العروة الوثقى في بيان المقصود بخمس ذوي القربى
ثار في الفترة الأخيرة من يقول أن الهاشميين ظلموا ,l_subject=l_subject=l_subject= وأن لهم خمس الخمس من الثروات المعدنية كالبترول والغاز ونحوها ، وكثر الجدل حول هذه المسألة في الصحف والصفحات ، ونسب ذلك إلى بعض علماء اليمن مع أن في النسبة إليه نظرا ، وعليها عدة خطوط ، ولكني أحببت إيضاح المسألة من ناحية شرعية فأقول:
المحور الأول : تحرير محل النزاع .
الثروات النفطية والمعدنية وما يستخرج من باطن الأرض صارت اليوم ملكا للدولة فهي التي تستخرجه ، وتصرفه في مصالح المسلمين ، ولا يجب فيها شيء عند المذاهب الأربعة والمعاصرين من فقهاء القانون والشريعة المطهرة ، وجعلوا ذلك مختصا بالدولة فليس لشخص استخراج ذلك ولا امتلاكه ، وهذا قياسا على اجتهاد الصحابة في الأرض الخراجية ، وأنها تكون ملكا للشعب والأمة ، وتصرف في المصالح العامة .
وقد رد النص القرآني في خمس الخمس لذوي القربى في الغنيمة والفيء ، وهذا لا ينكره أحد ، ولكن أين الغيمة والفيء اليوم ؟
بل الواقع بالعكس ، فإن الأمة الإسلامية وثرواتها النفطية والغازية والمعدنية صارت غنيمة للدول العظمى شرقا وغربا .
أما الغنيمة فقال تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) .
وأما الفيء فقال تعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) .
وهذان النصان الوارد فيهما الخمس لا دلالة فيهما لا من قريب أو من بعيد أن الثروات النفطية والمعدنية فيها الخمس لذوي القربى أصلا .
والأصل عصمة أموال المسلمين فلا يجب عليهم شيء إلا بدليل ، والأصل عدم أي حكم شرعي تمسكا بأصل البراءة المتفق عليه حتى يرد الدليل الناقل ، ومن ادعى إيجاب شيء فعليه الدليل ولا دليل .
المحور الثاني : لا قائل من المذاهب الأربعة بالخمس في الثروات النفطية والغازية .
فإن قال قائل : ورد في الحديث : ( وفي الركاز الخمس ) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، فالجواب : نعم نسلم صحة الحديث ، ولكن الركاز معناه محل خلاف عند أهل العلم ، فهم متفقون على أن ما يستخرج من دفن الجاهلية ركاز ، أما الثروات النفطية فهي معادن ، وهي غير الركاز ، والذي يدعي أن معناهما واحد فكلامه مجرد دعوى تفتقر إلى برهان بين ولا برهان ، والقائل بأن المعادن من الركاز وهو أبو حنيفة ومع ذلك فهو يرى أن النفط والغاز لا خمس فيه ولا زكاة .
إذن لا قائل من المذاهب الأربعة أن الثروات النفطية والغازية فيها خمس لذوي القربى ، وإنما هو قول الهادوية الزيدية فقط .
وللعلم فالهادوية تنفرد عن جميع المذاهب الإسلامية في إيجاب الخمس في عدة أشياء :
الأول : فيما استخرج من البحر ( الثروة البحرية ) .
الثاني : وفيما استخرج من الارض من المعادن ومنها الذهب والفضة والنفط والغاز ( الثروات المعدنية والنفطية والغازية) .
الثالث : في المجوهرات والدر والعنبر والمسك والنحل والحطب والحشيش والعسل الجبلي .
الرابع : في الخراج والجزية .
وإليك الخلاف مفصلا في المحور الثاني .
المحور الثالث : خلاف العلماء في الركاز والمعادن مفصلا ومصارفها.
وورد الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : ( وفي الركاز الخمس ) ، واختلف العلماء في مسمى الركاز ، وهل المعدن يدخل في مسمى الركاز ؟ على قولين :
القول الأول : وهم جمهور العلماء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) فعندهم الركاز غير المعدن .
القول الثاني : وبه قال الحنفية والهادوية الزيدية أن المعدن يدخل في مسمى الركاز ، وفيه الخمس كما في الحديث ، ومصرف الخمس للمنصوص عليهم في آية الغنيمة والفيء .
المقصود بالركاز عند الجمهور ومصرفه :
فأما جمهور العلماء والشوكاني فذهبوا أن الركاز هو دفن الجاهلية من الذهب والفضة فقط ، واختلفوا في الواجب من الركاز وفيمن يصرف على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يجب في الركاز الخمس وبه قال مالك ، ويصرف فيمن تصرف فيهم الفيء والغنيمة .
القول الثاني : يجب في الركاز الخمس ومصرفه مصرف الزكاة وبه قال الشافعي .
القول الثالث : يجب في الركاز الخمس ومصرفه المصالح العامة .
خلاف العلماء في المعدن ما هو ومصارفه:
وأما المعادن فهو ما يستخرج من الأرض ، واختلفوا في الواجب فيه على قولين :
القول الأول : وبه قال الشافعي ومالك أن المعدن الذي يتعلق به الواجب هو ما يستخرج من الأرض من ذهب وفضة فقط ، ومصارفه مصارف الزكاة ، ولا شيء فيما عدا ذلك من المعادن ، فلا خمس ولا زكاة .
القول الثاني : وإليه ذهب أحمد بن حنبل وهو : أن المعادن يشمل كل ما يخرج من الأرض من ذهب وفضة ونحاس وزرنيخ ورصاص وقار ونفط وغاز ، ومصارفه مصارف الزكاة .
خلاف الأحناف والهادوية في النفط والغاز .
وأما الحنفية والهادوية فعندهم أن الركاز والمعدن مسماهما واحد ، وأنه كل ما يخرج من الأرض ، وأن الواجب في الركاز والمعادن هو الخمس ، ومصرفها مصارف الفيء والغنيمة ، ثم اختلفوا في النفط والغاز على قولين :
القول الأول : أن النفط والغاز ونحوها لا زكاة فيها ولا خمس لكونها سائلة قياسا على الماء ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .
القول الثاني : وإليه ذهبت الهادوية فقالوا يجب الخمس في النفط والغاز ونحوها لكونها من المعادن التي تخرج من الأرض ، ولكونها تدخل في مسمى الركاز .
المحور الرابع : المقصود بذوي القربى في القرآن .
أما ذوي القربى في آية الغنيمة والفيء فاختلفوا ما المقصود بهم على قولين :
القول الأول : أنهم بنو هاشم وبه قال جمهور العلماء .
القول الثاني : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وبه قال الشافعي .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه أخرج الخمس من غنائم حنين في شوال السنة الثامنة للهجرة وقسمه على بني هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف ، ولم يعط بني أمية ولا بني نوفل مع أنهم أبناء عبد مناف ، فلما سألوا في ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن بني هاشم وبني المطلب لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام ) .
فثبت بهذا النص أن بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف من ذوي القربى المقصودين في الآية ، وأن من عداهم من بني عبد مناف أو بني قصي أو بني زهرة أو بني عدي أو بني تيم وكل قبائل قريش التي تلتقي معه في الجد ( فهر ) الملقب بقريش ليسوا من ذوي القربى المقصودين في الآية .
و قريشا كلها كانت لها قرابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذا خاطبهم الله على لسان رسوله فقال : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) أي : هذه الدعوة التي أدعوكم إليها إنما أدعوكم نصحا ومحبة ، ولا أطالبكم عليها أجرا فلا تؤذوني ، فإن أبيتم إلا الإيذاء فلا يجوز لكم ذلك لما بيني وبينكم من القرابة التي تقتضي المودة ، ومن مقتضى المودة عدم الإيذاء ، قال ابن عباس : وذلك أنه ما من فخذ في قريش إلا كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم قرابة .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا» .
وهذا دليل واضح أن قريش كلها كانت معها قرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع دلالة الحديث بالنص الصريح أن قريشا من عشيرة النبي الأقربين إلا أنهم ليسوا من ذوي القربى المقصودين في آيتي الغنيمة والفيء اتفاقا .
وأعتقد أن ذوي القربى غير النسب وإلا لقال الله : ( فأن لله خمسه وللرسول ولبني هاشم وبني المطلب ... ) ولكن لما كان بنو هاشم وبنو المطلب في عصره هم قرابته الأدنون فسر العلماء ذوي القربى في الآية ببني هاشم فقط أو بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف على ما سبق من الخلاف .
وعليه فكل أبناء بني هاشم وبني المطلب في حياة النبي كانوا يدخلون في مسمى ذوي القربى لقرب نسبهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يلتقون معه في الجد الرابع ( الدرجة الرابعة ) أو ( الخامسة ) ، بخلاف غيرهم من قريش وإن كانوا ذوي قرابة لكنها بعيدة لا قريبة فليست مقصودة في آية الغنيمة والفيء .
أما من ينتسب اليوم إلى بني هاشم أو بني المطلب فاعتقد أنهم ليسوا من ذوي القربى المقصودين في الآية ، لأن أعلاهم نسبا اليوم من يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجد الخامس والأربعين على الأقل .
نعم لا ننكر أنساب من صحت أنسابهم ، فالقاعدة أن الناس مأمونون على أنسابهم ، ولكن صحة نسبهم إلى بني هاشم أو المطلب لا تجعلهم من ذوي القربى لبعد نسبهم منه واقعا ،
وعليه فأستطيع القول أنه لا وجود لمن يدخل في مسمى ذوي القربي اليوم ، وبناء عليه فلا حاجة للخوض في كلام الفقهاء
المحور الخامس : التفصيل في شروط ذوي القربى وأنه لا وجود لهم اليوم :
إعلم أن ذوي القربى في الآية التي تصرف فيهم خمس الغنيمة والركاز تفسيرهم بالهاشميين خطأ ، وذلك لأن القرابة هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشترط لهم ثلاثة شروط على الأقل ، وليست متوفرة في بني هاشم هذا العصر ، وإليك بيان هذه الشروط :
الشرط الأول : أن يكونوا من أقربائه نسبا إلى الدرجة الرابعة أصولا وفروعا ، أما أصولا فهم من يلتقون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هاشم ، ومن الفروع لا يتجاوزن أربع درجات ، وذلك أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يلتقون معه في عبد مناف كبني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكذا بني نوفل بن عبد مناف ، لا يدخلون في ذوي القربى سواء في آية الفيء أو الغنيمة باتفاق الفقهاء ، وذلك لأنهم قرابة بعيدة في الدرجة الخامسة ، والآية تنص على ذوي القربى وهم القرابة القريبة لا البعيدة ، وبنو هاشم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم القرابة القريبة ، ولذا فسرها أهل العلم ببني هاشم وهذا صحيح في بني هاشم الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد عصره إلى الدرجة الرابعة ، تقريبا إلى درجة جعفر الصادق بن محمد الباقر ، وزيد بن علي وولده ، ومن في درجتهم من نسل بني هاشم عموما .
نعم من بعد الدرجة الرابعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصولا كمن ينتسب إلى عبد مناف أو قصي أو كعب أو لؤي أو إلى جد قريش جميعا هم أبناء عموم النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبا لكنهم ليسوا من قرابته القريبة التي تعطى الفيء والغنيمة اتفاقا .
وكذلك من ينتسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أو عقيل أو جعفر أو العباس بن عبد المطلب أو غيرهم ممن عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونسلمهم وذريتهم إلى الدرجة الرابعة هم من القرابة القريبة التي تستحق خمس الغنيمة اتفاقا ، والركاز على قول بعض أهل العلم ، أما ما بعد الدرجة الرابعة من فروعهم فإنهم قرابة بعيدة ، ليسوا من ذوي القربى ، وإن كانوا هاشميين نسبا ، ولا بأس من كونهم من أهل بيته ، ولكنهم ليسوا من قرابته لكونهم بعد الدرجة الرابعة كما هو الحال في قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد هاشم في عبد مناف فما بعده ، فكونهم ينتسبون إلى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعبر عنهم بأهل بيته لا يلزم أن يكونوا من ذوي القربى الذين يستحقون خمس الغنيمة المنصوص عليه في الآية لبعد نسبهم بعد الدرجة الرابعة أصولا وفروعا ، فقد اتفقنا في إخراج من بعد الدرجة الرابعة من الأصل وهم أولاد عبد مناف غير هاشم ، فكذلك من بعد الدرجة الرابعة من قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا في عصره ليسوا من ذوي القربى لكونهم قرابة بعيدة .
يشهد لهذا أن الفقهاء القائلين بأنه لا تجوز شهادة القريب لقريبه ، قالوا ما المقصود بالقريب ؟ فذكر الفقهاء أن أقرباء الرجل من يلتقون معه في الدرجة الرابعة لا تقبل شهادتهم له ، ومن عداهم تقبل ولو كانوا أبناء عمه لكونهم قرابة بعيدة ، وهذا هو اختيار القانون اليمني ، والذي قرر المادة القانونية فيه من أكابر علماء الزيدية ، والحجة لقصر القرابة على الدرجة الرابعة القياس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن أبناء عمومته من أبناء عبد مناف غير هاشم لم يكونوا من قرابته لكونهم في الدرجة الخامسة .
الشرط الثاني : أن يكونوا مؤمنين به سائرين على نهجه غير معادين لسنته ، وفإن كانوا غير ذلك فليسوا من ذوي القربى حتى ولو كانت القرابة قريبة في الدرجة الرابعة فلا يعتبرون من ذوي القربى ولذا لم يعتبر أبو لهب من ذوي القربى مع أنه عم النبي اتفاقا وهاشمي بلا خلاف ، وكذلك ولد أبي لهب وذريته ليسوا من ذوي القربى ، ولم يكونوا يعطون من خمس الغنيمة فيما أعلم ، أما أبو لهب فليس من ذوي القربى اتفاقا ، أما أولاده فلا أعلم أن أحدا من أهل العلم نص على أنهم من ذوي القربى ، ولم يعطوا من خمس الغنيمة في أي عصر لا في عصر الخلافة الراشدة ولا بعدها .
فالإسلام ألغى اعتبار القرابة في الورثة أصولا وفروعا إذا كان المورث مسلم والوارث كافر فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يرث الكافر المسلم ) وأجمع العلماء على ذلك ، وهذا النص هو بعض مدلول الولاء و البراء التي وردت به نصوص القرآن والسنة بالدلالة القطعية .
وفي المقابل فإن بني المطلب بن عبد مناف كانوا يعطون من خمس الغنيمة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده مع كونهم أقرباء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدرجة الخامسة ، وكان الأصل أن لا يعطوا من خمس الغنيمة ، ولذا لما اعترض بنو أمية وبنو نوفل من بني عبد مناف فقالوا يا رسول الله بنو هاشم أنت منهم لا ضير أنهم من ذوي القربى ، ولكن المطلب بن عبد مناف نحن وإياهم في درجة واحدة ، فلماذا اختصصتهم بالخمس من الغنيمة دوننا ونحن وإياهم في درجة واحدة من القرابة والنسب إليك ؟
فأجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن بني المطلب وبني هاشم لم يفترقا في جاهلية ولا إسلام ) .
فعندما حوصر بنو هاشم مسلمهم وكافرهم في الشعب دخل معهم بني المطلب مسلمهم وكافرهم ، ولهذا كان لنصرتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثر في إدخالهم في ذوي القربى دون سائر أبناء عبد مناف ، وهذا جارٍ على قاعدة الشريعة المعروفة : ( الغنم بالغرم ) ، وهذا بخلاف بني نوفل وبني أمية من أبناء عبد مناف ، فإنهم كانوا ممن شاركوا في حصار الشعب مع سائر قريش ضد بني هاشم بن عبد مناف ، وبني المطلب بن عبد مناف ، ولذا شفعت لبني المطلب نصرتهم ومتابعتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قرابتهم البعيدة في الدخول مع ذوي القربى في خمس الغنيمة ، وهذا من عدل الشريعة والحكمة النبوية .
ومن هنا نقول أن مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدفاع عنه والمتابعة له شفعت لبني المطلب بن عبد مناف فدخلوا في ذوي القربى مع بني هاشم ولو كانت قرابتهم بعيدة ، وأخرجت الهاشمي أبو لهب وذريته من ذوي القربى مع أنهم قرابة قريبة والسبب عداوتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم مناصرتهم له .
وهذا خاصة ببني المطلب بن عبد مناف للحديث ، ولأن بني زهرة دخلوا مع بني هاشم في الحصار ، ولكنهم لم يدخلوا في ذوي القربى اتفاقا ، مع أنهم أخوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إجماعا ، مع أنهم من أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنهم في الدرجة السادسة أو السابعة .
ونستطيع القول أن دخول بني المطلب بن عبد مناف في ذوي القربى إنما كان بسبب النصرة مع أنهم في أدنى القرابة البعيدة فشفع لهم ذلك في الدخول في ذوي القربى دون غيرهم .
والحديث ظاهر أن بني إمية وبني نوفل بني عبد مناف ليسوا من ذوي القربى اتفاقا ، وبنو المطلب من ذوي القربى اختصاصا بالنصرة ، أما أبناء عم النبي من قصي فما بعده كبني زهرة الذي منهم سعد بن أبي وقاص ، وبني عدي الذي منهم عمر بن الخطاب ، وبن تيم الذي منهم أبو بكر فمع أنهم من أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنهم قرابة بعيدة في الدرجة السادسة أو السابعة أو الثامنة ، ولذا ليسوا من ذوي القربى اتفاقا مع أنهم ناصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بداية دعوته حتى أكتملت الرسالة .
فإذا كان هؤلاء الصحابة الكبار ليسوا من ذوي القربى مع أنهم من أبناء عمومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبعد تقدير في الدرجة الثامنة ، فهل يعقل أن يكون من ذوي القربى من بينه وبين النبي أربعة عشر قرنا بما يعادل أربعين درجة على أقل تقدير ؟
لا ننكر نسبهم إلى العباس بن عبد المطلب أو علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع ، ولكن هذا لا يعني أنهم من قرابته لبعد درجة انتسابهم إليه على أقل تقدير بأربعين درجة ، لأن قريش كلها كانت قريبة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يلتقي نسبا مع كل قريش في الجد الثاني عشر الذي هو ( فهر) الملقب بقريش ، وكل قريش بنو عمه نسبا لكنهم أبناء عم وقرابة بعيدة ، والقريبة منها من يلتقي معهم في هاشم فقط ، وهم أبناء عمه في الدرجة الرابعة .
وعليه فكل من يزعم أنه من ذوي القربى في عصرنا وهو يبعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أقل تقدير بأربعين جدا ، يلزمه أن تكون قريش كلها من ذوي قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها تلتقي معه في الجد الثاني عشر ،لكن قريشا كلها عدا بني هاشم والمطلب ــ الذين يلتقون معه في الدرجة الرابعة والخامسة في عصره ـــ ليسوا من ذوي القربى المقصودين في آية الغنيمة والفيء اتفاقا ، ينتج : أن من يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجد ما بعد الأربعين ليسوا من قرابته بالأولى والأحرى عقلا .
الشرط الثالث : النصرة لدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والدفاع عن سنته والسير على طريقته ، والبعد عن البدع الكبيرة في الدين المكفرة والمفسقة .
يشهد لهذا ما ذكرنا سابقا في بني المطلب بن عبد مناف ، دخلوا في ذوي القربى للمناصرة ، وبني أمية ونوفل أبناء عبد مناف خرجوا من ذوي القربى لعدم المناصرة ، والعداوة والحرب له صلى الله عليه وآله وسلم .
وكذا كل من يحارب سنته بنفيها أو التشكيك فيها ، ويطعن في عرضه كأن يتهم أحد أمهات المؤمنين ، أو يطعن فيمن ثبت عنه الثناء عليهم ، فلا شك أنه قد كشر عن أنياب العداوة بكل قوة فأنى له أن يكون قريبا ، هذا لو كان في الدرجة الرابعة لما ساغ أن يسمى قريبا فكيف وهو في الأربعين .
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه وابتغاء مرضاته وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثار في الفترة الأخيرة من يقول أن الهاشميين ظلموا ,l_subject=l_subject=l_subject= وأن لهم خمس الخمس من الثروات المعدنية كالبترول والغاز ونحوها ، وكثر الجدل حول هذه المسألة في الصحف والصفحات ، ونسب ذلك إلى بعض علماء اليمن مع أن في النسبة إليه نظرا ، وعليها عدة خطوط ، ولكني أحببت إيضاح المسألة من ناحية شرعية فأقول:
المحور الأول : تحرير محل النزاع .
الثروات النفطية والمعدنية وما يستخرج من باطن الأرض صارت اليوم ملكا للدولة فهي التي تستخرجه ، وتصرفه في مصالح المسلمين ، ولا يجب فيها شيء عند المذاهب الأربعة والمعاصرين من فقهاء القانون والشريعة المطهرة ، وجعلوا ذلك مختصا بالدولة فليس لشخص استخراج ذلك ولا امتلاكه ، وهذا قياسا على اجتهاد الصحابة في الأرض الخراجية ، وأنها تكون ملكا للشعب والأمة ، وتصرف في المصالح العامة .
وقد رد النص القرآني في خمس الخمس لذوي القربى في الغنيمة والفيء ، وهذا لا ينكره أحد ، ولكن أين الغيمة والفيء اليوم ؟
بل الواقع بالعكس ، فإن الأمة الإسلامية وثرواتها النفطية والغازية والمعدنية صارت غنيمة للدول العظمى شرقا وغربا .
أما الغنيمة فقال تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) .
وأما الفيء فقال تعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) .
وهذان النصان الوارد فيهما الخمس لا دلالة فيهما لا من قريب أو من بعيد أن الثروات النفطية والمعدنية فيها الخمس لذوي القربى أصلا .
والأصل عصمة أموال المسلمين فلا يجب عليهم شيء إلا بدليل ، والأصل عدم أي حكم شرعي تمسكا بأصل البراءة المتفق عليه حتى يرد الدليل الناقل ، ومن ادعى إيجاب شيء فعليه الدليل ولا دليل .
المحور الثاني : لا قائل من المذاهب الأربعة بالخمس في الثروات النفطية والغازية .
فإن قال قائل : ورد في الحديث : ( وفي الركاز الخمس ) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، فالجواب : نعم نسلم صحة الحديث ، ولكن الركاز معناه محل خلاف عند أهل العلم ، فهم متفقون على أن ما يستخرج من دفن الجاهلية ركاز ، أما الثروات النفطية فهي معادن ، وهي غير الركاز ، والذي يدعي أن معناهما واحد فكلامه مجرد دعوى تفتقر إلى برهان بين ولا برهان ، والقائل بأن المعادن من الركاز وهو أبو حنيفة ومع ذلك فهو يرى أن النفط والغاز لا خمس فيه ولا زكاة .
إذن لا قائل من المذاهب الأربعة أن الثروات النفطية والغازية فيها خمس لذوي القربى ، وإنما هو قول الهادوية الزيدية فقط .
وللعلم فالهادوية تنفرد عن جميع المذاهب الإسلامية في إيجاب الخمس في عدة أشياء :
الأول : فيما استخرج من البحر ( الثروة البحرية ) .
الثاني : وفيما استخرج من الارض من المعادن ومنها الذهب والفضة والنفط والغاز ( الثروات المعدنية والنفطية والغازية) .
الثالث : في المجوهرات والدر والعنبر والمسك والنحل والحطب والحشيش والعسل الجبلي .
الرابع : في الخراج والجزية .
وإليك الخلاف مفصلا في المحور الثاني .
المحور الثالث : خلاف العلماء في الركاز والمعادن مفصلا ومصارفها.
وورد الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : ( وفي الركاز الخمس ) ، واختلف العلماء في مسمى الركاز ، وهل المعدن يدخل في مسمى الركاز ؟ على قولين :
القول الأول : وهم جمهور العلماء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) فعندهم الركاز غير المعدن .
القول الثاني : وبه قال الحنفية والهادوية الزيدية أن المعدن يدخل في مسمى الركاز ، وفيه الخمس كما في الحديث ، ومصرف الخمس للمنصوص عليهم في آية الغنيمة والفيء .
المقصود بالركاز عند الجمهور ومصرفه :
فأما جمهور العلماء والشوكاني فذهبوا أن الركاز هو دفن الجاهلية من الذهب والفضة فقط ، واختلفوا في الواجب من الركاز وفيمن يصرف على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يجب في الركاز الخمس وبه قال مالك ، ويصرف فيمن تصرف فيهم الفيء والغنيمة .
القول الثاني : يجب في الركاز الخمس ومصرفه مصرف الزكاة وبه قال الشافعي .
القول الثالث : يجب في الركاز الخمس ومصرفه المصالح العامة .
خلاف العلماء في المعدن ما هو ومصارفه:
وأما المعادن فهو ما يستخرج من الأرض ، واختلفوا في الواجب فيه على قولين :
القول الأول : وبه قال الشافعي ومالك أن المعدن الذي يتعلق به الواجب هو ما يستخرج من الأرض من ذهب وفضة فقط ، ومصارفه مصارف الزكاة ، ولا شيء فيما عدا ذلك من المعادن ، فلا خمس ولا زكاة .
القول الثاني : وإليه ذهب أحمد بن حنبل وهو : أن المعادن يشمل كل ما يخرج من الأرض من ذهب وفضة ونحاس وزرنيخ ورصاص وقار ونفط وغاز ، ومصارفه مصارف الزكاة .
خلاف الأحناف والهادوية في النفط والغاز .
وأما الحنفية والهادوية فعندهم أن الركاز والمعدن مسماهما واحد ، وأنه كل ما يخرج من الأرض ، وأن الواجب في الركاز والمعادن هو الخمس ، ومصرفها مصارف الفيء والغنيمة ، ثم اختلفوا في النفط والغاز على قولين :
القول الأول : أن النفط والغاز ونحوها لا زكاة فيها ولا خمس لكونها سائلة قياسا على الماء ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .
القول الثاني : وإليه ذهبت الهادوية فقالوا يجب الخمس في النفط والغاز ونحوها لكونها من المعادن التي تخرج من الأرض ، ولكونها تدخل في مسمى الركاز .
المحور الرابع : المقصود بذوي القربى في القرآن .
أما ذوي القربى في آية الغنيمة والفيء فاختلفوا ما المقصود بهم على قولين :
القول الأول : أنهم بنو هاشم وبه قال جمهور العلماء .
القول الثاني : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وبه قال الشافعي .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه أخرج الخمس من غنائم حنين في شوال السنة الثامنة للهجرة وقسمه على بني هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف ، ولم يعط بني أمية ولا بني نوفل مع أنهم أبناء عبد مناف ، فلما سألوا في ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن بني هاشم وبني المطلب لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام ) .
فثبت بهذا النص أن بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف من ذوي القربى المقصودين في الآية ، وأن من عداهم من بني عبد مناف أو بني قصي أو بني زهرة أو بني عدي أو بني تيم وكل قبائل قريش التي تلتقي معه في الجد ( فهر ) الملقب بقريش ليسوا من ذوي القربى المقصودين في الآية .
و قريشا كلها كانت لها قرابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذا خاطبهم الله على لسان رسوله فقال : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) أي : هذه الدعوة التي أدعوكم إليها إنما أدعوكم نصحا ومحبة ، ولا أطالبكم عليها أجرا فلا تؤذوني ، فإن أبيتم إلا الإيذاء فلا يجوز لكم ذلك لما بيني وبينكم من القرابة التي تقتضي المودة ، ومن مقتضى المودة عدم الإيذاء ، قال ابن عباس : وذلك أنه ما من فخذ في قريش إلا كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم قرابة .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا» .
وهذا دليل واضح أن قريش كلها كانت معها قرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع دلالة الحديث بالنص الصريح أن قريشا من عشيرة النبي الأقربين إلا أنهم ليسوا من ذوي القربى المقصودين في آيتي الغنيمة والفيء اتفاقا .
وأعتقد أن ذوي القربى غير النسب وإلا لقال الله : ( فأن لله خمسه وللرسول ولبني هاشم وبني المطلب ... ) ولكن لما كان بنو هاشم وبنو المطلب في عصره هم قرابته الأدنون فسر العلماء ذوي القربى في الآية ببني هاشم فقط أو بني هاشم وبني المطلب بني عبد مناف على ما سبق من الخلاف .
وعليه فكل أبناء بني هاشم وبني المطلب في حياة النبي كانوا يدخلون في مسمى ذوي القربى لقرب نسبهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يلتقون معه في الجد الرابع ( الدرجة الرابعة ) أو ( الخامسة ) ، بخلاف غيرهم من قريش وإن كانوا ذوي قرابة لكنها بعيدة لا قريبة فليست مقصودة في آية الغنيمة والفيء .
أما من ينتسب اليوم إلى بني هاشم أو بني المطلب فاعتقد أنهم ليسوا من ذوي القربى المقصودين في الآية ، لأن أعلاهم نسبا اليوم من يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجد الخامس والأربعين على الأقل .
نعم لا ننكر أنساب من صحت أنسابهم ، فالقاعدة أن الناس مأمونون على أنسابهم ، ولكن صحة نسبهم إلى بني هاشم أو المطلب لا تجعلهم من ذوي القربى لبعد نسبهم منه واقعا ،
وعليه فأستطيع القول أنه لا وجود لمن يدخل في مسمى ذوي القربي اليوم ، وبناء عليه فلا حاجة للخوض في كلام الفقهاء
المحور الخامس : التفصيل في شروط ذوي القربى وأنه لا وجود لهم اليوم :
إعلم أن ذوي القربى في الآية التي تصرف فيهم خمس الغنيمة والركاز تفسيرهم بالهاشميين خطأ ، وذلك لأن القرابة هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشترط لهم ثلاثة شروط على الأقل ، وليست متوفرة في بني هاشم هذا العصر ، وإليك بيان هذه الشروط :
الشرط الأول : أن يكونوا من أقربائه نسبا إلى الدرجة الرابعة أصولا وفروعا ، أما أصولا فهم من يلتقون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هاشم ، ومن الفروع لا يتجاوزن أربع درجات ، وذلك أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يلتقون معه في عبد مناف كبني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكذا بني نوفل بن عبد مناف ، لا يدخلون في ذوي القربى سواء في آية الفيء أو الغنيمة باتفاق الفقهاء ، وذلك لأنهم قرابة بعيدة في الدرجة الخامسة ، والآية تنص على ذوي القربى وهم القرابة القريبة لا البعيدة ، وبنو هاشم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم القرابة القريبة ، ولذا فسرها أهل العلم ببني هاشم وهذا صحيح في بني هاشم الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد عصره إلى الدرجة الرابعة ، تقريبا إلى درجة جعفر الصادق بن محمد الباقر ، وزيد بن علي وولده ، ومن في درجتهم من نسل بني هاشم عموما .
نعم من بعد الدرجة الرابعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصولا كمن ينتسب إلى عبد مناف أو قصي أو كعب أو لؤي أو إلى جد قريش جميعا هم أبناء عموم النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبا لكنهم ليسوا من قرابته القريبة التي تعطى الفيء والغنيمة اتفاقا .
وكذلك من ينتسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أو عقيل أو جعفر أو العباس بن عبد المطلب أو غيرهم ممن عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونسلمهم وذريتهم إلى الدرجة الرابعة هم من القرابة القريبة التي تستحق خمس الغنيمة اتفاقا ، والركاز على قول بعض أهل العلم ، أما ما بعد الدرجة الرابعة من فروعهم فإنهم قرابة بعيدة ، ليسوا من ذوي القربى ، وإن كانوا هاشميين نسبا ، ولا بأس من كونهم من أهل بيته ، ولكنهم ليسوا من قرابته لكونهم بعد الدرجة الرابعة كما هو الحال في قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد هاشم في عبد مناف فما بعده ، فكونهم ينتسبون إلى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعبر عنهم بأهل بيته لا يلزم أن يكونوا من ذوي القربى الذين يستحقون خمس الغنيمة المنصوص عليه في الآية لبعد نسبهم بعد الدرجة الرابعة أصولا وفروعا ، فقد اتفقنا في إخراج من بعد الدرجة الرابعة من الأصل وهم أولاد عبد مناف غير هاشم ، فكذلك من بعد الدرجة الرابعة من قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا في عصره ليسوا من ذوي القربى لكونهم قرابة بعيدة .
يشهد لهذا أن الفقهاء القائلين بأنه لا تجوز شهادة القريب لقريبه ، قالوا ما المقصود بالقريب ؟ فذكر الفقهاء أن أقرباء الرجل من يلتقون معه في الدرجة الرابعة لا تقبل شهادتهم له ، ومن عداهم تقبل ولو كانوا أبناء عمه لكونهم قرابة بعيدة ، وهذا هو اختيار القانون اليمني ، والذي قرر المادة القانونية فيه من أكابر علماء الزيدية ، والحجة لقصر القرابة على الدرجة الرابعة القياس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن أبناء عمومته من أبناء عبد مناف غير هاشم لم يكونوا من قرابته لكونهم في الدرجة الخامسة .
الشرط الثاني : أن يكونوا مؤمنين به سائرين على نهجه غير معادين لسنته ، وفإن كانوا غير ذلك فليسوا من ذوي القربى حتى ولو كانت القرابة قريبة في الدرجة الرابعة فلا يعتبرون من ذوي القربى ولذا لم يعتبر أبو لهب من ذوي القربى مع أنه عم النبي اتفاقا وهاشمي بلا خلاف ، وكذلك ولد أبي لهب وذريته ليسوا من ذوي القربى ، ولم يكونوا يعطون من خمس الغنيمة فيما أعلم ، أما أبو لهب فليس من ذوي القربى اتفاقا ، أما أولاده فلا أعلم أن أحدا من أهل العلم نص على أنهم من ذوي القربى ، ولم يعطوا من خمس الغنيمة في أي عصر لا في عصر الخلافة الراشدة ولا بعدها .
فالإسلام ألغى اعتبار القرابة في الورثة أصولا وفروعا إذا كان المورث مسلم والوارث كافر فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يرث الكافر المسلم ) وأجمع العلماء على ذلك ، وهذا النص هو بعض مدلول الولاء و البراء التي وردت به نصوص القرآن والسنة بالدلالة القطعية .
وفي المقابل فإن بني المطلب بن عبد مناف كانوا يعطون من خمس الغنيمة في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده مع كونهم أقرباء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدرجة الخامسة ، وكان الأصل أن لا يعطوا من خمس الغنيمة ، ولذا لما اعترض بنو أمية وبنو نوفل من بني عبد مناف فقالوا يا رسول الله بنو هاشم أنت منهم لا ضير أنهم من ذوي القربى ، ولكن المطلب بن عبد مناف نحن وإياهم في درجة واحدة ، فلماذا اختصصتهم بالخمس من الغنيمة دوننا ونحن وإياهم في درجة واحدة من القرابة والنسب إليك ؟
فأجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن بني المطلب وبني هاشم لم يفترقا في جاهلية ولا إسلام ) .
فعندما حوصر بنو هاشم مسلمهم وكافرهم في الشعب دخل معهم بني المطلب مسلمهم وكافرهم ، ولهذا كان لنصرتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثر في إدخالهم في ذوي القربى دون سائر أبناء عبد مناف ، وهذا جارٍ على قاعدة الشريعة المعروفة : ( الغنم بالغرم ) ، وهذا بخلاف بني نوفل وبني أمية من أبناء عبد مناف ، فإنهم كانوا ممن شاركوا في حصار الشعب مع سائر قريش ضد بني هاشم بن عبد مناف ، وبني المطلب بن عبد مناف ، ولذا شفعت لبني المطلب نصرتهم ومتابعتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قرابتهم البعيدة في الدخول مع ذوي القربى في خمس الغنيمة ، وهذا من عدل الشريعة والحكمة النبوية .
ومن هنا نقول أن مناصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدفاع عنه والمتابعة له شفعت لبني المطلب بن عبد مناف فدخلوا في ذوي القربى مع بني هاشم ولو كانت قرابتهم بعيدة ، وأخرجت الهاشمي أبو لهب وذريته من ذوي القربى مع أنهم قرابة قريبة والسبب عداوتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم مناصرتهم له .
وهذا خاصة ببني المطلب بن عبد مناف للحديث ، ولأن بني زهرة دخلوا مع بني هاشم في الحصار ، ولكنهم لم يدخلوا في ذوي القربى اتفاقا ، مع أنهم أخوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إجماعا ، مع أنهم من أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنهم في الدرجة السادسة أو السابعة .
ونستطيع القول أن دخول بني المطلب بن عبد مناف في ذوي القربى إنما كان بسبب النصرة مع أنهم في أدنى القرابة البعيدة فشفع لهم ذلك في الدخول في ذوي القربى دون غيرهم .
والحديث ظاهر أن بني إمية وبني نوفل بني عبد مناف ليسوا من ذوي القربى اتفاقا ، وبنو المطلب من ذوي القربى اختصاصا بالنصرة ، أما أبناء عم النبي من قصي فما بعده كبني زهرة الذي منهم سعد بن أبي وقاص ، وبني عدي الذي منهم عمر بن الخطاب ، وبن تيم الذي منهم أبو بكر فمع أنهم من أبناء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنهم قرابة بعيدة في الدرجة السادسة أو السابعة أو الثامنة ، ولذا ليسوا من ذوي القربى اتفاقا مع أنهم ناصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بداية دعوته حتى أكتملت الرسالة .
فإذا كان هؤلاء الصحابة الكبار ليسوا من ذوي القربى مع أنهم من أبناء عمومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبعد تقدير في الدرجة الثامنة ، فهل يعقل أن يكون من ذوي القربى من بينه وبين النبي أربعة عشر قرنا بما يعادل أربعين درجة على أقل تقدير ؟
لا ننكر نسبهم إلى العباس بن عبد المطلب أو علي بن أبي طالب رضي الله عن الجميع ، ولكن هذا لا يعني أنهم من قرابته لبعد درجة انتسابهم إليه على أقل تقدير بأربعين درجة ، لأن قريش كلها كانت قريبة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يلتقي نسبا مع كل قريش في الجد الثاني عشر الذي هو ( فهر) الملقب بقريش ، وكل قريش بنو عمه نسبا لكنهم أبناء عم وقرابة بعيدة ، والقريبة منها من يلتقي معهم في هاشم فقط ، وهم أبناء عمه في الدرجة الرابعة .
وعليه فكل من يزعم أنه من ذوي القربى في عصرنا وهو يبعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أقل تقدير بأربعين جدا ، يلزمه أن تكون قريش كلها من ذوي قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها تلتقي معه في الجد الثاني عشر ،لكن قريشا كلها عدا بني هاشم والمطلب ــ الذين يلتقون معه في الدرجة الرابعة والخامسة في عصره ـــ ليسوا من ذوي القربى المقصودين في آية الغنيمة والفيء اتفاقا ، ينتج : أن من يلتقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجد ما بعد الأربعين ليسوا من قرابته بالأولى والأحرى عقلا .
الشرط الثالث : النصرة لدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والدفاع عن سنته والسير على طريقته ، والبعد عن البدع الكبيرة في الدين المكفرة والمفسقة .
يشهد لهذا ما ذكرنا سابقا في بني المطلب بن عبد مناف ، دخلوا في ذوي القربى للمناصرة ، وبني أمية ونوفل أبناء عبد مناف خرجوا من ذوي القربى لعدم المناصرة ، والعداوة والحرب له صلى الله عليه وآله وسلم .
وكذا كل من يحارب سنته بنفيها أو التشكيك فيها ، ويطعن في عرضه كأن يتهم أحد أمهات المؤمنين ، أو يطعن فيمن ثبت عنه الثناء عليهم ، فلا شك أنه قد كشر عن أنياب العداوة بكل قوة فأنى له أن يكون قريبا ، هذا لو كان في الدرجة الرابعة لما ساغ أن يسمى قريبا فكيف وهو في الأربعين .
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه وابتغاء مرضاته وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم