"المد" ، فينقل الأبناء عن الآباء والأخلاف عن الأسلاف أن هذا هو المد الذي كانوا يؤدون به الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأذان كان على هذه الصورة في زمانه عليه السلام كما قاله مالك لأبي يوسف لما ناظره في الأذان والصاع والأوقاف ، فسأل أبناء الصحابة فأخبروه بذلك ، فقال : هذا أذان القوم ، وهذا صاعهم ، وهذه أوقاف الصحابة – رضوان الله عليهم – فرجع أبو يوسف عن مذهب أبي حنيفة إلى ذلك .
ب - ومنهم من قال : بل المقصود ما هو أعم من هذا وهو أنهم إذا اتفقوا على نقل ، أو كانوا في أنفسهم يفعلون فعلاً لا يُعلم مستندهم فيه ، فإنه يكون حجة ويقدّم على الأحاديث ؛ لأن الظاهر من حالهم أنهم ما عدلوا عن الحديث – مع اطّلاعهم عليه – إلا وقد اطّلعوا على ناسخ [41].
والضرب الثاني من أقوال أهل المدينة ما نقلوه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد . فهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وعلماء غيرهم في أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح ، ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة [43].
وبناءً على ما ذكر سابقاً : فإن المالكية اختلفوا في المقصود من عمل أهل المدينة ، فمن قائل : إن المراد به المنقولات المستمرة ، وقيل : إن روايتهم أولى من رواية غيرهم ، وقيل : إن إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، وقيل : إنما أراد ترجيح اجتهادهم على اجتهاد غيرهم ، وقيل : أراد إجماع أهل المدينة من الصحابة ، وقيل : بل أراد الصحابة والتابعين ، واختار بعضهم التعميم .
المبحث الثاني : رأي بعض الفقهاء والأصوليين في عمل أهل المدينة
1 - الشافعي[44]
قال في الرسالة : ولست أقول ولا أحد من أهل العلم : هذا مجتمع عليه إلا لما تلقى عالماً أبداً إلا قاله لك وحكاه عمن قبله ، كالظهر أربع ، وكتحريم الخمر وما أشبه ذلك . قال : وقد أجده يقول : المجمع عليه ، وأجد من المدينة من أهل العلم كثيراً يقولون بخلافه ، وأجد عامة أهل البلدان على خلاف ما يقول المجمع عليه[45].
2 - ابن تيمية[46]
إجماع أهل المدينة على أربع مراتب :
الأولى : ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد ، وكذلك صدقة الخضراوات والأحباس ، وهو حجة .
الثانية : العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان ، فهذا حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي .
الثالثة : إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين وقياسين ، جهل أيهما أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ ففيه نزاع : فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة ، ومذهب أبي حنيفة لا يرجح بعمل أهل المدينة .
الرابعة : العمل المتاخر بالمدينة ، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية ، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم ، وهو قول المحققين من أصحاب مالك [47].
3 - الآمدي [48]
اتفق الأكثرون على أن إجماع أهل المدينة وحدهم لا يكون حجة على من خالفهم في حالة انعقاد إجماعهم ، خلافاً لمالك ، فإنه قال : يكون حجة . ومن أصحابه من قال : إنما أراد ترجيح روايتهم على رواية غيرهم . ومنهم من قال : أراد به أن يكون إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، ومنهم من قال : أراد بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمختار : مذهب الأكثرين [49].
4 - الغزالي [50]
قال مالك : الحجة في إجماع أهل المدينة فقط ..... ثم قال : وربما احتجوا بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها ، وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم [51].
5 - ابن القيم [52]
العمل نوعان : نوع لم يعارضه نص ولا عمل قبله ولا عمل مصر آخر غيره ، وعمل عارضه واحد من هذه الثلاثة [53].
المبحث الثالث : تحرير محل الخلاف
إن دعوى القول بأن الإمام مالك يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة قول باطل لا أساس له من الصحة ، ولم ينقل عنه [54]. فقد زعم بعض أهل الأصول أن الإمام مالك عدّ إجماع أهل المدينة بمنزلة إجماع الأمة ( المصدر الثالث من مصادر التشريع ) وعدم اعتداده بما يخالف إجماعهم.
كذلك زعم بعضهم : أن الإمام مالك يرى إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر دون قصره على عصر الصحابة والتابعين ، وهذا ظن فاسد لا يليق أن ينسب إليه [55].
وبناءً على ما ذكر سابقاً من الفهم الخاطئ لمراد الإمام مالك بعمل أهل المدينة شنّع أكثرهم عليه . يقول القاضي عياض في معرض الرد على هذه المزاعم : " اعلموا أكرمكم الله أن جميع أرباب المذاهب من الفقهاء والمتكلمين وأصحاب الأثر والنظر إلبٌ واحد على أصحابنا على هذه المسألة مخطئون لنا فيها بزعمهم ، محتجون علينا بما سنح لهم حتى تجاوز بعضهم حد التعصب والتشنيع إلى الطعن في المدينة وعدّ مثالبها وهم يتكلمون في غير موضع خلاف ، فمنهم من لم يتصور المسألة ولا تحقق مذهبنا فتكلموا فيها على تخمين وحدس ، ومنهم من أخذ الكلام فيها ممن لم يحققه عنّا ، ومنهم من أطالها وأضاف إلينا ما لا نقوله فيها " . ثم أضاف قائلاً : " حكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي أن مالكاً يقول : لا يعتبر إلا بإجماع أهل المدينة دون غيره ، وهذا ما لا يقوله هو ولا أحد من أصحابه ، وحكى بعض الأصوليين أن مالكاً يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة إجماعاً ، ووجه قوله بأنه لعله كانوا عنده أهل الاجتهاد في ذلك الوقت دون غيرهم ، وهذا ما لم يقله مالك ولا روي عنه [56].
وقال الباجي:" قد أكثر أصحاب مالك في ذكر إجماع المدينة والاحتجاج به، وحمل ذلك بعضهم على غير وجهه فتشنّع به المخالف عليه وعدل عمّا قرّره في ذلك المحققون من أصحاب مالك[57].
والذي يمكن أن يتعلق به من نسب إلى مالك أنه يرى أن الإجماع هو إجماع أهل المدينة ( في رسالته إلى الليث بن سعد ) أمران :
1 - قوله : " فإنما الناس تبع لأهل المدينة " .
2 - قوله : " فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به ، لم أر لأحد خلافه " .
فهذا لا يدل على أنه يرى تخصيص الإجماع بهم ، أو أن إجماعهم لا تجوز مخالفته ، وإنما أوضح مكانة علم أهل المدينة ، وأنهم قدوة لغيرهم ، ولا يرى لأحد عذراً في مخالفة الأمر عندهم ، إذا كان ظاهراً معمولاً به ، بل غاية ما يدل عليه أنه حجة عنده ، ولا يلزم من كونه حجة عنده ، أن يكون إجماعاً بمنزلة إجماع الأمة " [58].
وبهذا ينتفي أن يكون المراد من إجماع أهل المدينة عند الإمام مالك هو إجماع الأمة.
قال القاضي عياض : فهذا النوع من إجماعهم ... حجة يلزم المصير إليه ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس ، فإن هذا النقل محقق معلوم موجب للعلم القطعي فلا يترك لما توجبه غلبة الظنون وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين ممن ناظر مالكاً وغيره من أهل المدينة في مسألة الأوقاف والمد والصاع حين شاهد هذا النقل وتحققه ، ولا يجب لمنصف أن ينكر الحجة هذه ، وهذا الذي تكلم عليه مالك عن أكثر شيوخنا ولا خلاف في صحة هذا الطريق ، وكونه حجة عند العقلاء وتبليغه العلم يدرك ضرورة ، وإنما خالف في تلك المسائل من غير أهل المدينة من لم يبلغه النقل الذي بها [60].
وقال القاضي عبد الوهاب : لا خلاف بين أصحابنا في هذا ، ووافق عليه الصيرفي وغيره من أصحاب الشافعي كما حكاه الآمدي [61]
وقال الباجي[62]: أن مالكاً إنما عوّل على أقوال أهل المدينة وجعلها حجة في ما طريقه النقل .
أما النوع الثاني : وهو ما كان طريقه الاجتهاد والاستدلال والاستنباط ، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف في كونه حجة ملزمة أم لا ! يقول "ابن القيم" فيه : " وأما العمل الذي طريقه الاجتهاد والاستدلال فهو معترك النزال ومحل الجدال [63].
وقد اعتبر ابن تيمية العمل القديم (المرتبة الثانية) حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي ، وظاهر مذهب أحمد ، والمحكي عن أبي حنيفة ، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما العمل الذي وافقه دليل وخالفه آخر من جنسه (المرتبة الثالثة) ففي حجيته نزاع ، فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة ومذهب أبي حنيفة لا يرجح بعمل أهل المدينة ، ولأصحاب أحمد وجهان . أما العمل المتأخر بالمدينة (المرتبة الرابعة) فقد جزم ابن تيمية بعدم حجيته ، حيث قال : " والناس على عدم حجيته ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وقول المحققين من أصحاب مالك [64].
حجة الإمام مالك ومن تبعه :
تتضح حججه من رسالته التي أرسلها إلى الليث بن سعد ، وهي كالتالي :
1 - أن القرآن المشتمل على الشرائع وفقه الإسلام نزل في المدينة ، وأهلها هم أول من وجه إليهم التكليف ، ومن خوطبوا بالأمر والنهي ، وأجابوا داعي الله فيما أمر ، فهي دار هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ومهبط الوحي ، ومستقر الإسلام ، وجمع الصحابة ، فلا يخرج الحق عن أهلها .
2 - أن أهل المدينة شاهدوا التنزيل ، وسمعوا التنزيل ، وكانوا أعرف بأحوال الرسول .
3 - أن رواية أهل المدينة مقدمة على رواية غيرهم ، فكان إجماعهم حجة على غيرهم [65].
وقد احتج من ناصر مذهب مالك بالآثار التي وردت في فضل المدينة ، وبيان شرفها ، ومنها:
1 - قوله عليه الصلاة والسلام : " إن المدينة لتنفي خبثها ، كما ينفي الكير خبث الحديد " [66].
2 - قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها" [67].
3 - قوله عليه الصلاة والسلام:"لا يكيد أحد أهل المدينة إلا إنماع كما ينماع الملح في الماء" [68].
4 - قوله عليه الصلاة والسلام : " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيخرج الله كل كافر ومنافق " [69]
ويرد على هذا الاحتجاج : أن الآثار قد خصتها بالذكر إظهاراً لشرفها ، وتمييزاً لها عن غيرها لما اشتملت عليه من الصفات المذكورة ، ولا يدل على تخصيص أهلها بالإجماع . وأن اشتمال المدينة على صفات موجبة لفضلها لا يدل على انتفاء الفضيلة عن غيرها ، ولا على الاحتجاج بإجماع أهلها . ولا يدل على انحصار أهل العلم فيها والمعتبرين من أهل الحل والعقد ومن تقوم الحجة بقولهم [70].
ومن ردود المخالفين لحجية عمل أهل المدينة ما لا صلة له بما قرره محققوا المالكية وأئمة مذهبهم ، وأهل العناية بالاستدلال ، وإنما ينصرف نقدهم إلى من توسع في حجية العمل من المغالين ، مما لم يقله مالك ولا أئمة أصحابه وأتباعه ، وبعض الردود تعدّى محل النزاع إلى الطعن في الفقه المدني عامة [71].
والذي احتج به الإمام مالك بن أنس من إجماع أهل المدينة ما كان يدل على النقل والتقرير من النبي صلى الله عليه وسلم ..... وهذا القول هو المؤيد بالحجة وإليه يشير كلام مالك في "الموطأ" . قال إسماعيل بن أبي أويس : سألت مالك بن أنس خالي من قوله في "الموطأ" : " الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه " و" الأمر المجتمع عليه " و " الأمر عندنا " ؟ . فقال : أما قولي " الأمر المجتمع عليه عندنا لا اختلاف فيه " فهذا ما لا اختلاف فيه قديماً ولا حديثاً . وأما قولي " الأمر المجتمع عليه" فهو الذي اجتمع عليه من أرضاه من أهل العلم وإن كان وقع فيه خلاف . وأما قولي "الأمر عندنا " و " سمعت بعض أهل العلم " فهو قول من أرتضيه وأقتدي به . فذكر أن الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه هو الذي تناقله أهل العصر عن الذي قبلهم ، فهذا هو إجماع أهل المدينة عنده ، لا إجماع عن رأي واجتهاد ، وهذا ما لا يتوقف عن الاحتجاج به منصف ، فإنه يفيد العلم الضروري كنقلهم مسجده ومنبره وقبره [72].
وتفصيل القول فيه : أنه إن كان إجماع أهل المدينة أساسه النقل ، فإنه مقدم على خبر الآحاد ؛ لأنه نقل متواتر ، وخبر الآحاد لا يعارض المتواتر لأنه ظني ، والمتواتر قطعي ، وهذا أمر لا خلاف فيه عند المالكيين . أما إذا كان عمل أهل المدينة أو إجماعهم أساسه الاجتهاد ، فالخبر أولى عند جمهور المالكيين ، وبعضهم قرّر أن الإجماع يجوز أن يكون من طريق الاجتهاد ، وأن إجماع المدينة كيفما كانت أسبابه حجة مضعفة لخبر الاحاد [74].
وقد أحصى الشاطبي في الموافقات طائفة من المسائل أخذ فيها مالك بالقياس أو المصلحة أو القاعدة العامة وترك خبر الآحاد ؛ لأنه يرى الأصول التي أخذ بها قطعية أو تعود إلى أصل قطعي ، والخبر الذي ردّه ظني [75]
ومن هنا يتضح أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن دلالة خبر الآحاد ظنية وليست قطعية ، لذلك فهو يترك العمل بالحديث الأحادي إذا صادم أصلاً قطعياً عنده .
" فقد أخذ مالك بالعديد من أخبار الآحاد في الموطأ ، ولم ينقل فيها العمل ، مما يدل على أنه لا يشترط في خبر الآحاد مصاحبة العمل له [76].
2 - ذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية . قال : " فواجب على من صلى منفرداً أو إماماً أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لايجزيه غيرها " [78].
3 – ذهب الحنفية إلى عدم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاتين السرية والجهرية [79].
4 – وذهب أحمد رحمه الله تعالى إلى استحباب القراءة للمأموم فيما لا يجهر فيه ، وفي سكتات الإمام وإذا كان بعيداً لا يسمع قراءة الإمام [80].
2 – و ذهبت الحنفية و الحنابلة إلى أن ذوي الأرحام يرثون عندما لا يكون عاصب أو ذو فرض غير الزوجين ، على اختلاف في طريقة توريثهم تتردد بين القرابة والتنزيل . فالحنفية يختارون طريقة القرابة فيورثون الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام . والحنابلة يورثون على طريقة التنزيل ، أي يجعلونه بمنزلة من يدلي به ممن يرث [82].
3 - أما الشافعية فأصل مذهبهم أن لا يورث ذوو الأرحام ، بل المال لبيت المال ، و أفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فرض عن فروضهم بالنسبة ، فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام [83].
من أدلة من قال بالتوريث :
أ - قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . و هذا عموم يشمل ذوي الأرحام و يجعلهم أحق بالميراث [84].
ب - قوله عليه الصلاة و السلام " ... و الخال وارث من لا وارث له .... "و استدل به على أن الخال من جملة الورثة و هو من ذوي الأرحام : و مثله سائر الأرحام [85].
و من أدلة من لم يورث ذوي الأرحام :
أ - قوله عليه الصلاة و السلام حين سئل عن ميراث العمة و الخالة : " لا ميراث لهما " [86]
1 - قال مالك رحمة الله تعالى : لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله المسلم قتل غيلة فيقتل به [88].
2 - و قال أبو حنيفة و أصحابه رحمهم الله تعالى : يقتل به مطلقاً [89].
3 - أما الإمام الشافعي و أحمد رحمهما الله تعالى فقالا : لا يقتل مسلم بكافر بحال [90].
الأدلة : حجة الإمام مالك رحمه الله تعالى : عمل أهل المدينة .
من أدلة الإمام أبي حنيفة و أصحابه رحمهم الله تعالى :
- قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى }.(البقرة: 78) . ووجه الاستدلال : عدم التفصيل في الحر بين مؤمن و غيره [91]
- قوله عليه الصلاة و السلام : " العمد قود "[92]، و هذا عمد فيجب القود به ، أي قتل القاتل ، و هو القصاص [93]
حجة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
- أن ظاهر الكتاب فرض القصاص بين المؤمنين المكلفين الذين ربطت بينهم أخوة الإيمان ، إذا قتل بعضهم بعضاً ، لا من انقطعت بهم الرابطة .
- سنة المصطفى عليه الصلاة و السلام حيث ثبت الدليل أنه لا يقتل مسلم بغيره بحال من الأحوال [94]
أما حجة الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
- قول النبي صلى الله عليه و سلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم ، و يسعى بذمتهم أدناهم ، و لا يقتل مؤمن بكافر " [95].
- الذمي منقوص بالكفر ، و هو في هذا كالمستأمن ، و موافقة أبي حنيفة الجماعة على أن المسلم لا يقاد بالمستأمن . فكذلك الذمي إذا قتله المسلم لا يقتل به [96].
1- فذهب مالك و أبو حنيفة رحمهما الله تعالى : إلى أن قليل الرضاع و كثيرة سواء في ثبوت التحريم. قال الإمام مالك في الموطأ : الرضاعة قليلها و كثيرها إذا كان في الحولين تحرم [97].
2- و ذهب الشافعي رحمه الله تعالى : أن التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات متفرقات .
3- وعن أحمد رحمه الله تعالى ثلاث روايات : أ - قليل الرضاع و كثيره يحرم .
ب – لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات .
جـ - أن التحريم يتعلق بخمس رضعات فصاعداً [98]
الأدلة :
حجة الإمام مالك : عمل أهل المدينة .
أما الحنفية فاحتجوا بقوله تعالى:" وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " . (النساء: 23)
وجه الاستدلال : أن الله تعالى علّق التحريم بفعل الرضاعة من غير فصل بين قليل أو كثير ، وهذا مذهب ابن عمر [99].
حجة الشافعي ، والصحيح في مذهب أحمد ، رحمهما الله تعالى : أن آية الرضاع عامة وخصّصتها السنة المحكية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبحديث الرسول عليه الصلاة والسلام : " لا تحرم المصة والمصتان ، ولا الرضعة والرضعتان " ، وما استدل به الشافعي استدل به الحنابلة للصحيح من مذهبهم [100].
المسألة الخامسة : مسألة ضع وتعجّل
أجمع أهل العلم على تحريم تأخير الدين مقابل الزيادة فيه ، واختلفوا في عكسه : أي تعجيل القضاء مقابل حطّ شيء من الدين ، وهو المسمّى "ضع وتعجل" [101]
1 - فذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى إلحاق الثاني بالأول ، فلا يجوز ذلك بحال ، وهو مما اجتمع عليه أهل المدينة كافة . جاء في "الموطأ" : " قال مالك : والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل ، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب ، وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ، ويزيده الغريم في حقه ، قال : فهذا الربا بعينه لا شك فيه " [102]
2 - ذهب أبو حنيفة وابن حنبل والشافعي في أحد قوليه : إلى منعه [103]
3 - أحد قولي الشافعي وابن عباس من الصحابة : أن ضع وتعجّل جائز [104]
الأدلة :
- استدل الإمام مالك بالعمل الذي لا اختلاف فيه عند أهل المدينة .
- واستدل الجمهور : أ - بما روي أن المقداد بن الأسود قال : أسلفت رجلاً مائة دينار ، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : عجل لي تسعين ديناراً وأحط عشرة دنانير ، فقال : نعم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أكلت ربا يا مقداد وأطعمته" .
ب - أن عبدالله بن عمر سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل ، فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر ؟ فكره ذلك عبدالله بن عمر ونهى عنه [105]
جـ - قد ثبت تحريم ربا الجاهلية ، وهو المعروف ب" انظرني أزدك " بصريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولما كان " ضع وتعجّل " شبيه بالزيادة مع النظرة ، بجامع مقابلة الزمان بمقدار من الثمن في الموضعين جميعاً ، فإن الزيادة في زمان الأول قابلتها زيادة في قدر الدين ، والحط من الزمان في الثاني قابله حط من قدر الدين ، وبه يعلم أنهما سواء في الحكم . وأن الحط من الدين مقابل تعجيله فيه شراء الجنس الواحد ببعضه متفاضلاً مع التأخير ، والتفاضل والنساء في الجنس الواحد لا يجوز [106]
- استدل القائلون بجواز تعجيل الدين مقابل الحط عنه : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير من المدينة ، جاء ناس منهم فقالوا : يا رسول الله ! إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعوا وتعجلوا " . وفي الحديث إباحة للحط من الدين مقابل تعجيله ، وقد ثبت عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يقول المدين : أعجل لك وتضع عني [107]
- أن في الحط من الدين منفعة للمدين فصار من أسباب الزيادة في الإرفاق فلم يمنع [108].
الخاتمة
1- انفراد الإمام مالك بالقول بعمل أهل المدينة . والمقصود بعمل أهل المدينة : أقاويل أهلها ، ومنه ما كان أصله سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه ما كان سنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ومنه ما كان اجتهاداً ممن بعدهم من الصحابة والتابعين .
2- بطلان الدعوى القائلة بأن الإمام مالك يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة وأن إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر .
3- حجية العمل النقلي سواء أكان مصدره قولاً أو فعلاً أو تقريراً مباشراً من النبي صلى الله عليه و سلم . و تحريم مخالفته .
4- أن الخلاف في إجماع أهل المدينة فيما طريقه الاجتهاد والاستدلال والاستنباط .
5- أن العمل القديم لأهل المدينة حجة .
6- عدم حجية العمل المتأخر بالمدينة .
7- أن عمل أهل المدينة الذي وافقه دليل وخالفه آخر ، اختلف فيه : فمنهم من يرجح بعمل أهل المدينة ، ومنهم لا يرجح .
8- اختلاف العلماء في تحديد مراد الإمام مالك من العمل ، واستخدامه لمصطلحات عديدة ، كقوله : " الأمر المجتمع عليه " و " الذي لا اختلاف فيه " ، وغيرهما .
9- أن الإمام مالك لا يستحق مثل هذا التشنيع ، خاصة إذا علمنا أنه لم يرد حمل الناس على "الموطأ" عندما عُرض عليه هذا الأمر ، ولو كان يريد إلزام الناس بما فيه لوافق عليه في الحال .
10- أن خبر الآحاد دلالته ظنية عند الإمام مالك ، لذا فهو لا يعمل به عند مصادمته لعمل أهل المدينة المتواتر .
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وارحم اللهم أئمتنا الذين خاضوا ميادين الاجتهاد ، فصالوا وجالوا فيها مستنيرين بكتاب الله وسنة رسوله يستنبطون منهما ، فاتفقوا على أشياء واختلفوا في أخرى .
ومن جملة ما اختلف فيه الفقهاء : العمل بعمل أهل المدينة وإجماعهم ، والذي يعتبر من الأصول التي اعتمد عليها الإمام مالك رحمه الله في بناء مذهبه .
وهذا الأصل المختلف فيه له تأثير في الفروع الفقهية ، وبعض الأحكام التي نشأ فيها الخلاف نتيجة للعمل بهذا الأصل .
ورغم احتجاج الإمام مالك بهذا الأصل ، غير أن مدلوله والمقصود منه ليس واضحاً وفيه بعض الغموض ، مما أدى إلى أن يكثر الجدل حول معناه . فمن مشنّع على الإمام مالك بسبب تقديمه عمل أهل المدينة على خبر الواحد ، ومن مغالٍ يرى بلوغ هذا العمل لمرتبة الإجماع المتفق عليه . فاختلف علماء المذهب وغيرهم في مقصود الإمام ، ومدلول هذا العمل وتباينت آراؤهم في حجيته .
ولأهمية ما ذكر سابقاً ، اخترت البحث فيه : " عمل أهل المدينة ، حقيقته ، وأثره في اختلاف الفقهاء " .
وقد سرت في منهجي لهذا البحث بعد التعريف لمعنى الإجماع وأنواعه ، بعرض رأي الإمام مالك في عمل أهل المدينة ، ثم عرض لأقوال بعض العلماء المالكيين فيه. وأتبعت هذه الآراء بأقوال لبعض الفقهاء والأصوليين من خارج المذهب المالكي . ونتيجة لعرض هذه الآراء ، كان لا بد من تحرير محل الخلاف بينهم . وعرض لبعض المسائل التي اختلف فيها الإمام مالك عن باقي الأئمة ، وذلك بسبب أخذه بعمل أهل المدينة .
وقد استفدت من المصادر الأصيلة لبعض أمهات الكتب ، بالإضافة إلى بعض المصادر الحديثة . وقمت بتقسيم البحث إلى تمهيد ومقدمة وفصلين وخاتمة ، كالتالي :
- التمهيد : وذكرت فيه نبذة مختصرة عن الإمام مالك . ثم المقدمة .
- الفصل الأول : وفيه مبحثان :
- المبحث الأول : تعريف الإجماع لغة واصطلاحاً .
- المبحث الثاني : أنواع الإجماع .
- الفصل الثاني : وفيه أربعة مباحث :
- المبحث الأول : عمل أهل المدينة عند الإمام مالك وبعض المالكيين .
- المبحث الثاني : رأي بعض الفقهاء والأصوليين في عمل أهل المدينة .
- المبحث الثالث : تحرير محل الخلاف .
- المبحث الرابع : أثر الاختلاف في عمل أهل المدينة في بعض المسائل .
- الخاتمة : وفيها أهم ما توصل إليه البحث من نتائج .
تمهيد
نبذة عن إمام دار الهجرة "مالك"
مولده و نسبه :
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، وبني أصبح من قحطان من اليمن . ولد الإمام مالك في المدينة عام 93هـ على الصحيح ، وقيل غير ذلك . وتوفي سنة 179هـ بالمدينة أيضاً . ويقال أن الإمام مالك لم يخرج من المدينة إلا بالحج ، وتوفي بمرض سلس البول [1].
نشأته وشيوخه :
نشأ في بيئة إسلامية علمية ، فقد كان عمه سهيل وأخوه النضر من العلماء والأجلاء ، فلا غرو أن ينصرف إلى العلم والدراسة فحفظ القرآن وهو صغير ، واتجه بعد حفظه إلى حفظ الحديث . وأحب أن يذهب إلى مجالس العلم فشجعته أسرته وخاصة أمه التي ألبسته أحسن الثياب وعممته وقالت له : " اذهب إلى ربيعة الرأي فتعلم علمه قبل أدبه " . وبهذا يكون مالك أخذ الفقه بالرأي وهو صغير ثم لازم شيخه عبدالرحمن بن هرمز ، فأخذ عنه علم اختلاف الناس وعلم الكلام والرد على الأهواء ، ولازمه أكثر من ثلاثة عشر سنة . كذلك أخذ العلم عن نافع مولى ابن عمر ، وأبو الزناد ، ويحي بن سعيد الأنصاري . وأخذ علم الأثر عن الإمام الفقيه محمد بن شهاب الزهري ، فكان يلازمه ويسأله عن علم التابعين . ثم تحول إلى علم الفقه ، ويذكر في سبب انصرافه إلى ذلك ، هو أن أباه سأله عن حكم مسألة فم يجب وأجاب أخوه ، فانصرف إلى الفقه [2].
فتياه :
بعد أن أخذ العلم من أهله وعلمائه وبعد أن شهد له سبعون من علماء المدينة بالفتيا ، بعد ذلك جلس للفتيا ، وجعل له جلسة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم فيها الحديث والفقه ، ولم يدرس علم العقائد والرد على أهل الأهواء لأنه يقول " ليس كل ما يعلم يقال " . وانتشرت سمعته في الآفاق فقصده الناس من كل مكان .
وبعد أن كبر ومرض انصرف عن المسجد وأخذ يدرس في منزله ، ولما اشتد عليه المرض ترك صلاة الجماعة وصلاة الجنائز ، ولم يبح بمرضه إلا عند وفاته ، حيث قال : كان بي سلس البول فلا أحب أن آتي مسجد رسول الله وأنا لست على طهارة ، وكان إذا جاءه جماعة يسألونه ، قال لهم : أتريدون الفقه أم الحديث : فإن أرادوا الفقه كان كما هو لا يغير من حاله شيئاً ، وإن أرادوا الحديث خرج ثم اغتسل وتطيب وتعمم وجاءهم احتراماً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم [3].
كتبه :
له كتب كثيرة بعضها اشتتهر وبعضها لم يشتهر .من الكتب التي لم تشتهر:" الأقضية " و"رسالة في القدر" و" كتاب النجوم ". وما اشتهر منها هو :" الموطأ " و " المدونة " في الفقه . وسبب تأليف الموطأ ، قيل : أن أبا جعفر قال لمالك : ضع للناس كتاباً أحملهم عليه ، ويروون أنه قال له : " يا أبا عبد الله ضم هذا العمل ، ودونه كتباً ، وتجنب فيها شدائد عبد الله بن عمر ، ورخص ابن عباس ، وشواذ ابن مسعود ، واقصد أواسط الأمور ، وما اجتمع عليه الصحابة " .
وقيل أن سبب التسمية : أن العلماء وطؤوه ، أي : وافقوه ، وقيل : أنه وطأ في هذا الكتاب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وجمع فيه الأحاديث الفقهية ورتبها على أبواب الفقه ، ثم تبعها بأقوال الصحابة ثم أقوال التابعين ، ثم عمل أهل المدينة ، ثم يجتهد رأيه . ولقد سبق الإمام مالك في تأليف الموطأ عبد العزيز الماجشون وخصه بعمل أهل المدينة . ولقد استمر مالك في تأليف الموطأ أربعين سنة ، وأراد الخليفتان الرشيد والمهدي أن يفرضاه على الأمة الإسلامية كما جمع عثمان بن عفان الناس على مصحف واحد ولكنه مانع وذكر بأن ذلك ليس في مصلحة المسلمين [4].
تلاميذه :
يبلغ عدد تلاميذه من جميع بلاد المسلمين ، من خراسان ، ومن العراق ، ومن الشام ، ومن المدينة ، ومصر ، وشمال أفريقيا ، وبلاد المغرب ، ألف وثلاثمائة شخص . من أشهرهم : عبد الله بن وهب الذي لازم الإمام مالك نحو عشرين سنة ، وتوفي في سنة 197 هـ . وعبد الرحمن بن القاسم الذي يعتبر بمنزلة محمد بن الحسن الشيباني في مذهب الحنفية ، وتوفي في سنة 191 هـ. وأسد بن الفرات الذي كان مالكياً ثم أصبح حنفياً وهو من القيروان وتوفي سنة 213هـ. وأشهب القيسي الذي توفي سنة 204هـ بعد الشافعي بأيام . وعبد الملك بن الماجشون تلميذ الإمام مالك في المدينة والذي قيل أنه كتب موطأ قبل مالك [5]
مصادر فقهه :
الكتاب - السنة – الإجماع – إجماع أهل المدينة – أقوال الصحابة – القياس – المصلحة المرسلة – وقد أخذ بالاستحسان ، والاستصحاب ، وسد الذرائع . والمقصود بعمل أهل المدينة : ما عليه أهل المدينة في زمن الإمام مالك ، ويقدمون عمل أهل المدينة على خبر الآحاد [6]
انتشار مذهبه :
انتشر مذهبه في الحجاز ، وخاصة المدينة في أول أمره ، ولكن مع مرور الأيام أصبح تارة يغلب ، وتارة يخمل . وانتشر في أفريقيا ، وخاصة في المغرب – الجزائر – تونس – الأندلس – وموريتانيا [7]
الفصل الأول
المبحث الأول : تعريف الإجماع
المبحث الثاني : أنواع الإجماع
المبحث الأول : تعريف الإجماع
الإجماع في اللغة يطلق بإطلاقين :
1 - العزم والتصميم على الشيء ، ومنه قوله تعالى : " فأجمعوا أمركم " [8] أي أعزموا عليه .وقول الرسول عليه الصلاة والسلام :" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " [9].أي يعزم عليه .
2 - الاتفاق : يقال : أجمع القوم على كذا ، إذا اتفقوا عليه [10].
الإجماع في الاصطلاح :
اختلف العلماء في تعريفه ، فقد عرّفه الغزالي بأنه : " اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور الدينية " [11].
وعرّفه الآمدي بأنه :" اتفاق جملة من أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع " [12].
وعرّفه الشوكاني :"اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور ".
والمراد بالاتفاق : الإشتراك في قول أو فعل أو اعتقاد .
والتعريف الأخير يخرج اتفاق العوام إذ لا عبرة باتفاقهم ، ويخرج كذلك اتفاق الأمم السابقة . ويشير التعريف إلى أن الاتفاق الواقع في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمى إجماعاً [13].
المبحث الثاني : أنواع الإجماع
القسم الأول : بالنظر إلى كيفية حدوثه ووقوعه ( الإجماع العام )
القسم الثاني : بحسب المجمعين
القسم الأول : الإجماع العام
ومنه الإجماع الصريح القولي [14]. وهو حجة عند الجمهور ، ويعتبر المصدر الثالث من مصادر التشريع .
ومن هذا القسم : الإجماع السكوتي : وهو أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في حكم شرعي أو مسألة ويسكت الباقون [15].
وقد اشترط القائلون بحجيته ( الحنفية والحنابلة ) شروطاً لا بد من توفرها فيه حتى يحقق معنى الإجماع [16]، بينما ذهب المالكية والشافعية إلى أنه ليس بحجة ولا إجماع [17].
القسم الثاني : بحسب المجمعين
أولاً : إجماع أهل المدينة
بناءً على تعريف الإجماع ، يكون إجماع أهل المدينة هو : إتفاق مجتهدي المدينة في عصر من العصور على أمر من الأمور [18].وهو من الإجماعات المختلف فيها ، والذي يدور حوله هذا البحث .
ثانياً : إجماع أهل البيت
ويسمى أيضاً بإجماع العترة ، وهم : علي بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء ، والحسن والحسين أبناؤهما . ومن جملة ما استدل القائلون بأن إجماعهم حجة ( وهم الزيدية والإمامية ) قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } [19]. ويجاب عن هذا الاستدلال : بأنه لا علاقة بين المودة والمحبة لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الإجماع الذي هو نتيجة للاجتهاد والاستنباط . فجمهور الأمة يرون أن إجماع البيت ليس بحجة والحجة في إجماع الأمة كلها وليس بعضها [20].
ثالثاً : إجماع الخلفاء الراشدين
اختلف في إجماعهم على حكم ، هل يكون حجة أم لا ؟ فذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن إجماعهم حجة ، وذهب جمهور الأصوليين ومنهم الإمام أحمد في الرواية الثانية أن إجماع الخلفاء الراشدين ليس بحجة مع مخالفة غيرهم ، أما إذا لم يخالفهم أحد فإن إجماعهم يكون حجة [21].
وهناك إجماع الشيخين ( أبي بكر وعمر ) ، وإجماع أهل الحرمين ( المدينة ومكة ) ، وكذلك إجماع أهل المصرين ( البصرة والكوفة ) وهي ليست بحجة (4).
الفصل الثاني
المبحث الأول : عمل أهل المدينة عند الإمام مالك والمالكيين
المبحث الثاني : رأي بعض الفقهاء والأصوليين في عمل أهل المدينة
المبحث الثالث : تحرير محل الخلاف
المبحث الرابع : أثر الاختلاف في عمل أهل المدينة في بعض المسائل
المبحث الأول :عمل أهل المدينة عند الإمام مالك وبعض المالكيين
يرى الإمام مالك رحمه الله أن عمل أهل المدينة حجة ، ويتضح هذا الاتجاه في رسالته التي أرسلها إلى الليث بن سعد في مصر ، والتي جاء فيها : " اعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا وببلدنا الذي نحن فيه وأنت في أمانتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاءهم منك ، حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه ، فإن الله تعالى يقول في كتابه : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} (التوبة 100) وقال تعالى : { فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } . (الزمر 17-18) فإنما الناس تبع لأهل المدينة ، إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وأحل الحلال وحرم الحرام ، إذ رسول الله بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل ويأمرهم فيطيعونه ويسن لهم فيتبعونه ، حتى توفاه الله واختار له ما عنده ، صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ، ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده فما نزل بهم مما علموا أنفذوه ، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه ، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم ، وإن خالفهم مخالف أو قال امرؤٌ غيره أقوى منه وأولى ترك قوله وعمل بغيره ، ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل ويتبعون تلك السنن ، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر لأحد خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها ، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون هذا العمل ببلدنا وهذا الذي مضى عليه من مضى منا ، لم يكونوا من ذلك على ثقة ، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم [22].ويعتبر الإمام مالك عمل أهل المدينة أو إجماعهم من مصادر التشريع عنده . وممّا ينبغي ذكره ، أن عمل أهل المدينة أو إجماعهم من الأصول الفقهية التي احتج بها سلف الإمام مالك واعتبروه حجة يعتمدون عليها . وتتجلى هذه القضايا في فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أقضيته ، وتتبعه للسنن ، ومشاورته للصحابة المتواجدين في المدينة ، وكذلك في أقضية عثمان رضي الله عنه ، ومن بعدهما التابعون ، بالإضافة إلى آثار الصحابة وأقضية الأئمة [23].
وممّا يؤيد اعتبار سلف الإمام مالك بهذا الأصل ، أمران :
1 - الاحتجاج به : حيث قال سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج وهو محرم : " أجمع أهل المدينة على أن يفرق بينهما [24].
2 - استعمالهم مصطلحات في العمل ، سار على نهجهم فيها مالك ، ونقل بها قضاياه ، مثل : قول سلمان بن يسار في كفارة اليمين : " أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين بالمد الأصغر ، رأوا ذلك مجزئاً عنهم " [25]وكذلك : عبارة " قد مضى أمر الناس على هذا " ، وغيرها من المصطلحات [26].
ويتبين لنا أن الإمام مالك كان يرى الفقهاء يحتجون بعمل أهل المدينة باستعمال مصطلحات متعددة ، تبعهم فيها [27]. يقول الأستاذ الدكتور ، احمد محمد نور سيف في هذا الموضوع : " أنه (مالك) كان شديد الاتباع لهم (فقهاء المدينة) ، بعيداً عن الابتداع ، ميالاً إلى التأسي بمن سبقه ، مجانباً لما لم ير أصوله تعتمد على تلك الثروة الفقهية عندهم ، ولذا كان عمل أهل المدينة أو إجماعهم أحد الأصول التي اعتمد عليها في الاجتهاد والاستنباط " [28].
ولقد اختُلف في عمل أهل المدينة وكثر الحديث حوله بالنقد والجدل من المعاصرين للإمام مالك وكذلك المتأخرين . واختلف المالكية أنفسهم في المراد من عمل أهل المدينة ، وفيما يأتي آراء لبعض فقهائهم :
1 - القاضي عبد الوهاب [29]
أ - إجماع أهل المدينة نقلاً حجة تحرم مخالفته ، ومن طريق الاجتهاد مختلف في كونه حجة ، والصحيح عندنا أنه يرجح به على غيره ، ولا يحرم الذهاب إلى خلافه [30].
ب - إجماع أهل المدينة على ضربين : نقلي واستدلالي .
- النقلي : ومنه نقل شرع مبتدأ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم إما من قول ، أو فعل ، أو إقرار . فالقول : كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأحباس والمنبر ونحوه . والفعل : كنقلهم العمل المتصل في عهدة الرقيق ، وغير ذلك . والإقرار : كتركهم أخذ الزكاة من الخضراوات مع أنها كانت تزرع بالمدينة ، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده منها زكاة . وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه ، وترك الأخبار والمقاييس له ، لا اختلاف بين أصحابنا فيه .
- الاستدلالي : وهو إجماعهم من طريق الاستدلال ، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :
الثاني : ليس بحجة ولكن يرجح به أحد الإجتهادين ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي .
الثالث : أنه حجة وإن لم يحرم خلافه ، وعليه يدل كلام أحمد بن المعذل ، وأبي مصعب ، وإليه ذهب أبو الحسن بن أبي عمر من البغداديين ، وجماعة من المغاربة من أصحابنا ، ورأوه مقدماً على خبر الواحد والقياس ، وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك ، ولا يصح عنه كذا مطلقاً [31].
2 - القاضي عياض [32]
إجماع أهل المدينة على ضربين ، ضرب من طريق النقل والحكاية الذي تؤثره الكافة عن الكافة وعملت به عملاً لا يخفى ونقله الجمهور عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال ، فهذا النوع اختلف فيه أصحابنا فذهب معظمهم إلى انه ليس بحجة ولا فيه ترجيح . والمراد به عنده وعند كثير من محققي المالكية عمل الصحابة لا غير [33].
3 - ابن القصار [34]
من مذهب مالك رحمه الله العمل على إجماع أهل المدينة فيما طريقه التوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون الغالب فيه أنه عن توقيف منه عليه الصلاة والسلام ، كإسقاط زكاة الخضراوات ؛ لأنه معلوم أنها قد كانت في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل أنه اخذ منها الزكاة ، وإجماع أهل المدينة على ذلك ، فعمل عليه وإن خالفهم غيره [35].
4 - أبو عبيد القاسم [36]
وإجماعهم (أهل المدينة) فيقسم إلى قسمين : أحدهما : استنباط ، والآخر : توقيف . فالضرب الأول : لا فرق بينهم وبين سائر أهل الأمصار فيه . وأما الضرب الثاني : المضاف إلى التوقيف فهو الذي يعوّل عليه ، ويُعترض على خبر الواحد به ، نحو إسقاطهم الزكاة في الخضراوات ، والآذان ، والتكبير على الجنائز ، وإجازة الوقوف ، ومعاقلة الرجل المرأة إلى ثلث الدية [37].
5 - ابن الحاجب [38]
إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك . وقيل : محمول على أن روايتهم متقدمة . وقيل : على المنقولات المستمرة كالأذان والإقامة . والصحيح : التعميم [39].6 - القرافي [40]
اختلف أصحابه (مالك) في تقرير مذهبه على قولين :
أ - منهم من يقول : إنما مقصوده تلك الأقوال المنقولة خاصة ، إما عن قول سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن فعل وضع كما كان في "الصاع" و"المد" ، فينقل الأبناء عن الآباء والأخلاف عن الأسلاف أن هذا هو المد الذي كانوا يؤدون به الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأذان كان على هذه الصورة في زمانه عليه السلام كما قاله مالك لأبي يوسف لما ناظره في الأذان والصاع والأوقاف ، فسأل أبناء الصحابة فأخبروه بذلك ، فقال : هذا أذان القوم ، وهذا صاعهم ، وهذه أوقاف الصحابة – رضوان الله عليهم – فرجع أبو يوسف عن مذهب أبي حنيفة إلى ذلك .
ب - ومنهم من قال : بل المقصود ما هو أعم من هذا وهو أنهم إذا اتفقوا على نقل ، أو كانوا في أنفسهم يفعلون فعلاً لا يُعلم مستندهم فيه ، فإنه يكون حجة ويقدّم على الأحاديث ؛ لأن الظاهر من حالهم أنهم ما عدلوا عن الحديث – مع اطّلاعهم عليه – إلا وقد اطّلعوا على ناسخ [41].
7 - الباجي [42]
أن مالكاً إنما عوّل على أقوال أو أفعال أهل المدينة وجعلها حجة في ما طريقه النقل كمسألة الأذان ، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومسألة الصاع ، وترك إخراج الزكاة من الخضراوات ، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله ونقل نقلاً يحج ويقطع العذر . فهذا نقل أهل المدينة عنده في ذلك حجة مقدمة على خبر الآحاد وعلى أقوال سائر البلاد الذين نقل إليهم الحكم في هذه الحوادث أفراد الصحابة وآحاد التابعين .والضرب الثاني من أقوال أهل المدينة ما نقلوه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الآحاد أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد . فهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وعلماء غيرهم في أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح ، ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة [43].
وبناءً على ما ذكر سابقاً : فإن المالكية اختلفوا في المقصود من عمل أهل المدينة ، فمن قائل : إن المراد به المنقولات المستمرة ، وقيل : إن روايتهم أولى من رواية غيرهم ، وقيل : إن إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، وقيل : إنما أراد ترجيح اجتهادهم على اجتهاد غيرهم ، وقيل : أراد إجماع أهل المدينة من الصحابة ، وقيل : بل أراد الصحابة والتابعين ، واختار بعضهم التعميم .
المبحث الثاني : رأي بعض الفقهاء والأصوليين في عمل أهل المدينة
1 - الشافعي[44]
قال في الرسالة : ولست أقول ولا أحد من أهل العلم : هذا مجتمع عليه إلا لما تلقى عالماً أبداً إلا قاله لك وحكاه عمن قبله ، كالظهر أربع ، وكتحريم الخمر وما أشبه ذلك . قال : وقد أجده يقول : المجمع عليه ، وأجد من المدينة من أهل العلم كثيراً يقولون بخلافه ، وأجد عامة أهل البلدان على خلاف ما يقول المجمع عليه[45].
2 - ابن تيمية[46]
إجماع أهل المدينة على أربع مراتب :
الأولى : ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد ، وكذلك صدقة الخضراوات والأحباس ، وهو حجة .
الثانية : العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان ، فهذا حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي .
الثالثة : إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين وقياسين ، جهل أيهما أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ ففيه نزاع : فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة ، ومذهب أبي حنيفة لا يرجح بعمل أهل المدينة .
الرابعة : العمل المتاخر بالمدينة ، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية ، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم ، وهو قول المحققين من أصحاب مالك [47].
3 - الآمدي [48]
اتفق الأكثرون على أن إجماع أهل المدينة وحدهم لا يكون حجة على من خالفهم في حالة انعقاد إجماعهم ، خلافاً لمالك ، فإنه قال : يكون حجة . ومن أصحابه من قال : إنما أراد ترجيح روايتهم على رواية غيرهم . ومنهم من قال : أراد به أن يكون إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته ، ومنهم من قال : أراد بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمختار : مذهب الأكثرين [49].
4 - الغزالي [50]
قال مالك : الحجة في إجماع أهل المدينة فقط ..... ثم قال : وربما احتجوا بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها ، وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم [51].
5 - ابن القيم [52]
العمل نوعان : نوع لم يعارضه نص ولا عمل قبله ولا عمل مصر آخر غيره ، وعمل عارضه واحد من هذه الثلاثة [53].
المبحث الثالث : تحرير محل الخلاف
إن دعوى القول بأن الإمام مالك يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة قول باطل لا أساس له من الصحة ، ولم ينقل عنه [54]. فقد زعم بعض أهل الأصول أن الإمام مالك عدّ إجماع أهل المدينة بمنزلة إجماع الأمة ( المصدر الثالث من مصادر التشريع ) وعدم اعتداده بما يخالف إجماعهم.
كذلك زعم بعضهم : أن الإمام مالك يرى إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر دون قصره على عصر الصحابة والتابعين ، وهذا ظن فاسد لا يليق أن ينسب إليه [55].
وبناءً على ما ذكر سابقاً من الفهم الخاطئ لمراد الإمام مالك بعمل أهل المدينة شنّع أكثرهم عليه . يقول القاضي عياض في معرض الرد على هذه المزاعم : " اعلموا أكرمكم الله أن جميع أرباب المذاهب من الفقهاء والمتكلمين وأصحاب الأثر والنظر إلبٌ واحد على أصحابنا على هذه المسألة مخطئون لنا فيها بزعمهم ، محتجون علينا بما سنح لهم حتى تجاوز بعضهم حد التعصب والتشنيع إلى الطعن في المدينة وعدّ مثالبها وهم يتكلمون في غير موضع خلاف ، فمنهم من لم يتصور المسألة ولا تحقق مذهبنا فتكلموا فيها على تخمين وحدس ، ومنهم من أخذ الكلام فيها ممن لم يحققه عنّا ، ومنهم من أطالها وأضاف إلينا ما لا نقوله فيها " . ثم أضاف قائلاً : " حكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي أن مالكاً يقول : لا يعتبر إلا بإجماع أهل المدينة دون غيره ، وهذا ما لا يقوله هو ولا أحد من أصحابه ، وحكى بعض الأصوليين أن مالكاً يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة إجماعاً ، ووجه قوله بأنه لعله كانوا عنده أهل الاجتهاد في ذلك الوقت دون غيرهم ، وهذا ما لم يقله مالك ولا روي عنه [56].
وقال الباجي:" قد أكثر أصحاب مالك في ذكر إجماع المدينة والاحتجاج به، وحمل ذلك بعضهم على غير وجهه فتشنّع به المخالف عليه وعدل عمّا قرّره في ذلك المحققون من أصحاب مالك[57].
والذي يمكن أن يتعلق به من نسب إلى مالك أنه يرى أن الإجماع هو إجماع أهل المدينة ( في رسالته إلى الليث بن سعد ) أمران :
1 - قوله : " فإنما الناس تبع لأهل المدينة " .
2 - قوله : " فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به ، لم أر لأحد خلافه " .
فهذا لا يدل على أنه يرى تخصيص الإجماع بهم ، أو أن إجماعهم لا تجوز مخالفته ، وإنما أوضح مكانة علم أهل المدينة ، وأنهم قدوة لغيرهم ، ولا يرى لأحد عذراً في مخالفة الأمر عندهم ، إذا كان ظاهراً معمولاً به ، بل غاية ما يدل عليه أنه حجة عنده ، ولا يلزم من كونه حجة عنده ، أن يكون إجماعاً بمنزلة إجماع الأمة " [58].
وبهذا ينتفي أن يكون المراد من إجماع أهل المدينة عند الإمام مالك هو إجماع الأمة.
أنواع عمل أهل المدينة والاختلاف في حجية تلك الأعمال
النوع الأول : اتفق العلماء على أن إجماع أهل المدينة في كل ما كان طريقه النقل من النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان نقلاً لقوله : كالأذان والإقامة وغيرها ، أم لفعله : كصفة صلاته وعدد ركعاتها ومثل ذلك ، أم نقلاً لإقراره عليه الصلاة والسلام لما شاهده منهم ولم ينكره عليهم ، أم نقلاً لتركه أموراً شاهدها منهم ، وأحكاماً لم يلزمهم إياها . هذا النوع من الإجماع اتفقت أكثر النقول على أنه حجة يلزم العمل به وترك ما خالفه من قياس أو خبر واحد ؛ لأنه نقل متواتر ، فهو موجب للعلم القطعي ولا يترك العمل به [59].قال القاضي عياض : فهذا النوع من إجماعهم ... حجة يلزم المصير إليه ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس ، فإن هذا النقل محقق معلوم موجب للعلم القطعي فلا يترك لما توجبه غلبة الظنون وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين ممن ناظر مالكاً وغيره من أهل المدينة في مسألة الأوقاف والمد والصاع حين شاهد هذا النقل وتحققه ، ولا يجب لمنصف أن ينكر الحجة هذه ، وهذا الذي تكلم عليه مالك عن أكثر شيوخنا ولا خلاف في صحة هذا الطريق ، وكونه حجة عند العقلاء وتبليغه العلم يدرك ضرورة ، وإنما خالف في تلك المسائل من غير أهل المدينة من لم يبلغه النقل الذي بها [60].
وقال القاضي عبد الوهاب : لا خلاف بين أصحابنا في هذا ، ووافق عليه الصيرفي وغيره من أصحاب الشافعي كما حكاه الآمدي [61]
وقال الباجي[62]: أن مالكاً إنما عوّل على أقوال أهل المدينة وجعلها حجة في ما طريقه النقل .
أما النوع الثاني : وهو ما كان طريقه الاجتهاد والاستدلال والاستنباط ، وهذا النوع هو محل النزاع والخلاف في كونه حجة ملزمة أم لا ! يقول "ابن القيم" فيه : " وأما العمل الذي طريقه الاجتهاد والاستدلال فهو معترك النزال ومحل الجدال [63].
وقد اعتبر ابن تيمية العمل القديم (المرتبة الثانية) حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي ، وظاهر مذهب أحمد ، والمحكي عن أبي حنيفة ، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما العمل الذي وافقه دليل وخالفه آخر من جنسه (المرتبة الثالثة) ففي حجيته نزاع ، فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة ومذهب أبي حنيفة لا يرجح بعمل أهل المدينة ، ولأصحاب أحمد وجهان . أما العمل المتأخر بالمدينة (المرتبة الرابعة) فقد جزم ابن تيمية بعدم حجيته ، حيث قال : " والناس على عدم حجيته ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وقول المحققين من أصحاب مالك [64].
حجة الإمام مالك ومن تبعه :
تتضح حججه من رسالته التي أرسلها إلى الليث بن سعد ، وهي كالتالي :
1 - أن القرآن المشتمل على الشرائع وفقه الإسلام نزل في المدينة ، وأهلها هم أول من وجه إليهم التكليف ، ومن خوطبوا بالأمر والنهي ، وأجابوا داعي الله فيما أمر ، فهي دار هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ومهبط الوحي ، ومستقر الإسلام ، وجمع الصحابة ، فلا يخرج الحق عن أهلها .
2 - أن أهل المدينة شاهدوا التنزيل ، وسمعوا التنزيل ، وكانوا أعرف بأحوال الرسول .
3 - أن رواية أهل المدينة مقدمة على رواية غيرهم ، فكان إجماعهم حجة على غيرهم [65].
وقد احتج من ناصر مذهب مالك بالآثار التي وردت في فضل المدينة ، وبيان شرفها ، ومنها:
1 - قوله عليه الصلاة والسلام : " إن المدينة لتنفي خبثها ، كما ينفي الكير خبث الحديد " [66].
2 - قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها" [67].
3 - قوله عليه الصلاة والسلام:"لا يكيد أحد أهل المدينة إلا إنماع كما ينماع الملح في الماء" [68].
4 - قوله عليه الصلاة والسلام : " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ، إلا مكة والمدينة ، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيخرج الله كل كافر ومنافق " [69]
ويرد على هذا الاحتجاج : أن الآثار قد خصتها بالذكر إظهاراً لشرفها ، وتمييزاً لها عن غيرها لما اشتملت عليه من الصفات المذكورة ، ولا يدل على تخصيص أهلها بالإجماع . وأن اشتمال المدينة على صفات موجبة لفضلها لا يدل على انتفاء الفضيلة عن غيرها ، ولا على الاحتجاج بإجماع أهلها . ولا يدل على انحصار أهل العلم فيها والمعتبرين من أهل الحل والعقد ومن تقوم الحجة بقولهم [70].
ومن ردود المخالفين لحجية عمل أهل المدينة ما لا صلة له بما قرره محققوا المالكية وأئمة مذهبهم ، وأهل العناية بالاستدلال ، وإنما ينصرف نقدهم إلى من توسع في حجية العمل من المغالين ، مما لم يقله مالك ولا أئمة أصحابه وأتباعه ، وبعض الردود تعدّى محل النزاع إلى الطعن في الفقه المدني عامة [71].
والذي احتج به الإمام مالك بن أنس من إجماع أهل المدينة ما كان يدل على النقل والتقرير من النبي صلى الله عليه وسلم ..... وهذا القول هو المؤيد بالحجة وإليه يشير كلام مالك في "الموطأ" . قال إسماعيل بن أبي أويس : سألت مالك بن أنس خالي من قوله في "الموطأ" : " الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه " و" الأمر المجتمع عليه " و " الأمر عندنا " ؟ . فقال : أما قولي " الأمر المجتمع عليه عندنا لا اختلاف فيه " فهذا ما لا اختلاف فيه قديماً ولا حديثاً . وأما قولي " الأمر المجتمع عليه" فهو الذي اجتمع عليه من أرضاه من أهل العلم وإن كان وقع فيه خلاف . وأما قولي "الأمر عندنا " و " سمعت بعض أهل العلم " فهو قول من أرتضيه وأقتدي به . فذكر أن الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه هو الذي تناقله أهل العصر عن الذي قبلهم ، فهذا هو إجماع أهل المدينة عنده ، لا إجماع عن رأي واجتهاد ، وهذا ما لا يتوقف عن الاحتجاج به منصف ، فإنه يفيد العلم الضروري كنقلهم مسجده ومنبره وقبره [72].
العمل بقول أهل المدينة وترك خبر الواحد
وأما حجة مالك أنه كان في بعض الأحيان يقدم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد ... هو أن ذلك الرأي المشهور المعمول به في المدينة هو سنة مأثورة مشهورة ، والسنة المشهورة مقدمة على خبر الآحاد [73].وتفصيل القول فيه : أنه إن كان إجماع أهل المدينة أساسه النقل ، فإنه مقدم على خبر الآحاد ؛ لأنه نقل متواتر ، وخبر الآحاد لا يعارض المتواتر لأنه ظني ، والمتواتر قطعي ، وهذا أمر لا خلاف فيه عند المالكيين . أما إذا كان عمل أهل المدينة أو إجماعهم أساسه الاجتهاد ، فالخبر أولى عند جمهور المالكيين ، وبعضهم قرّر أن الإجماع يجوز أن يكون من طريق الاجتهاد ، وأن إجماع المدينة كيفما كانت أسبابه حجة مضعفة لخبر الاحاد [74].
وقد أحصى الشاطبي في الموافقات طائفة من المسائل أخذ فيها مالك بالقياس أو المصلحة أو القاعدة العامة وترك خبر الآحاد ؛ لأنه يرى الأصول التي أخذ بها قطعية أو تعود إلى أصل قطعي ، والخبر الذي ردّه ظني [75]
ومن هنا يتضح أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن دلالة خبر الآحاد ظنية وليست قطعية ، لذلك فهو يترك العمل بالحديث الأحادي إذا صادم أصلاً قطعياً عنده .
" فقد أخذ مالك بالعديد من أخبار الآحاد في الموطأ ، ولم ينقل فيها العمل ، مما يدل على أنه لا يشترط في خبر الآحاد مصاحبة العمل له [76].
المبحث الرابع : بعض المسائل لأثر الاختلاف في العمل بقول أهل المدينة
المسائل التي يحتج بها الإمام مالك بعمل أهل المدينة كثيرة ، وقد يوافقه غيره من الأئمة على ذلك لدليل قام عنده أو لا يوافقه . وهذه بعض المسائل المتنوعة التي احتج فيها الإمام مالك بعمل أهل المدينة .
المسألة الأولى : القراءة خلف الإمام
1 – ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى استحبابه لقراءة الفاتحة في الصلاة السرية وتركه لها في القراءة الجهرية . وحجته : أنه الأمر الذي عليه أهل المدينة . فقد جاء في "الموطأ " : قال يحي : سمعت مالكاً يقول : الأمر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الإمام ، فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ، ويترك القراءة فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة [77].2 - ذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية . قال : " فواجب على من صلى منفرداً أو إماماً أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لايجزيه غيرها " [78].
3 – ذهب الحنفية إلى عدم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاتين السرية والجهرية [79].
4 – وذهب أحمد رحمه الله تعالى إلى استحباب القراءة للمأموم فيما لا يجهر فيه ، وفي سكتات الإمام وإذا كان بعيداً لا يسمع قراءة الإمام [80].
المسألة الثانية : توريث ذوي الأرحام
1 - ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه لا ميراث لذوي الأرحام ، وحجته : إجماع أهل المدينة ، قال في "الموطأ" : " الأمر المجتمع عليه عندنا ، الذي لا اختلاف فيه : و الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا : أن ابن الأخ للأم ، و الجد أبا الأم : و العم أخا الأب للأم : و الخال ، و الجدة أم أبي الأم ، و ابنة الأخ للأب و الأم : و العمة و الخالة : لا يرثون بأرحامهم شيئاً [81].2 – و ذهبت الحنفية و الحنابلة إلى أن ذوي الأرحام يرثون عندما لا يكون عاصب أو ذو فرض غير الزوجين ، على اختلاف في طريقة توريثهم تتردد بين القرابة والتنزيل . فالحنفية يختارون طريقة القرابة فيورثون الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام . والحنابلة يورثون على طريقة التنزيل ، أي يجعلونه بمنزلة من يدلي به ممن يرث [82].
3 - أما الشافعية فأصل مذهبهم أن لا يورث ذوو الأرحام ، بل المال لبيت المال ، و أفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فرض عن فروضهم بالنسبة ، فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام [83].
من أدلة من قال بالتوريث :
أ - قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . و هذا عموم يشمل ذوي الأرحام و يجعلهم أحق بالميراث [84].
ب - قوله عليه الصلاة و السلام " ... و الخال وارث من لا وارث له .... "و استدل به على أن الخال من جملة الورثة و هو من ذوي الأرحام : و مثله سائر الأرحام [85].
و من أدلة من لم يورث ذوي الأرحام :
أ - قوله عليه الصلاة و السلام حين سئل عن ميراث العمة و الخالة : " لا ميراث لهما " [86]
- أن المواريث ثبتت بالنص ، و لا نص في ذوي الأرحام [87]
المسألة الثالثة : قتل المسلم بالذمي
اختلف الأئمة في قتل المسلم بالذمي ، إذا قتله المسلم عمداً ، هل يقتل به ؟1 - قال مالك رحمة الله تعالى : لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله المسلم قتل غيلة فيقتل به [88].
2 - و قال أبو حنيفة و أصحابه رحمهم الله تعالى : يقتل به مطلقاً [89].
3 - أما الإمام الشافعي و أحمد رحمهما الله تعالى فقالا : لا يقتل مسلم بكافر بحال [90].
الأدلة : حجة الإمام مالك رحمه الله تعالى : عمل أهل المدينة .
من أدلة الإمام أبي حنيفة و أصحابه رحمهم الله تعالى :
- قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى }.(البقرة: 78) . ووجه الاستدلال : عدم التفصيل في الحر بين مؤمن و غيره [91]
- قوله عليه الصلاة و السلام : " العمد قود "[92]، و هذا عمد فيجب القود به ، أي قتل القاتل ، و هو القصاص [93]
حجة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
- أن ظاهر الكتاب فرض القصاص بين المؤمنين المكلفين الذين ربطت بينهم أخوة الإيمان ، إذا قتل بعضهم بعضاً ، لا من انقطعت بهم الرابطة .
- سنة المصطفى عليه الصلاة و السلام حيث ثبت الدليل أنه لا يقتل مسلم بغيره بحال من الأحوال [94]
أما حجة الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
- قول النبي صلى الله عليه و سلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم ، و يسعى بذمتهم أدناهم ، و لا يقتل مؤمن بكافر " [95].
- الذمي منقوص بالكفر ، و هو في هذا كالمستأمن ، و موافقة أبي حنيفة الجماعة على أن المسلم لا يقاد بالمستأمن . فكذلك الذمي إذا قتله المسلم لا يقتل به [96].
المسألة الرابعة : المقدار المحرم في الرضاع
اتفق العلماء على أن الرضاع يثبت حرمة النكاح كما يثبتها النسب ، و إنما اختلفوا في مسائل متعلقة بالرضاع ، منها : المقدار الذي يثبت به التحريم ؟1- فذهب مالك و أبو حنيفة رحمهما الله تعالى : إلى أن قليل الرضاع و كثيرة سواء في ثبوت التحريم. قال الإمام مالك في الموطأ : الرضاعة قليلها و كثيرها إذا كان في الحولين تحرم [97].
2- و ذهب الشافعي رحمه الله تعالى : أن التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات متفرقات .
3- وعن أحمد رحمه الله تعالى ثلاث روايات : أ - قليل الرضاع و كثيره يحرم .
ب – لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات .
جـ - أن التحريم يتعلق بخمس رضعات فصاعداً [98]
الأدلة :
حجة الإمام مالك : عمل أهل المدينة .
أما الحنفية فاحتجوا بقوله تعالى:" وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " . (النساء: 23)
وجه الاستدلال : أن الله تعالى علّق التحريم بفعل الرضاعة من غير فصل بين قليل أو كثير ، وهذا مذهب ابن عمر [99].
حجة الشافعي ، والصحيح في مذهب أحمد ، رحمهما الله تعالى : أن آية الرضاع عامة وخصّصتها السنة المحكية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبحديث الرسول عليه الصلاة والسلام : " لا تحرم المصة والمصتان ، ولا الرضعة والرضعتان " ، وما استدل به الشافعي استدل به الحنابلة للصحيح من مذهبهم [100].
المسألة الخامسة : مسألة ضع وتعجّل
أجمع أهل العلم على تحريم تأخير الدين مقابل الزيادة فيه ، واختلفوا في عكسه : أي تعجيل القضاء مقابل حطّ شيء من الدين ، وهو المسمّى "ضع وتعجل" [101]
1 - فذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى إلحاق الثاني بالأول ، فلا يجوز ذلك بحال ، وهو مما اجتمع عليه أهل المدينة كافة . جاء في "الموطأ" : " قال مالك : والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل ، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب ، وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ، ويزيده الغريم في حقه ، قال : فهذا الربا بعينه لا شك فيه " [102]
2 - ذهب أبو حنيفة وابن حنبل والشافعي في أحد قوليه : إلى منعه [103]
3 - أحد قولي الشافعي وابن عباس من الصحابة : أن ضع وتعجّل جائز [104]
الأدلة :
- استدل الإمام مالك بالعمل الذي لا اختلاف فيه عند أهل المدينة .
- واستدل الجمهور : أ - بما روي أن المقداد بن الأسود قال : أسلفت رجلاً مائة دينار ، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : عجل لي تسعين ديناراً وأحط عشرة دنانير ، فقال : نعم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أكلت ربا يا مقداد وأطعمته" .
ب - أن عبدالله بن عمر سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل ، فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر ؟ فكره ذلك عبدالله بن عمر ونهى عنه [105]
جـ - قد ثبت تحريم ربا الجاهلية ، وهو المعروف ب" انظرني أزدك " بصريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولما كان " ضع وتعجّل " شبيه بالزيادة مع النظرة ، بجامع مقابلة الزمان بمقدار من الثمن في الموضعين جميعاً ، فإن الزيادة في زمان الأول قابلتها زيادة في قدر الدين ، والحط من الزمان في الثاني قابله حط من قدر الدين ، وبه يعلم أنهما سواء في الحكم . وأن الحط من الدين مقابل تعجيله فيه شراء الجنس الواحد ببعضه متفاضلاً مع التأخير ، والتفاضل والنساء في الجنس الواحد لا يجوز [106]
- استدل القائلون بجواز تعجيل الدين مقابل الحط عنه : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير من المدينة ، جاء ناس منهم فقالوا : يا رسول الله ! إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعوا وتعجلوا " . وفي الحديث إباحة للحط من الدين مقابل تعجيله ، وقد ثبت عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يقول المدين : أعجل لك وتضع عني [107]
- أن في الحط من الدين منفعة للمدين فصار من أسباب الزيادة في الإرفاق فلم يمنع [108].
الخاتمة
1- انفراد الإمام مالك بالقول بعمل أهل المدينة . والمقصود بعمل أهل المدينة : أقاويل أهلها ، ومنه ما كان أصله سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه ما كان سنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ومنه ما كان اجتهاداً ممن بعدهم من الصحابة والتابعين .
2- بطلان الدعوى القائلة بأن الإمام مالك يرى أن إجماع الأمة هو إجماع أهل المدينة وأن إجماع أهل المدينة حجة في كل عصر .
3- حجية العمل النقلي سواء أكان مصدره قولاً أو فعلاً أو تقريراً مباشراً من النبي صلى الله عليه و سلم . و تحريم مخالفته .
4- أن الخلاف في إجماع أهل المدينة فيما طريقه الاجتهاد والاستدلال والاستنباط .
5- أن العمل القديم لأهل المدينة حجة .
6- عدم حجية العمل المتأخر بالمدينة .
7- أن عمل أهل المدينة الذي وافقه دليل وخالفه آخر ، اختلف فيه : فمنهم من يرجح بعمل أهل المدينة ، ومنهم لا يرجح .
8- اختلاف العلماء في تحديد مراد الإمام مالك من العمل ، واستخدامه لمصطلحات عديدة ، كقوله : " الأمر المجتمع عليه " و " الذي لا اختلاف فيه " ، وغيرهما .
9- أن الإمام مالك لا يستحق مثل هذا التشنيع ، خاصة إذا علمنا أنه لم يرد حمل الناس على "الموطأ" عندما عُرض عليه هذا الأمر ، ولو كان يريد إلزام الناس بما فيه لوافق عليه في الحال .
10- أن خبر الآحاد دلالته ظنية عند الإمام مالك ، لذا فهو لا يعمل به عند مصادمته لعمل أهل المدينة المتواتر .
*رجاء بنت صالح باسودان باحثة سعودية.
****
[1] انظر : ترتيب المدارك للقاضي عياض ، ص 104-112 - مالك لأبي زهرة ، ص 18 وما بعدها .
[2] انظر : ترتيب المدارك ، ص 119 و ما بعدها - مالك ، ص 22 وما بعدها ، ص 83 وما بعدها .
[3] انظر : ترتيب المدارك ، ص 125 وما بعدها - مالك ، ص 33 وما بعدها .
[4] انظر : ترتيب المدارك ، ص 191 وما بعدها - مالك ، ص 175-194
[5] انظر : مالك ، ص 194 وما بعدها .
[6] المرجع السابق ، ص 218
[7] المرجع السابق ، ص 382 وما بعدها .
[8] يونس (71)
[9] سنن الدار قطني ، 2/172 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ابن حجر ، ج 4 ، ص 142 ، الموسوعة الإلكترونية .
[10] الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص 167 - إرشاد الفحول للشوكاني ، ص 131 ، الموسوعة الإلكترونية .
[11] المستصفى ، ج 1 ، ص 173
[12] الإحكام في أصول الأحكام ، ج 1 ، ص 168
[13] انظر : الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص 168 – إرشاد الفحول للشوكاني ، ص 132 ، الموسوعة الإلكترونية .
[14] وهو ما تم تعريفه في المبحث الأول .
[15] انظر : المستصفى للغزالي ، ج 1 ، ص 191 - الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص 214
[16] أن يكون السكوت مجرداً من علامة الرضا أو الكراهة ، وأن ينتشر الرأي المقول به وتمضي مدة كافية للتأمل ، وأن تكون المسألة إجتهادية ، وتنتفي الموانع التي تمنع من اعتبار هذا السكوت موافقة . أصول الفقه الإسلامي ، د. وهبة الزحيلي ، ج1 ، ص553
[17] المرجع السابق ،ص 552 ، 553 - الإحكام للآمدي ، ج1 ، ص 214 - إرشاد الفحول
[18] أثر الأدلة المختلف فيها ، د. مصطفى ديب البغا ، ج2 ، ص 427
[19] الأحزاب 33
[20] انظر : المستصفى للغزالي ،ج1،ص185 - الأحكام للآمدي ،ج1 ، ص 209 - مختصر ابن الحاجب وشرحه البيان ، ص568 – أصول الفقه الإسلامي ، ج1 ، ص 516 ، 517 ، 518
[21] انظر : الإحكام ، ص 211 - إرشاد الفحول ، ص 150 ، 152 ، الموسوعة الإلكترونية - المستصفى ، ج1 ، ص 187
[22] ترتيب المدارك للقاضي عياض ، ج1 ، ص 64-65
[23] عمل أهل المدينة ، د. أحمد محمد نور سيف ، ص 80-81
[24] سنن البيهقي ، 5 / 66 ، الموسوعة الإلكترونية .
[25] الموطأ ، ك النذور والأيمان ، ب 8 ، ص 29
[26] عمل اهل المدينة ، أحمد محمد نور سيف ، ص 81
[27] انظر مالك لأبي زهرة ، ص 280
[28] عمل اهل المدينة ، ص 86
[29] شيخ المالكية أبو محمد عبدالوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن حسين العراقي ، صنف كتاب التلقين والمعرفة في شرح الرسالة للقيرواني ، كان ثقة ، خرج في آخر عمره إلى مصر فمات بها سنة 422 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج2 ، ص 299
[30] المعونة على مذهب أهل المدينة للقاضي عبدالوهاب ، مسألة ملحقة في كتاب المقدمة في الأصول لابن القصار ، ص 242
[31] كتاب الملخص للقاضي عبدالوهاب ، وهذه ا لمسألة ملحقة في كتاب المقدمة في الأصول لابن القصار ، ص 253 - 255
[32] القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي السبتي المالكي ، ولد سنة 476ه ، من كتبه الشفا ، وقد حدث عنه خلق من العلماء منهم خلف بن بشكوال والأشيري ، توفي بمراكش سنة 544 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج3 ،ص 16
[33] ترتيب المدارك للقاضي عياض ، ج1 ، ص 68 - 70
[34] شيخ المالكية أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي ابن القصار ، روى عنه أبوذر الحافظ وأبو الحسين بن المهتدي بالله ، ووثقه الخطيب ، قال القاضي عياض : كان أصولياً نظاراً ولي قضاء بغداد ، توفي سنة 397 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج2 ، ص 251
[35] المقدمة في الأصول لابن القصار ، تحقيق : أ . محمد بن الحسين السليماني ، ص 75 - 76
[36] الفقيه أبو عبيد الله القاسم بن خلف الجبيري المالكي الطرطوشي الأندلسي ، لزم قرطبة وسمع بها من قاسم بن أصبغ وغيره ، وسمع بالعراق من أبي بكر الأبهري ولازمه وتفقه عنده على المذهب المالكي وأقام في رحلته ثلاثة عشر عاماً . ترتيب المدارك وتقريب المسالك ، ج3 ، ص562
[37] التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة لأبي عبيد القاسم ، من الملاحق في كتاب المقدمة في الأصول لابن القصار ، ص 211 ، 212
[38] العلامة المقرئ الأصولي الفقيه النحوي أبوعمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الدويني المالكي ، ولد سنة 570 هـ حفظ القرآن وأخذ بعض القراءات عن الشاطبي ، درّس بجامع دمشق وبالنورية المالكية . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج3 ، ص 291
[39] بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهاني ، ج1 ، ص 563
[40] الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبدالرحمن الصنهاجي المصري المعروف بالقرافي ، تتلمذ على العز بن عبدالسلام وابن الحاجب وغيرهما ، وكان بارزاً بارعاً في الفقه والأصول والتفسير وعلم الكلام ، من مؤلفاته : الذخيرة ، القواعد . توفي سنة 684 هـ ودفن بالقرافة . الديباج المذهب ، ص 62 ، الموسوعة الإلكترونية .
[41] عمل أهل المدينة للقرافي ، مسألة ملحقة في كتاب المقدمة في الأصول لابن القصار ، ص 223 ، 224
[42] الإمام العلامة الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد ابن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي القرطبي الباجي الذهبي صاحب التصانيف ، ولد سنة 403 هـ حج وجاور ثلاثة أعوام ، ثم ارتحل إلى دمشق ثم الموصل فبرز في الحديث والفقه والكلام والأصول والأدب ، ثم رجع إلى الأندلس وتوفي سنة 474 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج 2 ، ص 421
[43] إحكام الفصول للباجي ، ص 480 ، 481 ، 482
[44] الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، عالم العصر ناصر الحديث ، فقيه الملة أبو عبدالله ، ولد بغزة أخذ العلم بمكة عن فضيل بن عياض وعدّة ، وارتحل إلى المدينة وصنف في أصول الفقه وفروعه وتكاثر عليه الطلبة . حدّث عنه الحميدي وأحمد بن حنبل ، ثقة حجة حافظ توفي سنة 204 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج1، 353الشيخ الإمام العلامة فقيه العصر شيخ الحنابلة ، مجد
[45] ص 534-535
[46] الشيخ الإمام العلامة فقيه العصر شيخ الحنابلة ، مجد الدين أبو البركات عبدالسلام بن عبدالله بن الخضر بن محمد بن علي الحراني ، ابن تيمية . ولد سنة 590 هـ ، وتفقه على عمه فخر الدين الخطيب ، ثم سار إلى بغداد فسمع من أبي أحمد بن سكينة وابن طبرزد وعدة ، حدّث عنه ولده شهاب الدين والدمياطي وعدة ، صنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه ، توفي بحران سنة 652 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ج3ص299
[47] صحة أصول مذهب أهل المدينة ، ابن تيمية ، ص 36 ، 42، 43 ، 44
[48] العلامة المصنف فارس الكلام سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي الشافعي ، ولد سنة نيف وخمسين ، له نحو من عشرين تصنيفاً منها : منتهى السول في الأصول ، ثم تحول إلى دمشق ودرّس بالعزيزية مدة ، توفي سنة 631 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج3 ، ص 230
[49] الإحكام ، ج1 ، ص 206 – 207
[50] الشيخ الإمام حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي صاحب التصانيف ، تحول إلى نيسابور فلازم إمام الحرمين ، ثم زار بيت المقدس وصحب الفقيه نصر بن إبراهيم بدمشق وألف كتاب الإحياء ، برع في الأصول والخلاف والجدل والمنطق ، وكان شديد الذكاء ، توفي سنة 505 هـ . تهذيب سير أعلام النبلاء ، ج 2 ، ص 491
[51] المستصفى ، ج1 ، ص 187
[52] شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ، ولد سنة 691هـ ، سمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة مثل : التفسير والحديث ، ولما عاد ابن تيمية من مصر في عام 712هـ لازمه حتىمات وصاحبه ابن كثير ، له من التصانيف الكثير ، توفي سنة 751هـ . البداية والنهاية ج14
[53] إعلام الموقعين ، ج2 ، ص 385
[54] فقد نسب الغزالي إلى مالك أنه يقول :لاحجة إلا في إجماع أهل المدينة ، انظر المستصفى ، ج1 ، ص 187
[55] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، د. محمد المدني بوساق ،ج1 ، ص 68
[56] ترتيب المدارك للقاضي عياض ، ج1 ، ص 67 ، 68 ، 71
[57] إحكام الفصول للباجي ، ص 480
[58] انظر : عمل أهل المدينة ، د. أحمد محمد نور سيف ، ص 101 - 102
[59] أثر الأدلة المختلف فيها ، د. مصطفى ديب البغا ، ص 427 - 428
[60] ترتيب المدارك للقاضي عياض ، ج1 ، ص 68 - 69
[61] المرجع السابق ، ص 69
[62] انظر ص 13 من هذا البحث .
[63] إعلام الموقعين ، ج2 ، ص 392
[64] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، ج1 ، ص 86 – 87 عن فتاوى ابن تيمية (20/306-311)
[65] الإحكام للآمدي ج1 ص207 ، أثر الإختلاف في القواعد الأصولية د. مصطفى الخن ص 458-459 ، مالك لأبي زهرة ص280
[66] صحيح البخاري ، ج2 ، ك 29 ، ب 2 ، ص 221
[67] المرجع السابق ، ب 6 ، ص 222
[68] المرجع السابق ، ب 7 ، ص 222
[69] صحيح البخاري ، ج2 ، ك 29 ، ب 9 ، ص 223
[70] انظر : الإحكام للآمدي ج1 ص 207 ، 208 - المستصفى للغزالي ج1 ص 187
[71] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، د. محمد المدني بوساق ، ج1 ، ص 105 -106
[72] مسألة في إجماع أهل المدينة لابن عتيق الربعي المالكي ، وهي ملحقة في كتاب المقدمة في الأصول لابن القصار ، ص 318 - 319
[73] مالك لأبي زهرة ، ص 280
[74] المرجع السابق ، ص 284
[75] المرجع السابق ، ص 253
[76] عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين ، د. أحمد محمد نور سيف ، ص 36
[77] ج1 ، ك 3 ، الصلاة ، ب 10 ، ص 54
[78] الأم ، الإمام الشافعي ، ج1 ، ص 107 ، الموسوعة الإلكترونية .
[79] الهداية شرح البداية ، المرغيناني ،ج1 ، ص 55 ، الموسوعة الإلكترونية .
[80] المغني ، ابن قدامة ، ج1 ، ص 331 ، الموسوعة الإلكترونية .
[81] ج2 ، ك27 ، الفرائض ، ب 12 ، ص 56
[82] المغني ، ابن قدامة ، ج6 ، ص 206-207 - حاشية ابن عابدين ، ج6 ، ص 792 ، الموسوعة الإلكترونية .
[83] الأم ، الشافعي ، ج4 ، ص 80 ، الموسوعة الإلكترونية .
[84] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، د. محمد المدني بوساق ، ج3 ، ص 1355
[85] المرجع السابق ، ص 1356
[86] سنن الدار قطني ، ج4 ، ص 98 ، الموسوعة الإلكترونية .
[87] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، مرجع سابق ، ص 1350
[88] الموطأ ، ك 43 ، العقول ، ب 15 ، ما جاء في دية أهل الذمة ، ج 2 ، ص 296
[89] الهداية شرح البداية ، المرغيناني ، ج4 ، ص 160 ، الموسوعة الإلكترونية .
[90] الأم ، الشافعي ، ج6 ، ص 38 - المغني ، ابن قدامة ، ج8 ، ص 218 ، الموسوعة الإلكترونية
[91] أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي ، د. مصطفى ديب البغا ، ج2 ، ص 519
[92] سنن الدار قطني ، ج3 ، ص 94 ، الموسوعة الإلكترونية .
[93] أثر الأدلة المختلف فيها ، مرجع سابق ، ص 519
[94] المرجع السابق ، ص 519
[95] المغني ، ابن قدامة ، ج8 ، ص 218 ، الموسوعة الإلكترونية .
[96] المرجع السابق ، ص 218
[97] ك 30 الرضاع ، ب رضاعة الصغير ، ج2 ، ص 113 - الهداية شرح البداية للمرغيناني ، ج1 ، ص223،الموسوعة الإلكترونية
[98] أثر الأدلة المختلف فيها ، د. مصطفى البغا ، ج2 ، ص 504
[99] المرجع السابق ، ص 505
[100] المغني ، ابن قدامة ، ج8 ، ص 138 ، الموسوعة الإلكترونية .
[101] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، د. محمد المدني بوساق ، ج2 ، ص 764
[102] ك31 البيوع ، ب 39 ما جاء في الربا في الدين ، ج2 ، ص 160
[103] المغني ، ابن قدامة ، ج4 ، ص 250 ، - سنن البيهقي الكبرى ، ك البيوع ، ج5 ، ص 275 ، ح 10246 ، الموسوعة الإلكترونية .
[104] المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة ، مرجع سابق ، ص 765
[105] الموطأ ، ك 31 البيوع ، ب 39 ما جاء في الربا في الدين ، ج2 ، ص 159
[106] المغني لابن قدامة ، ج 4 ، ص 52 ، الموسوعة الإلكترونية . المسائل ، د. محمد بوساق ، ج2 ، ص 766-767
[107] المسائل ، مرجع سابق ، ص 769
[108] المرجع السابق ، ص 770 -
* باحثة سعودية
* باحثة سعودية